التعليم الافتراضي والتأخّر الدراسي عند الطلاب‏ مسؤولية مَن؟

فرح جهمي - فرنسا 31 يناير 2022

فرضت جائحة كورونا في العامين الماضيين، شروطاً جديدة على الحياة وأثّرت في مختلف المجالات، خاصة مجاليّ العمل والتدريس، حيث اضطر ملايين الأساتذة والتلاميذ حول العالم إلى تلقّي الدروس عبر الإنترنت بشكل كلّي أو جزئي، وتحمّل كل ما ترافق معه من صعوبات ومشاكل. ورغم أن التعليم الافتراضي السائد حالياً لعب دوراً أساسياً في الحفاظ على الحدّ الأدنى من العملية التعليمية، لكن هناك الكثير من التأثيرات السلبية التي حدثت خلال فترة استخدامه على الأطفال ونموهم الإدراكي والنفسي والجسدي والعقلي. وهذه السلبيات تؤكد ضرورة تصحيح الأخطاء لضمان استمرارية العملية التعليمية بشكل سليم.


يلاحظ أغلب الأهالي في الوقت الحاضر، حالة من التأخّر الدراسي لدى أطفالهم بمختلف الأعمار والمراحل الدراسية نتيجة التعلّم عن بُعد، ويعود ذلك إلى الكثير من الأسباب. ويختلف العلماء في تحديد مفهوم التأخّر الدراسي تبعاً لتداخل العوامل المسبِّبة له، فهناك من عرّفه بحسب نسبة الذكاء عند الطفل، وعرّفه آخرون وفقاً لقدرات هذا الطفل على التحصيل الدراسي، وهي الحالة التي يمرّ بها القسم الأكبر من الطلاب حالياً، حيث يعاني أغلبهم من شعور بالإهمال وعدم الاهتمام بالدراسة، وما يتبعه من صعوبة في استيعاب المقرَّر الدراسي نتيجة شرحه عبر شاشة الكمبيوتر، وهو ما ينتج منه انخفاض في الدرجات التي يحصل عليها الطالب في الاختبارات. توضح ناريمان مروة المدرسة المختصة بتعليم التلامذة الذين يعانون من تأخر دراسي أن هناك مجموعة من العوامل التي تسبّب عادة التأخّر الدراسي، ومنها العامل العقلي كتراجع نمو الذكاء بسبب مرضي أو عضوي، والعامل الجسدي المتمثّل بمعاناة الطفل من أي إعاقة بدنية، وهناك أيضاً العامل النفسي كضعف الثقة في النفس، أو الكراهية لمادة معينة أو أسلوب تعامل الوالدين السيئ مع أبنائهم.

كورونا حرمت الطلاب من التفاعل الصحيح

- ما هي العوامل التي أدت الى ظهور حالات التأخّر الدراسي؟

في البداية لا بدّ من التأكيد أن وباء كورونا منع الطلاب من التفاعل السليم مع محيطهم لبناء شخصيتهم، فالمدرسة مؤسّسة تعليمية وتربوية واجتماعية في آن معاً، وهي تؤثر مباشرةً في كل التفاعلات التي يعايشها الطالب منذ مرحلة الطفولة، لناحية امتثاله للقوانين الصفّية المفروضة من الإدارة وصولاً إلى تفاعله وحواراته ومناقشاته وحركاته التلقائية مع زملائه ومعلّميه، وكل هذه التفاعلات تؤهّله للتعامل بشكل صحيح مع المجتمع، ولكنه حُرم منها فجأة ولفترة طويلة، وهو ما أثّر سلباً في قدراته التعليمية. إضافة إلى أن التعلّم عن بُعد يخلو من العلاقات الاجتماعية والتواصل المباشر نتيجة لسوء تنفيذ المبدأ من جانب الكثير من الأساتذة الذين يطلبون مثلاً إغلاق الكاميرا والميكروفون خلال الحصة، وبالتالي يلغون أي نوع من التواصل والتفاعل مع الطلاب.


العلاج يتطلب تعاوناً جدّياً بين الأهل والمدرسة

- كيف نعالج مشكلة التأخّر الدراسي؟

معالجة هذه المشكلة المنتشرة حالياً تحتاج إلى نوع من التعاون الكامل والتواصل الدائم بين الأهل في البيت والمدرسة، حيث تقع على عاتق الآباء والأمّهات المهمة الأصعب حالياً، فلا بدّ من الإشراف المستمر على دراسة أبنائهم وتخصيص الوقت الكافي لهم لتذليل الصعاب التي يواجهونها خلال الشرح عبر الإنترنت ومساعدتهم لمتابعة ما لا يفهمونه. ومن المهم أيضاً مراقبة تصرفاتهم وعلاقتهم بالأساتذة وزملائهم، وإجبارهم على المذاكرة خلال فترة محدّدة يومياً كما لو كانوا في المدرسة الطبيعية، ومن ثم أخذ فترة أخرى للراحة واللعب. أما مهمة المدرسة فتتطلب التنظيم الدقيق والفعّال للمنهج الدراسي والامتحانات وإعداد المعلّمين بشكل جيد لمعرفة شروط وطرق التعليم عن بُعد وسبل نقل المعلومة صحيحةً وسليمةً للطلاب، ومن الضروري مراقبتهم ومتابعة تنفيذهم للمطلوب منهم باستمرار للحفاظ على مسؤولية مشتركة بينهم وبين الأهل.

- هل يمكن التخلّص من هذه الحالة بعد انحسار جائحة كورونا؟

صحيح أن كورونا والحجر المنزلي والإغلاق أثّرت سلباً في الجميع وخاصة الأطفال، حيث باتت شريحة كبيرة منهم تعاني من صعوبات تعليمية وتأخّر واضح في المهارات الاجتماعية والعاطفية، إلّا أنّ لدى الطفل القدرة على التكيّف والتعوّد بشكل سريع، وبالتالي فهو سينسى هذه الظروف الصعبة تدريجاً بعد انتهائها وبمجرد عودته إلى المدرسة بشكل طبيعي واختلاطه مجدّداً بالأساتذة والرفاق. ويمكن تخطّي ما سبّبه فيروس كورونا لناحية تراجع القدرات التعليمية للطفل، بإعطائه الوقت الكافي لتعويض ما سبق لا بتكثيف المنهج التعليمي ودفعه للهرب من الدراسة.

نصائح لتعليمٍ عن بُعد ناجح

- ما هي الطرق الصحيحة للتعليم عن بُعد التي تمنع التأخّر الدراسي؟

تؤثّر الدروس الافتراضية في الصحة العقلية والنفسية ليس للطلاب وحدهم وإنما أيضاً للأساتذة والآباء. وهناك بعض النصائح التي قد تساهم في تحسين جودة التعليم عن بُعد، وتبدأ بتجهيز الأهل مكاناً مخصّصاً داخل المنزل للدراسة، وهو من الأمور المهمة التي تُشعر الطفل بالالتزام والمسؤولية ويعيش أيضاً حالة من الاستقرار النفسي أثناء تلقّي الدروس. كذلك يقع على عاتق المدرسة والكادر التعليمي تقديم المعلومات والإرشادات الصحيحة للأهل لمعرفة الخطّة التعليمية ومسارها، والحرص على التواصل اليومي معهم لمتابعة قدرة الطلاب على الفهم والاستيعاب لوضع الضوابط المطلوبة لإنجاح عملية التعليم عن بُعد.

ومن المهم أيضاً أن يفرض الأساتذة نوعاً من النقاشات المشتركة مع الطلاب خلال الحصة الدراسية والسماح بتبادل الآراء وتحفيز الأطفال على المشاركة وتشجيعهم للتواصل مع زملائهم.

إلى ذلك، ركّز العديد من الدراسات الحديثة على أهمية عدم إهمال النشاط البدني للأطفال، لذا يجب أن تكون حصة الرياضة جزءاً من المنهج التعليمي للتعليم عبر الإنترنت.

وفي النهاية يأتي التقييم الشهري لأداء الطلاب من خلال الاختبارات الجدّية لإجبارهم على الدراسة بمسؤولية خوفاً من الرسوب، ومن شأن ذلك أن يطوّر قدرات الطالب التعليمية والفكرية ويدفعه إلى الالتزام بمواعيد الدروس وطرح الأسئلة لفهم المنهج والقيام بالواجبات المدرسية المطلوبة منه، والبحث عن الإجابات بالشكل الصحيح، مما يساهم في إنجاح تجربة التعليم الإلكتروني.


يذكر أن مجموعة من الباحثين في مركز "CDC" الأميركي درسوا تأثير وباء كورونا والتعليم عن بُعد في 1290 طالباً من مدارس أميركية عدة، ولاحظوا أن أكثر من 25٪ من الأطفال الذين تلقّوا تعليماً افتراضياً أو تعليماً مختلطاً بين النوعين (التقليدي وعبر الانترنت) يعانون من تدهور حاد في صحتهم النفسية والعاطفية، إضافة إلى أن الأطفال باتوا خاملين ولا يقومون بأي نشاط بدني. وأكد التقرير أن هناك نسبة بسيطة من الطلاب بلغت 20 في المئة فقط هم الذين تمكنوا من الاستفادة من التعليم عن بُعد وكانوا سعداء تماماً بهذه التجربة، في مقابل 80 في المئة منهم لم يستفيدوا من التعليم الافتراضي، وهذا ما يضاعف من الضغط النفسي عليهم وعلى آبائهم والكادر التعليمي.