المدرّبة صباح عبدالحليم تكسر القيود وتدرّب الرجال على الملاكمة في الصعيد

فرح جهمي - فرنسا 03 ديسمبر 2021

المدرّبة صباح عبدالحليم صقر، مثال للمرأة الشُّجاعة القادرة على تحدّي الظروف وكسر العادات والتقاليد السائدة في محافظة بني سويف المصرية، وتمكّنت من متابعة عشقها للرياضة بالحصول على إجازة في التربية الرياضية، لتبدأ بعدها مرحلة مختلفة وصادمة للكثير من الأشخاص بامتهان ألعاب القوى الصعبة وممارستها بحِرفية لتحقق مراكز متقدّمة في البطولات على مستوى الجمهورية. وواجهت السيدة المصرية الكثير من الانتقادات والتعليقات المستغرِبة جرأتها في خوض ليس فقط تجربة ممارسة الملاكمة أو الكونغ فو، إنما أيضاً اتخاذها خطوة أكثر جرأةً بعد حصولها على دعم كامل من والدها حيث تبدأ بتدريب الشبان على الملاكمة في قاعة تدريبات صغيرة مجهّزة في مدينتها الريفية لاستقبال الرجال من مختلف الأعمار وللاستفادة من خبرتها وجدّيتها وشغفها بتلك اللعبة القتالية.


امرأة تدرّب الرجال، أمر قد لا يكون مستغرباً في الوقت الحالي في أغلب العواصم العربية، ولكن الغريب أن تقوم المرأة بهذه المهمة في مدينة ضمن محافظة الصعيد المصري المحافِظ، خاصة أن الأرياف تضع بعض الضوابط والقوانين الصارمة على دور السيدات في المجتمع، الذي غالباً ما يقتصر على الاهتمام بالأسرة والعمل في الأراضي الزراعية، وهذا بالضبط ما فعلته صباح التي تفتخر بعملها وقدراتها الرياضية.

- ما الصعوبات التي واجهتِها لتحقيق هدفك؟

الصعوبات التي مررت بها في مشواري بعالم الرياضة كانت نظرة المجتمع لي وعلامات الاستفهام التي كنتُ أراها في عيون الناس، فكيف لفتاة أن تمارس لعبة قتالية تحتاج إلى قوة بدنية، خاصة أن الغالبية يرون أنها موجودة عند الرجال فقط. وبعدها مررت بمرحلة ثانية تتمثل بعدم قبول الفكرة واعتبار ما أقوم به عيباً وحراماً ولا يجوز شرعاً، فكيف يمكن سيدة أن تدرّب شباناً، لكن مع الوقت وبعد إصراري على التدريب وتنفيذ رغبتي، وبعد رؤية الجميع أن التدريب يكون بمستوى قوي وبلياقة عالية، وأنني أسيطر على الأمور داخل غرفة التدريب بحزم وقوة في ظل تنافس المدرّبين الرجال، تغيّرت نظرة الناس في بني سويف إليّ وبدأ الجميع يشجّعني.

- كيف تمكّنتِ من كسر العادات والتقاليد في المجتمع الصعيدي وأصبحت مدرّبة للرجال؟

لكسر بعض العادات الصارمة المفروضة في المجتمع الصعيدي، خاصة على المرأة، قرّرت كخطوة أولى أن أكون قوية وأنزع من عقلي الإحراج والخجل من طبيعة عملي، فالتدريب مهنتي وعليّ احترامه لأحترفه بعناية. إضافة إلى أنني أتنقّل منذ صغري في شوارع الريف بالملابس الرياضية وأقنعت نفسي والجميع بأنني ما دمتُ ملتزمة بالدين والأخلاق فلم يعُد هناك أي مشكلة بالنسبة إليّ وإلى المحيطين بي. ولكن بعد سنوات تغيّرت كل هذه الأمور وباتت المنطقة أكثر انفتاحاً واقتنع الجميع بأن التدريب والرياضة في غاية الأهمية، وبأن على كل سيدة أن تحافظ على رشاقتها وصحة جسمها، ونجحت مع الوقت وبدعم من عائلتي في محو نقطة الفارق بين الجنسين المفروضة في المجتمع، والتخلص من فكرة أن الفتاة لا يمكنها أن تمارس الرياضة بكل أنواعها، وخاصة الألعاب القتالية.


- هل لا يزال هناك منتقدون لعملك كمدرّبة ألعاب قتالية؟

في الحقيقة، نجحت حالياً بأن أقلب الأمور رأساً على عقب ولم أعُد أواجه أي انتقاد، بل على العكس أصبح عملي في مجال الرياضة نموذجاً يُحتذى به وترغب الكثيرات بأن يصبحن مكاني من خلال المحافظة على رشاقتهن وشكل أجسامهن، وهو ما شجّع الكثير من الأمهات في بني سويف ومحيطها على إرسال أولادهن في سنّ مبكرة ليخسروا أوزانهم الزائدة ويحافظوا على لياقتهم، وتمكّنت بعدها من إنشاء فريق مواهب من الناشئين، وصرت أستقبل عدداً كبيراً من الشبان والشابات من كل الأعمار والكليات والاختصاصات، وأخيراً بات ينضم إليّ بعض ربّات البيوت اللواتي يشاركن في مختلف الألعاب الرياضية ويتدرّبن معي على الألعاب القتالية للدفاع عن النفس أو لخسارة الوزن والمحافظة على رشاقتهن ومرونتهن.

- كيف تمكّنتِ من إقناع عائلتك بموهبتك؟

بالنسبة الى عائلتي، والدي أكبر داعم لي، وهو من أدخلني الى كلية التربية الرياضية كي أصبح في المستقبل مدرّبة ألعاب في المدرسة، إلا أنه حينها لم يكن يفكر بأنني قد أشارك في بطولات على مستوى الجمهورية وأمارس الألعاب القتالية وأُصبح مدرّبة ملاكمة محترفة. ولاقتناعه بموهبتي وقدراتي، صار يشجّعني كثيراً هو ووالدتي وأخواتي ووقفوا جميعاً إلى جانبي في رحلة كفاحي وصمودي في هذا المجال الصعب، وكانوا السند لي كي أتقدّم وأتألق دائماً... ولا يزالون يواصلون دعمي ويشعرون بالفرح والفخر مع كل بطولة أُحرزها أو نجاح أحققه في مسيرتي الرياضية. عائلتي هي العامل الأساسي في نجاحي وتحقيق كل إنجازاتي في مجال التدريب.

- أيهما الأصعب تقبّله بالنسبة الى المجتمع: العمل كمدرّبة للرجال أم التحكيم في المباريات؟

أن أكون مدرّبة ملاكمة لشبّان كان أصعب على المجتمع والمحيطين بي تقبّله من مشاركتي كحَكَم في بعض المباريات. التحكيم بات مسألة عادية ويمكن تقبّله بسهولة ولكن التدريب هو الأصعب، إذ يحتاج إلى متابعة كل شاب عن قرب لوحده ومراقبة حركاته وتصحيحها ليستفيد منها بشكل كامل، وكل هذا أخذ بعض الوقت لتقبّله. تدريب الرجال يحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد والمتابعة، وتكمن الصعوبة الأكبر في الحفاظ على مسافة أمان بيني وبينهم بسبب بنيتهم الجسدية القوية، ولكنني نجحت في ذلك وتمكّنت من إلغاء تلك الحواجز وأجبرت الجميع على التعامل معي كمدرّب رسمي محترف ولكن يمتلك اسم وشكل بنت.


- ماذا تخبرينا عن تجربتك في مجال التحكيم بمباريات الكونغ فو؟

مشاركتي في مجال التحكيم أتت بالصدفة، وشاركت كحَكَم في مباريات الكونغ فو بسبب حبّي وشغفي بالإشارات والحركات، وبالفعل تلقيت التدريب اللازم وتابعت دورات أساسية ينظّمها الاتحاد المصري للعبة الكونغ فو في مجال التحكيم على يد حكّام دوليين، ثم بدأت التحكيم في بطولة مواهب وناشئين، وانتقلت في ما بعد الى بطولة الجمهورية للذكور والإناث.

- كيف توفّقين بين عملك كمدرّبة وواجباتك كأمّ؟

أعمل على تنظيم وقتي بين عملي في مجال التدريب واهتمامي ببيتي وأسرتي، فنهاري يبدأ في الصباح الباكر بممارسة بعض التمارين الرياضية الضرورية والأساسية ولو لنصف ساعة فقط، فهذا يمدّني بالطاقة والنشاط لاستكمال باقي يومي. ومن بعدها أبدأ عملي في النادي الرياضي وأحرص في الوقت نفسه على الاهتمام بشؤون ابني فأنظّم مواعيد دراسته ووجباته الغذائية وساعات نومه. وحين يكون لديّ عمل عند المغرب، آخذه معي لأشجّعه على ممارسة الرياضة لأنها تحافظ على جسم الإنسان وتعطيه طاقة إيجابية وتحسّن من نفسيته. ومع التدريب أهتم دائماً بنظام ابني الغذائي للحفاظ على صحته، كذلك أقوم كأي سيدة بواجباتي المنزلية، وأحبّ التسوّق وشراء الأغراض ومتابعة كل جديد. علماً أنني أعطي الوقت الكافي لكل شيء في حياتي وأنظّم وقتي للقيام بكل تلك الأمور بدون أي تقصير.

- ما هي أهدافك المستقبلية وكيف تخطّطين لها؟

صحيح أنني شاركت في الكثير من البطولات على مستوى الجمهورية والمحافظات والمنطقة وحققت نتائج مهمة جداً، ولكن هدفي وخططي المستقبلية أن يكون لي فريق رياضيّ يحمل اسمي كأول مدرّبة في الصعيد تدرّب الشبان والشابات على حدّ سواء، فذلك يشعرني بالفخر.

- ما هي نصيحتك للشابات للمحافظة على لياقتهن والبدء بممارسة الألعاب القتالية؟

على جميع السيدات أن يدركن أهمية الرياضة وسلامة الغذاء واللياقة البدنية، ويعلمن أن البداية تكون صعبة دائماً ولكن بعدها يصبح الأمر روتيناً عادياً. ونصيحتي للجميع أن يواظبن على ممارسة الرياضة بشكل عام، لأن الجسم الصحي يجعل الذهن صافياً ومتيقظاً. المرأة باتت ناجحة في كل المجالات كما الرجل، والرياضة مُهمة وتحافظ على شكل الجسم وتجعل السيدة تبدو أصغر سنّاً من خلال رشاقتها. وفعلاً أتمنى أن ينتشر مفهوم الرياضة ليس فقط في المدن وإنما أيضاً في الأرياف وأن تشارك فيه الفتيات والسيدات. وأتمنى على كل سيدة لا يتقبّل المحيطون بها شغفها بالرياضة، وخاصة الألعاب القتالية، أن تتجاهلهم وتستمر بتحقيق هدفها للمحافظة على شكل جسمها.