الوزيرة اللبنانية ندى البستاني: على المرأة ألاّ تتوقّف عند أول محاولة لإسكاتها وقمعها ومنعها من إيصال أفكارها

حوار: فاديا فهد 17 مارس 2022

ندى البستاني، اسمٌ لمع في عالم السياسة اللبنانية، خصوصاً بعد تعيينها عام 2019 وزيرةً للطاقة والمياه، لتصبح أول وزيرة لهذه الحقيبة السيادية وأصغر الوزراء سنّاً. وقد لفتت الأنظار سيرتها الذاتية العلمية الرفيعة. تعرّضت ندى على مدى عملها السياسي لحملات شعواء نالت من شخصها وعائلتها الصغيرة، لكنها لم تتخاذل، ولم تتراجع، ولم تنكفئ. بشجاعة نادرة، واجهت وناضلت من أجل أفكارها السياسية والإنمائية، وها هي اليوم تترشّح الى الانتخابات النيابة بكلّ ثقة وإصرار. أسرار هذه المرأة المثابرة في هذا الحوار.  


- من هي الوزيرة ندى البستاني؟

ندى البستاني هي امرأة عاملة وأم لطفلتين رائعتين وزوجة لطبيب أطفال ناجح متخصص في طبّ حديثي الولادة Pediatrician Neonatologist. ولا بدّ من القول إنني شخصيّة خجولة ومتحفّظة لا أحبّ الأضواء وأفضّل الأعمال الإدارية. لذا ترينني مقلّة في إطلالاتي الإعلامية. ولولا دعم زوجي لي، لما أكملت مسيرتي في الشأن العام، وهو مجال يحتاج الى الكثير من الوقت والجهد والشجاعة والمواجهة. وأودّ القول إن نجاح زوجي في مهنته هو الذي منحني الدعم كي أنجح في مهنتي، لأن الرجل الناجح يدعم زوجته لتحقيق ذاتها مهنياً، والعكس صحيح. 

- درستِ الاقتصاد وتخصّصت في الإدارة، كيف دخلت عالم السياسة؟

درست الاقتصاد في الجامعة اليسوعية في بيروت وتابعت دراستي العليا في باريس في

Grande Ecole Superieure de Commerce de Paris وتخصّصت في التنظيم ووضع الاستراتيجيات. ثم عملت في مكتب استشارات لقطاع الطاقة. وعندما قرأت في الصحف أن وزير الطاقة الجديد في لبنان جبران باسيل يعمل على خطط للطاقة والمياه، عدت إلى لبنان للعمل في مجال الاستشارات والتنظيم لصالح الوزارة. ثم عُيّنت بعد تسع سنوات من العمل على ملفّات عدّة في الوزارة، وزيرةً للطاقة والمياه في لبنان، لأصبح أول امرأة تتسلّم مهمات هذه الوزارة. لقد كان تعييني نتيجة عملي الكثيف على ملفّات رئيسية في الوزارة، لذا لم يكن هذا التعيين مفاجأة، بل نتيجة منطقية لمسار طويل من الجهود والتعب والعمل قدّره الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل اللذين يسعيان دائماً الى إنصاف المرأة وتقديرها وإعطائها الفرص والثقة.

- من شجّعك على دخول الشأن العام؟

كانت أمّي مناضلة وناشطة سياسية، وقد ورثت عنها النضال السياسي وحبّ لبنان... وهكذا جاءت الأمور طبيعية.      

- هل صادفت خلال مسيرتك كوزيرة للمياه والطاقة من قال لكِ: تنحّي! السياسة للرجال؟

طبعاً، ولكن ليس حَرفياً! لا ننسى أننا ما زلنا في مجتمع ذكوري، لا يتقبّل قسم كبير منه المساواة في المراكز مع المرأة. كنتُ أول وزيرة للطاقة والمياه. عُيّنت وزيرةً في سنّ صغيرة، وقد كنت متزوّجة وحاملاً بطفلتي الثانية، وهذه عوامل لا تروق كثيرًا للرجل التقليدي. في جلسات مجلس الوزراء، كان بعضهم يقاطعني ويحاول منعي من الكلام وشرح طروحاتي، وكنت بأسلوبي الخاص، وبكلّ تهذيب واحترام، وبابتسامة عريضة، أصرّ على شرح فكرتي حتى النهاية. هكذا على المرأة ألاّ تتوقف عند أول محاولة لإسكاتها وقمعها ومنعها من إيصال أفكارها.


- تعرّضت لحملات شعواء لا تنال فقط من أدائك المهني بل من حياتك الشخصية، وتصدّيت لها برباطة جأش. والغريب أن هذه الحملات تعرّضت لها كلّ امرأة في مركز سياسي مهمّ، أكانت في الموالاة أم في المعارضة. هل هناك توافق على ممارسة ضغوط شخصية على المرأة للنيل منها واستبعادها؟

تعرّضت لحملات شعواء موجّهة ضد شخصي وعائلتي وحزبي. هذه الحملات لم تتناول فقط الملفّات التي كنت مسؤولة عنها في وزارة الطاقة والمياه، ولا أدائي كمستشارة ووزيرة، بل تعرّضَت لشخص ندى البستاني وزوجها وطفلتيها بأسلوب تجريحي لا أخلاقي. وكأنها حملات مركّزة هدفها إقصاء المرأة عن العمل السياسي، وإجبارها على التنحّي والانسحاب والانكفاء. لكن هذا لم يحصل بل زادني إصراراً على مواصلة الطريق. لكنني وسط هذه المعمعة اللاأخلاقية، قررتُ أن أحمي طفلتيّ وأُبعدهما عن الإعلام والسوشيال ميديا، فلا أنشر لهما صوراً أو فيديوهات كثيرة، كي لا تكونا هدفاً في طفولتهما لهذه الحرب الشعواء والمُغرضة التي تستهدف السياسيات المواليات والمعارضات والمستقلاّت. 

- لماذا برأيك لا تزال المرأة مادة دسمة لحملات شخصية لا إنسانية كهذه؟

ببساطة لأن مجتمعاتنا لاتزال مجتمعات ذكورية لا تتقبّل نجاح المرأة. ما إن تُعيّن امرأة في منصب معيّن أو تبلغ مكانة معيّنة، حتى تُطرح حولها علامات استفهام تشكّك في قدراتها العلمية والمهنيّة. المنافسة بين المرأة والرجل يجب أن تكون في العلم والشهادات الجامعية والإنجازات والفكر السياسي والاقتصادي والإنمائي، منافسة مهنيّة لا شخصيّة. إنها المنافسة التي تليق بالمرأة في القرن الحادي والعشرين!

- كيف تتصدّين لهذه الحملات، خصوصاً أنها لم تثنِك عن متابعة مسيرتك في الشأن العام والترشّح للانتخابات النيابية المقبلة؟

المبالغة في الحملات التي شُنّت ضدّي خلقت لديّ إصراراً على متابعة عملي في الشأن العام، والسعي الى تبيان الحقائق كما هي لي وللتيار الوطني الحرّ، ورفع الظلم الذي أُلحق بي من خلال تشويه سمعتي. لن تكون هذه الحملات المغرضة والمشوّهة سبباً لانكفائي! بل على العكس، سأستخدمها حافزاً لمتابعة المسيرة، وها أنا أخوض الانتخابات الداخلية في التيار الوطني الحرّ كي أكون مرشحة الى المقعد النيابي في منطقتي، أخوضها بإصرار أكبر وبكلّ ثقة وجدّ وجهد. المواجهة هي الحلّ. أتطلّع الى مجلس نيابي نصفه من النساء، لمَ لا؟     


- ما هي حكمتك في مواجهة الحروب الشخصيّة التي تُشنّ على المرأة في عالم السياسة؟

المواجهة ثم المواجهة ثم المواجهة... أقول للمرأة المستهدَفة في عالم السياسة: صاحب الحقّ سلطان، وما عليك إلاّ أن تتابعي طريقك بثقة وثبات. نحن قدوة لبناتنا، إذا انسحبنا وانكفأنا، نكون قد أعطيناهنّ مثالاً ضعيفاً عن المرأة يقتدين به، وهو ما لا يليق بتحدّيات القرن الحادي والعشرين. المرأة مساوية للرجل، وهي تعمل الى جانبه لتحقيق العدالة الاجتماعية على كلّ المستويات من أجل مستقبل أفضل.

- هل تنتخب المرأة المرأة، أم أن الكلمة الأخيرة تكون للرجل؟

المرأة تنتخب المرأة، وهي تثق بأداء المرأة. خلف العازل قلم وورقة يجب أن تعبّر فيها المرأة عن خياراتها من دون أيّ تأثير للرجال فيها. 

- ما هي القضايا النسائية الي ستحملينها الى المجلس النيابي؟ 

أتطلّع الى تشريعات تحمي المرأة وحقوقها. سيكون إقرار الكوتا النسائية هو البداية لإشراك المرأة في الحياة السياسية، علماً انني شخصياً ضد الكوتا وأفضّل أن تأتي مشاركة المرأة في صنع القرار تلقائية، لكن التيار الوطني الحرّ قدّم مشروع قانون في هذا المجال لتشريع الكوتا مرحلياً بهدف حثّ الأحزاب والهيئات السياسية على إشراك المرأة في الحياة السياسية. بعد تجربتي، أعتقد أن المرأة تحتاج الى دعم وتشجيع، كي تدخل هذا المجال الجديد عليها، وتخوض غماره. كذلك فإن الكوتا ستمكّن المرأة، وتحفظ حصّتها في المجالس البلدية كما في المجلس النيابي والإدارات والحكومات المختلفة.

- ما هي نصيحتك للنساء المتردّدات في خوض الانتخابات والتعاطي في الشأن العام؟ 

نصحيتي للمرأة العربية عامة واللبنانية خاصة، أن تتشجع وتترشّح للمناصب المختلفة، متسلّحةً بعلمها وشهاداتها وإصرارها الدائم على النجاح في الملفّات التي تحملها، وتعمل على تنظيم وقتها للتوفيق بين حياتها العائلية وحياتها المهنيّة كي تكون القدوة لبناتها أولاً، وللنساء في مجتمعها ثانياً.

- ثمّة من يقول إن الرجل يصنع الحرب، والمرأة تدفع الثمن. هل تؤمنين اليوم، ونحن على أبواب حرب عالمية ثالثة بأن السلام صناعة نسائية، لا ذكورية؟

لا شكّ في أن في ان للمرأة دور كبير في صنعة السلام خصوصاً أن المرأة أكثر ليناً وديبلوماسية في المفاوضات من الرجل. كذلك أثبتت الدراسات العالمية أن المرأة في السياسة أقلّ فساداً من الرجل. وقد نجحت النساء في سدّة الحكم في إدارة أزمة كورونا الصحّية أكثر ممّا فعل الرجال. لهذه الأسباب، وأسباب أخرى على المرأة أن تشارك في صنع القرار السياسي والأمني والديبلوماسي، ولا تظلّ مهمّشة عن القرارات المصيرية الكبرى لوطنها.


- أمنيّة تودّين أن تتحقّق في اليوم العالمي للمرأة...

أتمنى أن أرى أكبر عدد من النساء في مراكز إدارية عليا ومسؤوليات سياسية كبيرة في لبنان والعالم العربي.