إقليم كردستان العراق تاريخ محفوظ...

حاتم العراقي, الأعمال الرومانسية, قلعة بحرية, فصل الخريف, السلطة اليونانية, الإمبراطورية العثمانية, الإمبراطورية الرومانية, الزيّ الكردستاني

29 مايو 2012

بين إيران شرقًا وتركيا شمالاً وسوريا غربًا يمتد إقليم كردستان العراق حيث التاريخ لا يزال محفوظًا بين سطور الجغرافيا.
إقليم قام من رفات الحروب الشرسة التي فتكت به ليكشف للعالم جمالاً يتكلّم بصمت على حضارات بلاد الرافدين القديمة السومرية والأكادية والأشورية والبابلية واليونانية والرومانية والعربية والعثمانية.
وفي التاريخ أن أوّل من أطلق اسم كردستان الملك السلجوقي السلطان سانجار، ففي عام 1150 شيّد هذا السلطان مقاطعة سمّاها كردستان.

أربيل عاصمة الإقليم                                                                        
رغم أنه نادرًا ما يستحضر العراق صور حدائق الزهور، فإن عاصمة إقليم كردستان العراق، أربيل تتباهى بآلاف مؤلفة من الزهور في «متنزّه أربيل». وأربيل هي عاصمة الإقليم ورابع مدينة في العراق بعد بغداد والبصرة والموصل.
يقال أن المدينة استوطنها الإنسان للمرة الأولى في القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد، وتعاقب على السيطرة عليها الأشوريون والباثيون والسلجوقيون والساسنيون والعرب والعثمانيون قبل أن تصبح جزءًا من مملكة العراق عام 1920.

قلعة أربيل
تقع في وسط المدينة، ويعود تاريخ تشييدها إلى عهد الأشوريين أي حوالى الألف الأول قبل الميلاد. يبلغ ارتفاعها عن سطح المدينة حوالى 26 مترًا وتبلغ مساحتها 102 مترًا مربعًا. ويقال إن هولاكو المغولي عجز عن إسقاطها أثناء اجتياحه العراق.
أصبحت القلعة على لائحة التراث لمنظمة الأونيسكو.

المنارة المظفّرية
أنشئت في زمن مظفّر الدين كوكبري الذي حكم أربيل في عهد الأتابكة التركمان . يبلغ إرتفاع المنارة 37 مترًا، ولها بابان ارتفاع كل واحد منهم مترين ونصف المتر، يؤديان إلى السلالم التي يصعد من خلالها إلى قمة المنارة.

منارة جولي أو البرية
تسمّى أيضًا منارة المظفرية، تقع غرب قلعة أربيل، وهي ثاني أكبر معلم تاريخي بعد القلعة، ذاعت شهرتها لجمال هندستها المعماريه الفريدة، فقد جاء أسفلها على شكل هندسي مثمن الأضلاع، فيما حزءها العلوي أسطواني الشكل ولها بابان يؤدي كل واحد منهما إلى سلمين منفردين لا يلتقيان تتوسطهما أسطوانة يصغر قطرها كلما صعد الزائر إلى الأعلى. شٌيدت المنارة بالآجر الأحمر والجص.
وللمنارة حكاية شعبية يتداولها سكان المدينة:" يحكى أن المهندس الذي بنى المنارة كان تلميذ مهندس منارة داقوق، ولكن بسبب خلاف بينهما أثناء تنفيذهما العمل في منارة داقوق، ترك التلميذ أستاذه، وقام بتشييد منارة المظقرية في أربيل التي سميت فيما بعد بمنارة(جولي)أي منارة البرية بسبب بعدها عن القلعة والأحياء المحيطة بها.
وكان التلميذ يدرك أن أستاذه سيزوره بعد سماعه خبر بناء هذه المنارة، فاستعد لتلك الزيارة وفكّر ببناء سلمين داخل أسطوانة المنارة دون التقاء بينهما للخلاص من أي شر ينويه أستاذه، وبالفعل، طلب الأستاذ من تلميذه أن يتسلقا المنارة معًا، فيبدأ الأستاذ بالصعود من السلم الأول من دون أن يعلم أن هناك سلمًا ثان، فيما يصعد تلميذه السلم الثاني، ليلتقيا عند القمة، يلاحظ الطالب أن أستاذه في حالة نفسية غير طبيعية، فيخاف ويهرول في النزول من السلم الأول، بينما اعتقد الأستاذ أن السلم الثاني يلتقي الأول نزولاً، فيختار الثاني، ليلتقيا ثانية على الأرض، حيث ينتظرهما حشد من الناس، عندها يتخلى الأستاذ عن الانتقام من تلميذه، ويهنّئه أمام الناس على هذا الانجاز.
وبعدما سافر إلى مدينة الموصل حاول أن يبني منارة أفضل من تلميذه، فبنى واحدة مائلة لكنه فشل في مسعاه، والآن تسمى تلك المنارة، "المنارة الحدباء".

لالش
تشكل لالش موقعًا مقدّسًا لدى الإيزيديين، أو اليزيديين، وهي منطقة جبلية قرب عين سفني حوالي60 كم شمال غرب مدينة الموصل شمال العراق.
يوجد فيها معبد لالش النوراني و قبر الشيخ عدي بن مسافر المقدس لدى أتباع الديانة كما أنها مقر المجلس الروحاني للديانة الإيزيدية في العالم.
حيث يحج الايزيديون مرة واحدة خلال حياتهم على الأقل إلى لالش حيث يستمر الحج ستة أيام.
أما الايزيديون القاطنون في المنطقة فيحجون كل عام خلال فصل الخريف من 23 أيلول/سبمتبر حتى الأول من تشرين الأول أوكتوبر.
رغم أن غالبية سكان إقليم كردستان يدينون بالإسلام، فإنه يضم مجموعات دينية تمارس طقوسها الدينية بحرّية. وتشمل المسيحية، والإيزيدية التي تشكّل أقلية كبيرة في الإقليم.


من هم الإيزيديون؟

تُعدّ الايزيدية إحدى أكثر الديانات القديمة في العالم جدلاً، فرغم أنها ليست ديانة عالمية
كالمسيحية والإسلام والبوذية، فإنها تمثل أكثر من رؤية أو فلسفة، إذ تمتلك أجوبة كاملة عن مفهوم الحياة وازدواجية الإنسان (بما فيه من  الخير والشر)، وأجوبة عن معاناة الفرد، وما يخص الحياة بعد الموت.
لا تسعى الإيزيدية  إلى الحكم، ولا تطمح أو تطالب بمقاليد السلطة، ولا تحمل فكرًا عدوانيًا في التعدي على حقوق الآخر أو شن حروب من أجل الدين، هذا كله نابع من صلب نصوصها الدينية.

والإيزيدية ديانة طبيعية، غير تبشيرية، منغلقة لا تقبل الدخول إليها، ومن يدخل دينًا آخرَ من أتباعها لا يسمح له بالعودة، كما أنها من أصول كردية. اضطر أبناء هذه الديانة منذ نزول الأديان السماوية التوحيدية للكفاح والمقاومة من أجل الحفاظ على معتقداتهم وهويتهم الدينية، فالمؤلفات التاريخية التي كتبت عنهم لم تكن محايدة، ولم تمثل الحقيقة، فقد عرّفتْ بهم، ووزّعتهم بحسب أغراض كُتّابها وأهوائهم،  فعدّهم بعض الكتاب العرب مرتدين عن الإسلام، فيما اعتبرهم آخرون أنهم مسيحيون، حرّفوا العقيدة المسيحية، ووصفهم بعضهم بأنهم بقايا الزرادشتية على أرض العراق، وغالى الكثيرون في اعتبارهم أنهم من عبدة الشر والشيطان، وبهذا يستحقون اللعنات والقتل، حتى أدت حملات الإبادة التي وصلت الى  72 حملة على مرّ التأريخ إلى انخفاض نسبة أتباعها إلى 3% من السكان الكُرد !.

يسكن غالبية الإيزيديين شماليّ العراق، في  منطقة إقليم كردستان، والمناطق المتنازع عليها ضمن محافظة نينوى،  حيث يقع معبد لالش والأرض التي يقدّسها أتباع هذه الديانة  فهي قبلتهم للحج، فيحجّون إليها من مخلتف أنحاء العالم سنويًا في الأسبوع الأول من شهر تشرين الأول/ أكتوبر. 
إضافة إلى شماليّ العراق ينتشر الإيزيديون في تركيا وسوريا وأرمينيا وجورجيا وروسيا، كما ارتفعت نسبة الجالية الإيزيدية في ألمانيا بعد حرب الخليج في ربيع عام 2003. 
ويبلغ تعداد الإيزيدية في العراق حوالي 500 ألف نسمة، كما يقطن حوالي 50 ألف إيزيدي في سوريا، و200 ألف نسمة في دول الاتحاد السوفياتي السابق. أما في المهجر فيسكن حوالي 90 ألف إيزيدي، أغلبهم في ألمانيا.

الإيزيدية حالها حال باقي الديانات تؤمن بالله، وتؤمن بالتوحيد، ومتوجهة بدعواتها وإيمانها المطلق إلى الخالق، وتختلف عن الإسلام والمسيحية في إنغلاقها على نفسها، إذ يحرّم زواج الفرد الإيزيدي من آخر غير إيزيدي، كما أن النظام الطبقي الديني الإيزيدي المكوّن من ثلاث طبقات (الشيخ والبير والمريد) يحصر الزواج في ما بين الطبقة الواحدة من دون السماح لأبناء كل طبقة الاقتران بطبقة أخرى.
وتحرِّم الديانة الإيزيدية الزواج بزوجة الأخ بعد وفاته، وأخت الزوجة بعد وفاة الزوجة أو طلاقها، وكذلك بزوجة ابن العم بعد وفاته، لأن المرأة في صلتها تلك تحتسب بمثابة أخت للرجل.
ولكنّ الأعراف في المجتمع الإيزيدي أباحت للرجل أن يتزوج بأكثر من امرأة، على الرغم من أن الشريعة الإيزيدية عدّت الزواج بأكثر من واحدة مكروهًا، وفي حالة طلاق، يحق للإيزيدي أن يستعيد علاقته الزوجية بطليقته إذا وافقت على العودة إليه.

تعتقد النخبة المثقفة من الإيزيديين أن العوامل التي حافظت على هوية الديانة الايزيدية وبقائها واستمرارية أتباعها  إلى اليوم هي المزايا الروحية للتراث والميثولوجيا القديمة، التي كانت ولا تزال تمارس في الأعياد والمناسبات.

تؤمن الديانة الإيزيدية بجملة من المعتقدات، منها: تناسخ الأرواح، والصوم ثلاثة أيام في منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر، وهو شهرتقديس إله الشمس وولادته. 
ويعتبر يوم الأربعاء  أقدس أيام الأسبوع  عند الإيزيديين. واللافت أن الإيزيدية تحترم عناصر الطبيعة كافة، وتحرّم قطع الأشجار المثمرة، وتلويث المياه، وتحريم القتل، لأن الله وحده هو الذي يخلق، وهو الذي يقبض الأرواح. 
وتعتبر إلى شهر نيسان/ أبريل من أهم أشهر السنة، ففي الأسبوع الأول منه يحتفل بعيد رأس السنة (سرسال) بحسب التقويم الشرقي، وفي هذا الشهر يحرم حرث الطبيعة، لأنها حامل، كما يحرم الزواج فيه، لأن الملائكة تتكاثر بحسب اعتقاد الإيزيديين.

وتقدر الإيزيدية الأديان كافة وتتآخى معها، سواء التي ظهرت قبلها أو بعدها، فهناك أقوال دينية في مدح السيد المسيح عليه السلام، والرسول محمد (ص).
ورغم أن الديانة الايزيدية هي ديانة الكرد القديمة، فإنّ لها قواسم مشتركة مع أديان أخرى في المنطقة، منها الكاكائية والقزلباش (الكرُد العلويون)، فهذه الأديان تؤمن بتناسخ الأرواح، ويصوم أتباعها ثلاثة أيام، ويقدّسون النبي خضر، والنبي إلياس، كما أن للتصوف مكانةً خاصة لديهم. ولأتباع هذه الديانات المذكورة أخ وأخت للآخرة، كما أن لكل من هذه الديانات بيره ( مرشده الديني).

تحتوي الإيزيدية في تراثها على مفاهيم فلسفية وأفكار بابلية وآشورية وهندو جرمانية ، لقد عاشت هذه المعتقدات على مرّ الزمن آلاف السنين بكل إخاء ومودة جنباً إلى جنب، لتكمل إحداها الأخرى. 

تتمثل الصلاة بالدعاء عند الإيزيدية، إذ يتوجه الفرد الإيزيدي إلى الله مرتين في اليوم صباحاً ومساءً، ولا يغيب عن دعائه ذكر أخيه في الأديان الأخرى، وطلب السلامة والأمان للأنسان، أينما كان.

نارين شيخ شمو- كاتبة واعلامية عراقية