الحوامل هن الأكثرعرضة للإصابة بأنفلونزا الخنازير. حقيقة أكدها الأطباء وأكدتها أيضاً الإحصاءات، ولذلك أطلق الرئيس السابق للجنة الفتوى في الأزهر الشيخ جمال قطب اجتهاداً يبيح للزوجات تأجيل الحمل حرصاً على حياتهن، خاصة مع تفشي المرض. فما هي أسانيده الشرعية في هذا الاجتهاد؟ وماذا لو اختلف الزوجان ورفض الزوج تأجيل زوجته للحمل؟ وما هي آراء رجال الدين في هذا الاجتهاد؟

لا للمبالغة

وتؤكد العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في بورسعيد -جامعة الأزهر- الدكتورة عبلة الكحلاوي أن الضرورات في الإسلام تبيح المحظورات، «خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالحياة التي هي أغلى ما وهبه الله للإنسان، ولا شك أن الأطباء هم «أهل الذكر» الذين يجب أن تكون الفتاوى الصادرة بشأن تأجيل أو منع الحمل مبنية على كلامهم الذي سيسألهم الله عليه.
ولهذا يجب عدم المبالغة في الاحتياطات، مما قد يجعلنا ننتقل من المباح إلى المحرم إذا تم منع الحمل دون ضرورة، مع التأكيد أن كل امرأة حالة مستقلة بذاتها، ولا يجوز تعميم الحكم الشرعي بمنع الحمل أو تأجيله إلا إذا قرر الأطباء ذلك بوجه عام بعد أن يتحول انتشار الوباء إلى كارثة تحصد الأرواح.

مطلوب تقرير رسمي

وتؤيد مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر اجتهاد الشيخ جمال قطب «بشرط أن يكون الأساس هو كلام الأطباء باعتبارهم أهل الاختصاص الذين يجب أن يقوم الحكم الشرعي بناء على أقوالهم ، حيث قال تعالى: «فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» (آية ٤٣ سورة النحل).
ولهذا لابد أن ترسل وزارة الصحة للأزهر تقريراً طبياً شاملاً عن وضع الحوامل في ظل المراحل المختلفة للمرض، وفي ضوء ذلك يصدر الأزهر فتواه النهائية التي يفترض أن التحليل والتحريم فيها سيكونان حسب تدرج انتشار المرض والأخطار، التي تواجه الحامل وجنينها أو طفلها بعد ولادته».
وأضافت: «حتى يُصدر الأزهر فتواه لا مانع شرعاً من أخذ وسائل منع الحمل موقتاً، حتى نحمي النساء من الوباء. من القواعد الشرعية «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح‏»،‏ ولا يجوز للزوج أن يُجبر زوجته على الحمل مخاطراً بحياتها، لأن في هذا نوعاً من إلقاء النفس إلى التهلكة، وقد قال تعالى: «ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة» (آية ١٩٥ سورة البقرة). وإذا ازداد تفشي المرض وحذر الأطباء الزوجات من الحمل فإنه ليس من حق الزوج إجبار زوجته على الحمل، وإن فعل فهو آثم شرعاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه حفظ أم ضيع حتى يُسأل الرجل عن أهل بيته».
وفي نهاية كلامها حذرت الأزواج من إساءة استخدام حقهم في الطاعة لإجبار الزوجة على الحمل إذا نصحها الطبيب الثقة بعدم الحمل لظروفها الصحية وانتشار مرض أنفلونزا الخنازير، لأنه هنا يكون الزوج كمن يُجبرها على الانتحار، ويكون عليه الذنب الكبير إذا أجبر زوجته وضحت بحياتها، ولست مبالغة عندما أقول إنه يكون شبيهاً بمن قتلها عمداً».

منع الضرر

يؤكد العميد السابق لكلية الشريعة والقانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور حامد أبو طالب أنه «ليس هناك أي مانع في الأخذ بتلك الفتوى، وذلك بعد أن يجلس المسؤولون في الأزهر مع الأطباء، ويوضحوا لهم الحقائق الطبية كاملة عن المرض، ووضع الحوامل في ضوئه بهدف حماية النفس والنسل.
والقاعدة الشرعية أوضحها الحديث النبوي، الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار‏»، وإذا كان الإسلام قد نهى عن الإضرار بالبشر عامة فما بالنا بالزوجة التي جعلها الله سكناً ورحمةً ومودةً لزوجها، حيث قال: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمةً إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون» (آية ٢١ سورة الروم)».
وأضاف: «ينبغي ألا نصدر فتوى عامة بأن تمنع كل سيدة نفسها من الحمل خوفاً من الإصابة بالوباء، فذلك أمر يُخالف الشرع، لأنه لا يجوز الأخذ بهذه الفتوى على إطلاقها‏ ودون ضوابط شرعية وطبية، ‏وفي الوقت نفسه على المرأة الذهاب الى الطبيب الثقة الذي يخاف الله لفحص حالتها، فإذا قرر أنها ستكون عرضة للإصابة بالمرض في حالة الحمل‏‏ فيجوز لها تأجيل الحمل أو منعه موقتاً. وإذا ما تراجع انتشار الوباء فلا يجوز لها المنع لزوال أسبابه، وليس من حق الزوج إجبار زوجته على المغامرة بحياتها من أجل الإنجاب».

لا مانع شرعاً من تأجيل الحمل

في البداية يوضح الشيخ جمال قطب مبرراته الشرعية التي استند إليها في اجتهاده فيقول: «المحافظة على صحة الإنسان وحياته ونسله أحد المقاصد الرئيسية للشريعة الإسلامية، ولهذا أباح الإسلام كل ما يؤدي إلى ذلك مادام لا يصطدم مع نص شرعي، وذلك لقوله تعالى: «فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم» (آية ١٧٣ سورة البقرة)».
وأشار إلى أن الإسلام يدعو إلى منع الضرر والابتعاد عن الأسباب المؤدية إليه، يطبّق القاعدة الطبية «الوقاية خير من العلاج »، ولهذا فإنه ليس هناك مانع شرعاً من تأجيل الحمل أو حتى منعه بصورة موقتة، الى حين انتهاء تفشي المرض بشرط أن يكون القائلون بذلك هم الأطباء المسلمون الثقات ذوو الدين».
وأكد أن الإسلام «لا يضيق على الناس أو يجعلهم عُرضة للمرض. فمثلاً أباح بوجه عام تأجيل الحمل وليس منعه، حفاظاً على صحة الأم. حتى أن شيخ الإسلام الإمام أبي حامد الغزالي في كتابه الشهير «إحياء علوم الدين»، أباح تنظيم الحمل من أجل المحافظة على جمال المرأة‏.‏ في حين أباح الإمام الشافعي تأجيله لأسباب أخرى، منها كثرة الأبناء ومسؤولياتهم دون أن يكون السبب الرئيسي خشية الفقر، لأن المسلم مطالب بأن يكون على يقين تام بأن الرازق هو الله، وحتى لا يدخل في المحظور الشرعي لقوله تعالى: «ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيراً» (آية ٣١ سورة الإسراء). ولهذا مطلوب زيادة حملات التوعية عن طريق علماء الدين لتعريف المواطنين بخطورة الحمل في هذه الفترة‏».‏
وعن جواز إجبار الزوج لزوجته على الحمل رغم زيادة خطر إصابتها بالمرض في ظل التحذيرات المستمرة للأطباء الآن ومستقبلاً من تزايد احتمالات تعرض حياة الحوامل للخطر بسبب تفشي المرض، قال: «إذا كانت طاعة الزوج واجبة شرعاً ففي المقابل يجب على الزوج العمل على حماية زوجته من الأخطار بدلاً من المغامرة بحياتها من أجل أنانيته. ورغبته في الإنجاب ولو على حساب حياتها، فإن أصر فهو آثم شرعاً، ويمكنها رفع أمرها إلى القضاء إذا فشلت في إقناعه، ولم يستجب لتدخل أهل الثقة والحكمة من أسرته وأسرتها».

تحذيرات طبية

ويفسر أستاذ النساء والولادة والعميد الأسبق لطب الأزهر الدكتور جمال أبو السرور أسباب تزايد احتمالات الإصابة بين الحوامل قائلاً: «خلال فترة الحمل يشهد جسد الحامل تغيرات هرمونية على مستوى التمثيل الغذائي، و يحدث اختلاف في عمل أجهزة المناعة والتنفس والقلب والأوعية الدموية، وتتضاءل قدرة الرئتين بسبب تمدد الرحم الذي يضغط على الحجاب الحاجز الفاصل بين التجويف الصدري والبطن.
وفي ظل التزايد المستمر لحالات الإصابة، فإنه من الأفضل تأجيل الحمل أو منعه موقتاً باستخدام الوسائل الآمنة والفعالة لمنع الحمل بشكل موقت، ولكن إذا حدث الحمل فلا يجوز الإجهاض»‏‏.
ويضيف: تزداد أخطار الإصابة بأنفلونزا الخنازير بين المصابات بأمراض القلب والضغط والسكري ‏والالتهاب الرئوي، والحساسية الشديدة والنزلات الشعبية،. ولم يتفق الأطباء بشكل نهائي وقاطع على العقار الأفضل للحوامل للوقاية أو العلاج من الوباء.
ويزداد الخطرة على الحوامل اللواتي هن أكثر استعداداً للإصابة بالأمراض بوجه عام، ولهذا يجب توعية الحوامل بما يمكن أن يتعرضن له من أخطار انتقال مرض أنفلونزا الخنازير إليهن، خاصة في الأشهر الثلاثة الأخيرة، مما يؤدي إلى ازدياد خطر إصابتهن بمضاعفات رئوية خاصة، وبحالات إجهاض مفاجئة وفقدان الجنين، لأن الحوامل معرضات للإصابة بمضاعفات المرض.
بما يزيد أربع مرات عن الآخرين. وتضاربت الأقوال حول انتقال المرض من الحامل الى جنينها، وإن كان من الأرجح أنه لا ينتقل».
وفي النهاية يقدم الدكتور أبو السرور مجموعة من النصائح التي ينبغي للحامل الالتزام بها وأهمها تجنب الاقتراب من المرضى بوجه عام، ومن يبدو عليهم الإعياء بسبب الحمى والسعال‏ ، مع المحافظة الشديدة على النظافة الشخصية، وخاصة تكرار غسل الأيدي بالصابون والماء،‏ والعادات الصحية مثل النوم الكافي والتوازن الغذائي بتناول الأطعمة المغذية لها ولجنينها، وتناول كمية وفيرة ومتنوعة من السوائل،‏ والبقاء بالمنزل في جو جيد التهوئة وعدم الوجود في الأماكن المزدحمة، لأنه مع حدوث الحمل يحدث نوع من الضعف في عمل الجهاز المناعي لفترة موقتة‏، وبالتالي تكون الحامل أكثر عرضةً للإصابة بأي فيروس.