متحدثة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين دلال حرب: المقيمون في لبنان يكافحون للحياة والعودة الطوعية حق لكل لاجئ

فرح جهمي - بيروت 04 سبتمبر 2022

قد يبدو للبعض أن مسألة الهجرة واللجوء من الأمور البديهية التي تحصل نتيجة أي حرب أو أزمة تطال بلد ما، ولكن في الحقيقة هي من أخطر الظواهر الاجتماعية التي تترك آثارها الخطيرة ليس فقط على اللاجئين الهاربين من ويلات ما يعانونه في بلادهم إنما أيضاً على الدول المستضيفة لهم. فعلى الرغم التأثير الايجابي وتحريك العجلة الاقتصادية والاستثمارات التي تحصل في بعض الميادين من قبل اللاجئين، إلا أن تركيز الدول والمجتمع الدولي ينصب على تأثير اللجوء السلبي على الدولة المضيفة لهم ومواطنيها من كافة الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والسياسية والبنى التحتية وغيرها.


ومن المعروف أن هناك عوامل كثيرة وفي مقدمتها الحروب والقمع السياسي والأزمات الاقتصادية تجبر ملايين الأشخاص على ترك منازلهم وأرزاقهم في بلدهم الأمّ والهجرة القسرية إلى دول أخرى بحثاً عن الأمان والرخاء، وقد يستمر هذا الوضع لسنوات عديدة، وهذا ما يجبر أكثر الدول تقدماً من الوقوف بكل ما تملكه من قدرات سياسية واقتصادية عاجزة عن إيجاد حلّ جذري لهذه المشكلة، وقد يلجأ البعض منهم الى مبدأ الترحيل الإجباري أو التضييق على اللاجئين لحثهم على فكرة العودة الطوعية الى بلادهم بهدف التخفيف من الأعباء المترتبة على وجودهم والتأثيرات المرافقة لها، وهذا ما يحصل فعلياً منذ بداية هذا العام مع اللاجئين السوريين المقيمين في الدول الاوروبية وتركيا والاردن ولبنان وغيرها من دول العالم. وفي هذا السياق تحدثنا مع السيدة دلال حرب، المسؤولة الإعلاميّة والمتحدّثة الرسميّة لدى المفوّضية السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين في لبنان UNHCR، عن أوضاع اللاجئين في ظل التضخم وانهيار العملة الوطنية وشبه إفلاس الدولة اللبنانية والأزمات الصعبة التي تمر بها البلاد منذ العام 2019.


- كيف تأثر اللاجئون السوريون بأزمات لبنان المختلفة التي يعاني منها حالياً؟

يمرّ لبنان اليوم، بأسوأ أزمة إقتصادية ومالية يشهدها منذ عقود، في ظل الأزمة الإقتصادية المتفاقمة وتداعيات كوفيد 19، وفي الوضع الحالي، يكافح اللاجئون المقيمون فيه من أجل البقاء على قيد الحياة. ونصف سكان لبنان يعيشون تحت خط الفقر. فبحسب التقييم السنوي لجوانب الضعف لدى اللاجئين السوريين الذي تجريه المفوضية، تعيش تسعة من أصل كل عشر أسر لاجئة في فقر مدقع على الرغم من زيادة المساعدات الإنسانية خلال العام الماضي. ولحظ التقييم أيضاً زيادة انعدام الأمن الغذائي، وتبني الأسر بشكل متزايد للإستراتيجيات السلبية للتأقلم كخفض الإنفاق على الغذاء والإيجار والرعاية الصحية، وإخراج الأطفال من المدارس، وإشراكهم في عمالة الأطفال وغيرها. هذا وتُعدّ اللاجئات جزءا من الفئات الأكثر ضعفاً من النساء المتأثرات بالأزمات الاجتماعية والاقتصادية.

وتشير التقديرات إلى أن لبنان يستضيف 1.5 مليون لاجئ سوري وأكثر من 13.600 لاجئ من جنسيات أخرى. وتم تسجيل 839.086 لاجئاً سورياً لدى مفوضية اللاجئين اعتباراً من آذار 2022.

نصف سكان لبنان يعيشون تحت خط الفقر

- إشرحي لنا أكثر عن برامج إعادة توطين اللاجئين خارج لبنان، وهل تستمر الأمم المتحدة في تطبيقه؟

في حين أن إعادة التوطين إلى بلد ثالث هي حلّ محدود، فهي تظل حلّ رئيسي للعديد من اللاجئين الذين لا يستطيعون العودة إلى ديارهم ولديهم احتياجات خاصة لا يمكن تلبيتها في البلد الذي طلبوا فيه اللجوء. حصص إعادة التوطين تنقذ الأرواح وتوفر فرصة لبداية جديدة، ولذلك تدير المفوضية برنامج إعادة التوطين. ففي العام 2021، كان لبنان ثاني دولة في العالم تقدم أكبر عدد من حالات إعادة التوطين. وغادر ما مجموعه 6.246 فرداً إلى 17 دولة إعادة توطين في العام 2021. نصفهم من النساء والأطفال. وهذا العام، غادر 1.769 لاجئاً إلى 14 دولة مختلفة منها: الأرجنتين، أستراليا، كندا، فنلندا، فرنسا، المملكة المتحدة، ايرلندا وهولندا والنرويج ونيوزيلندا وإسبانيا والسويد وسويسرا والولايات المتحدة الأميركية. ومع ذلك، فإن المزيد من فرص إعادة التوطين أمر أساسي للاجئين في لبنان، لا سيما في هذا الوقت الحرج.

 العودة الطوعية إلى الوطن بأمان حق أساسي لكل لاجئ.

- هناك بعض الدول تطالب بعودة اللاجئين الطوعية الى بلادهم، ما هو موقف الأمم المتحدة من هذا الأمر؟

إن العودة الطوعية إلى الوطن بأمان وكرامة هي حق أساسي لكل لاجئ. في حين أن معظم اللاجئين السوريين يأملون في العودة إلى سوريا يوماً ما، فإن قرارهم بالعودة وبعدمها يعتمد على عدّة عوامل. يقول اللاجئون للمفوضية أنهم ما زالوا قلقين بشأن عدة عوامل، بما في ذلك: السلامة والأمن، السكن، الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش. فمن المهم أن يتمكن اللاجئون من اتخاذ قرار مستنير حول عودتهم، أي تكون لدى اللاجئ معلومات كافية حول المكان الذي سيعود إليه طوعياً، ويكون واقع الحياة في هذا المكان مطابقاً للمعلومات التي على أساسها اتخذ اللاجئ قراره بالعودة. لذلك تعتمد الأمم المتحدة على مكوّنات قانونية محددة للتأكد من سلامة العائدين من اللاجئين من تلقاء أنفسهم، وهي أن تكون العودة طوعية، كريمة، ودائمة، أما بالنسبة لشرط الأمان، فينقسم إلى أمان جسدي، وأمان مادي، وأمان قانوني، وأمان نفسي- اجتماعي.


- كيف تحمي المفوضية اللاجئين الرافضين العودة من هذه الإجراءات؟

مع إعلان العديد من الدول البدء بالإجراءات اللازمة لضمان عودة طوعية لملايين اللاجئين السوريين إلى بلادهم، نشرت المفوضية مجموعة من الاعتبارات الضرورية لحمايتهم بموجب معايير إتفاقية 1951، حيث تعتبر أن التغييرات في الظروف الموضوعية في سوريا، ومنها التحسّن النسبي في أجزاء مختلفة من الأراضي السورية ليست أساسية ومستقرة ومستدامة بحيث تبرر إنتفاء أسباب اللجوء، وبالتالي ينبغي مراجعة وضع اللاجئين كل حالة على حدة للتأكد من أن الظروف تسمح بإنتقالهم وبعودتهم إلى بلدهم وبأن هناك مؤشرات كاملة لإلغاء صفة اللجوء عنهم. وكذلك قدمت المفوضية إرشادات مفصلة لمساعدة اللاجئين على تقييم خيار عودتهم ومعرفة مدى ملاءمة الظروف من الناحية الأمنية على الأرض كي لا يتعرض أي لاجئ لمخاطر إضطهاد جديد أو لأي ضرر جسيم.

أما بشأن عودة اللاجئين من لبنان، فإن المفوضية تدرك التحديات التي يواجهها البلد حالياً وتستمر في الوقوف إلى جانب لبنان، ولكن كل هذا لا يغيّر حقيقة أن لبنان بحاجة إلى الوفاء بالتزامه بمبادئ حماية اللاجئين، بما في ذلك مبدأ عدم الإعادة القسرية والحق الطوعي بالعودة بأمان وكرامة. وإدراكا منها لتحمل لبنان مسؤوليته الدولية من خلال استضافة أعدادٍ كبيرة من اللاجئين لأكثر من عقد من الزمان، تدعو المفوضية أيضاً المجتمع الدولي إلى مواصلة الوقوف إلى جانب لبنان ودعم الأشخاص الأكثر ضعفاً في لبنان، بما في ذلك اللبنانيون.

المفوضية تدعم لبنان للتخفيف من تأثير تدفق اللاجئين

- ما هي المساعدات التي لا تزال الأمم المتحدة تقدمها للاجئين وهل هي كافية؟

من خلال التمويل المتاح حالياً للمساعدات الإنسانية، تستطيع المفوضية وحدها أن تدعم 55٪ من العائلات السورية اللاجئة الأشد ضعفاً بمساعدات نقدية شهرية (مليون ليرة لبنانية لكل أسرة في الشهر). أما مع المساعدات النقدية والغذائية الشهرية لبرنامج الأغذية العالمي، فيمكن للمفوضية وبرنامج الأغذية العالمي معاً الوصول إلى 98 في المئة (اعتباراً من ايار هذا العام) من اللاجئين السوريين الأكثر هشاشة. وتسمح هذه المساعدات للمفوضية وبرنامج الأغذية العالمي بدعم العائلات اللاجئة التي تعيش في فقر مدقع. ومع ذلك، وعلى الرغم من المساعدات المقدمة، لا تزال العائلات مجبرة على اتخاذ خيارات صعبة للبقاء على قيد الحياة. ومن المهم توضيح أنه على عكس ما يُتداول شعبويّاً وفي تقارير إعلامية، يتلقى اللاجئون في لبنان في الوقت الحالي مساعدات نقدية بالعملة المحلية وليس بالدولار الأميركي.

- كيف تساعد مفوضية اللاجئين لبنان في ظل الأزمات التي يعيشها؟ 

مع أن المفوضية كما يشير اسمها ورسالتها تهتمّ بشؤون اللاجئين، ولكننا ندعم أيضاً اللبنانيين إن كان عبر المؤسسات الرسمية والمجتمعات المحلية أو كمساعدات مباشرة للعائلات اللبنانية. فمنذ عام 2011، تم استثمار أكثر من 372.91 مليون دولار أميركي في المؤسسات والبنى التحتية اللبنانية. ويساعد هذا الدعم المجتمعات على التخفيف من تأثير تدفق اللاجئين، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وتأثير انفجار بيروت، والآثار المترتبة عن كوفيد 19. كمثال على المساعدة المباشرة للعائلات اللبنانية، حيث قمنا خلال فصل الشتاء الماضي، بدعم العائلات اللبنانية الأكثر ضعفاً بمساعدات نقدية بالدولار الأميركي أو مواد إغاثة لفصل الشتاء لمساعدتهم على التأقلم بشكل أفضل مع الظروف القاسية وقد تم تزويد أكثر من 45 ألف عائلة لبنانية بالدعم الشتوي. أما البلديات فندعمها على سبيل المثال عبر تزويدهم بالمازوت وتأمين حلول للطاقة البديلة لإنتاج الكهرباء وضخّ المياه إلى بيوت الأهالي وغيرها من المساعدات التي تؤمّن الحاجات الأساسية والضرورية في هذا الوضع الراهن. أما من خلال استجابتنا لجائحة كورونا فقمنا بدعم المستشفيات على مستويات عدة، كما شاركنا وزارة الصحة بالحملة الوطنية للتلقيح منذ بداية إطلاقها لمواجهة فيروس كورونا وحماية المجتمعات بغض النظر عن جنسيتهم.

إلى ذلك، أذكّر بأنه في 20 حزيران الجاري، تم إطلاق خطة لبنان للاستجابة للأزمات LCRP التي تناشد الحصول على 3.2 مليار دولار لتقديم المساعدة الحيوية للأشخاص المحتاجين ودعم البنى التحتية العامة وقطاع الخدمات والاقتصاد المحلي في لبنان، وسط نقاط ضعف متفاقمة. وتجمع خطة لبنان للاستجابة للأزمة أكثر من 126 شريكاً لمساعدة 3.2 مليون شخص من الأكثر ضعفاً يعيشون في لبنان. ويهدف إلى تقديم الدعم إلى 1.5 مليون لبناني و1.5 مليون لاجىء سوري وأكثر من 209 ألف لاجئ فلسطيني.

- ما هي خطة لبنان لتلبية احتياجات اللاجئين في ظل أزماته؟

إن خطة لبنان للاستجابة للأزمة لعام 2022، هي استجابة لأصحاب المصلحة المتعددين تشارك في قيادتها الحكومة والأمم المتحدة وتساهم فيها مجموعة واسعة من المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية. وتتبنى خطة الاستجابة نهجاً متكاملاً لتلبية احتياجات كل من اللاجئين السوريين والفلسطينيين من سوريا والمجتمعات اللبنانية المضيفة من خلال مجموعة من التدخلات الإنسانية وبرامج تحقيق الاستقرار، بما في ذلك التركيز على ضرورة الحفاظ على تقديم الخدمات من خلال المؤسسات العامة على المستوى المحلي .

وأظهرت المساعدة البالغة 9 مليارات دولار أميركي المقدمة من خلال خطة لبنان للاستجابة للأزمة منذ عام 2015، نتائج ملموسة للمجتمع المضيف واللاجئين. وفي العام 2021، تم تقديم ما يقرب من 2.3 مليون استشارة صحية مدعومة من خلال مراكز الرعاية الصحية الأولية، بما في ذلك أكثر من مليون استشارة للبنانيين وأكثر من مليون للاجئين السوريين، وكذلك تم ضخ أكثر من 375 مليون دولار في الاقتصاد اللبناني من خلال التدخلات القائمة على النقد لدعم الأسر السورية واللبنانية والفلسطينية الضعيفة.

واستجابة للاحتياجات الغذائية المتزايدة، تم تزويد ما مجموعه 2.1 مليون فرد من هؤلاء السكان بمساعدات غذائية عينية ونقدية، بزيادة قدرها 45٪ مقارنة بعام 2020. ومن ضمن هذا العدد، تلقى 572 ألف شخص طروداً غذائية، بما في ذلك أكثر من 350 ألف لبناني.

وكذلك يقدم برنامج LCRP مجموعة من المبادرات الإنسانية والتنموية الأخرى المدعومة دوليا في لبنان. وتهدف خطة الاستجابة للطوارئ (ERP)، التي تم إطلاقها في آب 2021، إلى تلبية احتياجات الفئات الأكثر ضعفاً من اللبنانيين واللاجئين الفلسطينيين في لبنان المتأثرين بالأزمات المتعددة. وفي الفترة الأخيرة، تمت المناشدة بـ546 مليون دولار لبرنامج تخطيط موارد المؤسسات بهدف تلبية الاحتياجات حتى نهاية عام 2022. بالإضافة إلى ذلك، يوفر برنامج شبكة الأمان الاجتماعي في حالات الطوارئ، الممول من البنك الدولي من خلال قرض، مساعدة نقدية شهرية لما يقرب من 60 ألف شخص من أفقر العائلات اللبنانية بالدولار الأميركي لمدة عام. ويسعى هذا البرنامج إلى الوصول إلى 150 ألف عائلة.


- ما هي السياسات التي تطبّقها المفوضية لحماية اللاجئين من النساء والاطفال؟

وسط احتياجات اللاجئين لرعاية الصحة النفسية، استفاد أكثر من 263 ألف طفل سوري ولبناني وفلسطيني و10 آلاف من مقدمي الرعاية من أنشطة الدعم النفسي والاجتماعي المركزة، في محاولة للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وتم دعم أكثر من 119 بلدية لتعزيز تقديم الخدمات الأساسية وتقليل ضغط الموارد من خلال مشاريع الدعم المجتمعي في المجتمعات المعرضة للخطر، بما في ذلك إعادة تأهيل البنى التحتية لسبل العيش والتعليم والأراضي الزراعية.


دعت مفوضية الأمم المتحدة إلى وقف الإعادة القسرية للاجئين السوريين من مختلف الدول المستضيفة وذلك بسبب إستمرار الصراع وإنعدام الأمن والتلوت من مخلفات الحرب، إضافة إلى العنف المفروض على العائدين، والدمار الهائل والأضرار التي لحقت بالمنازل والبنى التحتية، وتعمق الأزمات الإقتصادية. وأكدت أن الإعادة القسرية في معظم الحالات لا رجعة فيها نظراً للسيطرة الصارمة التي تفرضها الدول على حدودها، لذلك لا بدّ من أخذ كافة الترتيبات لضمان عودة آمنة للمدنيين إلى بلدهم.