المرشّحة لرئاسة الجمهورية اللبنانية مي الريحاني: السياسة رجل... وامرأة!

حوار: فاديا فهد 28 أكتوبر 2022

تخوض مي الريحاني، المتخصّصة بالإنماء العالمي وصاحبة العلاقات الدولية الأوسع، معركة انتخابات الرئاسة اللبنانية، بكلّ عزم وإرادة، واضعةً نصب عينيها أهدافاً تنموية مهمّة. هي ابنة أخ الكاتب والمفكّر الثوري أمين الريحاني. وقد نهلت من أفكاره الإصلاحية والثقافية، خصوصاً لجهة مطالبته بالمساواة بين الرجل والمرأة وتحقيق العدالة وصون الحريات الفكرية واستقلال القضاء... في هذه المقابلة الخاصّة، نتعرّف إلى امرأة جريئة وواثقة وداعمة لقضايا المرأة الى أبعد الحدود. 


- مي الريحاني، المرشّحة لرئاسة الجمهورية اللبنانية، في ظروف لبنان الاقتصادية الأصعب. عرّفينا عن نفسك أكثر؟

أنا ابنة بلدة الفريكة المتنيّة اللبنانية. والدي هو ألبرت الريحاني وعمّي الكاتب والمفكّر أمين الريحاني. نشأت على حبّ لبنان واحترام تعدّديته وثقافاته الناشئة عن هذه التعدّدية. درست في الجامعة الأميركية في بيروت، ثم انتقلت الى فرنسا ومن ثم الى أميركا حيث عملت في مجال الإنماء العالمي، وتخصّصي هو ربط التربية بالاقتصاد. عملت في أكثر من أربعين دولة عربية وآسيوية وأفريقية. وعملي هذا ساعدني في التعرّف على مشاكل هذه الدول في العمق، وكيفية إعداد المشاريع الإنمائية التي تساعد في حلّ هذه المشاكل. وقد بنيت شبكة علاقات مهمّة يمكن الاستفادة منها لإعادة إنماء لبنان وبناء الدولة التي يحلم بها كلّ لبناني. 

- أيّ مشروع تُعدّين للبنان في حال وصولك الى سدّة الرئاسة؟

مشروعي يندرج تحت عنوان "إنقاذ الكيان اللبناني، واسترداد الدولة"، وهو مبنيّ على أربعة محاور، هي: المحور الأول هو تطبيق الدستور، والمحور الثاني هو محور اقتصادي إصلاحي يهدف الى إصلاح القطاعات المختلفة، وإعادة الثقة بلبنان كي نبني اقتصاداً استثمارياً ناجحاً. المحور الثالث هو استقلال القضاء عن السياسة لإقرار العدالة. والمحور الرابع والمهمّ جداً هو استعادة العلاقات الخارجية القويّة بين لبنان ومحيطه العربي، وبينه وبين الغرب. وهنا أطالب بالحياد اللبناني عن النزاعات الإقليمية والعالمية، واحترام وجه لبنان العربي والعلاقات التي طبعت تاريخ لبنان مع دول عربية لعبت دوراً مهمّاً فيه مثل المملكة العربية السعودية.

- تترشّحين ضد منظومة سياسية ذكورية لا مكان فيها للمرأة إلا ضمن إنمائها الحزبي، ما هو سلاحك؟

سلاحي هو إيماني بلبنان. وحزبي هو الشعب اللبناني، من الشمال الى الجنوب، ومن البقاع الى الساحل. كذلك فإن الاغتراب اللبناني هو حزبي وهو من دعم ترشيحي.

- هل السياسة رجل؟ 

السياسة شعب، والشعب مؤلّف من رجال ونساء. فلماذا يصرّ البعض على أن يُلبس السياسة بذلة ذكورية؟ 

- وماذا عن الاقتصاد، أهو رجل أيضاً؟

الاقتصاد رجل وامرأة. تساهم المرأة في الإنماء المجتمعي والاقتصاد الوطني من طريق عملها في مؤسسات كبرى، كما من منزلها في أعمال حِرفية صغيرة أو خدماتية بسيطة تساعد في تأمين مدخول لعائلتها. المرأة التي تحيك الصوف في بيتها وتبيعه هي امرأة مساهمة في الاقتصاد المحلّي، كذلك المرأة التي تصنّع المونة وتبيعها أو تعطي دروساً خصوصيّة أو ترسم على الخزف إلخ... هؤلاء النساء يساهمن من منازلهنّ في الانماء الاقتصادي.


- كيف سيؤثر وصول امرأة الى سدّة الرئاسة في السياسة في لبنان وقضايا المرأة؟

إذا وصلتُ الى سدّة الرئاسة في لبنان سيكون أمراً مهمّاً لأنني سأكون أوّل امرأة عربيّة تصل الى هذا المنصب، وهو ما يؤكّد على وجه لبنان الحضاري والريادي. ووصول امرأة الى سدّة الرئاسة سيكون سابقة مهمّة تعطي المرأة وقضاياها دفعاً إضافياً، وتمهّد الطريق لوصول نساء أخريات الى مواقع سياسية مهمّة في لبنان والعالم العربي.   

- ما هو موقفك من الكوتا النسائية؟

أنا مع الكوتا النسائية شرط أن تكون مرحليّة وهدفها تعويد المجتمع اللبناني على انتخاب النساء وإيصالهنّ الى مراكز حكومية ونيابية وإداريّة مهمّة، بهدف تأمين مشاركتهنّ القرار في بناء وطن قائم على المساواة.   

- عملت مع الأمم المتّحدة على برامج تعليم الفتيات وتمكين المرأة، ماذا يمكن العمل لفرض تعليم الفتيات العربيات، خصوصاً أن نسبة تعليم الفتيات في بعض الدول العربية هي بين الأدنى عالمياً، وتحديداً في الأرياف والمناطق النائية؟

لا يمكن أن نتحدّث عن تقدّم مجتمع معيّن في ظلّ إهمال تعليم الفتيات. أمّية المرأة تؤثّر سلباً في اقتصاد العائلة وصحّتها وتعليم الأطفال. المرأة التي تُجبر على ترك الدراسة في سنّ 11 سنة، تفوتها أمور كثيرة تدرّس في المناهج الثانوية تتعلّق بالصحّة النفسية والتغذية والنظافة والبيئة والتربية المدنيّة... وهي أمور أساسية في تربية الأجيال الصاعدة. ونحن نعلم أن المرأة في كلّ مجتمعات العالم هي المسؤولة الأولى عن تربية الأطفال والرجل هو المسؤول الثاني. من هنا أهميّة تعليم المرأة كي تكون الأمّ الصالحة والموجِّهة لأولادها تربوياً وبيئياً واجتماعياً ونفسياً وغذائياً... إلخ.

- عملت في اليمن على إعادة الفتيات الى مقاعد الدراسة، أخبرينا عن عملك في هذا المجال؟ 

اجتمعت في أرياف اليمن مع الآباء والأمهات لمعرفة سبب تسرّب الفتيات من المدارس بعد عمر العشر سنوات. واستنتجت من اجتماعاتي المختلفة أن للأهل مطالب عدّة لعودة بناتهم الى المدارس، أهمّها أن تكون المدرسة قريبة من البيت حفاظاً على أمن البنات اللواتي يقصدن المدرسة سيراً على الأقدام، كذلك أن يكون الطاقم التعليمي من النساء فقط، ولا يكون هناك اختلاط بين الفتيات والفتيان. وهنا طالبت وزارة التربية بتدريب عدد كافٍ من المعلّمات، وبناء مدارس للفتيات فقط. هذه المشكلة موجودة في اليمن، وفي صعيد مصر، وفي أرياف السودان والمغرب والجزائر.


- من واقع عملك الميداني في الدول العربية المختلفة، ما الذي لمسته أكثر لجهة التمييز في التعليم في الوطن العربي؟

من واقع عملي الميداني والتنسيقي مع حكومات العالم العربي، يمكنني القول إن نسبة الطالبات في الجامعات الخليجية أكبر من الطلاب الجامعيين، خصوصاً أن الشبان في الخليج يسافرون أكثر لمتابعة دراستهم الجامعية في أميركا وبريطانيا وغيرهما. بمعنى آخر أن الفتيات الخليجيات لا ينقصهنّ العلم ولا الثقافة، وقد أنصفتهنّ الحكومات الخليجية المختلفة في هذا المجال. لكن المشكلة تكمن في خلق الوظائف لهؤلاء. فالإحصاءات تشير الى أن الوظائف المهمّة تُعطى للشبان الخرّيجين أكثر من الفتيات الخرّيجات، من منطلق أن للرجل الأولويّة كمعيل للعائلة. وهنا ننادي بوجوب خلق فرص العمل للفتيات الخليجيات، خصوصاً أن المرأة باتت في الكثير من الأحيان معيلةً لوالديها إذا كانت وحيدةً، ومعيلةً لإخوتها إذا كانت الأخت الكبرى في عائلة كبيرة، أو إذا كانت مطلّقة أو أرملة فهي معيلة لأطفالها. من هنا وجوب توفير فرص العمل للفتيات والنساء. 

- ماذا عن حصر المرأة بمجالات مهنيّة معيّنة وحؤولها دون الوصول إلى مراكز متقدّمة في مجالات العمل المختلفة؟

ثمّة حقول عمل عدة تنجح فيها المرأة أكثر من الرجل، غير التعليم والتمريض. فقد أثبتت الدراسات الغربية أن المرأة مبدعة في مجالات الطاقة المتجدّدة الرائجة. كذلك نلاحظ أن النساء محرومات من الترقية والمراكز القيادية. وهنا أقول إن لا بدّ من تمكين المرأة وتأمين وصولها الى مراكز قيادية من أجل اقتصاد متقدّم. 

- المرأة العربية في الاغتراب، كلمتها مسموعة أكثر منها في وطنها... ماذا تقولين في هذا الشأن؟

في الاغتراب لا تفرقة بين الرجل والمرأة. والمرأة العربية في الاغتراب كلمتها مسموعة مثلها مثل الرجل. لكن لا بدّ من التنويه بالتقدّم الكبير الذي شهدته مجتمعاتنا العربية لجهة تمكين المرأة، وأملنا كبير بالمزيد من الإصلاحات القانونية التي تتيح للمرأة أن تحصل على حقوقها كاملة.

- مي الريحاني هي ابنة أخ الكاتب والمفكّر اللبناني أمين الريحاني، ماذا أخذت من أفكاره الاجتماعية والإصلاحية التي سبقت عصره؟

أجدني متأثّرةً كثيراً بفكر عمّي الكاتب والمفكّر اللبناني أمين الريحاني الاجتماعي والإصلاحي والثقافي... لقد كانت أفكاره سابقة لعصرها، وهو ما نلمسه في كتابه "الريحانيات" الذي نُشر في أوائل القرن الماضي وطالب فيه بإلغاء الطبقيّة والمساواة بين الرجل والمرأة والعدالة والحريات الفكرية واستقلال القضاء... أعتبر نفسي من مدرسة أمين الريحاني الفكرية المتقدّمة وأحمل أفكاره.

- في سجلّك أكثر من 12 كتاباً باللغتين العربية والإنكليزية، ما عنوان الكتاب الذي ستؤلّفينه عن هذه المرحلة الصعبة التي يمرّ بها لبنان؟

سؤال صعب. أعمل حالياً على وضع اللمسات الأخيرة على كتاب ألّفته وقد يكون عنوانه من وحي الأنهار العميقة التي تشبه الأفكار الرئيسية التي تربط بين الشعوب المختلفة.    

- ما هي رسالتك الى المرأة العربية؟

الرسالة التي أوجّهها للمرأة العربية هي أن في استطاعتها أن تحقق الكثير وتصل الى أعلى المراكز إذا عملت بجهد وكدّ وإصرار وإرادة صلبة. أنا مقتنعة بأن المرأة قادرة على الوصول الى كلّ المراكز من إدارة المستشفى والمصنع الى رئاسة الوزراء والجمهورية. تملك المرأة قدرات تعليمية ومهنية مهمّة ومهارات لا يُستهان بها، ولا بدّ من أن تنتزع الفرص ولا تنتظر أن تقدَّم لها على طبق من فضّة. لا حدود لطموحات المرأة ولا يمكن أحداً أن يُحبطها أو يحول دون تقدّمها. 

- حلم يراودك...

إعادة لبنان الى عصر الازدهار وعصر الصداقات مع الشرق والغرب.