العمل من المنزل... سارة وأماني بين الصعوبات والتحديات والربح المادي

فرح جهمي - فرنسا 12 يونيو 2022

مع تطوّر وسائل الاتصال وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي بات العمل من المنزل من الأمور السهلة وبإمكان أي شخص الاستفادة من شهادته الجامعية أو أي موهبة أو تجربة يمتلكها للحصول على عائدٍ مادي من دون الحاجة إلى الخروج من المنزل. وفي زمن اليوتيوب والإنستغرام أصبح بإمكان أي شخص نشر فيديوهات يعرض من خلالها تجربته في مجال اختصاصه، سواء كان في الطبخ أو العناية بالشعر والبشرة أو الأعمال الحرفية وتحضير الأكسسوارات والهدايا المختلفة التي تستقطب أعداداً كبيرة من المتابعين، ويحقق من خلالها ربحاً مادياً مناسباً من منزله أو مكان إقامته من دون مقابلة مديره والتقيد بدوام العمل من المكتب.


من المؤكد أن ظاهرة العمل من المنزل فرضت نفسها بقوة مع جائحة كورونا في السنوات الأخيرة، حيث أجبر الكثير من الموظفين والموظفات على ابتكار طريقة أو أكثر للعمل وتحصيل المردود المالي المناسب، وقد ساعد تغيير عادات الأشخاص وتوجههم نحو التسوّق عبر المنصات الإلكترونية وخدمة الديليفري إلى زيادة الطلب على العمل من المنزل، الذي وجد قبولاً واسعاً لدى ربّات البيوت المستعدات للعمل في أي مكان وفي أي وقت. ولهذا السبب، ظهر جيل جديد من الشركات الخاصة حيث تدار الأعمال وتنفّذ بحرفية ونجاح. وانطبق على "كورونا" بالنسبة إلى هؤلاء قول "ربّ ضارّة نافعة"! وهناك أمثلة عديدة على سيدات استطعن تحقيق النجاح من خلال مزاولة أعمالهن من المنزل، مثل الشابة المصرية سارة كمال، التي اعتمدت على فكرة إعادة التدوير وتحويل بقايا النفايات من خشب ومعادن وحديد إلى تحف فنية وأدوات مفيدة. وبالفعل بدأت مشروعها بفتح صفحة على فيسبوك نقلت من خلالها الورش التي كانت تنفذها في منزلها وتستضيف من خلالها مجموعة من الأمهات مع أطفالهن وترشدهم على أبسط الطرق التي يمكن من خلالها إستخدام المهملات وتحويلها بعناية وبخطوات بسيطة لتصبح مفيدة وقابلة للاستخدام في مجالات أخرى، وهو ما يساهم في حماية البيئة من جهة وتوفير المال من جهة ثانية.


إعادة التدوير وتحويل البقايا لتحف فنية مبهرة

وبدأت سارة مشروعها في سنّ مبكّرة، صغيرة حين شرعت في تجميع ما يرميه الناس واستخدامه بحسب حاجتها له، ونمت هذه الموهبة مع نموّ سارة إلى أن أنهت دراستها الجامعية في مجال تكنولوجيا التعليم والوسائل التعليمية، لتنتقل بموهبتها في مجال إعادة التدوير إلى إبتكار الديكورات اللازمة للمسرحيات التي تشارك فيها وتحويل البقايا إلى تحف فنية ضخمة تدخل ضمن سياق المسرحية، على الرغم من ضآلة ميزانية العمل المسرحي. ومن بعدها سعت سارة إلى تطوير إمكاناتها من خلال قراءة الكتب المتخصصة بهذا المجال ومشاكل الفيديوهات، وعملت على تطبيق تلك الأفكار منطلقة من أمور بسيطة مرمية في منزلها، لتدخل بعدها قبل نحو خمس سنوات في مرحلة جديدة تتمثل في تجميع كل المواد القابلة للتدوير، فباتت تمتلك كمية ضخمة من الخامات التي يمكن من خلالها تنفيذ أفكارها والعمل من منزلها وتحقيق الربح المادي.

وأوضحت سارة أن فكرة المشروع انطلقت بمساعدة ابنتيها مريم وفريدة، إذ كانت تحثهما على التسلية والاستفادة من الوقت في الوقت نفسه، وذلك باستعمال أدوات بسيطة وبقايا موجودة في كل منزل، وتقول: "كبديل لشراء لعبة جديدة لهما مثلاً، كنت أنفذ معهما لعبة تعليمية من الكرتون أو الورق، وكانتا تستمتعان بتحضير اللعبة وتنفيذها ومن بعدها اللعب بها، ومن شأن هذا الأمر أن يطوّر ذكاء الطفل وقدراته الفعلية ومهاراته في التفكير والإبتكار عن طريق تنفيذ الشيء بيديه. وسرعان ما توسع الأمر حيث عمّمت التجربة عل معارفي، وراح الجميع يبتكر في تنفيذ الأفكار وتحويل المواد التالفة إلى أخرى مفيدة".

الميزانية البسيطة فرضت عليّ العمل من منزلي

وتقول سارة: "الميزانية الصغيرة التي كنت امتلكها حكمت عليّ أن أعمل في مجال محدد داخل منزلي، فكانت البداية تحديداً في إعادة تدوير الخشب وتحويله إلى منتجات خاصة بالعرائس عن طريق تزيينه ببعض الاكسسوارات والإضافات البسيطة، وجذبت هذه التطبيقات المبتكرة المتابعين على فيسبوك، ومن هنا بدأت أتلقى الطلبات وأنفذها بحرفيّة وأتفنن في تغيير الأفكار والزينة الخاصة بكل مناسبة، كالخطوبة وعقد القران وحفل الزفاف... لقاء ربح مالي بسيط، ومن بعدها توجهت إلى تطوير المنتجات التي أعرضها على الصفحة مستخدمةً الخامات التي أملكها لأزيّنها بالأقمشة والدونتيل والستراس أو الخرز، إلخ.... وأحولها إلى أدوات زينة مميّزة ومبهرة للمنازل والمكاتب".

وتلفت سارة إلى أن "ما ساهم في تطوير مشروعي هو مجال اختصاصي في تطوير المجالات التعليمية والتدريبية للأطفال، حيث كوّنت صداقات تعمّقت واتسعت دائرتها في مجال الأعمال اليدوية والحرفية والتقينا على ذات الأهداف والأفكار والطموحات. وبدأت بعدها إلى جانب عملي أونلاين، بالمشاركة في المعارض الحرفية والتراثية حيث أتلقى العروض وأنفذ كل أنواع الديكورات الخاصة بالإحتفالات، وكل هذا طوّر عملي في هذا المجال".

تحقيق حلمي يحتاج إلى الوقت ودعم زوجي يمنحني القوة

وبدعم من زوجها الإعلامي تامر مجدي، استطاعت سارة أن تشارك صديقتيها مهى ولميس ونجحت في تحويل المشروع من العمل المنزلي والأونلاين فقط إلى مشروع جديد، ثمّ دشنت المجموعة محلاً "أطلقنا عليه اسم Sila gallery لعرض المنتجات الخاصة" بهن، وهو ما يعطي الفرصة للزبون لمعاينة البضائع عن قًرب من جهة، ويخفف الضغط عنها في العمل بمفردها والتسويق ومتابعة الطلبات من جهة ثانية. فو كل هذا، تؤكد سارة أنها لا تزال في بداية مشروعها، "فهو يحتاج إلى الكثير من الجهد والالتزام والمتابعة، إلى جانب العناية بالأطفال والمهام الأسرية كربّة منزل، وبالتالي حلمي الذي يسير معي منذ طفولتي، وهو بحاجة إلى المزيد من الوقت والمثابرة والإصرار ليكتمل بشكل رسمي ونهائي، ولكن أعلم أنه سيتحقق بعد فترة مع وجود الدعم الكبير من زوجي وعائلتي، الذين يحرصون على مساندتي والوقوف خلف حلمي في كل الأوقات".

وختمت السيدة سارة بتوجيه نصائح للفتيات اللواتي يرغبن في استغلال مواهبهن أو ممارسة حرفة معينة بضرورة البدء ولو "من الصفر"، ومعرفة أن "العمل الحرّ من المنزل له إيجابيات وسلبيات في آن معاً"، خاصة بالنسبة للمرأة المتزوجة، إذ لديها مسؤوليات ومهام في البيت ومع أسرتها عليها أن تنفذها، وبالتالي تحتاج إلى تنسيق وتنظيم وقتها بدقّة خلال النهار، إضافة إلى الإصرار والعمل مهما كانت الظروف والصعوبات من أجل أن تصل وتحقق حلمها.


العمل في المنزل للتخلص من أعمال السخرة

أما الشابة اللبنانية أماني علي دقيق، فاستغلت اختصاصها في مجال الـ"غرافيك ديزاين" وبدأت رحلتها لإظهار موهبتها ولملء الفراغ الذي كانت تعيشه، للتخلص من العمل بـ"السخرة" الذي كان سبباً في ابتعادها عن العمل في الشركات والتوجّه نحو الاستقلال وابتكار طريقة للعمل بمفردها.

وبدأت أماني مشروعها بالصدفة قبل نحو أربع سنوات، وذلك بعد الذكرى الأولى لزواجها، حين أعدّت كتاباً جمعت فيه مجموعة من الصور الخاصة ووثقت من خلاله قصة حبها وارتباطها، فنالت الفكرة إعجاب جميع من هم حولها. حينها قررت أماني بدء الخطوة الأولى بميزانية بسيطة جداً وفتحت صفحة على الـ"سوشيال ميديا" تحمل إسم GIFTOLLA عرضت من خلالها أعمالها المبتكرة وسعت إلى تطويرها لتلائم جميع الأشخاص. وسرعان ما لاقت الفكرة استحسان المتابعين الذين سارعوا إلى طلب أفكارها المبتكرة في مجال الغرافيك، لتنتقل بعدها إلى مرحلة أكثر حرفية بشراء الأدوات المتطورة لتحسين عملها وابتكار المزيد من الأفكار القريبة من الناس والتي تشبه الجميع وبلغة عامية خفيفة تستقطب الكثير من الأشخاص.

كتب مبتكرة تخاطب الذات بلغة بسيطة

وأوضحت أماني أن "تصميم الكتاب قد يأخذ أكثر من ثلاثة أشهر من العمل قبل تنفيذه، بحسب الفكرة والمعلومات المتواجدة لديّ ومدى حاجتي لدراسة الأمر ليكون المحتوى مفيداً وفعالاً ومؤثّراً، وأحياناً قد أضطر للاستعانة بأخصائيين ومعالجين نفسانيين لأتمكن من تطوير أفكاري وأجد ما يربط الشخص بالمحتوى ليكون قريباً من الناس، وهذا ما يجعل ما أقوم به مميّزاً".

وأكدت الشابة أن نجاح مشروعها لم يأتِ بسهولة وسرعة، بل أخذ منها الكثير من الجهد والتعب، نظراً إلى المشاكل والصعوبات الكثيرة التي أعاقتها في البداية ومن ضمنها السرقة والاحتيال من إحدى شركات الديليفري، مروراً بالأزمة الإقتصادية الصعبة التي يعيشها لبنان وغيرها من المشاكل التي كادت أن توقف حلمها، ولكن إصرارها على تحقيق فكرتها والعمل باختصاصها الذي تحب، بعيداً عن الربح المادي كان السبب في هذا الانتشار والوصول إلى إبتكار منتجات جديدة والتوسع باتجاه الدول العربية عن طريق تصدير كتبها المصممة بشكل خاص إلى خارج البلاد.

ونصحت أماني جميع الفتيات البدء بالخطوات الأولى في أي مشروع يعبّر عنهّن، وقالت: "ليس هناك مستحيل، في البداية يكون العمل صعباً ويحتاج إلى مجهود كبير والعمل في أكثر من مجال في نفس الوقت لإتمام الفكرة، ولكن من المهم بل الضروري ألا يتوقفن عند أول مشكلة تصادفهن، بل على العكس يجب الاستمرار في المحاولة دون يأس أو ملل والبحث عن حلول لتلك العقبات، فأهم ما يؤمّن الاستمرار والنجاح في العمل الخاص هو مواجهة المشكلة والبحث عن حلول لها والتعلم منها للمستقبل. وبالتالي استمري أختي ولا تدعي أي عقبة تكسرك وتوقف حلمك".