جمعيّة 'تمنّى' أحلام أطفال الأمراض المزمنة تخرج من قمقم الأحزان لتتحقّق في فضاء الفرح

الأمراض المزمنة, صحة الطفل / الأطفال, مرض الطفل / أطفال, جمعية تمنّى

11 مارس 2013

عندما سألها المعالج النفسي كيف يمكنه مساعدتها أجابته: «هل تستطيع أن تردّ لي ابني كريم إلى الحياة...!» حلم مستحيل تحقيقه... على غفلة من الحياة رحل عنها فلذة كبدها. رحيل مبكر جدًا لم تكن يومًا تتوقّعه السيدة ديالا. لم تتوّقع أنها لن تعود ترى ابتسامة ثغر ابنها كريم الصغير، وتسمع ضحكته تصدح في أرجاء البيت. ترك لها رسومه الطفولية وخربشاته ورحل. حادث غبي حرمها ابنها وجعلها تدخل في عالم الأحزان إلى درجة أنها  أصبحت تشعر بالذنب إذا ما ابتسمت. ولكن جلسة العلاج رغم أنها لم تكن في حاجة إليها، كما تقول ديالا الفيل، كانت كفيلة بأن تعيد إليها ابتسامة خجولة وتلُمع في رأسها فكرة هي تحقيق أحلام أطفال غدر بهم المرض ليعيشوا أسراه بقية حياتهم، فأسست جمعية «تمنّى» لتحقّق بعد سبع سنوات من تأسيس الجمعية  1009 أحلام لـ 1009 أطفال
«لها» التقت السيدة ديالا الفيل الريّس رئيسة جمعيّة «تمنى» التي تحدثت عن الحلم الألف وما قبله والأحلام التسعة التي تلته
.

- بعد سبع سنوات على عمل جمعيّة «تمنّى» وتحقيق ما تعدّى الألف حلم، ماذا تقولين؟

بعد سبع سنوات من العمل يمكن القول إن جمعيّة «تمنى» أثبتت وجودها وبرهنت مصداقيتها وشفافيتها في تحقيق أحلام 1000 طفل يعانون أمراضًا مزمنة، لا سيما أطفال مرضى بالسرطان. فهؤلاء كانوا يعيشون تحت وطأة العلاج المؤلم وبين جدران غرف المستشفى وكآبة المرض. رغم كل المساعدات الطبيّة كان ينقصهم تحقيق أحلامهم التي كان بعضها بسيطاً جدًا وبعضها الآخر كان بالنسبة إليهم مستحيلاً. وجمعية «تمنى» طرقت أبواب المستشفى وغاصت في أحلامهم لتقول لهم «أطلب وتمنّى!». ولا أبالغ إذا قلت لك إن جمعية «تمنّى» أصبح لديها شعبية بين الأطفال المرضى، فعندما يدخل طفل يعاني مرضًا مزمنًا المستشفى للعلاج يقول له بقيّة الأطفال الموجودين لا تبكِ سوف تأتي جمعية «تمنى» لتساعدك. والأطباء صاروا يتصلون بنا ليعلمونا أن هناك طفلاً مريضًا وما إذا كان في إمكاننا مساعدته،  لأنهم شعروا بأن نفسية الطفل تتحسن بشكل ملحوظ عندما نحقق حلمه، فالحالة النفسية كما هو معلوم تؤثر في تجاوب المريض مع العلاج سواء كان راشدًا أو طفلاً. والأهل لم يعودوا خائفين.

- ما الذي كان يخيف الأهل؟
في البداية، كان خوف الأهل نابعاً من هاجس أن تحقيق حلم ابنهم المريض يعني أنه سيموت عاجلاً أم آجلاً.  فكان السؤال الذي يطرح علينا بإصرار: لماذا تريدون تحقيق حلم ابننا، هل سيموت؟ وبدورنا كنا نؤكد أنه فقط من أجل إسعاد الطفل في لحظات المرض لأن نفسيته ستتحسن مما يجعله أكثر تجاوبًا مع العلاج. أما اليوم وبعدما تأكد معظم الأهل من هدف تحقيق حلم طفل مريض ارتاحوا إلينا وصاروا هم الذين يتصلون بنا، إذا كان الطفل يعاني حالة صعبة.

- كيف خرجت «تمنى» إلى النور؟
«تمنى» خرجت من قمقم الحزن والأسى، فقد خسرت ابني كريم وكان في السابعة حين تعرض لحادثة صدم «جيت سكي»، خلال ثلاث ساعات رحل عني. وكما كل أم تفقد فلذة كبدها أصبت بانهيار تام وأصابني نوع من المشاعر المتناقضة والقوية بين الغضب وبين الرغبة في النوم أو الإغماء. حاولت كل السبل لأشعر بحضور كريم في حياتي، زرعت شجرة زيتون في مدرسته، ثم مقاعد على الكورنيش، ولكن لم أكن أشعر بالكفاية.
حدثتني إحدى صديقاتي عن جمعية  «Make a wish» في أميركا، دخلت الموقع الإلكتروني للجمعية وأعجبتني الفكرة بل يمكن القول إني أغرمت بها، ولكن لم أباشر أي شيء. لكثرة الحزن الذي عشته شعر المحيطون بي بأنهم لم يعد في استطاعتهم مساعدتي فقد حاولوا معي كل الطرق. واقترحوا عليّ زيارة اختصاصي نفسي، بالفعل زرته وأذكر السؤال الذي طرحه علي: «لماذا أتيت إلى هنا» فأجبته:» لا أعرف ما فائدة زيارتي، لأن من أريد لا يمكنك إعادته لي، هناك ثلاثة أشخاص في الخارج أتصور هم في حاجة إليك أكثر مني». وهممت بالخروج، فطلب مني الجلوس وأصرّ علي، وتبادلنا الحديث وأذكر أنه جعلني أضحك من كل قلبي، واستغربت الأمر لأنني كنت أمنع نفسي من الضحك لشعوري بالذنب أو الخجل... وليخلصني من هذا الشعور أعطاني فيلماً يحكي قصة طبيب يعمل في المستشفى وكان يرفّه عن المرضى، وإحدى المسنّات المريضات أضربت عن الطعام لسبب مجهول. فتذكر أنها قالت له إنها تحلم بأنها في حوض من المعكرونة تلتهمها. وبالفعل حقق لها هذا الحلم ووضعها في حوض من المعكرونة، ففوجئت وبدأت تأكل المعكرونة بنهم فتحسّنت صحتها. وبعد تراكم الأفكار تأكدت أن الذي يجعلني أخرج من كآبتي وحزني هو أن أرى الإبتسامة على ثغور الأطفال المصابين بمرض مزمن، لأن وجوهم الباسمة تذكّرني بابتسامة ابني الذي كان يحب المرح.

- علمنا أن حلم الطفلة الألف تحقيقه كان صعبًا رغم بساطته؟
صحيح، البنت في السادسة كان حلمها رؤية والدها لأنها لم تلتقِه منذ ثمانية أشهر، عندما سألنا الوالدة عرفنا أنه موقوف في إحدى الدول الأوروبية. هنا كانت الصعوبة. كيف نجعلها تراه وهو مسجون خارج لبنان؟ قمنا باتصالاتنا مع سفارة البلد الموقوف فيه وكانوا متعاونين ووفروا لنا الوسائل رغم صعوبة المهمة، فالوالد موقوف في السجن.  وكنا لا نريد أن تلتقيه ابنته في السجن بل خارجه. تخيّلي صعوبة الموقف! وبعد شهر ونصف الشهر من المداولات جاءت الموافقة،  والمفارقة أن  جواز سفر الطفلة منتهي المدة وعدنا وجددناه، واستغرق الأمر شهرًا إضافيًا. وبعد الموافقة على منح الفيزا، أخبرونا قبل يوم من السفر. كنا شخصين من «تمنّى» والبنت ووالدتها. وصلنا إلى الفندق، وطُلب منا ألا نخرج منه مدة يومين. قالوا لنا إن الوالد سيأتي في الحادية عشرة، وفوجئت وأنا أصوّر البنت بقدومه عند التاسعة والنصف صباحًا. كان الموقف صعبًا ومحرجًا فتركتهما وحدهما، الأب كان متأثرًا، كان برفقة خمسة رجال شرطة بلباس مدني. البنت لم تشعر بشيء، استمرّ اللقاء خمس ساعات... وعندما انتهى شكرنا رجال الشرطة بدل أن نشكرهم. بعد رحيل الوالد بكت البنت. ولكن بعد هذه الرحلة بيوم تغيّرت وصارت أكثر حيوية وتقبلت العلاج من دون تذمر أو بكاء. تخيلي لمجرد أنها التقت والدها خمس ساعات تغيرت حالتها إلى الأفضل، وصارت تخضع للعلاج بعزيمة ومن دون تذمّر.

- ما الصعوبة التي واجهتكم في بداية تأسيس «تمنّى»؟
في البداية عندما ذهبنا إلى أحد المستشفيات وعرضنا الفكرة كان رد الفعل أنه من الأفضل جمع التبرّعات لعلاج الأطفال مرضى السرطان أو المصابين بأمراض مزمنة، كما أن  المقرّبين مني  نصحوني بأن أساهم في إطعام الأطفال الفقراء أو محو الأمية... كان ردّي أن هناك جمعيات كثيرة تهتم بهذه المسائل، فيما لا أحد يهتم بنفسية الأطفال المصابين بأمراض مزمنة. صمّمنا على الفكرة. وهكذا بدأنا تحقيق أول حلم. فالطفل المريض يشعر بالسعادة عندما تدخلين غرفته وتسألينه عمّا يحلم به، وتقولين له إن حلمه ممكن.

- ما كان رد فعل الأطفال؟
في البداية لم يأخذونا جدّيًا. بعضهم كان يظن أنه يطلب المستحيل فأحد الأطفال اسمه جان مارك، عندما التقيناه للمرة الأولى في المستشفى استهزأ بنا وعندما سألناه عن حلمه قال الذهاب إلى «يورو ديزني»... ظن أنه يضعنا في موقف صعب لا يمكن تحقيقه، ونحن لم نتصل به، وبعد شهرين وبعدما أنجزنا المعاملات المطلوبة للسفر اتصلنا به وقلنا له استعد للسفر بعد أسبوع وكانت المرة الأولى التي يسافر فيها. ولم يكن وحده بل كان هناك أيضًا ستة أطفال. كنا فريقاً، كل طفل معه أحد أفراد عائلته، وممرضة وملفاتهم موجودة في أحد مستشفيات باريس تحوّطاً لأي طارئ.  كانت المرّة الأولى لهؤلاء الأطفال التي يركبون فيها الطائرة، لا تتخيلّي السعادة التي غمرتهم، وأخذ كل واحد منهم صورة مع ربان الطائرة في مقصورته، أي أن مغامرتهم بدأت من الطائرة. تخيلي كان من بين الأطفال بنت رجلها تؤلمها نسيت ألمها، أما جان مارك الذي كان مكتئبًا فصارت ضحكته ملء فمه وتصدح، وصار اليوم شابًا ومتطوّعًا في الجمعيّة. 

- هل تستعينون باختصاصيين نفسيين؟ ومن هم المتطوعون في الجمعيّة؟
لدينا مستشارون نفسيون ولكن لا يرافقوننا إلى مستشفيات. المتطوعون يجب أن يكون لديهم خبرة في التعامل مع الطفل، لذا لدينا في الجمعية الكثير من الأمهات لأنهن يعرفن كيف يتعاملن مع الأطفال من خلال تجاربهن الشخصية، إضافة إلى طلاب جامعات وتلامذة مدارس.

- اليوم وصلتم إلى الحلم التاسع بعد الألف، ما هو؟
هناك طفل طلب أن يرى والدته سعيدة ونعمل على تحقيق هذا الحلم بأن نعرف ما الذي يسعد الأم.

- بعد سبع سنوات، كيف تجدين تعاون المجتمع الأهلي في لبنان؟
اكتشفت أننا في لبنان  لدينا تعاطف كبير مع الطفولة. إلى اليوم لم يصدنا أحد عندما طلبنا مساعدته في تحقيق حلم. حتى رئيس الجمهورية ميشال سليمان حقّق حلم طفل والتقاه مدة ساعة. المجتمع الأهلي في لبنان متعاون جدًا طالما يرى الشفافية في التعامل، فنحن كجمعية نحقق أحلام الأطفال المرضى من كل الطوائف ومن مختلف الجنسيات سواء كان الطفل لبنانيًا أو سوريًا أو فلسطينيًا أو أي طفل عربي يخضع للعلاج في لبنان. هناك الكثيرون ممن يتوقون إلى عمل الخير شرط أن تكوني شفافة معهم وواضحة.

- ذكرت أنكم تحققون أحلام الأطفال الموجودين في لبنان فقط، ماذا لو كان الطفل خارج لبنان؟
نتمنى أن نحقق أحلام الأطفال المصابين بأمراض مزمنة في كل أنحاء الوطن العربي، ولكن جمعيتنا لا تزال تعمل على نطاق لبنان وإمكاناتنا محدودة رغم أن رغبتنا في تحقيق الأحلام ليس لها حدود. بل العكس كلما كان حلم الطفل صعبًا كان التحدّي أكبر، ونبذل كل طاقاتنا ومجهودنا لتحقيقه.

- لاحظت أن الكثير من الأحلام تحقيقها مكلف، من أين تأتون بالتمويل؟
كما ذكرت سابقًا من خلال تجربتي المتواضعة اكتشفت أن المجتمع المدني والأهلي في لبنان متعاون جدًا، بمجرّد أن تقومي باتصالات تجدين كثرًا يرغبون في المساهمة بتحقيق حلم طفل مريض. لا أحد يصدّ أو يمتنع بل على العكس بعضهم يتصل بالمؤسسة عارضًا المساعدة ومن دون مقابل. فضلاً عن أن جمعيّة «تمنى» تنظم عشاء سنويًا خيريًا يعود ريعه لتحقيق الأحلام.


حلم الناسا: حلم أرجئ ولكنه تحقّق
أراد أحد المرضى الذهاب إلى الناسا (الوكالة الأميركية للطيران والفضاء)، استغرق الأمر بضعة أشهر وحققنا له حلمه. فقد تواصلنا مع البروفسور اللبناني جورج الحلو وهو مسؤول في الناسا كان في زيارة للبنان. كان المريض  في السابعة عشرة وحققنا له حلمه بعد سنة ونصف السنة من نهاية العلاج. والمفاجأة الثانية أنه التقي شقيقته في نيويورك. أرجئ الحلم ولكنه تحقّق.

حلم العمرة
هناك طفل طلب الذهاب إلى مكّة لتأدية العمرة مع والدته فكان له ما طلب. إتفقنا مع الشركة التي تنظم رحلات العمرة ووفرنا لهما الرحلة من ألفها إلى يائها.

حلم تمضية يوم مع الجيش اللبناني
قام تلامذة مدرسة بتحقيق حلم طفل يريد تمضية يوم في ثكنة للجيش وطلبوا منا فقط رسالة إلى قيادة الجيش. والتلامذة  نظموا له الإحتفال بالتعاون مع قيادة الثكنة واشتروا له  جهاز «آي. باد».

للتواصل مع جمعيّة تمنّى: www.tamannalebanon.org