ضرب الزوجات مخالف للشرع
علماء الأزهر, د. مهجة غالب, د. عبلة الكحلاوي, د. سعاد صالح, فتوى, المخالفة الشرعية, مخالفة الشرع
21 مايو 2012حالات استثنائية
أما مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، فتقول: «الضرب بالمفهوم التقليدي عند كل الأزواج يسبب الأذى الجسدي، وما يستتبعه من الخوف والإرهاب النفسي، وهي أمور تورث السلبية والكره بين الزوجين، وليس الحب والاحترام والمودة والرحمة التي دعا إليها الإسلام، والهدف الأسمى من المفهوم الجديد للضرب هو عدم دخول طرف ثالث في الحياة الزوجية إلا للخير فقط وإصلاح ذات البين، لاستمرار الأسرة أو الوقوف على نية أحد الزوجين إذا كان راغباً في عدم استمرار العلاقة الزوجية».
وأشارت الدكتورة سعاد إلى أن المفهوم التقليدي الوحشي للضرب يؤدي إلى ضياع الحب بين الزوجين، بالإضافة إلى تضييعه لمعاني الأبوة والأمومة بين الأبناء في ضوء ما يرونه من ذل ومهانة للأمّ، مما قد يحولهم إلى أعداء لأبيهم دفاعاً عن أمهم المستضعفة، التي تضرب وتهان أمامهم، بغض النظر عن كون الضرب قاسياً أو غير قاسٍ، وقد عني الإسلام بالأسرة وبالأمومة والحفاظ عليها وحماية حقوقها، وذلك بإقامة كل علاقاتها على المودة والرحمة والبر والعرفان بالجميل بين كل الأطراف.
وأنهت الدكتورة سعاد كلامها بالتأكيد أن هذا الاجتهاد لا يعني التعصب له وتسفيه من يستدلون بأحاديث أخرى، مثل ما ورد في السنة عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال: «قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طَعِمْتَ، وتكسوها إذا اكتسيت أو اكتسبت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت»، وهنا نلاحظ أن الحديث ذكر الضرب ولكنه نهى عن ضرب الوجه، لكن ينبغي أن يكون لحالات استثنائية من النساء المعوَّجات غير المطيعات فقط، وأن يكون غير مبرح، وهنا ربما يجدي معهن ويكون كما يقال «آخر الدواء الكي»، لكن القاعدة العامة عدم الضرب والأخذ بالاجتهاد الوجيه للدكتور أبو سليمان.
توافق
ويرى الدكتور محمد الشحات الجندي، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أن هذا الاجتهاد متوافق مع ما أوصى به النبي، صلى الله عليه وسلم، بالإحسان إلى الزوجة وإكرامها، بل جعل خير الناس من يحسن إلى أهله، فقال: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي». وهذه الخيرية تعني الاحترام والتقدير والمحبة، حتى أن النبي، صلى الله عليه وسلم، ذكر في شأن الإحسان إلى الزوجة أن إطعام الزوج لزوجته ووضع اللقمة في فمها ينال به أجر صدقة، فقال: «وإنك لن تنفق نفقة إلا أجرت عليها حتى اللقمة ترفعها إلى فم امرأتك»، وبالتالي فإن مفهوم الضرب التقليدي مستبعد بوجه عام، لقوله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف». ويمكن أن يكون الضرب غير المبرح علاجاً لبعض الزوجات، لكنها تكون حالة استثنائية لاعوجاج في شخصية وطبائع الزوجة، أما الحكم العام فإنه يتوافق مع الاجتهاد الجديد، والاستثناء بالضرب غير المبرح لا يقاس عليه بالتعميم، وإنما علاج لحالة ذات طبيعة خاصة.
وسائل أخرى
وترى الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، أن هذا التأويل لمسألة الضرب تؤيده شواهد كثيرة من السنة النبوية من أفعال النبي، صلى الله عليه وسلم، حيث لم يثبت عنه أنه ضرب إحداهن بالمفهوم التقليدي للضرب، وإنما هجر نساءه شهراً واعتكف فهذا تفسيرٌ عملي من السنة لكيفية الضرب عند وجود خلافات زوجية، ويتوافق كذلك مع قول النبي، صلى الله عليه وسلم: «خير النساء امرأة إن نظرتَ إليها سرتك، وإن أمرتَها أطاعتك، وإن غبتَ عنها حفظتْك في مالها ونفسها». ولا بد أن نربي في نفوس الأبناء منذ الصغر أن هناك وسائل عديدة لحل الخلافات الزوجية بعيداً عن الضرب، وإنما يمكن أن تؤدي وسائل أخرى، كالتعليم والموعظة والمشاورة أو التحكيم، في حالة الشقاق، وبالتالي فإن الضرب مستقبح في ذاته فما بالنا إذا كان القائم به لا يخشى الله؟
وأشارت الكحلاوي إلى أن الإسلام حرر المرأة من الرق بكل معانيه تكريماً لها، ومن هنا فإن الاجتهاد الجديد لمعنى الضرب يتماشى مع ذلك، ويؤكد أسبقية الإسلام للتشريعات الوضعية في احترامه للمرأة، ولنا أن نتدبر الآية الكريمة «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً «آية 34 سورة النساء. وسنجد أنه جاء بعد كلمة «اضربوهن» قوله تعالى:» فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً»، أي إن الهدف من «الضرب» طاعة الزوجة لزوجها، وطالما أن هذا يمكن أن يتم من خلال الاجتهاد الجديد الذي يحفظ كرامة المرأة والرجل والأولاد على حد سواء، يكون الأخذ به أولى بدلاً من تحويل البيت إلى «مقصلة أو مجلدة» للزوجة، بما يخالف تعاليم الإسلام، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لأكره للرجل يضرب أمته عند غضبه، ولعله أن يضاجعها في يومه».
الاقتداء بالرسول
وتؤكد الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، أن من يضرب أي امرأة، وخاصة زوجته، لم يقرأ السنة النبوية، وإذا لم يفهم قول الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم: «لا ترفع عصاك على أهلك»، وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً: «رحم الله امرأ علق سوطه حيث يراه أهله»، أي لم يستخدمه في الضرب أو الجلد للزوجة كما يفعل بعض الجهلاء، وإنما علقه.
وأضافت: «من المؤسف أن أعداء الإسلام تناسوا كل أشكال التكريم الإسلامي للمرأة، وإعلاء شأنها ومكانتها وحفظ كرامتها، واختصار القضية في ضرب المرأة استناداً إلى بعض الممارسات الوحشية من بعض الأزواج ضد زوجاتهم، ونسبة ذلك إلى الإسلام، حتى أن بعض الأزواج قاصري الفهم يتعمدون ضرب الزوجات كأنه عبادة يتقرب بها إلى الله، وكلما كان الضرب قاسيا كان أقرب إلى الله، مع أن الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، نهى عن ذلك ولم يضرب واحدة من زوجاته ضرباً مبرحاً أو غير مبرح، وواجبنا الاقتداء به حتى نكون ممن قال الله فيهم: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً» آية 21 سورة الأحزاب.
وأنهت الدكتورة مهجة كلامها بالتأكيد على أن الاجتهاد الجديد لمعنى الضرب يتماشى مع الأمر القرآني بالإحسان إلى الزوجة وإكرامها ومعاشرتها بالمعروف، حتى عند انتفاء المحبة القلبية، فقال تعالى «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً» آية 19 سورة النساء. ومن عظمة الإسلام أنه جعل للمرأة حقوقاً على زوجها، كما أن له حقوقاً عليها، فقال تعالى: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» آية 228 سورة البقرة. وهذه الدرجة هي القوامة التي تعني المسؤولية، أي أنها تكليف لا تشريف في الإنفاق وغيره.
أيد علماء الأزهر فتوى جريئة للمفكر الإسلامي السعودي الدكتور عبد الحميد أبو سليمان، رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي في الولايات المتحدة الأميركية، بأن ضرب الزوجات ليس من الإسلام في شيء، ومخالف لمفهوم النص القرآني عن الضرب الذي يعني ابتعاد الزوج عن زوجته خارج البيت، وليس ضربها بالمفهوم التقليدي، مؤكداً أن ضرب الزوجات مخالف أيضاً لنصوص السنة النبوية وأفعال النبي، صلى الله عليه وسلم، الذي لم يضرب زوجة من زوجاته قط. ولهذا لا بد من تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى الأزواج عن الضرب الذي يفعله البعض وكأنه عبادة يتقرب بها إلى الله رغم أن الشرع نهى عنه.
عدم فهم
ترى الدكتورة فايزة خاطر، أستاذة الفقه في كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، أن هذا الاجتهاد في معنى الضرب يؤدي إلى تحسين صورة الإسلام في تعامله مع المرأة، وخاصة أن قضية الضرب من المآخذ التي يطعن بها الطاعنون في الإسلام واحترامه لآدمية المرأة، فضلاً عن أنها مشكلة اجتماعية تؤدي إلى كثير من السلبيات، ومشكلة دينية نتيجة عدم فهمنا للنصوص الدينية.
وتشير الدكتورة فايزة إلى أن اجتهاد الدكتور عبد الحميد أبو سليمان مقبول إذا ربطناه بنصوص صريحة من السنة النبوية، حيث يقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «بِمَ يَضْرِبُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الْفَحْلِ أَوْ الْعَبْدِ ثُمَّ لَعَلَّهُ يُعَانِقُهَا»، وفي رواية أخرى قال: «عَلَامَ يَضْرِبُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الْعَبْدِ ثُمَّ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ»، وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أيضاً: «لا تضربوا إماء الله، فجاء عمر إلى النبي، صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، قد ذئرن، أي اجترأن، على أزواجهن، فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضربوهن، قال: فأطاف بآل محمد، صلى الله عليه وسلم، سبعون امرأة، كلهن يشتكين أزواجهن، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ليس أولئك خياركم».
يوضح الدكتور عبد الحميد أبو سليمان، الذي التقيناه في القاهرة، الأسس التي بنى عليها اجتهاده فيقول: «بدأت الشك في التفسير التقليدي لمفهوم الضرب، وكيف يتعارض مفهوم الضرب هذا مع الأهداف السامية من الزواج باعتباره آية من آيات الله، التي قال عنها: «وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» آية 21 سورة الروم. ولماذا ختمت هذه الآية بالدعوة إلى التفكير؟ ومن هنا بدأت أسال نفسي: كيف يتماشى الضرب بكل درجاته، سواءً كان عنيفاً قاسياً أو حتى خفيفاً بالسواك كما قال بعض الفقهاء، مع المودة والرحمة والقوامة التي تعني الرفق والرحمة بالآخر؟ وهل ينهي ضرب المرأة الخلافات بين الزوجين أم يخلق مشكلة جديدة وحاجزاً نفسياً؟ من هنا بدأت أتفكر في معاني كلمة «الضرب» ومشتقاتها في آيات القرآن، فوجدتها وردت على 17 وجهاً، إذا تأملناها وفكرنا فيها سنجد كلمة «ضرب»، استخداماً مجازياً فيه معاني «العزل والمفارقة والإبعاد والترك والدفع» وقد قال تعالى: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً. وإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا» الآيتان 34-35 سورة النساء.
ويواصل الدكتور أبو سليمان عرض اجتهاده قائلاً: «إذا أخذنا في الاعتبار طبيعة السياق، وطبيعة الحال والغاية من الترتيبات في الإصلاح والتوفيق، وقيم الإسلام في تكريم الإنسان وحفظ كرامته وحقه في تقرير مصيره، وطبيعة العلاقة الزوجية الاختيارية، وإمكان طرفي العلاقة إنهاءها إذا لم يقتنعا بها ولم يرع أحدهما حقوق الآخر، وأنه لا مجال لإرغام أي طرف منهما أو قهره عليها، أدركنا أن المعنى المقصود من «الضرب» لا يمكن أن يكون الإيلام والمهانة، وأن الأولى هو المعنى الأعم الذي انتظمت عليه معاني كلمة «الضرب»، في السياق القرآني وهو البعد والترك والمفارقة، وذلك أنه إذا ابتعد الزوج عن زوجته وهجرها وهجر دارها كلية، من طبيعة الترتيبات المطلوبة لترشيد العلاقة الزوجية، ولأن ذلك هو خطوة أبعد من مجرد الهجر في المضجع».
وأنهى الدكتور أبو سليمان استدلاله بالتأكيد أن مفارقة الزوج لزوجته، وتركه لمنزل الزوجية، والبعد الكامل عنها وعن دارها، يضع المرأة وبشكل مجسد محسوس أمام آثار التمرد والعصيان والصراع مع الزوج، وهو الفراق والطلاق، وهذه الخطوة المحسوسة الملموسة تعطي المرأة الفرصة الكاملة أن ترى وتحس وتتمعن في آثار نشوزها ونتائج سلكوها وعصيانها، وهو الفراق والطلاق، وهنا تفكر في العودة إلى رشدها إذا كانت راغبة في استمرار الحياة الزوجية، وبالتالي فإن الزوج الذي يضرب زوجته يكون آثماً ومخالفاً للشرع.