فاطمة ترفض الإقامة مع والدها والأب يصرّ على حقه في الولاية

طلاق, حبس / سجن, عنف أسري, والدة, قضية / قضايا الأسرة, محكمة الأسرة

20 فبراير 2012

قضية محيّرة، تبدو بسيطة في موضوعها ولكن تفاصيلها معقدة. تتلخص في عدم رغبة إمرأة بالغة من العمر 35 عاماً في الإقامة مع والدها، وتفضيلها السكن مع والدتها، فتواجه حكماً بالسجن بعد أن خيّرتها المحكمة بين السكن معه والسجن. وكانت فاطمة قد أمضت ثلاثة أشهر في السجن لرفضها السكن مع والدها، تم بعدها الإفراج عنها بكفالة ليتسنى لها الصلح مع والدها وإنهاء القضية، أو العودة إلى السجن إذا لم يحسم الخلاف. والدها ينفي كل اتهاماتها له، ويؤكد إصراره على إقامتها معه لأنه المسؤول الأول عنها و«ولي أمرها». تعثرت كل سبل الصلح لإنهاء القضية، وأصبح إلزاميا على فاطمة أن تنفذ الحكم الصادر بحقها وهي مازالت ترفض!  تفاصيل القصة في هذا التحقيق.


«لن أستطيع أن أعيش معه بعد اليوم، إني أخاف على حياتي». بهذه الجملة بدأت فاطمة التي عرفت بـ «معنفة المدينة» وتعمل مساعدة طبيب أسنان في أحد المستشفيات الحكومية في المدينة، حديثها إلى «لها». حكت السيدة المطلقة التي لها ابنة في الثالثة عشرة، أن والديها انفصلا عندما كانت جنيناً داخل رحم والدتها، وعاشت مع والدها طوال سنوات الطفولة حتى تزوجت، ولكن المشاكل بين والدها ووالدتها لم تنته. تقول: «عشت مع والدي وإخواني وأخواتي وزوجات والدي اللواتي يغيرهن باستمرار دون أن أشعر باستقرار، ولكن مرت الأيام وكبرت وأنهيت دراستي، ثم تزوجت وانتقلت إلى منزل زوجي وأنجبت فتاة عمرها اليوم 13 عاما. لم تستقر الأمور بيني وبين زوجي وكثرت المشاكل وكان والدي طرفاً فيها. تم الاتفاق على الطلاق وترك لي حضانة ابنتنا، وانتقلت للإقامة مع والدتي».

عاشت فاطمة أكثر من 10 سنوات مع والدتها تساعدها في رعاية أخوانها وأخواتها وفي مصاريف البيت دون أن تفكر في تكرار تجربة الزواج خوفاً من تورط ابنتها في مشاكل الزواج والطلاق وأن تعرضها لما تعرضت له في حياتها، إلى أن تقدم لها شاب رأت أن فيه من الصفات ما لا يمنعها من التفكير في الزواج. وكانت هذه الفكرة هي بداية المعركة مع والدها وشرارة المشكلة التي لم تتمكن من حلّها حتى اليوم، لافتة إلى أن أخوتها ساهموا في تصعيد الموقف مع والدها خاصة عندما التحقت بمعهد التمريض لاعتراضهم على عمل الممرضة.

 تحكي: «عانيت كثيراً في طفولتي من مشاكل والدي ووالدتي وقد طردني من منزله مراراً قائلاً: اذهبي إلى والدتك. ومع ذلك كنت حريصة على علاقتي به. بدأت المشكلة قبل ست سنوات تقريباً عندما فاتحت والدتي والدي بأن هناك شاباً يريد الزواج مني، ولكنه رفض دون إبداء أي أسباب، فاقترحت والدتي أن انتقل للسكن معه وأحاول إقناعه بموضوع الزواج، وفعلت وأقمت عنده سبعة أشهر، ولكن كانت العلاقة تزداد سوءاً يوماً بعد يوم».

وفي يوم لم تحسب له فاطمة حساباً اصطدمت مع والدها في النقاش فهددها وعنّفها، وشهر في وجهها سكيناً وطلب منها أن تترك المنزل. خرجت فاطمة في حالة نفسية سيئة واتجهت إلى منزل والدتها لتفاجأ بأن والدها تقدم ببلاغ إلى الشرطة يقول فيه إنها متغيبة عن المنزل منذ أكثر من ثلاثة أيام واستمر في ملاحقة البلاغ حتى وصل إلى المحكمة وبدأت القضية.

تقدم لفاطمة أكثر من شاب يطلبها للزواج، ووالدها يصر على الرفض والاستمرار في القضية حتى جاء الحكم في مصلحته: إما أن تسكن معه أو تدخل السجن. اعترضت فاطمة على الحكم ورفع الى التمييز لكنها لم تتمكن من تغييره. تقول: «حكم علي بالسجن واعتبرني القاضي متبرجة وأعمل في مكان مختلط، ولذلك رأى أنه من الأسلم لي الإقامة مع والدي. وأنا لم أكن متبرجة ولا أقوم إلا بعملي وليس لي أي علاقات اجتماعية. وأنا لا أستطيع أن أقيم معه لصغر المنزل وكثرة المقيمين فيه، وتوتر علاقتي بوالدي بعد سجني. علماً بأني أساعد والدتي في مصاريف المنزل، وأرعى أخواني الأصغر سناً، وأريد أن أربي ابنتي في جو أسري مستقر».

 تم توقيف فاطمة بناء على الحكم الصادر في حقها وأمضت ثلاثة أشهر في السجن حتى تدخلت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وأفرج عنها بكفالة عمّها للتصالح مع والدها وتهديدها بالعودة إلى السجن إذا لم تحسم القضية. تقول فاطمة: «خرجت من السجن لمحاولات للصلح، ولكن والدي يرفض كل سبل الصلح، ويرفض تزويجي من كل من تقدم لي. وأنا حائرة لا أعرف ماذا أفعل. المهلة المحددة للإفراج عني انتهت وإن لم تحسم القضية سأعود الى السجن».
وأكدت أنها على أتم الاستعداد لأن تعطي والدها جزءاً من راتبها، وتبره، وتقوم بزيارته، على أن يتركها تعيش بسلام مع والدتها وتربي ابنتها، نافية تماماً ما يدعيه والدها في حقها من الخروج ليلاً وسوء الأخلاق.


الوالد

اتصلت «لها» بوالد فاطمة «أبو محمد» الذي أكد أن فاطمة كانت تعيش مع والدتها بعد طلاقها وأنه لم يتدخل في حياتها إلا بعد طلب الأم منه ذلك بعدما اشتكت أنها لا تستطيع التحكم في ابنتها ولا في خروجها من المنزل. ونفى أنه من بادر بتصعيد القضية وتعقيدها، مؤكداً أن فاطمة هي من صعّدت القضية في الإعلام. «بدأت المشكلة عندما خرجت فاطمة من منزلي واختفت ثلاثة أيام بعد إصراري على ملاحقتها ورفضي لخروجها ليلاً، وهذه أمور لا أرضاها كأب ولا يرضاها الشرع. فقد كانت تستغل غيابي عن المنزل لتتأخر ليلاً وتخرج دون علمي مع صديقاتها في اجتماعات فيها اختلاط بالرجال».

قدّم بلاغاً بتغيبها عن المنزل لثلاثة أيام، ووقفت والدتها معها وغيرت موقفها كلياً، فأحيلت القضية على المحكمة، واستمرت لسنوات عدة حتى حكم فيها ثلاثة قضاة ألزموها بالسكن مع والدها، وهي مازالت ترفض واختارت السجن.
وأكد أبومحمد أنه غير معترض على عمل فاطمة وأنه لا يرجو منها أي مقابل مادي، ولكنه يشترط أن يصطحبها بنفسه أو أحد إخوانها إلى عملها. وأنكر من أنه قد يكون ضربها أو عنفها أو أهانها بأي طريقة. كما أنكر أنه رفض تزويجها أو أنه بريد الانتقام منها، مؤكداً أنه موافق على تزويجها لأي إنسان ذي دين وخلق ولكن لا بد لها من الابتعاد عن موكلها الشرعي، موضحاً: «لا مانع لدي من تزويجها من أي إنسان محترم على خلق ودين، ولكني لا أقبل أن تخرج ولا أعلم عنها شيئاً برفقة من يدعي أنه موكلها ومَحرم لها، وهو ليس بمحرم لها».

وشدد أبو محمد على أنه لن يتنازل عن ملاحقة فاطمة مخيّراً إياها بين ثلاثة أمور: إما أن تعود للسكن في منزله ويحتضنها كأي والد، أو تتزوج وتسكن مع زوجها فيكون مسؤولاً عنها، أو تدخل إلى السجن وتكون الدولة مسؤولة عنها، «ولن أقبل بغير ذلك.  فهي ابنتي وتعنيني سمعتها».

 

الوكيل الشرعي

وأوضح أحمد مختار، الوكيل الشرعي لفاطمة، أن القضية لا تتعدى تصفية حسابات بين الأب والأم راحت ضحيتها فاطمة. فهناك مشاكل كثيرة بين الوالد والوالدة من قبل ولادة فاطمة استمرت حتى بعد طلاقهما وحتى كبرت. وقال: «لقد حاول الوالد مراجعة أم فاطمة بعد وفاة زوجها وطلاق فاطمة ولكنها رفضت، فبدأ إثارة المشكلات وحاول منع فاطمة من إتمام دراستها الثانوية بعد الطلاق».

أما عن وضع القضية الآن فشرح مختار أن قسم القضايا الأسرية في الحقوق المدنية يطالب فاطمة بالعودة إلى السجن لانتهاء المهلة التي سمحت بها المحكمة كمحاولة للصلح بينها وبين والدها، وقال: «فاطمة الآن مكلفة بتطبيق حكم القاضي، ووضعها الآن لن يغير فيه إلا ولي أمر يطلب إعادة النظر في القضية. ولقد رفعنا إلى المقام السامي وهيئة القضاء الأعلى وإمارة المنطقة وكثير من المسؤولين حتى يتم النظر في أمرها». وختم: «نتمنى أن يصل صوت فاطمة إلى المسؤولين والرأي العام لإنهاء معاناتها».