الدكتور أحمد العويني لـ"لها": الصعوبات التعلّمية وطرائق علاجها

حوار: وليد حسين الخطيب 24 أبريل 2021

استقبلنا بوجهه البشوش وبالترحاب الراقي، وأهمّ من هذا أنّه استقبلنا بإنسانيّته السّامية التي من خلالها، يدخل عالم الأطفال وينفذ إلى قلوبهم وعقولهم لمعرفة مشكلاتهم ومعاناة ذويهم ومساعدتهم على التخلّص من كل ما يواجه فلذات أكبادهم، ويوجِد فيهم الإنسان الذي يريدهم أن يكونوه، ويعرفوا أنّ الإنسان هو الأسمى والأهمّ في الحياة.


- نعرف أنّك كنتَ في أميركا، فمتى كانت البداية في هذا المجال في لبنان؟ خصوصاً أنّ شهرتك ذائعة، وهذا ليس رأياً شخصيّاً، فكثر يعرفون هذا.

بعد مجيئي إلى لبنان، لم أبدأ مباشرةً في هذا المجال، يعني لم أفتح مركزاً خاصّاً، فدرّست في جامعة "إل أي يو"، وكان يأتيني أولياء أمور الطلاب للسؤال والاستشارة عن موضوع الصعوبات التعلّمية. ولمّا زاد عدد من يسألون عن هذا الموضوع، ومكتبي في الجامعة ليس كافياً، وأصبحت الزيارات في بيتي كثيرة، ارتأيت أن أفتتح مركزاً خاصّاً مع فريق عمل مؤلّف من إخوتي، وكانت الانطلاقة بين عامَي 1999 و2000.

- قلت إنّك كنت أستاذاً جامعيّاً، فكيف توفّق بين التعليم الجامعيّ وعملك في المركز؟

ما زلت أستاذاً جامعيّاً، وموضوع الصعوبات التعلّمية هو إلى جانب موادّ أخرى أعلّمها (التربية، وعلم النفس)، وطبعاً أدرّب وأُجري بحوثاً في هذا المجال دائماً.


- موضوع الصعوبات التعلّمية اختصاص قائم في ذاته، فهل هذا يعني ازدياد عدد المهتمّين به؟

نعم، هناك توجّه كبير نحو هذا الاختصاص، والدليل كثرة المراكز التي تنتشر في لبنان. هناك أشخاص مهتمّون ويعملون بضمير وباحتراف، وهم خرّيجو جامعات وحاصلون على شهادات. وفي المقابل، هناك أشخاص يتاجرون – كما في كلّ مجال في لبنان – تحت غطاء الصعوبات التعلّمية، يعطون دروساً خصوصيّة، وطبعاً هذا خداع للأهل، فعندما أُعيد شرح الدرس للطالب، لا يعني أنّني أربّيه تربية خاصّة، فالتربية الخاصّة تحتاج إلى شخص ضليع في هذا المجال – الولد ذكيّ غالباً، لكنّه لا يعرف القراءة – فهل يفيد أن نعيد له منهاج القراءة؟ هذا نوع من التجارة، وفيه خداع للأهل، وهذا أكثر ما يزعجني في الموضوع.

- إذا دخلنا إلى عمق المشكلة "الصعوبات التعلّمية" فمن المؤكّد أنّ لها أسباباً ومؤشّرات، فكيف تحدّدها؟

الصعوبات التعلّمية كلمة عامّة جدّاً، يمكن أن تواجه أيّ طالب، وهي ليست فريدة من نوعها. الاضطراب التعلّمي هو المشكلة، طبعاً تظهر في المراحل الأساسية التأسيسية حتى ما قبل المدرسة، الحضانة، التمهيدي، ومن مؤشّراتها: تعبير غير واضح، لغة ليست واضحة، لا فارق عربيةً كانت أو أجنبية، والطفل لا يستطيع أن ينفّذ التعليمات الشفهية في سهولة – لا يستطيع حفظ أغاني الأطفال – قدرته على اكتساب الأحرف والكلمات مثل زملائه ضعيفة. هذه كلّها مؤشّرات على أنّ الطفل يعاني مشكلة، وهي تكبر وتتّضح في مراحل متقدّمة ابتداءً من الصفّ الأوّل والصفّ الثاني، وتظهر المشكلات التعلّمية في شكل أكبر في اللغة، قراءةً وكتابةً، تعبيراً وفهماً، وفي شكل أقلّ في الرياضيّات. وهذه المشكلة ناجمة عن خلل في الجهاز العصبي عند التلميذ، هذا الخلل غالباً هو مشكلة في الذاكرة القصيرة أو الطويلة أو الصورية، مشكلة في الأصوات وتحليلها، مشكلة في التركيز. وهذه القدرات لا تنمو عند الإنسان نتيجة الخلل الذي يجعله غير قادر على الاستيعاب أو اكتساب المهارات مثل غيره.


- هل السبب نتيجة خلل جيني أيضاً؟

ليس بالضرورة، فالخلل الجيني، في حالات معيّنة ممكن أن يتمثّل في عدم القدرة على القراءة، في عدم التركيز وكثرة الحركة، لكنْ هناك أولاد يتأخّرون في النضوج فكريّاً. وهذا التأخّر قد يكلّف غالياً أحياناً إذا لم نستدرك الوضع – في حالة شخص تأخّر في الكلام فيكون قد فاته كذا أمر، أو شخص التحق بالمدرسة منتصف العام الدراسي، فلا يستطيع أن يلحق برفاقه وإن استطاع ذلك ذهنيّاً – هناك أشخاص يعانون خللاً في شبكة الدماغ، والباحثون اليوم يحاولون اكتشاف هذا الخلل، فالـ "ديسلكسيا" أصبحت واضحة منذ 1998-1999، وأصبح معروفاً وجود خلل في الجهة اليسرى من الدماغ، له علاقة بتحليل الأصوات، وهذا الخلل ناتج من عدم عمل الشبكة في شكل جيّد، ما يجعل صاحب المشكلة غير قادر على اكتساب الصوت وهو الأساس في عملية الفهم والقراءة والكتابة والتعبير وليس الرؤية بحسب مفهومنا. إن ما نسمعه هو الأهمّ. هذا ما اكتُشِف بعد البحوث التي أُجرِيَت، والتي بيّنت كيفية عمل الدماغ بوسائل تقنية متطورة (M R I, SCAN…).

- هل يكون الأمر منذ الولادة، أم بعدها؟

لا أحد يعرف بالضبط، ولكن في ما يتعلّق بالـ "ديسلكسيا" تحديداً، هناك خلل جيني أو خلل في مجموعة جينات يؤدّي إلى عدم فهم الأصوات، وعدم معرفة الأصوات يسبّب مشكلة للطفل. من هنا أهمّية التدخّل المبكر والكشف لتحديد المشكلة ومعالجتها.

- هل التأخّر في النطق من المؤشّرات؟

أجل، عندما يتأخرّ الطفل في النطق ولا يحفظ الأغاني... نستطيع أن نتدخّل فنتلافى مشكلة الـ "ديسلكسيا"، علماً أنّ الاستعداد قد يكون موجوداً، وهذا لا يعني أنّ المشكلة ستقع، وإذا لم نستدرك الأمر فحتماً ستقع الواقعة.

- تقول إنّ الاستعداد يكون في المراحل الأولى أو يظهر في سنّ مبكرة، ألا يجب أن ننتظر حتى نتأكّد أكثر؟

هنا يأتي دور الأهل ووعيهم، ونحن كأهلين نحاول أحياناً إيجاد مخرج للمشكلة أو تجاهلها كي لا نعترف بها، فنقول هذا غنج أو نحن مررنا في هذه المرحلة، وهذا أمر أتفهّمه، أو أن نسمع نصيحة خاطئة من مختصّ، وهذا يحزنني جدّاً، كأن نسمع من طبيب أطفال هذا دلع وغنج... وستتغيّر الحال. هذا كلام غير صحيح، والمفروض ألّا يصدر من شخص مسؤول. فأنا أرجو أن يفعل كلّ إنسان ما يجيد وضمن مجاله. فطبيب الأطفال مختصّ في صحّة الأطفال الجسديّة. فإن كان الولد لا يتكلّم بطريقة سليمة، فليس لأحد الحقّ في أن يقول هذا غنج أو دلع. بالتالي، لِمَ لا نعرضه على مختصّ؟ ماذا سنخسر؟ فالإنسان ليس صحّة جسدية وحسب، فعنده العقل والدماغ والإحساس والقدرات... فلماذا نحرم الطفل من فرصة التحسّن بسبب هذا الكلام؟ للأسف، أنا أسمع هذا الكلام من أهالٍ كثر يقولون: قال لنا طبيبه كذا وكذا...

- كيف يستطيع الأهل أو المختص تمييز المرض من الغنج؟

الغنج للطفل والاهتمام والحبّ والحنان أمور ضرورية ومطلوبة، ولكن ما يضرّ الولد وسلوكه الغنج بلا حدود وبلا ضوابط، الأمر الذي قد يصعّب عليه التأقلم في بيئة تحكمها ضوابط وحدود كالمدرسة مثلاً. إلّا أنّ هذا لا يؤثّر في قدرة الولد على الاستيعاب أو تمييز الألوان والأحرف في ذاكرته بسبب تدليله، فهذا أمر مستحيل. لكنّه قد يأتي بحركات أو يتصرّف برعونة زائدة نتيجة غنجه، وأنا أتفهّم هذا. لكن لا يلثغ مثلاً لأنّه ولد مغناج، ولا يمكن أن يتأخّر نطقه لأنّه مدلّل، فنحن هنا نربط بين الأمرين بطريقة غير منطقية. إلّا أنّ الأهل يبحثون دائماً عن سبب كي يهربوا من المشكلة، فيقولون: إفراطنا في تغنيج أولادنا أوصلهم إلى ما هم عليه.

- ما دور اللّاوعي في الاضطراب التعلّمي؟

اللّاوعي نظرية في علم النفس، وكثر هم مَن يؤمنون باللّاوعي الفرويدي ويبنون عليه. واللّاوعي يظهر من خلال أحلامنا أو زلّات اللّسان أو الأفعال الناقصة (الكذب...)، هذه كلّها أمور يعبّر عنها اللّاوعي. وهذا الأمر لا علاقة له بالذّاكرة التي نتكلّم عنها وهي الذاكرة المعرفية.

- ما أهمّية اللّاوعي في نفسية الطفل؟

هنا نعود إلى علم النفس، يكتسب الولد في المرحلة المدرسية الأولى المهارات الأساسية والاجتماعية... وإذا لم يتجاوب يشعر بالنقص، وهذا يؤثّر فيه كثيراً، خصوصاً أمام رفاقه لأنّه مختلف عنهم فيهزأون به ويسخرون منه، وهنا يكبت الأمر في اللّاوعي، فتتفاقم المشكلة ويُخرجها إمّا بطريقة عدوانية (إيذاء رفاقه، ضربهم...) وإمّا ينطوي على ذاته ويهمّش نفسه.

- في هذه الحالة، هل يقوم الطفل بتصرفات لا تتناسب وعمره، كأن يلعب مع الأصغر سنّاً أو يصادق الأكبر سنًّاً؟ أو يأتي بحركات معيّنة تعبّر عمّا في داخله؟

كلّ طفل يعبّر عن عدم راحته النفسية بطرائق عدّة، كأن يأتي بحركات معيّنة بوجهه مثلاً، أو يلعب مع الأصغر سنّاً أو يكون أكولاً... هذه الأمور كلّها مرآة لعدم راحته النفسية فيُظهر تصرّفات غير سويّة لأنّه غير مرتاح مع نفسه.

- هل للتوحّد علاقة بالموضوع؟

التوحّد بعيد جدّاً من موضوعنا، فالبحوث لم تحدّد أسبابه بعد، وهناك نظريات عدّة حوله، منها أنّه فيروس أو لقاح ما... ولكن لا سببَ محدّداً بعد، والتوحّد لا يُكتسب، إلّا أنّ له علاقة مباشرة بالجهاز العصبي في الدماغ أيضاً، وهو في ازدياد مستمرّ للأسف.

- هل يظهر التوحّد فجأة عند إنسان سويّ؟

غالباً ما يظهر التوحّد في عمر السنتين، وفي حالات معينة يظهر بعد الولادة، فيشعر الأهل بأن طفلهم لا يتجاوب، ولكن في حالات من التوحّد بعد أن يكون الطفل قد اكتسب المهارات والحروف، تتراجع حالته فجأة وتسوء، فيتوقّف عن الكلام وعن المشي.

- لنعد إلى الاضطراب التعلّمي، كنّا نسمع أهلين كثراً يقولون ولد كثير الحركة أو ولد مشاغب أو فاشل في المدرسة لكثرة حركته، فكيف اكتُشِفت هذه الظاهرة؟ ومتى بدأ الاهتمام بها، خصوصاً في ظل كثرة العيادات اليوم أو بالأحرى المراكز؟

عندما عدتُ إلى لبنان في العام 1996، لم يكن الاهتمام كبيراً بهذا الأمر، بحيث كانت هناك محاولات خجولة، وكان التركيز على التعوّق العقلي. وهذا في الحقيقة بدأ يظهر نتيجة اهتمام عالمي، ولكن الاضطراب التعلّمي معروف منذ ستّينيات القرن الماضي، أمّا الاهتمام الفعلي به فبدأ منذ 2004-2005، ونحن في حاجة إلى وقت للتأقلم معه، وقد توّج الاهتمام هذا بمرسوم وزاري يُعفي الطلّاب الذين يعانون اضطراباً تعلّمياً من امتحانات الشهادة المتوسّطة الرسمية (البريفيه).


- نحن نعيش في زمن "الكورونا"، هذا الفيروس الذي أثّر كثيراً في حياة الشعوب وأرغم الطلاّب على التعلّم من بُعد، فما تأثير هذه الطريقة في ذوي الاضطراب التعلّمي أو الذين يعانون صعوبات تعلّمية؟

في الحقيقة، سأجيب بناءً على خبرة شخصيّة وعلى مقابلات مع أهلين ومعلّمين مختصّين في الاضطراب التعلّمي – وهؤلاء كانوا عيّنة، يعني ما قيل لا ينطبق بالضرورة على هذه الفئة – فنحن، الأكاديميين، نُجري بحوثاً في شكل مستمرّ ونكتب مقالات علمية في مجال اختصاصنا، إضافة إلى فصول في كتب لمجموعة من الباحثين. وكان لي شرف أن يطلب منّي ناشر بريطاني من شركة "Routledge" العالمية، كتابة فصل عن الـ "ديسلكسيا" في لبنان – بالاشتراك مع زميلتي الدكتورة هيام لطفي الزين، عميدة كلّية الآداب في جامعة رفيق الحريري، المشرف – شؤونها وشجونها، البحوث التي تُجرَى عنها، طرائق التشخيص والعلاج، نسبة الوعي حولها، عدد الجمعيات والمدارس المهتمّة بهذه الحالة، القوانين المتّبعة والتشريعات في هذا الشأن – للمشاركة في كتاب عن الـ "ديسلكسيا" في العالم (The International Handbook of Dyslexia in Education).

من المؤكّد أنّ الحجر الصحي الذي بدأ العام الماضي سبّب إرباكاً كبيراً لجميع الناس بمن فيهم الطلّاب صغاراً وكباراً، وذوي صعوبات وعاديّين، الأمر الذي جعل الجميع يحتاجون إلى وقت للتأقلم مع الوضع الجديد والمعطيات الجديدة ومنصّات التعلّم من بُعد بسبب الضياع الكبير الذي كانوا يعيشونه في واقع فُرِضَ عليهم. أّمّا هذه السنة فالأمر أصبح سهلاً أكثر لأنّ الجميع اعتادوه. والذين تحدّثتُ معهم كانوا مرتاحين لتعلّم أبنائهم من بُعد لأنّهم موجودون قربهم لمساعدتهم، الأمر الذي أدّى دوراً إيجابيّاً، فإحدى الأمّهات قالت لي إنّ ابنها تشجّع لأنّه كان مرتاحاً لهذه الطريقة واكتسب ثقة في النفس فأصبح يعبّر أكثر باللغة الفرنسية التي لطالما سبّبت له مشكلة. وقالت لي إحدى المعلّمات إنّ هذه الطريقة أتاحت لها فتح قناة لطالب من ذوي الصعوبات في شكل فردي، عندما تكون في خضمّ الشرح لزملائه، وتفسّر له تفاصيل لا يعرفها.

أصبح ذوو الاضطراب التعلّمي والذين يعانون بطئاً في التعبير مرتاحين نفسيّاً ويشاركون أكثر في التعلّم الافتراضي من خلال التطبيقات كـ "زوم"، لأنّهم مختبئون أمام شاشاتهم، وليسوا في الصفوف المدرسية، حيث الإحراج الكبير من أسئلة معلّميهم المفاجئة، وتنمّر زملائهم واستهزاؤهم بهم وسخريتهم منهم إذا أخطأوا. أكثر من هذا قالت لي إحدى الأمّهات إنّ ابنتها ذات العشر سنوات، خائفة من العودة إلى المدرسة لأنّها مرتاحة ومتأقلمة مع هذه الطريقة في التعلّم، فقد اكتسبت أسلوباً جيّداً في التعاطي مع الأمور والتعامل مع الدروس وإعادتها أكثر من مرّة وحلّ التمارين المطلوبة منها والتكلّم مع معلّميها وقتاً أطول ساعة تريد وطرح أسئلتها عليهم للاستفسار والاستفهام، بوسيلة الـ "تشات" أو غيرها من دون أن يعرف أحد بالأمر. وهذا جعلها تتخلّص من القلق من الإحراج الذي يسبّبه لها زملاؤها الذين ينتظرون منها أن تخطئ في إجابة عن سؤال يُطرح عليها.

- من حيث تقنية التعليم، ما الفارق بين التعامل المباشر مع الطالب ذي الصعوبات التعلّمية والتعامل معه من خلال الشاشة؟

العام الماضي، اعتُمد التعليم المُدمَج، في المدرسة ومن بُعد. وفي المدارس استخدام الكمّامة ضروريّ، وقد ذكرت لي إحدى المعلّمات المختصّات أنّ الكمّامة شكّلت عائقاً في التعليم لأنّها كانت تمنع الطالب من رؤية حركة شفتَي المعلّمة والتركيز على الأحرف والأصوات، وكذلك تمنع المعلّمة من لمس وجه الطالب لمساعدته في تحريك شفتيه لنطق الأحرف والإحساس بها تخرج من حنجرته. لذا، التعليم من بُعد كان جيّداً لأنّ الطالب يستطيع رؤية وجه معلّمته وحركة شفتيها والتفاعل معها في شكل أفضل، رغم بطء الإنترنت في كثير من الأوقات والمشكلات التي نعانيها من قطع الكهرباء وانقطاع النت... والجدير ذكره أيضاً أنّ زوجتي وهي مختصّة في هذا المجال، كانت خائفة بدايةً من هذه التجربة وتجد صعوبة فيها، فتعليم هذه الفئة يتطلّب العمل على الأشياء الملموسة، إلا أنّها رأت المسألة سهلة بعد خوض غمارها، وقد وجدت طرائق بديلة لإيصال الأفكار والمفاهيم، ولكن الشرط الأساسي في طريقة التعليم هذه هو وجود الأهل مع أبنائهم وقت الدرس والشرح لدعمهم والانتباه لتصرّفاتهم، فالطالب أحياناً قد يقوم بحركات تلهيه، أو يلغي الكاميرا أو يخفّض صوت الجهاز... في شكل عام، كانت التجربة إيجابية. أمّا النواحي السلبية فتمثّلت في عدم اندماج الطالب مع زملائه اجتماعيّاً، وعدم التعامل المباشر معهم.

- في اختصار، نستطيع القول إنّ إيجابيات التعلّم من بُعد كانت أكثر من سلبياته، أليس كذلك؟

أكاديميّاً، هذه الطريقة أثبتت نجاعتها مئة في المئة لذوي الاضطراب التعلّمي، بحسب ما سمعنا من الأهل والمختصّين.

رُبّ ضارّة نافعة. أليس من الأفضل اعتماد هذه الطريقة دائماً، بعد انتهاء جائحة كورونا والحجر، خصوصًا أنّها أثبتت جدواها، وكانت إيجابيّاتها أكثر من سلبيّاتها؟ ففي النهاية المهمّ هو الإنسان.

"الكوفيد 19" فرض علينا التعليم من بُعد. وبعد خوض هذه التجربة، أعتقد أنّ الإسراع في اعتماد التعليم المُدمَج بعد انتهاء الحجر، أصبح ضرورة ملحّة بعد العودة إلى المدارس، فالتكنولوجيا واختراع الكومبيوتر والإنترنت لم يكن الهدف منهما الرجوع إلى الوراء، بل تطويرهما والتقدّم فيهما. أنا شخصيّاً، أعجبتني فكرة إجراء الامتحانات من بُعد، لأنّ الطلاب يكون لديهم وقت محدّد ولا يستطيع أحدهم أن ينقل من الآخَر أو يغشّ لوجود ضوابط معيّنة، وأنا لا أكون مجبراً على الوقوف أمامهم ومراقبتهم وغير ذلك من ميزات كثيرة.