من مصر... مواجهة الإعاقة في شهادات حيَّة
سلمى المصري, عسر القراءة, معاقين, إعاقة البصر, شهادات حيّة, الإعاقة العقلية, قراءة القرآن, الصم والبكم, كفيفة
20 سبتمبر 2010بطلة فرقة استعراضية
قهرت بسمة فريد ابنة الـ 18 ربيعاً إعاقتها وعزلتها عندما اشتركت بفرقة الصامتين للأداء الحركي (فرقة استعراضية للصم والبكم)، وتحكي تجربتها قائلةً: «كنت أعاني من العزلة الدائمة قبل اشتراكي في فرقة الصامتين للأداء الحركي، فأنا الوحيدة في إخوتي صماء وبكماء، هذه العزلة ليست في المنزل فقط بل كنت أعانيها من المجتمع ككل، فمشكلتنا جميعاً كصم وبكم تكمن في عدم تفهم المجتمع لنا، فكثير من الناس والمسؤولين يتعاملون معنا إما بشفقة نرفضها أو بتجاهل، حتى أنهم يتجنبون الاقتراب منا والتعرف على مشاكلنا، وكأننا لسنا بشراً مثلهم، ولكن اشتراكي في هذه الفرقة غيّر حياتي وحياة جميع أعضائها، فقد أصبحنا نخاطب العالم أجمع بالموسيقى التي لا نسمعها والجميع منبهرون، ولم أعد أشعر بأنني مهمشة أو معزولة».
وتحكي «بطلة» فرقة الصامتين، بداية اشتراكها في الفرقة قائلةً: «اشتركت في الفرقة منذ ثلاث سنوات لأنني كنت أشعر بالوحدة الدائمة، ولا أعرف كيف أمضي وقت فراغي في شيء مفيد، فقررت الالتحاق بالفرقة لعلي أتعلم شيئاً جديداً، ولم أتوقع النجاح إطلاقاً، خاصة أن الفكرة جديدة، صم يرقصون ويتفاعلون مع الموسيقى، والحقيقة أن الفضل في هذا النجاح يرجع إلى رضا عبدالعزيز مؤسس ومخرج الفرقة، فهو يحوّل لنا نبض الموسيقى والذبذبات إلى نقر عن طريق كفي ويدربني تدريباً منفصلاً، ويقوم بالأمر نفسه مع كل فرد في الفرقة، ثم يجمعنا ويدربنا معاً.
وتؤكد بطلة فرقة الصامتين أن بدايتها مع الفرقة كانت صعبة، وأكبر الصعوبات التي واجهتها هو عدم تخيلها أنها ستتخلى عن لغة الإشارة لتتواصل مع العالم بدونها داخل العروض الفنية، وتضيف: «تخوّفت جداً من الفشل في البداية ولكن مع التدريب المستمر استطعت التغلب على خوفي وأجدت الأداء الحركي مثل الأشخاص العاديين تماماً كأنني أسمع وأتحدث بطلاقة. والآن اختفى شعوري بالحزن وحلّ محله سعادتي بالنجاح، وأشعر بأنني محل اهتمام الكثيرين، فالفتيات والشباب يقبلون على التقاط الصور معي، خاصة بعد اهتمام كثير من القنوات الفضائية بعروض الفرقة، مما جعلني معروفة».
وتُعرب بسمة عن أمنياتها قائلةً: «أرى دائماً الصم والبكم في الشوارع يبيعون المناديل الورقية، ومنهم المتسولون، وأنا كفتاة صماء أخشى هذا المصير إن لم تؤمّن لي الدولة فرصة عمل محترمة، فهذا واجبها علينا، وهذا ما أتمناه لي ولكل الصم في مصر، وأتمنى أيضاً المزيد من النجاح والاستمرار لفرقة الصامتين والانتشار في كل العالم، لأنها النافذة الوحيدة التي نطل منها على عالم الأسوياء ونتحدث معهم بعروضنا الفنية».
عمره العقلي 6 سنوات ويحفظ القرآن كاملاً
بجسم شاب وعقل طفل استطاع محمد الببلاوي حفظ القرآن الكريم كاملاً ترتيلاً وتجويداً، وتغلب على إعاقته الذهنية، فهو شاب عمره 30 عاماً، وعمره العقلي لا يتعدى 6 سنوات، ورغم أنه غير قادر على إدارة حوار، إلا أنه كامل التركيز عند سؤاله في القرآن الكريم وتلاوته.
أتم محمد حفظ القرآن الكريم داخل مؤسسة «أبرار مصر». ويقول إسماعيل طنطاوي مدير المؤسسة: «شارك محمد في مسابقة القرآن الكريم التي ينظمها الأزهر الشريف، واستطاع الحصول على المركز الثاني ونال جائزة قدرها 10 آلاف جنيه تسلمها من شيخ الأزهر الراحل الدكتور محمد طنطاوي، وأطلق عليه الشاب المعجزة فهو يحفظ أيضاً ألف حديث نبوي، وصوته رائع جداً، مما يعد تجربة فريدة من نوعها نحاول توفير الرعاية لها، خاصة أن محمد حصل على العديد من الجوائز الأخرى ونأمل فوزه في أول مسابقة لحفظ القرآن الكريم خاصة بالمعاقين، والتي تم اعتمادها رسمياً هذا العام من وزير الأوقاف، حتى يتأهل إلى المسابقة العالمية المقامة في مكة المكرمة، ويكون أول معاق يحفظ القرآن الكريم كاملاً على مستوى العالم».
ويؤكد مدير مؤسسة «أبرار مصر» أن مستوى ذكاء محمد أقل بكثير من عمره ولا يتعدى تفكيره طفل عمره 6 سنوات، ويضيف: «عندما سأله أحد مقدمي البرامج في إحدى الفضائيات ما هي أمنيتك الآن فقال له أن «أزور رسول الله، وقتها ممكن أعمل عمرة ولما أعمل عمرة أقدر أحج»، وبالفعل قدمت له إحدى السعوديات دعوة للحج.
لدى كل منهم قدرة ورغبة قوية في التعبير عما ينطوي عليه من مواهب، لكنَّ إعاقة ذهنية أو جسدية تحول بينهم وبين انجاز ما يمكن ان ينجزوه من أعمال. والمحيط العائلي أو الاجتماعي للشخص المُعاق هو الذي يمكن أن يُحبطه ويفاقم من معاناته، أو يشجعه ويقويه كي يتمكن من قهر عِلّته، وجعلها دافعاً للتحدي والنجاح بدل أن تكون مدعاة للخمول واليأَس.
الذين تمكنوا من مواجهة الظروف القاسية التي تحيط بإعاقتهم وتحقيق نجاحات مُلْفتة، قد يعجز عنها الأصحاء، موجودون في كل مجتمع، و«لها» إذا تسلّط الضوء على هؤلاء في هذا التحقيق، فلكي تُلفت انتباه باقي المعاقين أو ذويهم الى تجاربهم الناجحة التي يمكن اعتبارها مثلاً يستحق الاقتداء به ضمن حدودد القدرات والامكانات المتوافرة.
كيف تنظر إليهم عندما تقابل أياً منهم؟ هل تتجاهلهم أم تشفق عليهم أم تطالب بمساعدتهم؟ مهما كانت نظرتك فهم يرفضون التعامل معهم على أساس الشفقة ويحتاجون الدعم والتشجيع. إنهم أصحاب الإعاقات سواء الذهنية أو الجسدية، وكثير منهم قهر إعاقته وحوّلها إلى دافع للنجاح وأدهش كل من حوله، وقدم أملاً لأمثاله قبل أن يصيبهم اليأس. في ما يلي الحكايات تتكلَّم... ونبدأها بحكايات من مصر.
إعاقة مزودجة وأعمال فنية دقيقة
إذا كان محمد لا يستطيع إدارة حوار وحافظاً للقرآن الكريم كاملاً فإن إسراء (22 عاماً) تدير حواراً رائعاً، ولكنها تتعثر في الكلام ومظهرها لا يعطي أي انطباع بأنها معاقة ذهنياً.
إسراء لديها إعاقة مزدوجة فهي معاقة ذهنياً بدرجة بسيطة وضعيفة النظر أيضاً، والتحقت منذ الصف الأول الابتدائي بمدرسة لضعاف البصر، وتحدت إعاقتها فتعلمت الكروشيه، وأصبحت تصنع منه مشغولات فنية، وأقامت مؤخراً أول معرض لها في دار الأوبرا المصرية، ورغم أنها تملك حساباً شخصياً على الفيس بوك وأكثر من بريد إلكتروني، إلا أنها تأسف لحالها وتقول بعد تنهيدة عميقة: «مشكلتي الكبيرة في القراءة والكتابة، فمازلت أعاني عند القراءة نظراً لضعف بصري، والمشكلة الكبرى أنه لا ضمير في التعليم».
كفيفة تعزف الكمان ببراعة
شيماء يحيى عمرها 25 عاماً عازفة كمان في أوركسترا النور والأمل للكفيفات. ولدت كفيفة، ولم تتوقف في قهر إعاقتها عند حد انضمامها الى الأوركسترا ومشاركتها بعزف الكمان، بل أصرت على التفوق الدراسي، وتخرجت في كلية الألسن، وعملت مدرسة لغة إنكليزية في مدارس النور والأمل للكفيفات، وتقول عن تحديها للإعاقة: احترفت الكمان لأنني كنت أحب الموسيقى، ومنذ دخولي مدرسة «النور والأمل» كانت أمنيتي أن أشترك في الأوركسترا، وكان هذا هدفي الأول الى جانب الدراسة، أما تفوقي الدراسي فكان بمثابة تحدٍ لي، فأنا الكفيفة الوحيدة بين أشقائي ولم أكن أريد أن يقول أحد أنني لم أكمل تعليمي لأنني كفيفة.
وتتطرق إلى الصعوبات التي تواجهها في الدراسة قائلة: «في التعليم الجامعي واجهتني مشكلة كبيرة نظراً لندرة آلة برايل، وتكبدت عناء ومشقة البحث عن طابعة برايل خارج الجامعة حتى أطبع كتبي ومحاضراتي وأتمكن من المذاكرة، هذا بالإضافة إلى بعض الأساتذة الذين كانوا يرون المعاقين عبئاً، ويرون أنه ليس من حق الكفيف أن يتعلم وعليه الاكتفاء بالتعليم قبل الجامعي».
وتتابع: «واجهت المزيد من الصعوبات عند العمل فكنت أتمنى أن أعمل مترجمة، إلا أنني وجدت تعسفاً كبيراً من أصحاب الشركات فلا أحد يقبل بعمل كفيف داخل فريق عمله، بل يرفضون التجربة، كنت أعرض عليهم التجربة، خاصة أنني ماهرة في الكمبيوتر ولدي برنامج يحول الكلمات المكتوبة إلى أصوات، وبالتالي أتمكن من التعامل مع شبكة الإنترنت بسهولة وإنجاز الكثير من المهمات، وبقيت أبحث عن عمل حتى قبلوني مدرسة لغة إنكليزية في مدرسة النور والأمل للكفيفيات وهي مدرستي التي تخرجت فيها».
مدير مؤسسة «أبرار مصر»: لا يزال المعاق يعاني من الإهمال
رغم قدرة الكثير من المعاقين على تحدي إعاقتهم وإثبات أنهم لا يقلون شيئاً عن الأصحاء في المجتمع، إلا أنهم مازالوا يعانون الكثير من المشاكل الاجتماعية بداية من الأسرة والأبوين، ويقول إسماعيل طنطاوي مدير مؤسسة «أبرار مصر»: «المعاقون ذهنياً يحتاجون الى عناية أكبر من ذوي الإعاقات الأخرى، وفي الوقت نفسه نجد أول ظلم يقع عليهم من قبل أحد الوالدين أو كليهما، فهناك آباء يرفضون أن يكون لديهم طفل معاق فيهجرون الأسرة ويتركون الأم وحدها تتحمل إعالته والعناية به، وهناك أمهات تكفر بالنصيب وتطلب الطلاق لتتخلص من مسؤولية الطفل المعاق وتتركه لأبيه، وفي بعض الأحيان نجدهم مظلومين داخل الأسرة، فنجد الكثير من الأسر القادرة مادياً جميع أولادها في مدارس لغات، ولكن لا يهتمون بالطفل المعاق، حيث يرونه استثماراً فاشلاً بلا نتيجة، والأفضل حجبه عن نظر الجميع فيحكمون عليه بالعزلة داخل غرفته مدى الحياة».
ويضيف: «من أكبر المشاكل التي تقابل هذه الفئة من المعاقين عدم توافر فرص عمل مناسبة، ولا أعمال مناسبة لهم مثل الأعمال اليدوية البسيطة وصناعة السجاد، وحتى اليوم للأسف في مصر لا توجد مناهج دراسية مناسبة لذوي الإعاقة، كل ما نعتمد عليه هو مناهج الروضة وأولى وثانية ابتدائي».
ويكمل طنطاوي: «مشكلة الطفل المعاق في المجمل هي عدم وجود وعي ثقافي داخل الأسرة بأهمية تنمية مهاراته، فهذا الطفل إذا وجد رعاية داخل الأسرة منذ الصغر لن يكون عبئاً على الأسرة، فبعضهم لديه نشاط زائد ويعتدي على من حوله، وبالتأهيل يمكن السيطرة على هذا النشاط، كما أن بعض الأطفال المعاقين يتحولون بالإهمال إلى أطفال شوارع وهنا تكمن الخطورة، خاصة أنه غالباً لا يستطيع حماية نفسه، وهناك من يؤذون الآخرين في الشارع، لذا يجب الاهتمام بهم».