الرسامة السعودية أمل فلمبان: إنجازات المرأة السعودية بدأت قبل رؤية 2030 وتستمر بقوة في ظلّها

جدة - آمنة بدر الدين الحلبي 29 يناير 2023

تميّزت مسيرتها الفنية بالعطاء، واغتنت بكل ما تملك من ثقافة الفن حيث حَمَلتها تلك التجربة من مكان إلى آخر، فتجلّى الجمال بكل أبعاده في ضربات فرشاتها التي جعلتها تنطلق من سجن المكان إلى فضاءات الزمان الرحبة، والذي ظل منقوشاً على جسد ذاكرتها بكل معانيه التراثية... وبين الماضي والحاضر كانت هناك فرشاة تقضُّ مضجعها ليل نهار لتعتلي قواربها وتروي حكايات العمر بما حملت من رؤى جميلة وأفكار متلاحقة. عدسة «لها» جالت في معرض للفنانة التشكيلية أمل فلمبان، أقامته في صالة «داما آرت» وحمل عنوان «أمل»، وكان هذا الحوار.


- كسربِ حمام تمر الأفكار في رأس الفنانة أمل، لتخرج بقوارب العمر...

لخّصتُ أفكار مسيرة عشرين عاماً في هذا المعرض، والذي أطلقتُ عليه عنوان «أمل»، وما القوارب إلاّ جواز مرور لنقل الأفكار وربما الأحلام من مرحلة إلى أخرى، ومن مكان إلى آخر، فقد سافرت بأفكاري عبر تلك القوارب التي حملت أجمل ما اختزنته ذاكرتي من رؤى جميلة. لكن قواربي ليست للصيد بالمعنى الحقيقي، بل بالمعنى المجازي الذي جعلني أصطاد فرصاً جميلة وأوقاتاً جيدة لأكون في المكان المناسب.


- بماذا خرجت من هذا الصيد؟

إن الأهم في معرض «أمل» هو الخروج بنتائج مميزة وفريدة بعد كل هذه السنين. فخلال عام 2022 كرّست جهودي للتخطيط أولاً لهذا المعرض، ثمّ بدأت بالتنفيذ قبل تسعة أشهر لأعطي كل عملٍ حقه، وعدت أكثر من مرة للتأمّل في كل لوحة على حدة للتأكد من النهايات الجميلة، التي لم تكن يوماً محض صدفة.

- إلى أين أخذتِ المتلقي على متن قوارب العمر التي تعجّ ألوانها بالبرودة تارةً وبالحرارة تارةً أخرى؟

شغف الفن متأصّل في روحي، وعشق اللون يسري في حنايا نفسي التي وجدتها متجهةً الى اللون الأصفر الفاقع الذي يسرُّ الناظرين إليه. تلك النفس الفنية التي كانت في حالة انتعاش لمشاعر فنانة متدفّقة بالحب، عاشقة للغروب الجميل، استخدمتْ الألوان الباردة للقوارب، وانتقلت الى الألوان الحارّة وأطلقتْ على المجموعة عنوان «ذات مساء».

- كيف تترجمين المشاعر في هذه المجموعة؟

ثمة حالة من العشق الدفين، والحب المتفرّد، بيني وبين مجموعة «ذات مساء»، لأن المساء أو الغروب بالنسبة إليّ هو أمل لخلق فجر جديد، أو صباح جميل، لأن الغروب هو الحياة الجديدة والمتجددة، وليس النهاية كما يراه البعض.

- جمعتِ بين مشتقات اللون الأزرق، ما الذي تحبّين ترجمته لتشتعل أعمالك فجأةً بالألوان الحارّة؟

للون الأزرق أكثر من رمزية في روحي، فهو يتمثل بالهدوء والمصالحة مع النفس، ومن درجات الأزرق الغامق كانت الأنا العليا للفن بذروتها. لكن لوحة «زواج في حارتنا» هي دلالة واضحة على دفء المساء في الحارات الشعبية القديمة، بين الجيران والأقارب والأصحاب... كانت حقبة زمنية رائعة.

- هل عشت في تلك البيوت ذات الرواشين الجميلة؟

طبعاً لا، لكنني زرتُ أقاربي فيها وكنت أحلم بالمبيت عندهم، لكن والدتي (رحمها الله) رفضت طلبي هذا، وبقيت ذاكرة الحنين قوية لهذا الجمال، ولا تزال الصور مطبوعة في مخيّلتي من رواشين إلى أبواب قصيرة مع أقفالها، إلى ألوان متعددة وحدائق واسعة، وسلالم مرتفعة.

- من الأصالة إلى المعاصرة، أي من التراث الحجازي القديم إلى روح العصر في أعمالك، هل هو التحدّي للذات كي تصل أمل الى العالمية؟

أعتزّ بتراثي، وأطمح في الوصول معه إلى العالمية، كي أغيّر نظرة الغرب الخاطئة عن وطننا ومجتمعنا، والذي ما زال يفكر بأننا بلا تاريخ ولا حضارة ولا إرث ثقافي، لذلك أسعى بكل جهدي لأنقل لهم حضارتنا المعمارية، وتراثنا الثقافي، وموسيقانا متعددة المقامات، وفننا التشكيليّ المتنوع، وحياتنا الاجتماعية الغنية بالثقافات المتنوعة، وملابسنا المزركشة التي تعدّدت ألوانها واختلفت تصاميمها باختلاف مناطق المملكة العربية السعودية.

- أليس الإعلام هو إحدى وسائل طمس الثقافة العربية؟

طبعاً، لأن الإعلام الغربي يرفض إظهار تاريخنا الصحيح، ودائماً ينقل أموراً خاطئة وغريبة عنّا، ولا يريد لنا الظهور بأي شكل، لدرجة أنني حين كنت في أوروبا سُئلت سؤالاً غريباً: هل لديكم انترنت في السعودية؟ فضحكت وقلت لهم إن السعوديين من أكثر الشعوب استخداماً للنت، وعرضت عليهم صوراً معمارية كثيرة من المملكة العربية السعودية فذُهلوا بها، ولذلك أطمح لأن أصل بفني الى العالمية، وأمحو من ذاكرة الغرب كل السلبيات التي رسمها عنا.

- أعمالك تلك، هل هي تحدٍّ للذات الفنية؟

أجل، هي تحدٍّ لذاتي، وقد حققته بنسبة كبيرة، وأتمنى أن أصل الى الكمال في أعمالي الفنية المقبلة وأضاهي بها فنون العالم.

- قدّمتِ نموذجاً فذّاً من خلال «جدارية مكة» بالغة التميّز، كيف تصفين شعورك حيالها؟

تميُّز هذه الجدارية منحني شعوراً جميلاً، فهي الأضخم في السعودية بحيث يبلغ طولها ٧٥ متراً، وقدّمت أيضاً جدارية أخرى في مطار الملك عبد العزيز طولها 36 متراً، فهذه الأعمال ستكون للأجيال القادمة إرثاً جميلاً وعريقاً يتباهون به بقولهم: جدارية والدتي، أو جدارية قريبتي، أو جدارية صديقتي... فهذا يجعلني مزهوّة بنجاحي، وأفتخر بأنني قدّمت عملًا فنياً متميزاً للوطن بكل شرائحه.


- الجداريتان من التراث الإسلامي، ما السبب؟

نظراً لاختصاصي بالفنون الإسلامية، من المؤكد أن يظهر التراث الإسلامي في أعمالي الفنية، وتزهو بألوانها الجميلة والمتنوعة.

- هل هي النرجسية في كل معارضك التي تُقام في صالة «داما آرت» تحت عنوان «أمل»، أم ماذا؟

رغم حبّي لاسمي وتصالحي مع ذاتي، لا علاقة للمعارض لا علاقة يه، و»أمل» هو طموح لخطوة جديدة وتحقيق فن إبداعي مميز.

- ماذا عن التقنية الجديدة التي استخدمتها أمل فلمبان مع انطلاق معرضها الجديد «أمل» في صالة «داما آرت»؟

انطلاق معرضي تزامن مع عرض نظّمته منصة Saudi NFt Club للوحات الجدارية الموaثّقة بتقنية Non Fungible Token أو «NFT» (وهذه الرموز غير قابلة للاستخدام)، وتلك التقنية هي لحفظ الحقوق الفنية والأدبية دولياً، بحيث لا يُستنسخ العمل أبداً، وهذا المعرض هو الأول من نوعه لفنانة تشكيلية في السعودية، كما عُرضت اللوحات في العالم الافتراضي الرقمي الجديد Metaverse.

- هل حدث تجوال في المعرض الافتراضي؟

بالتأكيد، فهناك من دخل وتجوّل واقتنى، ولكل لوحة سعرها الرقمي، كما دار نقاش واسع حول بعض اللوحات التي أطلقت عليها عناوين: «ذات مساء»، «القوارب»، «العجلة»، «البوابة»، «الروشان»، و»ليلة زواج في حارتنا»، إضافة الى لوحة ثلاثية اسمها «قهاوي».

- أي اللوحات استوقفت المتلقّي؟

«زواج في حارتنا»، ولوحة كبيرة بعنوان «فوانيس»، وثلاثية تحت عنوان «قهاوي»، أي مقاهي الزمن الحديث. أما لوحتا «البوابة» و»الروشان» فكان فيهما تحدٍّ كبير لأنني استخدمت في رسمهما ثلاثة ألوان فقط، هي: الأزرق والأبيض والبني، أما «ذات مساء» فكان البارز فيها هو الألوان الحارّة.

- هل سينتقل هذا المعرض إلى العالم؟

عليّ البحث والسعي والاجتهاد، لأن الخطوة المقبلة ستكون انتقال المعرض إلى الرياض، وهو مؤلف من 12 عملاً كلها جداريات من التراث الحجازي، والذي هو عشقي الأبدي في جدّة. هذا إضافة الى اللون الذي يحكي كل ما اختزنته الذاكرة من جمال استوطن في مدينة جدّة.

- ماذا تعني لك مدينة جدّة؟

جدّة هي الروح، وأم الرخاء والشدّة، فحين يخنقني الضيق أسارع إلى جدّة القديمة عصراً وأبقى فيها حتى الغروب، فتنفذ إلى روحي رائحة البيوت القديمة، وأشمُّ عبق التاريخ، وأسمع صوت الأذان لأعود أدراجي الى البيت، ويأتي البحر لأحدّثه بكل أموري، فهو يحفظ أسراري وينصتُ لي.

- هل قدّمت في هذا المعرض أعمالاً لإثراء الحركة التشكيلية؟

ظهرت الأعمال بصورة أفتخر بها، وكل من زار المعرض أشاد بالأعمال الحجازية الجميلة التي تطورت بشكل كبير. وقد لفت نظري في المعرض أحد الزائرين حين قال لي: «أرى التفاصيل متلاشية، لكن الجمال يُشرق في اللوحات، وكلما أمعنت النظر فيها رأيت أشياء أخرى أجمل».

- ما هو التحدي الأكبر في معرضك الفني؟

لم أستخدم في معرضي الفرشاة، بل اقتصرت أدواتي على السكين وقطعة بلاستيك اسمها «اسكوجي»، فتخلّيت عن التفاصيل الواقعية، وسعُدت لأن المتلقي رأى تلك التفاصيل المبهمة واستطاع قراءتها.

- حصلت على جوائز عدة في الداخل والخارج، أي جائزة تركت أثراً في نفسك؟

جائزة «مكة المكرّمة الدولية» التي حصلت عليها ضمن مسابقة شاركت فيها 44 دولة ونُظّمت برعاية صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، وكنا أربعة مشاركين من السعودية، وأنا الأنثى الوحيدة بينهم، في تجميل العاصمة المقدّسة «مكة المكرّمة»، والتي افتتحها صاحب السمو الملكي الأمير منصور بن متعب بن عبد العزيز وزير الشؤون البلدية والقروية، فروتْ تلك الجدارية واقع الفن الحجازي الذي يعكس التصميم الرائع للعمارة الحجازية.

وهذا بحد ذاته نجاح كبير حققته بين هؤلاء جميعاً إذ حصلت على جائزة «مكة المكرّمة الدولية»، أعظم وأقدس مكان في العالم، يعجُّ بالروحانية ويزوره ملايين الأشخاص كل عام لأداء مناسك الحج والعمرة.

- ماذا حمّلتك هذه الجائزة للمستقبل؟

حمّلتني مسؤولية كبيرة للحفاظ على هذا المستوى والحرص على الاستمرارية، لأن التراجع يكون نهاية الفنان.


- فزتِ بالمركز الثاني في الفن التشكيلي على مستوى الخليج العربي، كيف قرأت هذا الفوز؟

المشاركة تمت في دولة الكويت وبرعاية الشيخة سعاد الصباح، وأفتخر بأنني حصدت المركز الثاني على مستوى دول الخليج.

- أي نوع من الانتقادات طاول حياتك الفنية؟

في البدايات كان النقد حاداً إلى جارح في بعض الأحيان، حتى بدأ التشكيك في أعمالي الفنية، لكن المثابرة وضعتني أمام تحدٍّ كبير وأثبتُّ بجدارة فني الحجازي الأصيل.

- ما أصعب اللحظات في حياة أمل؟

الفقد كان من أصعب اللحظات التي عشتها، وحصولي على المركز الأول في جائزة «الراجحي المملكة» على مستوى المملكة في شهر رمضان المبارك، ثم جائزة «مكة المكرّمة الدولية» التي كُرّمت بها في شهر شوال، وكنت في قمة نجاحي حين توفي زوجي في شهر ذي القعدة، وهو كان سندي وعمود بيتي... صدمة لن أنساها طوال حياتي.

- وأي دور لعبه زوجك في نجاحك الفني؟

كان زوجي بعيداً عن الفن وأضوائه، لكنه كان يحترم الفن، ويردّد على مسامعي: «ما دمت جادّة في فنك وتحققين النجاح تلو النجاح فأنا سندكُ القوي». كان يشجعني، ويجمع الصحف والمجلات التي تكتب باستمرار عني ويقدّمها لأصدقائه كي يطّلعوا على نجاحي الفني. هذا السند منحني الثقة بالنفس والقوة والاعتزاز.

- بعد حصولك على جائزة «مكة المكرّمة الدولية»، لمستِ دعماً حقيقياً من الحكومة الرشيدة للمرأة تماشياً مع رؤية 2030.

بعد تكريمي من صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، قال جملته الشهيرة «سلّطوا الأنظار عليها»... وقد اعتبرتها وساماً علّقته على صدري كأول امرأة سعودية تتفوّق في مجال الفن.

- وهل تسيرين على خطى الرؤية؟

نعم وبكل فخر، لأنني قبل الرؤية حققت النجاح بحصولي على جائزة «مكة المكرّمة الدولية» كأول سعودية تتفوق في مجال الفن، فترشيحي من جانب الحكومة الرشيدة للقيام بهذا العمل جعلني أعتزّ بنجاحي، وهذا دليل واضح على أن إنجازات المرأة السعودية بدأت قبل رؤية 2030 واستمرت بقوة في ظلّها.

- ما هي خططك للمرحلة المقبلة؟

قبل انتهاء معرضي، خطّطت للمرحلة المقبلة، بحيث بدأت الخروج من نطاق جدّة في المعارض، وأحضّر حالياً لمعرض في الرياض، وأتواصل دائماً مع جهات دولية خارج المملكة.

- ماذا تقول أمل لكل فنانة وامرأة سعودية؟

أقول لها، زمانك جاء فاستغلّيه برؤية حكيمة وأثبتي جدارتك وتفوّقك وأنتِ على أرض الواقع.

- كلمة أخيرة لقرّاء «لها»؟

«لها» مجلة المرأة العربية بعامة والسعودية بخاصة، فهي ترصد نجاحاتها، ولها مني كل الاحترام والتقدير.



الفنانة أمل فلمبان في سطور

- حاصلة على بكالوريوس في الفنون الإسلامية من جامعة الملك عبد العزيز.

- التحقت بدورات عدة في الرسم والتصوير والخط العربي.

- عضو سابق في لجنة الفنون في أمانة جدّة.

- عضو سابق في جمعية الثقافة والفنون في جدة «جسفت».