ما هي سن العانس في السعودية؟

العانس والمجتمع, المملكة العربية السعودية, جائزة الأسرة العربية, علم إجتماع, تأخر سن الزواج, التنمية الإقتصادية, عانس, جامعة الملك سعود, فتاة سعودية / فتيات, جامعة الملك عبد العزيز, د. أبو بكر باقادر, د. هيثم لنجاوي

21 يونيو 2010

علم الإجتماع: تأخر الزواج نتاج طبيعي لتغير المجتمع وتطوره
رأى أستاذ علم الإجتماع في جامعة الملك عبدالعزيز أبو بكر باقادر أن من أسباب تأخر الزواج في السعودية هو وجود الأسرة الزواجية الصغيرة  والمعروفة بالأسرة النواة، والتي أصبحت وحدة إقتصادية مستقلة بمسكنها ومتطلباتها العصرية، فلم يعد الزواج يتم في منزل العائلة الكبيرة وأصبح من الضروري تكوين مسكن مستقل للعائلة الجديدة. وهذا الأمر بحد ذاته أفرز مشكلات متداخلة جميعها ساهمت في تأخير سن الزواج.
وقال إن تغير مستوى المعيشة وتحول الكماليات إلى أمور أساسية لمتطلبات الحياة العصرية للطبقة الوسطى، ساهما في زيادة التكاليف التي لابد من الاستعداد لها قبل الزواج، بالإضافة إلى تعذر قيام الأسرة الكبيرة والممتدة بتغطية هذه المصروفات فأصبح على الزوج الشاب الإلتزام بتوفير هذه الأمور، وبالتالي لابد أن يحصل على عمل قبل أن يقرر الزواج.
وأشار إلى دراسة قام بها في الثمانينات عن نوعية الزوجة التي يرغب فيها الشباب، وخرج بأن الاغلبية لم يفضلوا الزوجة المتعلمة والعاملة لكي لا تنافسهم في القرارات والمسؤولية. أما اليوم ومع تغير متطلبات الحياة وإحتياج الأسرة الصغيرة إلى مكانة إجتماعية، فأصبح الشاب يفضل المرأة المتعلمة والعاملة لتساهم معه في المصروفات والحصول على الكماليات، كالسفر في الصيف  والخروج إلى المطاعم الغالية وسوى ذلك.
من جهة أخرى، أوضح باقادر أن التعليم صار مفصلاً أساسياً في تحديد سن الزواج إذ أصبحت الأسر تحدد موعد الزواج بعد الانتهاء من الدراسة وتشدد على ضرورة تعلم الفتاة وإنهائها لدراستها. وأصبح رفض الزواج بحجة التعليم مقبولاً إجتماعياً بشكل أكثر من السابق. وكما للتعليم دور مهم في تأخير سن الزواج، لعب الطب دوراً مهماً في هذا الشأن أيضاً، كما ذكر باقادر، حين مكّن المرأة من أن تنجب بعد سن 35 سنة. " لم يصبح الانجاب يعتمد كثيراً على الطريقة الطبيعية للحمل وأصبحت الكثيرات من السيدات حول العالم ينجبن بعد منتصف الثلاثينات. والسعودية جزء من العالم الذي تحدث فيه هذه التغيرات وبالتالي نتأثر بشكل أو بآخر».
وعلى المستوى العالمي قال باقادر إن الزواج لم يعد  شرطاً لقبول الفرد في المجتمع. ورغم أهمية الزواج للمجتمع السعودي وللعضوية في المجتمع، فإن هذا الأمر بدأ يتغير بشكل تدريجي وسيتغير بشكل أكبر في المستقبل خاصة مع تحليل وإجازة زواج المسيار، وزواج فرند، وزواج السفر وغيرها. ولكن هذا لايمنع أن الشعور للمجتمع السعودي مازال يؤمن بأهمية الزواج ويشعر بالقلق لتأخره.
وأكد أن نظرة المجتمع إلى الفتاة الثلاثينية تغيرت بعض الشيء ولم يعد منتصف العشرينات هو سن العنوسة نظراً لجميع المتغيرات والأسباب التي ذكرت سابقاُ، حيث أصبح الشاب يرغب في فتاة متعلمة تساهم معه في تحمل أعباء الحياة العصرية بمتطلباتها.
وشدد على أنه لايمكن أن نجزم بوجود مشكلة تسمى " العنوسة" إلا بوجود دراسات دقيقة وحسابات دقيقة ومن ثم يحدد المجتمع إن كانت هذه القضية مشكلة وإن كان لابد من إيجاد حلول لها.

العنوسة في السعودية: حقائق ودراسات وأرقام
كشف الدكتور عبدالله الفوزان، استاذ علم الإجتماع المشارك في جامعة الملك سعود في الرياض، من خلال دراساته ومقالاته عن العنوسة في السعودية أن المملكة فيها أكثر من مليون ونصف مليون عانس، وسيرتفع الرقم إلى أربعة ملايين عانس في السنوات المقبلة. مشدداً على أن العنوسة مشكلة اجتماعية لابد أن تتصدى لها السعودية بإيجاد حلول تمكن الشباب من تحمل أعباء الزواج وتكوين الأسرة وفي مقاله  «وزارة العدل وظاهرة العنوسة في المجتمع السعودي»، أكد الفوزان أن العنوسة مشكلة إجتماعية تواجه السعودية وتسبب قلقاً للأسر وللفتيات. واقترح تدخل المؤسسات الإجتماعية لحل المشكلة، وتيسير مسألة الزواج للفتاة السعودية كفتح باب الزواج من الخارج، وإفتتاح مراكز تزويج موثقة تحت إشراف وزارة العدل لتربط بين الفتاة والشاب الراغبين في الزواج، إضافة إلى حملات توعية تحث على الزواج وترغّب فيه وتبين الأخطار الأخلاقية التي تسببها العنوسة.
من جهة أخرى، أفادت دراسة مسحية أعدتها وزارة التخطيط السعودية عام 2006 أن عدد غير المتزوجات  وصل إلى المليون ونصف المليون عانس.

تأخر سن الزواج فكرة قديمة خضعت لمتغيرات جديدة
تحدث الدكتور هيثم لنجاوي وكيل معهد البحوث والاستشارات في جامعة الملك عبد العزيز ورئيس مكتب البوابات الأربع للاستشارات الإستراتيجية عن تأخر الزواج من الجانب الاقتصادي وتأثيره على التنمية البشرية، قائلاً: «يجب الرجوع إلى مفهوم العنوسة، أو تأخر الزواج كمتغير ثابت. هذا المتغير الثابت يخضع لمتغيرات مستقلة، وتأخر الزواج فكرة قديمة وليست حديثة، ولكن بدأت بالظهور حالياً بشكل أساسي. وحتى نعرف المتغيرات علينا الرجوع إلى مرحلة قديمة وهي فترة الخمسينات من القرن الماضي، حينما بدأت الدول تنفيذ التنمية. وطبعاً وفقا للنموذج الغربي للتنمية بدأ تطبيق برامج تنموية كبيرة، تمحورت على ثلاث دوائر أساسية، دائرة التعليم، دائرة الصحة، ودائرة القضاء على الفقر. وحتى تنتقل الدول من المرحلة البدائية لتصل إلى مرحلة من التحضر عليها تغطية الدوائر الثلاث. والواقع أن غالبية دول العالم الثالث طبقت الدائرتين الأولى والثانية بشكل جميل جداً، وهما دائرة التعليم ودائرة الصحة. ولكن هنا بدأت التأثير وهو المتغير المستقل ألا وهو التعليم، حين بدأ التأثير على ظاهرة العنوسة. وبالرجوع إلى سلم «ماسلو» للاحتياجات يبدأ أولاً بالفسيولوجيا (الطعام، والشراب) ومن ثم المرتبة الثانية الأمن، ومن ثم الزواج، ومن ثم التقدير، ومن ثم تحقيق الذات».
وأوضح أنه في الماضي وقبل الانتقال إلى الحياة المتحضرة كان الناس يحققون الاحتياج الأول من «ماسلو» وهو الطعام والشراب وأيضاً الأمن، بمعنى آخر أن الإنسان في حاجة إلى منزل، ودخل وأسرة، ولكن كان الدخل بسيطاً والمنزل كافياً.
وأضاف: «عندما بدأ التعليم ينتشر أنشأ طبقة تسمى الطبقة الوسطى الاحترافية التي تأخذ مكانتها الاجتماعية بسبب التخصص الذي تنتمي إليه. وعندما بدأت تتكون استقطبت عدداً كبيراً من الناس. ومشكلة بوابة التعليم أن الأشخاص توقفوا عند المرتبة الثانية وهي الأمن، ولم يذهبوا إلى الزواج لماذا؟ لأن التعليم أوجد حالة خاصة عند الفتاة أنها أصبحت متعلمة، وأصبحت في وضع اجتماعي عالٍ جعلها تعظم الأمن لديها والذي تجسد بارتفاع الدخل. وبدل أن تكتفي ببيت بسيط أصبح البيت المطلوب كبيراً. من هنا بدأت تظهر سن العنوسة كمفهوم أساسي، لأن التعليم جعل الشخص يريد الدخل العالي، والبيت الكبير، والأسهم، والشركات وخلافه».
أما من ناحية الدائرة الثانية «وهي الصحة، ومع وجود الأطباء والمستشفيات والأدوية التي قضت على أمراض كانت تأتي على حياة الكثيرين، فازداد عدد السكان، وبالتالي ازدادت البطالة. فأصبحت زيادة عدد السكان والتعليم والصحة والبطالة متغيرات أدّت إلى ارتفاع سن الزواج. إضافة إلى كل العوامل السابقة أيضاً لدينا سبب إضافي ألا وهو دخول عصر العولمة والانفتاح الاقتصادي، والإعلامي ما أثر على الفتاة. ففي السابق كانت ترجع إلى رأي الوالدين في حين أنها الآن تملك القرار حيال شريك الحياة والمتقدم لها».
وعند سؤاله عن فئة الشباب الذين يعزفون عن الزواج رغم الأمان الوظيفي والدخل الجيد، أجاب: «هناك سببان لذلك. أولهما أن سقف مطالبه في شريك الحياة قد ارتفع، وأصبح الشاب لديه انفتاح كبير في الاختيارات، ولا يقف عند البحث عن الفتاة المستورة. والسبب الثاني أنه يريد تعظيم دخله أكثر وأكثر حتى يشعر بالأمن. لأن العولمة أثرت على سلوكية الشباب في الزواج، إذ أن التجارب الغربية في الزواج المتأخر جعلت الشباب العربي من كلا الجنسين يقلد هذا الجانب لديهم».

تأخر الزواج وتأثيره في التنمية الاقتصادية
عن تأثير تأخر سن الزواج في التنمية الاقتصادية يضيف: «للوهلة الأولى، قد يعتقد البعض أن تأخر سن الزواج يساهم في تنمية المجتمع ولفترة محدودة وبسيطة جداً، إذ أن الشاب أو الفتاة بعد التخرج الجامعي يكون لديه النشاط والحماسة الإنتاجية والرغبة في العمل مما يثمر زيادة في الإنتاج، ولكن بعد فترة يجب أن يعود، أو تعود إلى نفسها، والعودة إلى الغريزة الإنسانية الطبيعية في تكوين الأسرة. وهنا يبدأ الجانب السلبي، فقد تصاب بعض الحالات بالشرود الذهني وهو هم تكوين الأسرة خصوصاً بعد مرور السنين وتصبح أو يصبح متأخراً في الزواج، الأمر الذي يسبب قلة الحركة الإنتاجية لديه. بل تصل الأمور في بعض الأحيان إلى الإصابة بحالات نفسية مما يعطل القدرة الإنسانية، وهنا يأتي التأثير السلبي للتنمية».

وأقترح لنجاوي بعض الحلول المنطقية الاقتصادية لمساعدة الشباب والفتيات على الاقتران في سن مناسبة، منها:

  • إيجاد فرص عمل للشباب وإنشاء المشاريع الصغيرة المشتركة بين الزوجين (عودة إلى الحياة التقليدية بشكل عصري).
  • إحياء دور الأسرة في الزواج مثل الزيارات المتبادلة بين الأهل والأرحام.
  • إحياء قيم الصبر والمصابرة والاحتساب والقضاء والقدر والمسؤولية بين الشباب والشابات.
  • إحياء دور الأسرة النووية ( الجد والجدة وأهمية وجودهما في حياة الشباب والشابات، والوقوف على خبرتهما وتجاربهما الماضية والاستفادة منها).
  • التوعية بأهمية الزواج على أساس أنها أولوية تأتي في رأس أولويات الإنسان.
  • إحياء قيمة تقويم الذات وعدم الغلو في التقليد، إذ أن لكل إنسان إمكانات تختلف عن الآخر.