لقاح "الحزام الناري" في درهم وقاية

الدكتور أشرف عبد القيوم أمير 04 أغسطس 2022

على الرغم من الخسائر المادية والمعنوية التي تكبّدها العالم لسنوات طويلة بسبب جائحة كورونا، إلا أنه يمكننا اعتبار هذه الجائحة محنة تحتضن منحة عظيمة، بحيث تشكّلت خلالها سلوكيات صحية مجتمعية جديدة تبنّت السبل الوقائية والإجرات الاحترازيه كنمط حياة جعلنا نتعايش مع هذه الجائحة بكل وعي واقتدار، فعدنا إلى حياتنا الطبيعية ونحن نحمل في عقولنا فكراً جديداً يعزز مفهوم الوقاية ويرسّخ سلوك الحمايه الفردية والمجتمعية من الأمراض المعدية. ولم تقتصر هذه المنحة على ذلك فقط، بل بدأنا نلحظ ونلمس اهتمام الدول، وبالذات تلك التي خاضت تجربة الجائحة المرّة ومُنيت بخسائر فادحة، ووضعت نصب عينيها هاجس عودة تفشي الأمراض المعدية فسارعت الى تفعيل نظامها الصحي لتضع رصد واحتواء الأمراض المعدية في أعلى قائمة أعمالها للحفاظ على سلامة المجتمع وحماية اقتصاد الوطن.

وبعد النجاح الباهر الذي حققته المملكة العربية السعودية في احتواء الجائحة وإدارتها بكفاءة عالية لمنع تفشي الوباء بأسلوب حِرفي وذكي، بفضل الله أولاً ثم بفضل القرارات الحكيمة والإجراءات الاستباقية التي اتخذتها حكومتنا الرشيدة وتبنّتها وزارة الصحة والقطاعات المشارِكة، باتت المملكة مثالاً ونموذجاً يُحتذى به في إدارة الجوائح.

ويشهد المجتمع السعودي اليوم متغيرات ديموغرافية، بحيث سيتضاعف عدد السكان وفئة كبار السنّ ويزداد العمر الافتراضي للفرد السعودي الى 81 عاماً بحلول عام 2045، وتتزايد معه معدلات الإصابه بالأمراض المزمنة مثل الضغط والسكري وأمراض القلب وغيرها، مما سيجعل الفرد المعمّر أكثر عرضةً للإصابة بالأمراض المعدية، والسبب هو ضعف المناعة الذاتيه وقصور استجابة الجسم للتصدي بكفاءة لهذه النوعية من الأمراض.

وإذا سلّطنا الضوء اليوم على فئة البالغين ممن هم فوق سنّ الخمسين وأكثر، فسنجد أن "الحزام الناري" من أشد الأمراض المعدية التي تصيب هذه الفئة من المجتمع. ونحن ندرك جميعاً أن هذا المرض يبدأ منذ الطفولة المبكرة حين يصاب الطفل بفيروس الجديري المائي ( Chicken Pox )، وبعد الشفاء منه يبقى الفيروس خاملاً فى بعض العقد العصبية، وينشط من جديد بعد مرور عقود من الزمن حيث يعاود الظهور في صورة "حزام ناري" عند كبار السنّ فيعانون من سخونة أو حرقان على سطح الجلد مصحوب بحكّة، وبعد أيام عدة تظهر البثور أو طفح جلدي مؤلم في صورة حويصلات مائية بارزة على سطح جلدي ملتهب يمثّل مسار نطاق عصبي محدّد، وعادة ما يظهر في منطقة الصدر أو البطن، ولعل أشدّ أنواع "الحزام الناري" خطورةً، ذاك الذي يصيب العين ويُعرف بـ "الهربس النطاقى العيني" (Herpes Zoster Ophthalmicus)... حيث من الممكن أن يؤذي القرنية ويُحدث التهابات قد تؤدي الى فقدان البصر. 

ومن الجدير ذكره أن من الممكن أن يكون "الحزام الناري" مُعدياً، حيث ينقل الشخص المصاب به العدوى لأي شخص ليست لديه مناعة ضد فيروس الجدري المائي. وتحدث العدوى عادةً لدى ملامسة إحدى البثور المفتوحة من الطفح الجلدي الذي سبّبه "الحزام الناري". ويُصاب المريض بـ"الحزام الناري" مرة واحدة في حياته، ومن النادر أن تتكرر الإصابة بهذا المرض لمرتين أو أكثر. وتُشير الدراسات إلى أن معدل الإصابة بهذا المرض مرتفع نسبياً، حيث يُصاب شخص من بين كل ثلاثة أشخاص بهذا المرض على مستوى العالم.

وكشفت إحدى الدراسات الحديثة أن مرضى القلب من كبار السنّ من المحتمل أن يصابوا بـ"الحزام الناري" بنسبة 20 -30% ومرضى الانسداد الشعبي الرئوي 30% ومرضى السكري 40%. وبسبب الجهاز المناعي المنهك بعد الشفاء من "كوفيد 19"، تصل احتمالية الإصابه بـ"الحزام الناري" الى 15 %.

وقد تستغرق مدة الإصابة بـ"الحزام الناري" حتى الشفاء التام منه فترة تُراوح من أسبوعين إلى خمسة أسابيع، ومن أكثر المضاعفات حدوثاً وانتشاراً بعد الشفاء من هذا المرض، الألم العصبي التالي للهربس، وهو يظهر على شكل ألم في المنطقة التي ظهر فيها الطفح الناتج من "الحزام الناري"، ولكن الألم يستمر لمدة طويلة قد تصل إلى أشهر أو سنوات، وفي بعض الحالات يبقى الألم مدى الحياة، فيفقد المريض القدرة على القيام بأعماله ويُصاب بالإحباط والاكتئاب.

وللوقاية من "الحزام الناري"، وفّرت وزارة الصحة حالياً لقاح Shingrix، وهو يؤخذ على هيئة جرعتين أعلى الذراع، على أن يتم الحصول على الجرعة الثانية خلال 2-6 أشهر من تلقي الجرعة الأولى، فاللقاح يلعب دوراً في تقليل خطر الإصابة بالمرض بنسبة تزيد على 90 % لعمر الخمسين سنة وما فوق.

لذا أدعو كل أفراد المجتمع ممن هم فوق سنّ الخمسين لأخذ اللقاح الذي سيقيهم من مضاعفات مرض "الحزام الناري" ويخفّف من تبعاته، فـ"درهم وقاية خير من قنطار علاج".