"تائهون" لنزار السعيدي... جريمة في "مهرجان الحمّامات الدولي"‎‎

29 يوليو 2022

بعد "سوس، إنتلجنسيا وقصر السعادة"، يغوص نزار السعيدي الباحث الدائم عن التجديد في دراما عائلية يشرّح فيها آفات المجتمع بطريقة نقدية جريئة من طريق طرح أسئلة مربكة عبر مسرحيته الأخيرة "تائهون" التي واكبها جمهور "مهرجان الحمّامات الدولي" في دورته السادسة والخمسين.

"تائهون" مسرحية من إخراج نزار السعيدي، دراماتورجيا عبد الحليم المسعودي، نص هذا الثنائي وأداء كل من تماضر الزرلي وانتصار عويساوي وجمال ساسي ورمزي عزيز ومحمد شعبان وصادق الطرابلسي وعلي بن سعيد.

قدّم هذا العمل الوجه القبيح للوطن فكلّنا تائهون داخل عالم يسوده الانفلات والفوضى... بداية المسرحية كانت بفيديو وثّق الفوضى والتسيّب في الشوارع الجانبية للعاصمة وما حملته من اختلاف وصراع وتناحر، قبل أن تنطلق الأحداث بمشهد صادم للمتفرج خضّت وجدانه يتمثل في ارتكاب جريمة بشعة أقدمت فيها فتاة مراهقة تدعى "إشراق" على قتل والدتها والتنكيل بجثتها قبل سحلها في الشارع لتنشر في ما بعد فيديو اعترافها بالجريمة على مواقع التواصل الاجتماعي، هذه الحادثة التي تحولت إلى ظاهرة إعلامية عالمية تفاعلت معها مجموعة من الأشخاص والمؤسسات كل حسب مجال تخصّصه للبحث عن الدوافع الخفية لهذه الفتاة محاولين بذلك استحضار وجع الذات وتعقيداتها. وفي أثناء عملية التفتيش عن المجرمة الفارّة ترتكب "إشراق" الجريمة الثانية وتقتل أستاذها، وبعد أسبوع من الملاحقات والتحقيقات تنتهي المسرحية بانتحار الفتاة تاركةً وراءها أسئلة عالقة حول واقع الضياع والتّيه الذي نعيشه اليوم في بلادنا، كيف حدث هذا؟ لماذا وصلنا إلى هذه الحال؟ إلى أين نحن ذاهبون؟ لماذا انفلت منا أبناؤنا في غفلة منا؟ مَن الضحية ومَن الجلاّد؟

بنص جريء وأداء نقدي وديكور بسيط، طرح هذا العمل ظاهرة انتشار الجريمة في تونس التي أصبح فيها القتل أمراً عادياً، بأداء متميّز لأجيال مختلفة من الممثّلين بأجسادهم وأصواتهم وحركاتهم وصدق ملامحهم، بالإضافة إلى التقنيات المستخدمة في هذا العمل التي اعتبرها السعيدي "بنت وقتها" فاللّعب على عالم الصورة والأضواء والموسيقى وكيفية الطرح كلّها وسائل سعى من خلالها السعيدي لاستقطاب الجمهور للتفاعل والتفكير حول المسائل المطروحة في هذا العمل.

في "تائهون" تعالت أصوات الممثلين وانتفضت أجسادهم بحثاً عن أسباب ارتفاع نسبة الجريمة في تونس ومحاولة تفكيك عالمها اجتماعياً ونفسياً والبحث في عوامل تفاقمها ودوافع كل هذا العنف والانفلات والدموية والوحشية التي سادت مجتمعنا.

Dark side أو "الجانب المظلم" عمل نقدي جدلي كشف عن تلاشي القيم والمبادئ وانعدام الإنسانية في يومنا هذا ليبيّن حالة التّيه التي يعيشها هذا الجيل في اللغة والأفكار واللباس... نتيجة تراكمات منذ الاستقلال وصولاً إلى الحاضر "كلنا تائهون " حسب نزار السعيدي فالجميع مساهم في هذا التّيه: العائلة والمنظومة التربوية والأمنية والإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والمجتمع المدني...

"تائهون" عمل طُرح بأسلوب بسيط وسهل استوعبه الجمهور وفهمه، فاللغة والقضايا المطروحة ووضعيات الشخصيات قابلة لأن يفهمها أي شخص ويحاول تفكيك وشرح قضاياها مع أطراف هذا العمل كما عبّر عن ذلك نزار السعيدي الذي رأى أن الجدية في هذه المسرحية هي التي جعلت المشاهد يفكر ويتجادل مع ما كل ما طُرح على المسرح.