كلثوم هي الضحية الثانية في أبشع جريمة عنف أسري

طلاق, قضية / قضايا الطفل / الأطفال, جرائم, مشكلة / مشاكل الزواج, المملكة العربية السعودية, الإعتداء الجنسي, د. مها المنيف

11 مايو 2009

لم يكن مجرد حادث عابر، بل فاجعة ستبقى في ذاكرة السكان والسعوديين الذين شاهدوا الوقائع خلال الأيام الماضية بعدما سمعوا صراخاً من طفلة لم يتجاوز عمرها (7 سنوات) تلقت أبشع انواع التعذيب على أيدي والدها وزوجته لتسلم روحها لخالقها بين أيدي من عذبوها وضربوها حتى الموت. حُملت الطفلة جثة هامدة إلى المستشفى مع والدها الذي أنكر أبوته لها، مضللا بذلك الجهات الأمنية بحجة أنه يريد مساعدة أسرة الطفلة، ومعللاً وجوده معها بأن والدها خارج البلاد وهو يحاول إنقاذها، وكيف ينقذها من الموت بعدما أُزهقت روحها.. توفيت الطفلة كلثوم نتيجة لتعذيب والدها الذي طلق والدتها. وهذه لم تتلق خبر وفاة إبنتها إلا بعد معاينة الجثة من المستشفى ليتصل بها طليقها ويخبرها بدمٍ بارد أن ابنتها قد توفيت. «لها» إلتقت والدة الطفلة فاطمة جمال الدين التي تنازلت عن القضية في حق طليقها وزوجته لتعود وتطالب  بتوقيع أشد أنواع العقوبات بحق مرتكبي هذه الجريمة البشعة الذين تخلوا عن مشاعر الإنسانية والأخلاق والقيم.


بدأت القصة عندما إنفصلت فاطمة (21 سنة) عن زوجها عبد الرحمن (29 سنة) الذي ارتبط بزوجة أخرى منذ ثمانية أشهر، لتترك طفلتيها كلثوم (7 سنوات) وعهود (سنة ونصف) عند والدهما وتعود إلى منزل عائلتها في جدة. تقول: «عندما طُلقت رفض طليقي السماح لي بأخذ طفلتيّ معي فخرجت من المنزل في اليوم التالي لزواجه من الأخرى دون سبب يُذكر، لكني أستطيع الجزم بأنه غير قادر على تحمل مصروف عائلتين لأنه عاطل عن العمل ولا يستطيع أن يضمن قوت عيشه في كثير من الأحيان. عشت معه قرابة 10 سنوات وكان في غاية اللطف والكرم معي رغم فقرنا. كنا نعيش في سعادة كان يعامل طفلتيه بكل ما تحمله الأبوة والرعاية من معانٍ عظيمة. إلا أنه في يوم من الايام جاء ليخبرني بأنه سيتزوج. إلتزمت الصمت ولم أناقشه في هذا الموضوع. غاب يوماً عن المنزل وعاد في اليوم التالي مع زوجته الأخرى وطلقني وطلب مني مغادرة المنزل بهدوء دون أن يسمح لي بتوديع طفلتيّ، إلا أنه كان يسمح لهما بزيارتي مع نهاية كل أسبوع».
مع كل زيارة لطفلتيها كانت فاطمة تشعر بأن هناك شيئاً مختلفاً لدى كلثوم. فجروحها وآثار الضرب على يديها وأرجلها كانت صورة واضحة لما تعانيه هذه الطفلة في منزل والدها، دون معرفة الجاني، بسبب صمت كلثوم عن الإفصاح عن هوية المتسبب بهذه الجروح وآثار الضرب. ربما خوفاً من أن يزيد الضرب أو أن يحرمها من زيارة والدتها التي كانت كالبلسم من جحيم تعيشه مع والدها وزوجته في المنزل.
صمتت فاطمة قليلاً وهي تتحدث عن وفاة ابنتها التي طلبت منها أن ترحمها من عذاب تعيشه في منزل والدها لتأخذها للعيش معها، لكن خوف فاطمة من طليقها حال دون بقاء كلثوم حية تُرزق. تقول: «في إجازة الحج جاءت كلثوم لزيارتي وطلبت مني أن آخذها للعيش معي وقالت لي اني لو كنت أحبها لأخذتها للعيش معها خاصة أن آثار الضرب والتعذيب كانت واضحة جداً على كامل جسمها وأجزاء من رأسها. عندما سألت والدها عن هذه الآثار، أخبرني أنها سقطت عن سلالم المنزل لتبقى نظرات كلثوم أمام والدها معاتبة له عن صمته وكذبه، وعدم الإفصاح عن الحقيقة المرة التي تتعرض لها إبنتي خاصة بعد أن توفيت شقيقتها الصغرى عهود بسبب مرض الربو قبل 5 أشهر من وفاة كلثوم».
صباح يوم الخميس الموافق 26 شباط/فبراير رن جرس الهاتف في منزل عائلة فاطمة ليبادر طليقها عبدالرحمن برمي سهم في قلب الأم بدم بارد ويخبرها بأن كلثوم قد توفيت مساء الأربعاء، وهو يتابع الإجراءات الرسمية في مركز شرطة المنصورة في العاصمة المقدسة. وقال التحقيق جارٍ معه ومع زوجته التي أكدت أنها عذبت  كلثوم إلى أن لقيت حتفها دون أن تُبدي الأسباب التي أدت الى ارتكابها هذا العمل. في حين أفاد الأب بأنه لم يُشارك زوجته التعذيب غير أنه كان على علم بما تقوم به.

وذكرت فاطمة أنها لم تكن تعلم بما يحدث مع إبنتها كلثوم في منزل والدها، ولم تعلم أيضاً عن الضرب والتعذيب الذي كانت تتعرض له كلثوم على يد زوجة والدها، ذلك لأنها كانت تعيش في منزل عائلتها في جدة ولم تكن ترى كلثوم إلا فترات قصيرة مع والدها ولم تكن تجرؤ على التحدث معها أمامه.
وأضافت فاطمة: «حضرت إلى قسم شرطة المنصورة مع أخي علي وعرفت من الضابط أن طليقي أنكر في بداية الأمر أنه والد طفلتي، وتقمص دور الجار خوفاً من العقوبة وإخفاء لما فعلته يداه بطفلته التي لا تملك من أمرها شيئاً. وبعد التحقيق معي سمحت لي الجهات الأمنية برؤية ابنتي في ثلاجة الموتى، وعندما رأيتها بكيت كثيرا. كانت أساليب التعذيب الممارسة على وجهها البريء  واضحة، وظهر وجهها متورماً ومليئاً بالدماء المتخثرة، وعجزت عن النظر الى بقية أجزاء جسدها من هول ما رأيت، حتى أنني للحظات شككت في أن هذه الجثة هي إبنتي كلثوم».
فاطمة التي حملت كلثوم تسعة أشهر في بطنها لم تتجرد من إنسانيتها بل تنازلت في البداية عن حقها الخاص من طليقها وزوجته وبررت تسامحها بأن من تجرد من إنسانيته هو شخص لا يستحق أن تتعب معه لأنه صاحب قلب ميت، مضيفة: «يجب أن لا تُنزع الرحمة من قلوبنا، فما الذنب الكبير الذي إقترفته كلثوم لتحاسب عليه بكل هذه البشاعة؟ وأنا تنازلت عن حقي الخاص في القضية لأعود وأتراجع عن هذا التنازل وأطالب بإنزال أقصى العقوبة بحق المتورطين في قتل إبنتي ذلك لأن إعتداءاتهم الدموية لم تتوقف عند ضربها حتى الموت، بل وصلت إلى ممارسة الرذيلة وهتك براءتها. فإذا تم التأكد من قبل الطب الشرعي مما إدعته بعض الصحف المحلية بأن كلثوم تعرضت لإعتداء جنسي قبل وفاتها، فلن أتنازل عن حق إبنتي حتى وإن كان الحكم بالقصاص لطليقي وزوجته. وأطالب هيئة التحقيق والإدعاء العام بالإسراع في التحقق من حقيقة الجاني في هذه القضية لأنني أريد تسلم جثة ابنتي ودفنها  ذلك لأن إكرام الميت دفنه».

حسين: لم يخرج التقرير النهائي للتأكد من فعل الإعتداء وهتك البراءة
من جانبه، أوضح الناطق الإعلامي في قسم التحقيقات الصحافية في مديرية الشؤون الصحية في منطقة مكة المكرمة فايق أحمد محمد حسين، أن التحقيقات في هذه القضية ما زالت مستمرة والنتائج لم تظهر بعد، وأضاف حسين: «نحن في إنتظار التقرير النهائي الذي سيصدر عن الطبيب الشرعي، وذلك بعدما قامت إدارة الطب الشرعي بتشريح جثمان الطفلة وأخذ العينات اللازمة لمعرفة سبب الوفاة. ومازالت الجثة ترقد في ثلاجة الموتى في مستشفى النساء والولادة في مكة المكرمة».
وشكك حسين في المعلومات التي نشرتها إحدى الصحف المحلية عن صدور  التقرير النهائي بعد تشريح الجثة قائلاً: «هذه قضية جنائية ولا يجوز التكهن فيها أو في ملابساتها بأن الطفلة ربما تعرضت لإعتداء جنسي قبل القتل، وأن فعل القتل جاء لإخفاء معالم جريمة الإعتداء الجنسي. ذلك لأن هذه التكهنات قد تغير الكثير في مسار القضية».

المنيف: 65 حالة عنف ضد الأطفال في سنة واحدة ومعظمها حالات لإيذاء جسدي
من جانبها،أعربت إستشارية الأطفال والمديرة التنفيذية لبرنامج الأمان الأسري  الدكتورة مها المنيف عن فرحتها بالجهود التي بذلتها الحكومة السعودية في المؤتمر العربي الإقليمي الثالث لحماية الطفل في الرياض الذي عقد تحت شعار «نعمل معاً من أجل طفولة آمنة» والذي خرج بتوصيات كثيرة، وقد انطلقت الحملة التوعوية لمناهضة العنف ضد الأطفال والتي سوف تقام بالتعاون مع برنامج الأمان الأسري والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان. وأضافت: «هذه الحملة ستمتد من 6 إلى 8 أشهر كأطول حملة تُطلق في هذا الإطار. وتم تدشين الحملة في المؤتمر وتبدأ خلال الأسابيع المقبلة من خلال الإعلام المرئي والمكتوب، هادفة إلى إلقاء الضوء على ظاهرة العنف ضد الطفل والتأكيد أنها ظاهرة بدأت بالانتشار في السعودية. أما المرحلة الثانية للحملة فتهدف إلى إرسال رسائل توجيهية إلى المتعاملين مع هذه الحالات وإلى الأهالي لتعليمهم الطريقة الصحيحة للتعامل مع هذه الظاهرة والتصدي لها، ومن ثم نتجه إلى توجيه المجتمع من خلال وسائل الإعلام والصحف العالمية ومن ثم تقام ورش عمل»..
ولفتت المنيف الى أن السعودية  بدأت متأخرة مقارنة بالدول الأخرى  في طرح المشكلة على أرض الواقع والبحث عن حلول جذرية لها، وتحديداً منذ ما يقارب خمس سنوات. لكننا «استطعنا أن ننجز الكثير في هذه الفترة القصيرة وتحسين أداء المسؤولين والمتعاملين مع هذه الحالات من خلال التدريب والتوعية. وهناك فرق للحماية في الطفل منتشرة في مستشفيات السعودية ومرتبطة بسجل وطني. وهناك تحركات بخطوات سريعة في السنوات الماضية لحماية الطفل، لكن يبقى السؤال هل تم الوصول إلى المراد أو إلى الدرجة التي وصلت إليها بعض الدول المتقدمة؟ الجواب لا ليس بعد، لأننا ما زلنا في بداية الخطوات الأولى».
وأردفت المنيف: «لا إحصاءات موحدة في السعودية، بل إحصاءات من بعض المستشفيات في مدينة الملك عبد العزيز 65 حالة عنف ضد الطفل في سنة واحدة، ومعظمها حالات لإيذاء جسدي، يليها الإهمال ومن ثم العنف الجنسي. وثمة حالات من الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان ذلك أن ثلث الحالات التي تصله اليهم هي حالات عنف أسري. ولدىالشؤون الاجتماعية ألف حالة عنف في السنة تطال المرأة والطفل. ومن بعض التوصيات التي خرج بها المؤتمر حظر ضرب الأطفال من أجل التأديب في المؤسسات التعليمية والتربوية وفي المنزل، وضرورة وجود خط ساخن للتبليغ عن حالات إيذاء الأطفال للوصول سريعا إلى الأطفال المعنفين وإنقاذهم».