"الرهاب الاجتماعي" أسبابه وطرق علاجه

25 أبريل 2021

كم هو غريب أن تجلس ريما البالغة من العمر 32 عاماً في مطعم لتناول طعام الغداء. قد تبدو طريقتها الدقيقة في تناول الطعام غير لافتة للنظر، لكنها إنجاز حقيقي بالنسبة إليها. فخلال سنوات الدراسة، كانت تعجز عن الجلوس في الكافيتريا لاعتقادها بأن عيون رفاقها تحدّق فيها. وحين أصبحت في سنّ العشرين، بدأت نوبات الهلع تنتابها، وأدركت أنها مصابة بحالة تُعرف بـ"اضطراب القلق الاجتماعي" أو "الرهاب الاجتماعي". ورغم إحرازها بعض التقدّم بفضل العلاجات والأدوية، لا تزال ريما تناضل حتى اليوم من أجل التخلص من الخجل الذي تواجهه.


يُعدّ الخجل ميزة بشرية عالمية، فكل واحد منا يعتريه الشعور بالخجل من حين لآخر. وكشفت دراسات حديثة أن نصف طلاب الثانويات العامة والجامعات ينعتون أنفسهم بالخجولين. لكن في فترة ما من الحياة، يصبح واحد من ثمانية أشخاص خجولاً جداً بحيث يتسارع خفقان قلبه، تتعرّق يداه، يجفّ فمه، تتلاشى كلماته، وتتلعثم أفكاره فيشعر بحاجة ملحّة الى الفرار.

كذلك يرفض البعض الوجود في الأماكن العامة، ويتجنّب البعض الآخر التكلم عبر الهاتف، أو يُصابون بالصمت عند الوقوف أمام المدير أو شخص من الجنس الآخر. وفي الحالات القصوى تلجأ قلّة من هؤلاء الى حياة التنسّك لتفادي أي اتصال بالآخرين.

"الرهاب الاجتماعي" مشكلة حديثة العهد

رغم أن البشر لاحظوا عوارض القلق الاجتماعي منذ أيام أبقراط، لكن هذه المشكلة لم تُسجّل في كتب الطب النفسي إلا عام 1980 .

يقول بعض علماء النفس اليوم إن ثقافة الانترنت قد تفاقم الخجل وتقوده من المستوى الخفيف الى المستوى المفرط، والسبب أنها تشجع الشخص على التفاعل مع الآخرين بصورة أقل.


ورغم أن بعض الأطفال يولدون وهم ميّالون الى الخجل المفرط، لا يمكن القول إن التركيبة الإحيائية هي التي تحدّد المصير. فقد كشفت دراسة أُجريت في جامعة هارفرد الأميركية أن الطفل لدى بلوغه الأسبوع السادس عشر، يكشف عن ميل نحو الخجل أو الجرأة. فواحد من خمسة أطفال تقريباً يبكي أو يتقلّب لدى مصادفته شخصاً غريباً، فيما يحاول الأربعة الآخرون لمس الغرباء أو التقاط الأشياء الجديدة. غير أن بعض الأطفال الذين كشفوا عن خجل قد يصبحون أولاداً اجتماعيين، فيما يتحول بعض الأطفال الجريئين الى أشخاص مصابين بالخجل أو حتى بـ"الرهاب الاجتماعي". فتجارب الحياة تصوغ الدماغ ليصبح أقل أو أكثر خجلاً مع الوقت. ويرى علماء النفس أن الدماغ يعلّق أهمية كبيرة على تفاصيل الوضع المخيف (المكان، الوقت، الموسيقى، الخلفية، وما الى ذلك). وهكذا حين يتلقى الطالب صفعة من المعلم سيشعر بالعصبية كلما دخل الصف نفسه. لكن الدماغ ينجح أحياناً في إقامة الروابط، مما يدفع الطالب الى الشعور بالقلق كلما دخل الى أي صف وصادف أي معلم.

يلجأ الأولاد الذين لا يعرفون طريقة معالجة تلك المشكلة الى تفادي الانتباه كلياً، فيتوقّفون عن دعوة الأصدقاء ويكتفون بالتحدث إلى أشخاص معيّنين أو يرفضون الذهاب إلى المدرسة. وحين يتفادى الأولاد الحالات اللازمة لتعلّم المهارات الاجتماعية، تتضاءل قدرتهم على التأقلم مع الحياة.

لكن ماذا عن رأي الجيران؟

أحياناً يدفع الأب شديد الانتقاد ابنه الى الانكماش والانطواء على نفسه. لكن حتى الأب اللطيف قد يربّي ابنه على الخوف. فإذا تفادى الأهل المناسبات الاجتماعية أو شعروا بالقلق من رأي الجيران فيهم، يدرك الابن حينها أن العالم مليء بالأخطار ومسبّبات الذُّل.

يصيب "الرهاب الاجتماعي" نصف ضحاياه في عمر الثامنة تقريباً، والنصف الباقي في سنوات المراهقة. فالبعض يعيش مع مشكلة مستترة تظهر فجأة عند مواجهة ميدان جديد مثل الكلية أو الوظيفة الموعودة.

عندما يلجأ المصاب بـ"الرهاب الاجتماعي" الى الاختصاصيين للمساعدة، يُخضعونه عادةً للعلاج السلوكي الإدراكي على مدى أشهر عدة. والهدف هو محاربة النواة الفكرية لهذا الرهاب، أي الاعتقاد بحكم الآخرين السلبي، مما يفضي الى الذُّل، ومن خلال العلاج يتعلّم المريض كيفية استبدال الأفكار الخاطئة بأخرى واقعية ويواجه الخوف الذي ينتابه.

ولعل الميزة الأبرز في "الرهاب الاجتماعي" هي إحساس المصاب به بالإرباك الشديد لدى رؤيته شخصاً غريباً، والواقع أننا نشعر جميعاً بالإرباك والانزعاج عند مواجهتنا الأولى مع العموم. لكن الانزعاج يزول بعد برهة لدى معظمنا، بخلاف الشخص الذي يعاني "الرهاب الاجتماعي" إذ يبقى قلقاً ومنزعجاً لأكثر من ساعة، ولا يتبدّد قلقه وخوفه إلا بسبب الإرهاق. لذا، يحاول المعالجون تدريب المصابين بـ"الرهاب الاجتماعي" على الصمود في الأوضاع "المخيفة" الى أن تختفي الأعراض ويتضح لهم جلياً عدم حدوث أي أمر سيئ... كأن يصطحب الطبيب النفساني مريضه الذي يعاني "الرهاب الاجتماعي" الى قاعة محاضرات كبيرة ويطلب منه الوقوف أمام جمهور صغير والتمرّن على إلقاء خطاب موجز، فيفعل رغم أن ذلك قد يستغرق وقتاً طويلاً قبل أن يتغلّب على خوفه. أو يلجأ معالج نفساني آخر إلى إقحام مريضه في أوضاع محرجة كأن يدفعه للمشي في رواق فندق مزدحم. وبما أن بعض المصابين بـ"الرهاب الاجتماعي" يفتقدون القدرة على التحدّث مع الآخرين، يساعدهم الأطباء في صقل مهاراتهم الاجتماعية.