في السعودية: يتجاوزن صدمة الطلاق بتفهُّم أسبابها...

المملكة العربية السعودية, طلاق, منى أبو سليمان

15 مايو 2013

لم يُدرك المهندس فهد محمد (43 سنة) أن سنوات الحب والعشرة التي جمعته بزوجته السابقة ولّت وأدبرت، ولم يبق منها سوى طفلتين تُزينان ما بقي من عمره، بحسب ما قال، وأضاف: «تزوجت عن حب، وكانت حياتنا في منتهى السعادة. إلا أن الأمور بدأت تتغيّر تدريجياً، ولم تعد زوجتي السابقة تطيق البقاء في المنزل. فتارة أجدها برفقة صديقاتها في الأسواق التجارية، وتارة تزور والدتها منذ الصباح الباكر إلى منتصف الليل، غير آبهة بحقوقي تجاهها و وحاجتي إليها والاهتمام بمنزلها».
في البداية اعتقد محمد أن ما تفعله زوجته ناتج عن حالة الملل التي تشعر بها «وقد يتغير الحال ربما عند الانجاب. فحملت وأنجبت طفلتنا الأولى، لين، التي تبلغ اليوم (7 سنوات)، وبقي الحال على ماهو عليه. حتى عند انجاب الطفلة الثانية، غنى، التي تبلغ اليوم (5 سنوات) لم يتغير سلوكها على الإطلاق، بل إزداد الأمر تعقيداً. ولم أعد أستطيع الصبر ولا الاحتمال عندما أرى طفلتيّ دون رعاية او اهتمام من والدتهما».

لم يكن أمام محمد سوى خيار الانفصال، وهو يعيش اليوم مع طفلتيه في المنزل، واعتاد على نمط حياته الجديدة، معللاً ذلك «بأن لكل مرحلة سلبيات ومميزات، فالمرحلة التي أمر بها اليوم  تتميز بوجود ابنتيّ بقربي، وذلك يجعلني في قمة السعادة. أنا حريص على الاهتمام بهما حتى أني بت أخشى عليهما من تكرار تجربة الارتباط وفكرة وجود زوجة الأب، ذلك لان فتيات هذا الجيل لا يلامسن مدى دقة الحياة الزوجية واهتماماتها والمسؤولية التي تقع عليهن بعد ذلك. لا أريد التعميم فهناك من تغيرهن الحياة الزوجية ويؤدين واجباتهن على أكمل وجه، وهناك من ترى في الزواج فستاناً أبيض وخاتم سوليتير وأياماً وردية دون أن تكلف نفسها عناء الاهتمام بشريكها وأطفالها. إضافة إلى غياب توعية الأهل ونصائح الأم لإبنتها كما كنا نسمع في السابق من أمهاتنا وجداتنا، فاليوم نجد الأم في عالم آخر وابنتها بلا هوية».


جمانة خالد: «أنت طالق» لا تعني انكِ مليئة بالعيوب... والتجربة صعبة

جمانة خالد سيدة في بداية الأربعينات، موظفة في القطاع الخاص. لها طفل من زواجها السابق. تزوجت في سن العشرين، ولم تكن تملك الخبرة الكافية حول المسؤولية الواجبة عليها بدءاً بالاهتمام بالمنزل ووصولاً إلى تربية طفل شعرت معه بأنها طفلة تحتاج إلى من يرعاها ويحتويها ويسير بها نحو آمالها وأمنياتها. تقول:» كان زوجي يكبرني بـ 17 سنة، ولم أدرك متطلبات هذه الشراكة سوى متأخرة، وبعدما شعرت بأن شيئاً ما يخنقني في هذه العلاقة. لديّ اليوم ابنٌ يبلغ من العمر 15 سنة وهو يعيش مع والده، أراه فقط في المناسبات او عندما يُسمح له بزيارتي. عندما طلقني زوجي شعرت بإنفراج كبير في حياتي وأن الطوق الذي حاصرني لسنوات انقطع. في البداية كنت سعيدة مع أن هذا الزواج أخذ من سنوات عمري الكثير والكثير، إلا أن المسألة باتت مرهونة بالصبر وقوة الارادة على تحمل محنة الطلاق والابتعاد عن طفلي الذي كنت أشعر معه بأني طفلة لا أكثر».

أدركت خالد أن من تُصيبها كلمتا «أنت طالق» ليست امرأة مليئة بالعيوب «بل هي فتاة صغيرة نضجت في بيت حمّلها فوق طاقتها الكثير، ولم يُسعف طفولتها فنضجت وكأنها مهملة وعلى قدر بسيط من استيعاب الحياة الزوجية وما يترتب عليها من حقوق وواجبات».
وتضيف:» اليوم أيقنت وأنا أرى ابني يكبر بعيداً عني أني أخطأت، فكما أخطأ أهلي بحقي في السابق، أخطأت بحق ابني الذي لم أعِ معنى وجوده في حياتي الزوجية السابقة».


د. محمد ثابت: الزوجة المادية لا تمنح الا الشقاء...  ويمكن للمطلق أن يبدأ من جديد

قال الدكتور محمد ثابت (55 سنة) إن الزوجة المادية هي التي تقتل العلاقة الزوجية وتحكم عليها بالاعدام في وقت قصير، «وهذا ما يُلخص سبب طلاقي من زوجتي التي عشت معها ما يقارب الخمس سنوات بعد قصة حب طويلة، أثمرت ابنتي تاليا (7سنوات). كانت زوجتي تعشق الماديات وحب الظهور، تُهمل الكثير من الأمور وتضع نفسها في أولويات أي أمر في حياتنا. حتى ابنتها لم تكن تهتم بأمرها... كنت أعود إلى المنزل لأجدها مع صديقاتها، أو في المنزل دون أي اهتمام لترتيبه او حتى اعداد الطعام. زوجتي هي الابنة المدللة لعائلتها، واستمر هذا الدلال في منزل الزوجية الأمر الذي صعّب الأمر بيننـا وتوصلنا الى حل الطلاق والانفصال عن بعضنـا».

بعد الطلاق عزف ثابت عن الزواج مرة أخرى بحجة «أن جميع النساء يتشابهن، وغير قادرات على تحمل المسؤولية أياً كانت. عزمت على البقاء أعزب لمدة سنتين، سمعت خلالها أن طليقتي تزوجت برجل متزوج غني جداً، لم أستغرب الأمر لأن ذلك ما كانت تطمح إليه ولم تستطع تحقيقه معي بسبب ظروفي المادية المتواضعة. وانتقلت حضانة ابنتي إلى جدتها لوالدتها، فكنت أزورها يومين في الاسبوع لأطمئن إلى حالها، وعرفت لاحقاً أن والدتها لم تعد تسأل عنها أو تهتم بها، خاصة بعدما أنجبت أبناء آخرين من زوجها الحالي».
اليوم قرر ثابت الزواج، وله من زوجته الحالية طفلان إضافة إلى ابنته الاولى «ومازلت انتظر بلوغ ابنتي الكبرى الثامنة لأتمكن من حضانتها وإعادتها الى منزلي، فزوجتي الحالية تعاملها معاملة جيدة وتعتبرها كإبنتها وهو الأمر الذي شجعني على اعادة الارتباط، متناسياً المرحلة الصعبة التي مررت بها في زواجي السابق».


المالكي: حيـاتي الجديدة بدأت بعد طلاقي 

قالت منيرة المالكي (33 سنة) إنها بعد الطلاق بدأت البحث عن الحياة الجديدة التي حُرمت منها بسبب زواجٍ لم تكن ترغب فيه منذ البداية. تقول: «كنت فتاة مفعمة بالحيوية، وكنت أجمل اخواتي، ولذلك ومن باب الخوف والحرص تم تزويجي رغماً عني لشخصٍ لا يأخذ الأمور الا بالضرب والاستبداد والعنف، حتى المعاشرة الجنسية كان يأخذها عنوة، ويتركني أبكي بعد أن يضربني قبل المعاشرة وبعدها. بقي الحال على ماهو عليه لمدة سبع سنوات، أهملت نفسي في هذا الوقت حتى أنني أصبحت سمينة جداً، الأمر الذي أزعج زوجي كثيراً ولم يعد يقترب مني، ذات السبب الذي أسعدني وجعلني أفكر بأن الطلاق سيكون سهلاً، خاصة أنني لم انجب منه، ولعل هذه من نعمة ربي علي ورأفة بحالي مع هذا الزوج».

تطلقت المالكي وما أن تحررت من قيود هذا الزواج، حتى بدأت ترى نفسها في شكل جديد، فاتبعت حمية وغيرت لون شعرها، وكثفت الزيارات لصديقاتها وأقربائها: «كنت أشعر بأني أنتقم لسنوات عمري التي أمضيتها في سجن الحياة الزوجية والفروض القاسية التي كان علي تأديتها أمام شخص قسا عليّ».
المالكي اليوم تُكمل دراستها، «بعد تفكير عميق اليوم أنا منتسبة إلى إحدى الجامعات، وأشعر بقيمة الحيــاة، وأكافح من أجل التخلص من لقب مطلّقة لأثبت للجميع أني سأكون إمرأة ناجحة بعد الطلاق».


د. باقادر: غالباً ما يقع اللوم على المرأة في مسألة الطلاق

من جانبه، ذكر الأكاديمي وأستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة الدكتور أبو بكر باقادر أن مسألة الطلاق مسألة قانونية لضبط العلاقات الزوجية والتزام الطرف الآخر وتؤدي الى نوع من التوازن في قبول الأوضاع وتحقق مصالح الجانبين، «وكثيرا ما بتنا نسمع عن الطلاق الحضاري وهو الأمر الجيد بين الطرفين يتخلله قانون يضمن لكلا الطرفين حقوقه، ويكفل حفظ الكرامة. الطلاق أبغض الحلال عند الله وأمر غير مرغوب فيه، إنما يصبح ضرورياً لإنهاء هذه الشركة أو العلاقة الزوجية التي لم يُكتب لها النجاح».

ولفت الى أن البعض يلقي «اللوم في عدم نجاح العلاقة الزوجية على المرأة دائماً»، مشدداً على أن الطلاق قد يقتضي «الذهاب الى اختصاصي نفسي لاجتياز هذه المرحلة سواء للمرأة أو الرجل».
وأضاف أن «على طرفَي الزواج تجاوز الظروف الصعبة، وتحسين فرص النجاح، وإلا لن تستمر الحياة بينهما. وهناك من يدخل  الزواج متوقّعاً أن يوفر له الطرف الآخر لهم كل ما يريده، كأن العلاقة يجب أن تكون على حساب طرف دون آخر. الزواج عبارة عن مشاركة بين طرفين عليهما التعاون والتحابّ».


الإعلامية منى أبو سليمان: حياتي بعد الطلاق تغيرَّت تغيّراً لا يُذكر

تحدثت الإعلامية منى أبو سليمان عن حياتها ما بعد الطلاق، التي بدأت قبل 11 سنة نجحت خلالها في كل جوانب الحياة. قالت: «أنا اليوم إنسانة ناجحة في كل ما قدمته في حياتي وعلى كل الصعد، في الإعلام، والمجال الأكاديمي، ومجال الأعمال الخيرية، ومجالات التنمية... ولكن مع ذلك أستطيع القول إن هناك صعوبات كبيرة تواجه المطلقة، حتى وإن حصل الطلاق بشكل ودي، كما حدث معي. فـزوجي السابق يتحمل نفقة الأطفال كاملة، ومعظم احتياجاتهم، ومن تلك الصعوبات أيضاً الوحدة التي يخلقها الطلاق، وصعوبة التعامل مع الأطراف المعنيين بالطلاق. وقد تعتبر بعض السيدات أن الطلاق هو نهاية حياة لأنهن يجدن بعده صعوبة في منح الثقة لأشخاص آخرين».

ولفتت أبو سليمان إلى أن الطلاق يجب أن يدفع المرأة إلى أن تنجز أكثر، وأن تعمل على تغيير ذاتها لتحسين شخصيتها. وأضافت: «من خلال تجربتي استطعت أن أصل إلى النقاط التي مكنتني من التعامل مع مشكلة الطلاق. وبفضلٍ من الله استطعت تحقيق نجاح لم أكن أتوقعه. وفي الوقت نفسه أشاهد سيدات كثيرات في مجتمعنا يُنهي الطلاق حياتهن ويُحطمها، لأن الزواج كان أملهن الوحيد في الحياة، ليكنّ زوجات وأمهات».
وأشارت إلى دور العائلة والمجتمع في التعامل مع المطلقات، «وفي تجربتي الشخصية لم أشعر يوماً من قبل عائلتي بأني امرأة مُطلقة، ولم يحدث أي تغيير في حياتي بسبب الانفصال عن زوجي. فـحياتي بقيت كما هي، إلا أنني عند السفر إلى البلدان العربية كانت ترافقني أختي. أعيش في منزلي مع أولادي فقط، أربيهم بطريقتي الخاصة، وعلاقتي مع طليقي ممتازة جدا، ولم أسمع يوماً عبارة «لأنك مُطلقة» أبداً، وأهلي حكماء جدا في تعاملهم معي سواء قبل الطلاق أو بعده».

واضافت: «أستطيع أن أمنح حياتي بعد الطلاق عنوان (تغيير لا يُذكر)، فالسلبية الوحيدة إضافة الى الوحدة التي شعرت بها بعد الطلاق، هي غياب من يُشاركني نجاحاتي، فأنا وزوجي السابق جمعتنا أحداث كثيرة وتاريخ مشترك، وفجأة اختفى من كنت أتحدث معه، وأتسامر معه وكأنه لم يحدث، أو كأن جزءاً من حياتي وتاريخي اختفى. لعل هذه السلبية الوحيدة التي عانيت منها بعد الطلاق، واليوم يجب أن أقول لزوجي السابق شكرا لأن الطلاق كان ودياً بعيداً عن المحاكم، وما زلتُ أذكر الجملة التي قالها وهي «أنا سأعطي أطفالي حقهم بالكـامل، لأنني لا أتلاعب على الله»، وهذه الكلمة تعكس التربية، وحُسن اختيارنا لبعضنا البعض قبل الزواج. لكن طريقة حياة كل منا لم تكن متوائمة مع طريقة الآخر».