Home Page

كيف يتعلّم الطفل القراءة؟

تربية الطفل / الأطفال, ديسليكسيا, مشكلة / مشاكل النظر, نمو وتطور الطفل / الأطفال, مشكلة / مشاكل نفسية, مشكلة / مشاكل الدراسة, صحة الطفل / الأطفال, مشكلة / مشاكل الذاكرة, قلق الأهل, الرموز البصرية, الأحرف الأبجدية, الصورة الصوتية, اللفظ, الكلمة, السن

20 يناير 2010

يمسك كريم الكتاب ويبدأ بتصفّحه، ويرى كلمات فيها حروف سبق ان تعرّف إليها، فيقول لأمه هذه «أ » وهذه «ج» وتلك رقم «واحد». تفرح أمّه وتتحمس لتعلّمه قراءة الكلمة كلها، لكن كريم يصرّ على لفظ الحرف الذي يعرفه فقط. فلمَ يرفض كريم لفظ الكلمة كلها؟
القراءة والكتابة مفتاحا التعلّم والنجاح المدرسي، وكلّما كان الطفل قادرًا على القراءة في شكل سليم تصبح الكتابة سهلة بالنسبة إليه. ويتفق العلماء على أن هاتين المقدرتين لا تنموان بشكل تلقائي بل هما مكتسبتان، وبمقدار توفير المحيطين الاجتماعي والتربوي السليمين للطفل، تتطوران، حتى المصاب بإعاقة تعلّمية كالديسلكسيا يمكنه أن يكتسبهما إذا ما توافر التشخيص والعلاج السليمان.

ماذا يدور في دماغ الطفل الذي يتعلم القراءة؟
يكتسب دماغ الطفل في البداية الرموز البصرية والأحرف وأسماءها، ومن ثم يأتي الصوت أو اللفظ الذي يتناسب مع الحرف. وخلال التعلم الأساسي يربط دماغ الطفل آليًا بين الأحرف وتسلسلها، كي تكون لديه قدرة على حل رموز ألفاظها التي تكوّن الكلمة. ومن فرط عرض الكلمات المكتوبة يخزن الدماغ الأشكال البصرية للكلمات ويربطها بلفظها الصوتي ومعناها. فيتكوّن قاموس لغة جديد في دماغ الطفل، متصلاً بقواميس ذهنية أخرى تعلّمها بالحوار الشفهي، وتجري إعادة ترتيب النظام البصري عند الطفل واتصاله بنظام الحوار.

هل هناك سن مثالية ليكتسب الدماغ ملكة القراءة؟
هناك أسس مهمة يجب اكتسابها قبل تعلّم القراءة، وبالتحديد أن يعرف الطفل حدًا أدنى من المفردات، إذ لا يمكنه قراءة كلمات وفهم معناها إذا لم يكن يعرفها. ثم يجب أن يكون لديه إدراك صوتي، مما يعني أنه يفهم أن الكلمات مكوّنة من وحدات صغيرة لفظية. وغالبية الأطفال مستعدون معرفيًا بين الخمس والست سنوات للانطلاق في تعلّم القراءة. بعضهم يكون مستعدًا قبل هذه السن وبعضهم الآخر بعدها.

لمَ لا نجعل الطفل يبدأ بتعلّم القراءة في سن مبكرة؟
يمكن أن نقرّب سن القراءة ولكن الخطر أن نسبة كبيرة من الأطفال لا يكونون مستعدين معرفيًا للقراءة، مما يجعلهم يصابون بخيبة أمل. إذًا هذا اختيار صعب تحقيقه، فضلاً عن أن هناك نقصًا في الدراسات التقويمية التي تقارن بين مختلف أعمار التعلّم.

إذا كان  الدماغ يتميز بمرونة مدهشة، لمَ لا نجعله يعمل باكرًا في تعلم القراءة؟
في البداية لا يجوز الظن أن مرونة دماغ  الإنسان غير محدودة. فهو خاضع لبرنامج تطوّري وضغوط بيولوجية وهي أقل مرونة، وفي الإمكان دفعها، ولكن الى حدود معينة، إذ لا يمكن أن نفعل ما يحلو لنا بالدماغ البشري.

متى على الأهل أن يقلقوا من تأخر طفلهم في تعلّم القراءة؟
عند المرحلة الابتدائية الأولى، فاذا لم يتعلم التلميذ أسس فك رموز اللغة في الصف الأوّل الابتدائي على المعلّمة أن تأخذ على عاتقها حلّ هذه المشكلة من خلال وضع برنامج محدد له، أو إحالته على أستاذ مختص من دون إعطاء تشخيص. وإذا لم تجدِ المساعدة ولم تتح للتلميذ تعويض تأخره في التعلّم من الضروري الرجوع إلى طبيب الأطفال ليقوّم الوضع الصحي للطفل، فربما يعاني مشكلة في السمع أو النظر أو أي مشكلة بيولوجية أخرى تؤثر سلبًا في ملكة التعلّم لديه.

هل يمكن تعريض دماغ الطفل لعدد من المثيرات لتسهيل تعليم القراءة؟
المثيرات الرئيسة الموصى بها لتسهيل تعلم القراءة هي المؤهلات الرئيسية الإدراكية. إذًا من الضروري تطوير المفردات عند الطفل وتمرين وعيه اللفظي. وهذا ما تقوم به المدارس في مرحلة الحضانة، ولا شيء يدعو إلى القيام بالمزيد إلا إذا كان التلميذ يعاني صعابا معيّنة في مجال التعلّم.

بعض الأطفال يتعلّمون القراءة دون مساعدة، وبعضهم لديهم صعوبة، هل هذه مشكلة ذكاء؟
من النادر أن نجد طفلاً تعلّم القراءة وحده ودون مساعدة أحد. فالأطفال الذين يعانون صعوبة في تعلّم القراءة عددهم كبير، والقصور الذكائي لا يفسّر الا جزءًا صغيرًا من صعاب  القراءة. فهناك جزء يمكن تفسيره بتقصير المحيط الاجتماعي الثقافي للطفل الذي يقود إلى ضعف في المفردات وضعف في مستوى الحوار الشفهي وضعف في عرض الكتابة على الطفل. وهناك عنصر ثالث يساهم في اضطراب محدد في تعلم اللغة المكتوبة وهو الديسليكسيا، وهذه ليست مشكلة ذكاء ويمكن أن يعانيها الكثير من الأولاد مهما كان معدل ذكائهم.

هل الديسلكسيا سببها قصور في تطور الدماغ؟
الديسلكسيا Dyslexia سببها خلل في وظائف بعض الأعصاب الدماغية،  يرافقه اضطراب الاتصال في المراكز المتخصصة بقدرتي القراءة والكتابة. فلا يقدر الطفل المصاب بالديسليكسا على الربط بين ما يراه وما يجب وقوله أو كتابته، وغالباً ما يلاحظ أنه أقل مستوى من أقرانه في التعبير اللغوي مع أن مستوى ذكائه يكون طبيعياً. وتختلف درجة هذه الإعاقة من شخص إلى آخر. وتعدّ صعوبة نمو النطق و غياب الطلاقة في صياغة وصفٍ لما يراه أو يريده في كلمات وجمل صحيحة، القاسم المشترك بين جميع الذين يعانون الديسليكسيا Dyslexia.

ما هي أعراض الديسلكسيا؟
تشمل أعراض الديسليكسيا الآتي:

  • تأخر في النطق وعدم قدرة على ترتيب الكلمات في شكل تسلسلي أو صياغة جملة صحيحة بدءاً من سن الثلاث سنوات. مثلاً يقول «التفاحة أكلتني» أو «تفاحة سميرة أكَلَت».
  • تأخر ملحوظ في القراءة. فمن المعروف أن التلميذ يتعرّف في الصف الأوّل ابتدائي على مبادئ قراءة الكلمات والمفردات. ولا تظهر هذه القدرات عند المصاب.
  • عدم القدرة على الحفظ. فمثلاً تدرّس المعلّمة في الصف الأول ابتدائي التلامذة كلمة قطة وتعطي الكثير من الأمثلة وتروي قصصاً عنها، وإذا لم يستطع التلميذ حفظ الكلمة التي تشير إلى القطة، فهذا مؤشر لوجود صعوبة عنده.
  • النسيان المبالغ فيه. أي أن التلميذ غير قادر على استحضار المعلومات التي خزّنتها الذاكرة حين يطلب منه استعمالها. فمثلاً يتعلّم الطفل قراءة وكتابة كلمة" باب"، وفي اليوم التالي لا يتذكّرها وكأنه لم يرها في حياته. هذا مؤشر لوجود خلل في الذاكرة.
  • عدم القدرة على استيعاب مفهوم الزمان والمكان والاتجاهات. مثلاً يقول البارحة أنا هنا. أو يشير إلى اليسار على أنه اليمين.
  • لا يحفظ أسماء الأشخاص القريبين منه والذين يراهم في شكل يومي. كأسماء أشقائه مثلاً.

التشخيص والعلاج
من الضروري استشارة اختصاصي في علم النفس التربوي باعتباره القادر على تشخيص ما إذا كان الطفل يعاني ديسلكسا. ويقوم بدوره بالتعرّف على تاريخ الطفل. ويجري اختباراً لقدراته على القراءة والكتابة والاستماع ومعرفة الاتجاهات. ويفحص القدرات السمعية، أي كيف يفهم دماغ الطفل ما يسمعه. ولا بد من التعاون بين الأهل والمعالج والمدرسة. وقد لا يقوم المعالج بأي جلسة علاجية بل يعطي المدرسة والأهل الإرشادات التي يجب التقيّد بها حتى يتمكّن التلميذ من النجاح. فالجلسات العلاجية لا تشفي ولكنها تعلّم التلميذ التكيف مع هذه المشكلة.
يحتاج هذا الأمر إلى صبر الأهل والمدرسة. فقد ينتج عن الإعاقة التعليمية فشل مدرسي ربما أدّى  بدوره إلى سلوك اجتماعي عنيف. فالطفل الذي يعاني إعاقة تعلّيمية يكون سلوكه الاجتماعي جيداً، ولكن الذي يحدث أن تأخره الأكاديمي وتوبيخ الأهل له وعدم مساعدته قد تؤدي إلى رسوبه المدرسي، الأمر الذي قد ينعكس سلباً على سلوكه الاجتماعي. وعلى الأهل أن يدركوا أن الإعاقة التعليمية تختلف تماماً عن التخلّف العقلي. فلربما كان المصاب ذكياً جداً، وتكمن المشكلة في عدم قدرته في التعبير عن ذكائه أو إنتاجه.