الفنانة التشكيلية ياسمين الخطيب: هناك من يتربّص بنجاحنا كنساء

مصر, عمل المرأة, ياسمين الخطيب, فنانة / فنانات تشكيلية, كاتبة

07 ديسمبر 2013

رغم قيامها بتأليف ثلاثة كتب، لكنها تحب أن تقدم نفسها للجميع كفنانة تشكيلية أكثر من كونها كاتبة لأنها، وعلى حد تعبيرها، لا ترى نفسها كاتبة محترفة، بينما تعتبر الفن التشكيلي صاحب الأولوية في حياتها العملية التي حققت نجاحاً فيها منذ تخرجها في كلية الفنون الجميلة. ذلك النجاح الذي لم يؤثر أبداً على واجباتها داخل بيتها كزوجة وأم لطفلين. إنها المعادلة الصعبة التي تحكي لنا ياسمين الخطيب كيف نجحت فيها، وتتكلّم عن بيتها وحياتها الزوجية وولديها، وطقوسها في الرسم، وعلاقتها بالكتابة والفن التشكيلي، والقهر الواقع على المرأة والذي تنوي إقامة معرض خاص به.


ماذا عن حياتك الأسرية؟
أقدّس الحياة الأسرية، رغم مروري ببعض القلاقل فيها، فقد تزوجت من المستشار أحمد جلال إبراهيم بمجلس الدولة، ابن المستشار جلال إبراهيم الرئيس الأسبق لنادي الزمالك، ولهذا فأنا وأبنائي زملكاوية جداً، فابني الأكبر أدهم والابن الثاني جلال لديهما مواهب أقوم بتنميتها ونذهب إلى نادي الزمالك لتنمية مهارتهما، وأدهم موهوب في كرة القدم، ويتدرب كحارس مرمى في نادي الزمالك. أما جلال فهو موهوب في السباحة مثل والده الذي كان من أبطال السباحة في مصر.

كيف توفقين بين واجباتك الأسرية ونجاحك ككاتبة وفنانة تشكيلية؟
تنظيم الوقت سر نجاح أي إنسان في الحياة، لهذا أحرص دائماً على تنظيم الوقت بين أسرتي الصغيرة وأسرتي الكبيرة. فأنا أعمل على تواصل الأجيال، ليس على مستوى عائلتي فقط من حيث التواصل بين أولادي وأجدادهم وأخوالهم وخالاتهم، بل والتواصل مع أجداد الأولاد لأبيهم، وكذلك أعمامهم وعماتهم، لأن قيمة الإنسان ترتبط إلى حد كبير بنجاحه في التواصل مع محيطه الاجتماعي حتى في وقت الخلافات، بأن يعلي الجميع «القيم الإنسانية والصداقة»، فهي كفيلة بالمحافظة على شعرة معاوية.

لكن النجاح في العمل قد يطغى أحياناً على الواجبات الأسرية والاجتماعية بمفهومها الواسع. ألا يحدث هذا معك؟
أنا حريصة على تحقيق هذا التوازن قدر استطاعتي، وأستفيد من تجارب الأكبر مني سناً في تحقيق هذا النجاح الأسري وفي العمل، خاصةً إذا كان عملاً حراً مثل الفن التشكيلي، وكذلك من يقود جمعية نسائية مثل نون النسوة، وبمرور الوقت حددت وقتاً مقدساً لأسرتي الصغيرة والكبيرة، وكذلك القيام بدوري الاجتماعي والتعبير عن آمال وآلام المرأة من خلال الفن التشكيلي الذي أجد فيه حياتي. وأعتقد أنني حققت درجة معقولة من هذا النجاح في التوازن، إذ يتفوق ولداي دراسياً، ولديهما طموحات كبيرة أحاول أن أساعدهما على تحقيقها، وكذلك هما متفوقان رياضياً وحصدا بطولات في كرة القدم والسباحة.

كيف بدأت علاقتك بالفن التشكيلي والكتابة؟
شعرت بموهبتي منذ الصغر، وكان والدي يفعل قصارى جهده لصقل هذه الموهبة ورعايتها، لهذا يعود إليه الفضل في نبوغي، فقد كان يعمل دائماً على تشجيعي في مجالي الكتابة والفن التشكيلي، واستمرت رعايته لي حتى انتهائي من دراستي الثانوية ثم دراستي الأكاديمية والعملية للفن التشكيلي، من خلال التحاقي بكلية الفنون الجميلة، وبعدها بعدة سنوات شعرت بالرغبة في إكمال الدراسات العليا في الفن التشكيلي، وعند دراستي للماجستير أصبت بهوس بالقراءة، فتركت الدراسات العليا في الفنون الجميلة، وبدأت الدخول الجاد والحقيقي في مجال الكتابة، بعد أن أصبح لديَّ نهم كبير للقراءة بوجه عام.

هل كان لنشأتك تأثير على ميلك إلى القراءة والكتابة؟
بالتأكيد، لأن والدي سيد عبد اللطيف الخطيب، نشأ في بيئة محبة للكتب والقراءة، وينتمي إلى واحدة من أوائل العائلات التي عملت في مجال الطباعة والنشر في مصر. وأنا تربيت في أجواء تحترم الكتب، ووالدي طوّر المهنة وأدخل عليها أشياء جديدة وهي اللوحات القرآنية، وكان يرسمها بنفسه، فكانت البيئة التي تربيت فيها مليئة بالكتب والطباعة والنشر والفنون. ووالدي عندما لاحظ أنني أملك موهبة عمل على تنميتها في المجالين، ففي مجال القراءة أتذكر أنه فتح لي المكتبة الخاصة به منذ أن كان عمري تسع سنوات، وكانت مكتبة ضخمة جداً، والمرة الوحيدة التي منعني فيها من القراءة كان كتاباً للعقاد بعنوان «هذه الشجرة»، وقال لي إنه يخشى عليَّ من قراءة كتب العقاد، لأن أسلوبه كان صعباً جداً لسني. أما بالنسبة إلى مجال الرسم فكان يشجعني ويحفزني، وعندما لاحظ أنني أحب كتابة الزجل منذ أن كان عمري تسع سنوات، أعطاني المجموعة الكاملة لبيرم التونسي.


مهمة صعبة

كزوجة وأمّ وفنانة تشكيلية كيف وجدت الوقت لتأليف ثلاثة كتب؟
المهمة لم تكن سهلة، لكنه الإصرار، وقد أصبحت نهمة في قراءة التاريخ والحضارة الإسلامية، وأثمر هذا تأليفي كتاباً. وكان هذا الكتاب بحثياً بالدرجة الأولى، على عكس الكتابين الثاني والثالث، فالكتاب الثاني كان عن تأثير ثورة المعلومات، خاصة «الفيسبوك» في الثورات العربية، واخترت عنواناً له هو «هي الحالة إيه؟». أما الكتاب الثالث فهو عن ثورة يناير التي شاركت فيها من أول يوم، ورصدت كل ما فيها من مظاهر، وخاصةً متاجرة البعض بالدين فيها واستيلاءهم على مكتسباتها. وأخرجت كل ذلك في كتاب كوميدي ساخر ومقالات مجمعة كتبتها وقت الثورة نفسها، وعنوانه «قليل البخت يلاقي الدقن في الثورة»، وشعرت بأن شخصيتي تظهر في هذا الكتاب بشكل واضح، وفي الوقت نفسه يعتبر توثيقاً لهذه الفترة من منظور ثوري.

شاركت قبل ذلك في معارض محلية ودولية كثيرة إلا أن هذا العام شهد تنظيمك لأول معرض فردي فماذا تضمّن هذا المعرض من إبداعاتك؟
أعتبر هذا المعرض نقطة بداية حقيقية لأعمالي وحدي، وشهد إقبالاً كبيراً، وكان بعنوان «خالدون»، وتناولت فيه «البورتريه» لكن بشكل مختلف، وهو مزيج بين «البورترية الكلاسيكي» و«البوب آرت»، وقدمت 21 بورتريهاً لشخصيات شهيرة من نجوم المجتمع في الفن والأدب والسياسة، أثّرت في وجداننا وفي حياتنا بشكل كبير جداً، وكان أشهرهم في مجال الفن أم كلثوم وسعاد حسني وأحمد زكي. وتناولت شخصيات للمرة الأولى مثل حسن عابدين وعلاء ولي الدين، وثنائيات مثل شويكار وفؤاد المهندس، ووردة وبليغ حمدي، وكذلك ثلاثي أضواء المسرح. ومن الساسة تناولت محمد البرادعي وسعد زغلول... وهناك معرض آخر أحضّر له بعد العودة من باريس، وهو يتحدث عن الظلم الواقع على المرأة العربية، ويضمّ لوحات رسمتها لنساء يعبّرن بأجسادهن أو بوجوههن عن القهر والانسحاق.

تشاركين نهاية هذا العام في المعرض العالمي للفنون التشكيلية في باريس، فما هو المختلف في هذا المعرض عن غيره؟
لا شك أن مشاركتي هذا العام في معرض باريس الدولي تعد نقطة فارقة في حياتي، رغم أنه معرض جماعي، اسمه «صالون الخريف». وهذه هي الدورة 116 لهذا الصالون التاريخي العملاق الذي يقام في أوروبا منذ زمن بعيد، وهو من أهم الصالونات في أوروبا وأقدمها، وأنا مشاركة بلوحة واحدة– لأن هذا نظام المعرض- وهي لوحة التصوف الإسلامي بعنوان «تجلي»، وسعيدة جداً بها لأن فرنسا هي معقل الفنانين.

تقولين إن الليل ملهم الموهوبين فما هي طقوسك في الرسم؟
وأنا في المرسم أعشق العمل على أصوات الموسيقى والأغاني القديمة، لأم كلثوم وأسمهان وعبد الوهاب وعبد الحليم وفريد الأطرش، فأنا من عشاق الفن الجميل في كل عصر.

من هو مثالك الأعلى في مجال الفن التشكيلي؟
على المستوى العالمي فريدا كاهلو، فنانة تشكيلية مكسيكية، وتعتبر من أهم فنانات أميركا اللاتينية. وعلى المستوى المحلي مثلي الأعلى الفنان عبد الهادي الجزار، لأنه كان فناناً موهوباً، وهو أيضاً رائد الكلاسيكية الحديثة في مصر، كما أنه ترك دراسة الطب وقرر دراسة الفن التشكيلي والعمل فيه، وكان ينتمي لعائلة أرستقراطية جداً، لكنه في الوقت نفسه كان مهموماً بمشكلات المهمّشين، وأشهر لوحاته «الجوع»، وعندما رسمها كان يحاول أن يعبر عن مشاكل الفقراء والمهمشين، وكتب على اللوحة «رعاياك يا مولانا» وقدمها للملك فاروق، وكان أول فنان تشكيلي يسجن، فهو كتجربة إنسانية يستحق الإعجاب.


هموم التشكيليات

ما هي أبرز مشكلات الفنانات التشكيليات في مصر؟
هي مشكلات المبدعات بشكل عام، فهناك تمييز بشكل عام ضد المرأة في المجتمعات العربية، وعندما تدخل المرأة مجالاً، الأكثرية فيه للرجال يكون التمييز أعلى، والفن التشكيلي والرسم والكتابة والموسيقى كلها مجالات الأكثرية فيها للرجال، ولذلك هناك حالة تربص وترصد لنجاح المرأة في أي من هذه المجالات.

بعد الثورة أسست جمعية «نون النسوة»، فما هي أهداف تلك الجمعية؟
الجمعية اسمها بالتحديد «نون النسوة – حركة تشكيليات مصر»، وفكرتها أتت بعد ثورة 25 يناير، وكنا متخوفين جداً من مستقبل الفن بشكل عام ومستقبل الفن التشكيلي بشكل خاص، وكنت أعيش حالة إحباط بعد انتخابات الرئاسة ومجيء محمد مرسي، فقررت أن أعمل في صمت، وأنشأت جمعية تعتني بالمرأة بشكل عام وبهموم التشكيليات بشكل خاص، وعرضت على عدد من صديقاتي الفكرة، ولسن جميعاً تشكيليات لكن فيهن صاحبات مهن أخرى. كما أن الجمعية ليست مقصورة على النساء فقط، لكن هناك رجال مشاركون معنا من المهتمين بقضايا المرأة.

كيف يسير يومك في العمل؟
أنا عكس كل الناس الطبيعيين الذين يعملون نهاراً ويستريحون ليلاً، لأن حياتي مثل غالبية الكتاب المبدعين والفنانين الذين يعتبرون الليل ملهماً لهم، وهذا ما يجعل يومي إلى حد ما غير طبيعي، فكثيراً ما أبدأ العمل من الساعة التاسعة مساء وأظل مستيقظة حتى الصباح لتجهيز الولدين للذهاب إلى المدرسة، إذ أجهز لهما فطورهما ثم أذهب إلى النوم، وهذه تكون المرة الأولى التي أنام فيها، حتى يعودا من المدرسة فأجهز طعام الغداء وأسترجع معهما ما درساه في اليوم الدراسي.