زينب العقابي: أستمد قوّتي من التجارب المؤلمة التي صقلتني

حوار: جولي صليبا 06 أبريل 2021

خلال السنوات القليلة الماضية، أصبحت زينب العقابي نموذجاً ملهِماً للملايين على وسائل التواصل الاجتماعي. فرغم الإصابة البليغة التي تعرّضت لها في سنّ السابعة، وفقدت على أثرها إحدى ساقيها نتيجة انفجار قنبلة من مخلّفات الحرب في العراق، تمكّنت زينب من مواصلة حياتها وكافحت لنيل شهادة جامعية في مجال الصيدلة. أخذت زينب على عاتقها الدفاع عن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، وباتت وجهاً بارزاً في مجال التوعية المجتمعية. اليوم، تتعاون زينب مع The Body Shop للترويج لحملة Self Love Uprising أو حملة "حبّ الذات" العالمية في الشرق الأوسط لإلهام أعمال حب الذات. في هذا الحوار الشيّق، تحدّثنا زينب عن هذا التعاون وعن حياتها المليئة بالتحدّيات الجسدية والنفسية التي تعاملت معها بذكاء وجرأة...


أنهت زينب دراستها الجامعية في مجال الصيدلة عام 2013، وعملت في هذا المجال لمدة 3 سنوات، ثم نالت درجة الماجستير في العمل والتنمية المجتمعية من المملكة المتحدة. توعية المجتمع المحلّي والدولي بظروف واحتياجات الأشخاص ذوي الإعاقات الحركية هي أحد أهم أهدافها في الحياة، إضافة إلى تقديم الدعم المعنوي والإلهام لأولئك الأشخاص ليتمكّنوا من عيش حياة كريمة مليئة بالعزم والإرادة والأمل.

- بعد بتر ساقكِ، شعرتِ باليأس، لكن هذا الشعور لم يدُم طويلاً لأنك قرّرت المواجهة وتقبُّل نفسك كما أنتِ. كيف نجحت في ذلك؟

ما من أسلوب واحد للمواجهة في الحياة. فلكل مشكلة ظروفها، وبالتالي طريقة لمواجهتها. الأمر مرتبط بعمر الشخص، وتجارب الحياة، والقيمة الذاتية، والدعم الممكن الحصول عليه من العائلة والأصدقاء، والظروف التي يعيشها هذا الشخص. لكن بالنسبة إليّ، أستطيع القول إنه عندما تواجهني أية مشكلة كبيرة، أحاول استيعابها، وفهم حيثياتها والتفكير فيها. أمنح نفسي الوقت الكافي للتفكير في كيفية مواجهة التحدّي. أما الخطوة الثانية فتكون حتماً رد الفعل أو التصرّف الميداني. أتمنى غالباً أن يكون ردّ فعلي إيجابياً، وأنجح في تخطّي المشكلة وجعل التحدّي سهلاً والنتيجة مُرضية بالنسبة إليّ. لذا، أعود وأؤكد أن المواجهة مع المشاكل تختلف باختلاف الحيثيات والظروف، لكنني أدعو كل شخص يواجه تحدّياً أو مشكلة كبيرة إلى أن يفكّر قليلاً في هذه المشكلة وظروفها، ويعرف قيمة نفسه وقدرته على المواجهة، ويباشر من ثم في اتخاذ الخطوات العملانية التي أتمنى دوماً أن تفضي إلى نتائج إيجابية.


- تقولين دوماً إن دموع أمك جعلتك تتحدّين الإعاقة. كيف؟

كنتُ طفلة صغيرة في السابعة من عمري حين تعرّضت للحادث وبُترت ساقي. ذات يوم، وفيما كنت في صف الرابع الابتدائي أقف صباحاً في المدرسة مع رفاقي التلاميذ وأغنّي معهم، سقطت ساقي الاصطناعية فجأة، وتوجّب عليّ فوراً القفز من ذلك المكان على ساقٍ واحدة والذهاب إلى مكتب المدير. في ذلك الوقت، لم يكن هناك هواتف خليوية في بغداد، ولم يكن سهلاً إبلاغ أمي بما حصل، ولذلك مرّ بعض الوقت قبل أن تأتي إلى المدرسة. ولم يكن الأمر سهلاً بالنسبة إليّ كطفلة. عندما وصلت أمي، عانقتني بشدّة وبكت كثيراً، ولذلك ما زلت أذكر تلك اللحظة حتى اليوم. دمعة أمي ليست سخية، ولذلك عندما رأيتها تبكي، شعرت أنه يجدر بي التحلّي بالقوة، لأجلها أولاً ولأجلي ثانياً. وأستطيع القول إن هذه الحادثة جعلتني أكبُر وأنضج بسرعة لناحية التفكير والتحليل وردود الفعل وما إلى ذلك.

- تشاركين في العديد من الأحداث الرياضية والمبادرات الخيرية، وكأنك تريدين أن تقولي للعالم إن الحياة لا تتوقف عند إعاقة. ما تعليقك؟

صحيح. فالحياة لا تتوقف عند حصول إعاقة. المهم هو التفكير بإيجابية على الدوام، وطرد كل السلبية كلما واجه المرء تحدّياً جسدياً أو معنوياً. لا بدّ من إيجاد حلول للمشاكل أو التحدّيات التي نواجهها. وسرّ نجاح ذلك يكمن في طريقة تفكيرنا. فكلما كنّا أكثر تسامحاً وتقبّلاً للذات، استطعنا إيجاد الحلول لكل المشاكل التي تعترضنا.

- تقولين دوماً إن حب الذات هو الثقة في النفس وإظهار كل المحبّة والاهتمام والاحترام لهذه الذات. كيف يمكن تطبيق ذلك واقعياً؟

حب الذات هو رحلة طويلة، يمكن أن تبدأ في سنّ مبكرة وترافقنا مدى العمر. يواجه كل شخص منا محطات صعبة في حياته، وعلينا دوماً التعاطي بطريقة إيجابية مع أنفسنا، خصوصاً خلال الأيام الصعبة. جوهر الحكاية يكمن في معرفة الذات، وتقدير مزاياها وإيجابياتها والعمل على تطويرها، والتعرّف في المقابل على النقاط السلبية ومحاولة تحسينها. المهم هو أن يضع المرء هدفاً نصب عينيه ويسعى جاهداً لتحقيقه، بحيث ينمو مع الأيام، ويحقق المزيد من النجاحات، ويتحلّى بالصبر في كل المهمات التي ينجزها. فالإنسان يحب دوماً أن يرى نفسه يتطوّر ويتقدّم، ولا يمكن أن يتحقق ذلك من دون حب الذات. يجب على المرء ألاّ يحب الآخرين فقط، بل عليه أن يحب نفسه أيضاً. وكلما أدرك الإنسان قيمة نفسه، سعى إلى التطوّر والتقدّم، وأصبح شيئاً فشيئاً على علاقة ممتازة مع نفسه، وهذا هو جوهر حب الذات واحترام الذات الذي يحول حتماً دون الانهيار أمام الشدائد. حب الذات إذاً هو نوع من الإدراك الدريجي للذات.

- أخبرينا عن أهمية حب الذات.

حُبّ الذات هو احترام الذات. عندما يحب المرء نفسه، حتماً سينعكس ذلك إيجاباً على أسلوبه في الحياة اليومية، وطريقة تعاطيه مع الآخرين وما إلى ذلك. لذا، كلما احترم الشخص نفسه وأَحبّ ذاته، لن يسمح حتماً للآخرين بالتقليل من قيمته أو معاملته بطريقة لا تليق به.

- تسحرين الجميع بابتسامتك الرائعة وإرادتك القوية. من أين تستمدّين القوّة؟

أعتقد أن القوة تصبح متأصّلة في الإنسان عندما يواجه مصاعب الحياة وتحدّياتها. وأنا شخصياً أستمد قوّتي من التجارب المؤلمة التي صنعتني وصقلتني.

- كيف غيّرت الرياضة حياتك؟

أنا أعشق الرياضة. فهي تجعل الإنسان أكثر سعادةً وقوةً على الصعيدين الجسدي والنفسي، وتجعلني شخصياً أكثر طموحاً بحيث أبحث دوماً عن أشياء جديدة لتجريبها تجعل الأدرينالين يتدفّق في جسمي. أحب الرياضة وأقدّرها كثيراً وأشجع جميع الأشخاص على ممارستها. وأودّ الإشارة إلى أن الرياضة لا تقتصر على الصالات الرياضية فقط، وإنما هناك العديد من أنواع الرياضات الممكن ممارستها أينما كان. لذا، لا يجدر بأي شخص أن يجد الأعذار لعدم ممارسة الرياضة، لأنه يمكن ممارسة النشاطات الرياضية أينما كان. المهم أن تكون الرياضة أسلوب حياة وتجعل الإنسان أكثر سعادةً.

- عرضت عليك قناة MBC أن تكوني إحدى مقدّمات البرنامج الشبابي "يلا بنات" الذي يطرح بعض الحلول العصرية لمشاكل الشباب اليومية. أخبرينا عن هذه التجربة؟

أوه، أُحبّ كثيراً برنامج "يلا بنات" المذاع على قناة MBC، والتجربة كانت رائعة ومذهلة بكل معنى الكلمة. ماذا عساي أقول؟ أعشق هذه التجربة بكل تفاصيلها لأنها علّمتني الكثير، وأكنّ كل التقدير والاحترام لكل فريق العمل، وأُحبّ مختلف الثقافات والمدن التي زرناها لتغطية مناسبات فيها. تعلّمت كثيراً من هذه التجربة، سواء على صعيد الإعلام، أو التواصل مع الآخرين، وكيفية تقديم البرامج بطريقة احترافية. اكتسبت العديد من المهارات التي زادت خبرتي وجعلتني أكثر نضوجاً، ونجحت في تقديم 28 حلقة تقريباً من برنامج "يلا بنات". تجربة رائعة جعلتني أتعرّف على الكثير من الأشخاص المذهلين، وأتمنى أن أكون قد نجحت في إيصال الرسالة بطريقة صحيحة.

- حملة The Body Shop تحمل عنوان Self Love Uprising أو حملة "حبّ الذات". أنتِ سفيرة هذه الحملة لأنك بلا شك أفضل مثال عن المرأة التي تعرف كيف تحبّ ذاتها. ماذا تخبرينا عن هذه الحملة؟

يسعدني أن أشارك في حملة "حب الذات" أو Self Love Uprising التي أطلقتها "ذي بودي شوب" The Body Shop لأنها تعني لي الكثير شخصياً. فالحملة تهدف إلى نشر الحب، ودفع الناس في الشرق الأوسط إلى تقدير أنفسهم أكثر فأكثر. لذلك، نشجّع الناس على مشاركتنا تجاربهم في حبّ الذات عبر "هاشتاغ" #selfloveuprising. وإذا اطّلع قراء "لها" على هذا "الهاشتاغ"، سوف يجدون قصصاً مختلفة ومُلهمة لأشخاص يروون تجاربهم في حب الذات. والمجال مفتوح أيضاً أمام كل شخص يرغب في طرح سؤال أو الاستفسار عن أمر معين في مفهوم حب الذات، لأننا على يقين بأن حب الذات الجماعي سينشر الخير في المجتمع ويدفع الأشخاص إلى التفكير بإيجابية.


- تسعى The Body Shop إلى إلهام مليون عمل يتعلّق بحب الذات خلال عام واحد، ونشر المزيد من الحب والإيجابية في العالم. هل هذا ممكن برأيك؟ وكيف؟

طبعاً هذا ممكن. فحب الذات ليس تحدّياً، وأعتقد أن كل شخص يمارس العديد من أعمال الحب خلال النهار، وليس واحداً فقط.

- ما هي مشاريعك المستقبلية؟

الأمور ليست واضحة كثيراً في الوقت الحاضر بسبب جائحة كورونا وتأثيرها السلبي في العالم على كل الصعد. لكنني أسعى باستمرار إلى تطوير ذاتي كنموذج ملهِم ومقدّمة برامج، لأنني أحب كثيراً تقديم البرامج الاجتماعية أو الرياضية أو ما شابهها.

- نصيحة للمرأة العربية؟

لا تتخلّي عن أحلامك وأهدافك مهما كانت الظروف، وأقول لكل امرأة عربية: إنتِ إنسانة مذهلة لأنك تواجهين الكثير من التحديات والصعوبات والقيود، وتصرّين رغم ذلك على المثابرة والمُضيّ قدماً من دون استسلام، وإلهام الآخرين. أنا فخورة بكل النساء العربيات لأن رحلتنا ليست سهلة أبداً، لكننا لن نستسلم.