سينما.. دراما أو كليبات: المرأة المظلومة على الشاشة

القاهرة - ماجد رشدي 19 مارس 2022
لم تُنصف معظم الأعمال الفنية؛ سواء في السينما أو الدراما التلفزيونية أو حتى الكليبات المصوّرة المرأة، بحيث قدّمتها في كثير من الأحيان كوسيلة للإغراء والإثارة، وفي أحيان أخرى كمستضعَفة وتابعة للرجل، وتجاهلت قضاياها وهمومها، مثلما تجاهلت تقديم نماذج المرأة الإيجابية القادرة على تغيير ما حولها... فماذا يقول النجوم والنقاد عن أسباب ظلم المرأة على الشاشة؟


الفنانة إلهام شاهين من أبرز النجمات اللواتي حاولن من خلال أعمالهن إنصاف المرأة والتعبير عن قضاياها وهمومها وتطلعاتها أيضاً، وحتى عندما قررت التوجّه الى الإنتاج وضعت نصب عينيها قضايا المرأة، وهو ما فعلته في أفلام مثل "خلطة فوزية" و"يوم للستات" و"واحد صفر" وغيرها.

تعترف إلهام شاهين بأن المرأة مظلومة فعلاً على الشاشة، ولهذا كانت تحرص في كل أعمالها الفنية على الدفاع عنها وتسعى الى تغيير الصورة النمطية والتقليدية لها، وتضيف: "لم تنل المرأة بعدُ حقها على الشاشة، وقد يكون السبب الرئيس أن البطولات ظلت لفترة طويلة حكراً على النجوم الرجال، وبالتالي كان المؤلفون يهتمون أكثر بكتابة موضوعات يكون الرجل بطلها، والمرأة بجانبه في دور ثانوي، وهو ما كان يُضعف الاهتمام بتناول قضاياها. لكن عن نفسي وفي معظم الأعمال التي أقدّمها، أركّز في قضايا المرأة، لأن هذا واجبي كفنانة تستطيع أن تشارك في أفلام من بطولتها وإنتاجها، مثلاً في فيلم "خلطة فوزية" قدّمت نموذج المرأة البسيطة التي رغم فقرها وسكنها في العشوائيات وعدم توافر فرص تعليم لها، لم تلجأ إلى السرقة أو الانحراف، بل على العكس كافحت في الحياة ومارست عملاً بسيطاً هو صنع المربّى بخلطة معينة، وبالتالي رصد الفيلم نموذج المرأة المكافِحة التي تتحمّل مسؤولية بيتها وأولادها بعمل شريف.

وتختتم إلهام شاهين بالقول: "كشفت من خلال دوري في فيلم "يوم للستات" عن هموم المرأة وتطلعها الى المزيد من الحرية، بينما قدّمت في فيلم "واحد صفر" دور المرأة المسيحية التي تُطلّق ولا تحصل على تصريح بالزواج مرة أخرى، وهي أيضاً نموذج موجود في المجتمع ولم يهتم به أحد من قبل، فأنا حريصة على التعبير عن كل قضايا المرأة، وهو ما سأواظب عليه في أعمالي المقبلة".


صورة تقليدية

أما الفنانة هالة صدقي فتطالب بمزيد من الاهتمام بقضايا المرأة، إذ ليس من المنطقي أن تبقى صورة المرأة في الأعمال الفنية تقليدية وغير مواكبة لِما حصلت عليه المرأة في السنوات الأخيرة من حقوق وما حققته من إنجازات في مختلف المجالات.

وترى صدقي أن المسؤولية تقع في الدرجة الأولى على المؤلفين الذين من واجبهم أن يتصدّوا لكتابة موضوعات تهتم أكثر بالمرأة، وعلى المنتجين أيضاً بحيث يتحمّسون لها. وإذا كانت هالة صدقي ترى أن فرص التعبير عن المرأة في الدراما التلفزيونية أكبر منها في السينما التي تهتم بالناحية التجارية أكثر، فإن منتجي السينما لا يرون في مناقشة قضايا المرأة عنصرَ جذب تجارياً بعكس الدراما التلفزيونية التي من المفترض أن تعبّر أكثر عن المرأة، مثلما فعلت هي في مسلسلها الأخير "ليه لأ" الذي ناقش قضايا المرأة بأسلوب جريء وحقق نجاحاً كبيراً، وطالبت بصنع المزيد من المسلسلات التي تهتم بالمرأة.


رسالة نوعية

تؤكد النجمة سمية الخشاب أنها كانت تحرص دائماً على التعبير بجرأة عن هموم المرأة، وتدافع عن حقوقها في كل أعمالها، ليس التمثيلية فحسب وإنما في أغنياتها أيضاً، ومنها أغنيتها الأخيرة بعنوان "بستقوي"، التي تتحدث كلماتها عن العنف ضد المرأة، وتعتبر سمية كليب الأغنية صرخةً في وجه هذه الظاهرة المؤسفة.

وتضيف: "للأسف، لا تزال مجتمعاتنا تقهر المرأة، ولهذا أحرص عند اختيار أي دور جديد على أن يحمل رسالة من أجل المرأة، سواء كانت هذه الرسالة موجّهة الى المجتمع عموماً أو الى الرجل خصوصاً، وحتى في أغنياتي أختار الأفكار التي تعبّر عن هموم المرأة وأحلامها وتدافع عنها، فأنا أرفض ظهور المرأة على الشاشة بصورة المستضعَفة والمقهورة فقط، فلا بد من تقديم أعمال تتضمن توعية للنساء بحقوقهن".

وتُنهي الخشاب حديثها بالقول: "دوري في الدفاع عن المرأة لا يقتصر على الشاشة فقط، بل أحرص أيضاً على أن أستغل حساباتي عبر السوشيال ميديا في مناقشة مشاكل المرأة والدفاع عنها".


المياه الراكدة

أما الفنانة الكبيرة سوسن بدر، والتي تم تكريمها أخيراً في "مهرجان أسوان لأفلام المرأة" عن مجمل أعمالها التي ناقشت فيها الكثير من قضايا المرأة، فتؤكد حرصها الدائم على هذا الدور، وإذا لم تكن هي بطلة العمل فتختار الدور الذي يحمل رسالة تخص المرأة حتى وإن كان صغيراً.

وتضيف: "ليس شرطاً أبداً أن تكون المرأة هي الشخصية المحورية في أي عمل فني حتى نناقش قضاياها ومشاكلها، لأنه مهما كان صغيراً الدور الذي تلعبه الفنانة، فهو يمكن أن يُحدث فارقاً طالما أنه يحمل رسالة تهم المرأة".

وتستطرد بدر قائلةً: "أتذكر أن أولى بطولاتي في التلفزيون قدّمتها حين كنت في معهد المسرح، من خلال مسلسل "هي والمستحيل" من إخراج إنعام محمد علي وتأليف فتحية العسال، وناقشت فيه قضية تعليم المرأة، ولهذا أشعر منذ بداياتي بتلك المسؤولية، ثم قدّمت الكثير من الأعمال التي ناقشت بجرأة قضايا المرأة مثل مسلسلَي: "نونة الشعنونة" و"مباراة زوجية"، وأفلام: "احكي يا شهرزاد" و"الأبواب المغلقة" و"الشوق" و"قص ولصق" و"أسرار البنات" و"678" و"الفرح" و"ساعة ونص" و"دنيا" و"حب البنات" وغيرها. وفي آخر أعمالي "أبو العروسة" قدّمت نموذج المرأة المكافِحة التي تفعل المستحيل من أجل عائلتها وتقف بجوار زوجها مواجِهةً الصعوبات والتحديات، وأرى أن لا بد من أن يكون هناك دور أكبر للمؤلِّفات والمخرِجات في التعبير من خلال أعمالهن عما تعانيه المرأة وما تحلم به من تغيير، لأنهن أكثر إحساساً بقضاياها، فالفن تحديداً أكثر وسيلة يمكنها أن تحرّك المياه الراكدة في قضايا المرأة المتعددة".


دور النجوم الرجال

وبعيداً من وجهات نظر النجمات، يرى النجم أشرف عبدالباقي أن للفنانين الرجال أيضاً دوراً في تحسين صورة المرأة على الشاشة والاهتمام بقضاياها، فلا يجب تجاهل قضايا المرأة لمجرد أن الفيلم من بطولة نجم رجل، كما أن هناك نجمات كثيرات يتصدّين الآن لبطولات الأفلام، وبالتالي فهناك فرص أكبر للتعبير عن قضايا النساء بشكل أعمق.

ويضرب عبدالباقي مثلاً بفيلمه "أريد خلعاً"، فرغم أنه كان من بطولته، لكنه ناقش قضية نسائية مهمة هي حق المرأة في الخُلع طالما أن الرجل يرفض تطليقها ومنحها حريتها. ويؤكد عبد الباقي أن هناك الكثير من القضايا النسائية المهمة، لكن للأسف مسكوت عنها في السينما والدراما؛ وتحتاج إلى مؤلفين ومخرجين يقدّمونها بشكل جريء.


نظرة ظالمة

يرى الناقد طارق الشناوي أن السينما قامت على أكتاف النساء، وأن تاريخ السينما العربية يضم أسماء مهمة لمخرِجات ومنتِجات وفنانات سعين لأن تكون السينما وسيلة تعبير عن المرأة وقضاياها، لكن المجتمع نفسه كان ينظر للمرأة في فترات طويلة على أنها مصدر للإغواء والإثارة لا أكثر، ولهذا انساق معظم المؤلفين وراء تلك النظرة الظالمة وهم يقدّمون المرأة في أعمالهم، وحتى معظم الكليبات الغنائية والإعلانات لا تقدّم المرأة إلا في صورة الإثارة فقط. ويضيف الشناوي أن هناك محاولات عدة شهدتها الشاشة خلال الفترة الأخيرة لكسر الصورة النمطية عن المرأة ومناقشة قضاياها وأحلامها بأسلوب جريء، لكنها تبقى محاولات طالما أن المرأة لم تنل بعد حقها كاملاً على الشاشة، ومطلوب مزيد من الأعمال التي تعبّر بشكل صادق وحقيقي وجريء عن قضايا المرأة.