مركز 'Act' للاستشارات النفسية أسسته خمس سعوديات...

علم النفس, مركز ACT, حقوق الإنسان, العنف, خلافات الزوجية

04 يناير 2014

في مدخلٍ تزينه الأشجار، يُفتح أمامك باب لتستقبلك وجوه باسمة، مُرحبة بك بطريقة مُحببة، وبين رسوم على الحائط وألوانٍ زاهية، تبقى الراحة النفسية سيدة الموقف. لهذا المكان جو خاص، أسسته خمس صديقات، جمعهن التخصص ذاته في مجال علم النفس، لينشئن بروحٍ جماعية وإصرار ورغبة في  خدمة الآخرين والمجتمع، مركزاً  للاستشارات النفسية للبالغين ومركز لعلاج الطفل باسم ACT. ويحرص المركز الذي بدأ عمله في نيسان/أبريل 2012 على تقديم الرعاية الخاصة والخدمات العلاجية للمجتمع المحلي في جدة
أُنشئ هذا المركز بجهود خمسة اختصاصيات من علم النفس، مسجلات لدى وزارة الصحة السعودية، وهنّ تالا السليمان ورزان ناظر ورولا عاشور وريم الحارثي وآسيا خاشوقجي. و يهدف إلى ﺗﻘدﯾيم ﺧدﻣﺎت مختلفة، لمن يحتاج إﻟﻰ ﻣﺳﺎﻋدة. وﺗﺷﻣل الخدﻣﺎت التقييمات النفسية، والعلاج النفسي الفردي، والأزواج والإرشاد، والعلاج الأسري، وتقديم النصائح من خلال مجموعات، وورش عمل، وعلاجاً للأطفال، والعلاج عن طريق الفن، والعلاج باللعب، والأبوة والأمومة، والحلقات الدراسية، والعلاج المهني والتدريب. «لها» زارت مركز ACT وتحدثت إلى الاختصاصيات الخمس هناك، فكان هذا التحقيق.


الحارثي: تعاملت مع ضحايا ما بعد الاعتداء والعنف، وتداعيات العلاج النفسي تختلف بحسب القضية

في البداية تحدثت المدير العام لمركز ACT واختصاصية علم النفس التحليلي للراشدين وعضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان ريم مشهور الحارثي عن المركز بأنه «مكان واحد تستطيع الأسرة والأطفال إيجاد حاجاتهم فيه»، لافتة إلى أن العمل في هذا المركز يرتكز على مبادئ الجودة، خاصة في تقديم الخدمات للعملاء، إضافة  إلى احترام العميل، ووضعه في المقام الأول، استناداً إلى المبادئ الأخلاقية للجمعية الأميركية لعلم النفس. وتقول: «نحن نحترم خصوصية الناس، ونتعامل أنا والمعالجات هنا بسرية تامة، ولا نكشف أي معلومة سرية حول العميل، بناءً على الاتفاقات السرية بينا، ونحرص على تلبية كل احتياجاته ورغباته».

وأشارت إلى أن «العلاج النفسي في المجتمع السعودي ما زال مفهوماً جديداً، إلا أن هناك إقبالاً كبيراً من كل الفئات العمرية على طلب المساعدة في الكثير من الأمور الحياتية والمهنية والتربوية، فالأمهات والآباء والأزواج والأطفال والمراهقون والبالغون يحرصون على زيارة المعالج النفسي بغية الحصول على حياة أفضل، وهذا ما نحرص على تقديمه لهم من خلال المركز». وأضافت: «نعمل في ورش العمل على خلق المفهوم الصحيح للمعالج النفسي، فكما يذهب الأشخاص إلى اختصاصي التغذية للحصول على نظام معين لخفض الوزن وتغيير نمط الحياة، كذلك المعالج النفسي يُهيئ للأشخاص حياة أفضل، بعيداً عن ضغوطها ومتاعبها».

من القضايا التي يتعامل معها المركز العنف بشتى أنواعه، سواء العنف الأسري، والاعتداء، وهناك حالات تحوّلها الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان. حول هذا الأمر تحدثت الحارثي قائلة: «لكوني عضو فعّال في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان... تعاملتُ مع الكثير من ضحايا ما بعد الاعتداء، من مختلف الأعمار، فالطفل الذي يقع عليه العنف يجري التعامل معه بناءً على القضية وتداعياتها. وتختلف آليات العلاج النفسي بين الفئات بحسب الدعم المعنوي الذي يتلقاه الطفل، أو البالغ، من الأسرة ومَن حوله. ودوري مع هذه الحالات يكمن في إجراء تقييم للحالات المعنفة، وأدرس مدى تأثير القضية ومجرياتها خاصة على الطفل، وأحرص على تصحيح سلوكه، وإرجاعه إلى الحياة السليمة التي يستحقها. فإذا كانت البيئة مساعِدة لذلك، سيخرج الطفل أو من وقع عليه العنف بنفسية أفضل، وبالتالي يُثمر معه العلاج النفسي، وإن كانت البيئة مُرهقة، فسيستغرق ذلك وقتاً أطول وجُهداً مُكثفاً».

وفي ما يتعلق بنظام الحماية من الإيذاء الذي أقر حديثاً في السعودية ترى الحارثي أنه بمثابة «النقلة النوعية للتعامل مع العنف في المجتمع السعودي، فاليوم أصبحنا نسمع عن الكثير من حالات التبليغ عن حوادث عنف، كما أن دور الإيواء ساعدت الكثير من ضحايا ما بعد الاعتداء على البقاء في مكان آمن بشكل موقت. ولعل أبرز النقاط التي لفتت انتباهي في هذا النظام، هي السرية التي ينفذها على المُبلغين عن حالات العنف، الأمر الذي يُشجع المجتمع على التبليغ. وللأسف الشديد في مجتمعنا هناك الكثير من حالات العنف المُغيّبة، والتي لم نستطع الوصول إليها، وهو ما يؤكد وجود العنف بصورة كبيرة جداً. لذلك أحرص على خلق روح الإحساس والمسؤولية خاصة في تدريبي لبعض المعلمات في المدارس، بضرورة الاهتمام والتحدث مع الأطفال، إن كانوا في بيئة تمارس العنف، ولعل هذا الأمر قد يبدو واضحاً على الطفل إن كان يتصرف بطريقة عدوانية، أو يجلس وحيداً وما إلى ذلك».


السليمان: نسبة الإقبال على المركز مُرضية ومن مختلف الطبقات الاجتماعية

اختصاصية علم النفس التحليلي والتطوري للأطفال والمراهقين، وإحدى المؤسسات لمركز ACT تالا السليمان تعمل مع الأطفال من سن أربع سنوات إلى سن 18 سنة، كما تعمل في ورش عمل Panting class، وهي طرق  وأساليب التربية والعلاج بالرسم خاصة بالأطفال من سن ثلاث إلى ست سنوات. تقول: «احتجنا إلى وقت طويل لكي ننشئ هذا المركز، واستطعنا التغلب على الكثير من الصعاب، منها استخراج التراخيص، وإيجاد المكان المناسب. وبفضلٍ من الله بدأنا في العمل، بإقبال بنسبة تصل إلى 70 في المئة، و من كل الطبقات الاجتماعية والفئات العمرية التي تؤمن بأهمية العلاج النفسي».

وتحكي السليمان عن بداية الفكرة قائلة: «خطرت لنا فكرة إنشاء هذا المركز لإيماننا بأن المجتمع في حاجة إلى تغيير الصورة النمطية عن المعالج النفسي، وقد أحدد هذه القلة بنسبة تصل بين 30 إلى 40 في المئة، ممن يعتقدون أن من يذهب إلى طبيب نفسي هو مجنون، أو يعاني خللاً في وظائفه العقلية أو الدماغية. ومع ذلك لمسنا إقبالاً كبير من الأطفال والمراهقين، والبالغين على زيارة المركز الذي يحرص على تقديم خدمات علاجية وتوعوية في الوقت نفسه. ومن خلال ورش العمل التي نقيمها في المركز، نتناول مواضيع مختلفة من بينها تنمية الذات، وتغيير الصورة النمطية عن العلاج النفسي، ومعرفة ما يفيد العقل والذهن. فعلى سبيل المثال لا الحصر، بعض الأشخاص يحتاجون إلى معرفة أسباب عصبيتهم خاصة إن كانت زائدة، وتُسبب مشاكل في حياتهم، لذلك يجب على الإنسان أن يتعلم ويفهم نفسه، ويعلم ما الطرق الصحيحة لتجنب الضغوط ومتاعب الحياة من خلال العلاج النفسي».


عاشور: المركز عمل على كسر «التابو» تجاه العلاج النفسي

وأوضحت اختصاصية الإرشاد النفسي للمراهقين والراشدين، واختصاصية التوحد، والمعيدة في كلية دار الحكمة، وإحدى المؤسسات لمركز ACT رولا محمد عاشور، أن فكرة المركز جاءت بهدف «تحسين حياة الناس في المجتمع، ونحرص على التعامل مع جميع أفراد المجتمع في مكانِ يوفر لهم ما يحتاجونه».
تتعامل عاشور مع الكثير من الحالات النفسية من مختلف الفئات العمرية، بين المراهقين، والراشدين، وطلاب الجامعات وتلامذة المدارس. ولخصّت مشاكلهم بالوسواس القهري، والأمراض النفسية الإكلينيكية، ومشاكل الأسرة مع أبنائها بسبب العولمة والانترنت...

ومن خلال عملها في كلية دار الحكمة  في قسم الإرشاد النفسي لاحظت عاشور أن المجتمع بدأ يتقبل العلاج النفسي: «في بداية عملي جاءت إلى القسم طالبة واحدة، أما اليوم يصل عدد الطالبات إلى 43، وهذا يدل على تقبلهن فكرة وجود قسم للإرشاد النفسي، والرغبة في التحدث معي حول مشاكلهن في الجامعة، أو مع عائلاتهن أو في محيط صديقاتهن، وما إلى ذلك».
ولفتت عاشور إلى أن وجود المركز في المجتمع السعودي سيعمل على كسر التابو، وثقافة العيب التي يشعر بها الآخرون تجاه من يقرر الذهاب إلى معالجٍ نفسي، فالإنسان يحتاج إلى من يستمع إليه، وربما التحدّث مع شخصٍ متخصص وغريب عنه.


خاشوقجي: نحرص على إقامة ورش عمل خاصة بالأمهات والأطفال

أشارت اختصاصية علم النفس التحليلي والإرشادي للأطفال والراشدين، وإحدى المؤسسات لمركز ACT آسيا عمرو خاشوقجي، إلى  أن التعامل مع زائري المركز لا يتم تحت مسمى مريض، «بل على العكس نحن نطلق عليهم العملاء، وهم أيضاً عبارة عن أرقام لا أسماء، لذلك تم تصميم المركز بغرف انتظار متباعدة لكي لا يعرف أي من العملاء من سيقابل، حتى أن مواعيد الجلسات تختلف، وذلك ما يضمن السرية التامة لأي عميل لدينا».
ولفتت إلى أن ورش العمل تستمر ثمانية إلى عشرة أسابيع، بحسب مواضيعها، وتشارك معها الاختصاصية تالا في هذه الورش. تقول: «نقيم ورشة عمل خاصة للأمهات وللأطفال»، وتكون آلياتها موافقة لما تحتاج إليه كل فئة. 

وحول المشاكل التي يتعرض لها الأطفال أوضحت خاشوقجي أنها مماثلة لمشاكل أي مجتمع يواجه فيه الأطفال العنف في المدارس، والعدوانية في سن معينة، خاصة للأطفال الذكور، بسبب «البلطجة» من البعض. «وهناك أطفال يأتون إلى المركز من مختلف الطبقات الاجتماعية، وبالتالي من مختلف المدارس التي تحدث فيها مثل هذه المشاكل. وفي ما يتعلق بالفتيات، نجد الغيرة والمنافسة وعدم الارتياح مع النفس. ونصل من خلال ورش العمل مع الأطفال إلى المشاكل التي تواجههم في المنزل، بسبب الأشقاء أو مع الوالدين».
وﯾﺳﺎﻋد اﻟﻣرﻛز أﯾيضاً الأزواج والمقبلين على الزواج، في حل المشاكل الزوجية التي قد تواجههم في بداية حياتهم، وذلك من خلال حلقات وورش عمل للأزواج الشباب ومن هم على وشك الزواج.


ناظر: نهتم بالمشاكل الزوجية ونشهد إقبالا كبيراً على هذا النوع من العلاج النفسي

ذكرت اختصاصية العلاج النفسي والإكلينيكي للراشدين والعلاقات الزوجية والأسرية، وإحدى المؤسسات لمركز ACT رزان عبد الحميد ناظر، أن «الإقبال على العلاج النفسي الخاص بالزوجين كبير جداً، حتى أن الزوج يشعر براحة أكبر عند المعالجة النفسية، وكذلك الزوجة. وبحسب العملاء والمشاكل التي يعانون منها، تبدأ آلية العلاج فإما المواجهة بين الزوجين، وإما الحديث مع كل طرف على حدة. شخصياً، أحب في البداية التعرف على الزوجين مع بعضهما البعض،  للتعرف على المشكلة إن كانت مشكلة حوار، أو مشكلة خارجية، من ثم إن رغبا في التحدث بجلسات منفصلة فلهما ذلك. وفي بعض الأحيان، يحدث أن يكون الأمر عائلياً فنعقد الجلسة بحضور الزوجين والأطفال».

ولفتت ناظر إلى الصورة النمطية التي تتعلق بمفهوم الزواج في المجتمع السعودي، وذلك يعود  إلى اعتقاد البعض أن الزواج هو كل شيء، متناسين وجود أفراد يُشاركونهم احتياجاتهم ومشاعرهم. وبعد فترة من الوقت يدخل في حياتهم الأطفال ويُصبحون أولياء أمور، متناسين علاقتهم ببعضهم، وهناك البعض ممن يهتمون بعلاقاتهم كأزواج، ويهملون احتياجات أطفالهم. 


من هنّ الاختصاصيات النفسيات الخمس؟

ريم مشهور الحارثي: اختصاصية علم نفس تحليلي للراشدين، حاصلة على شهادة البكالوريوس من الجامعة الأميركية في واشنطن العاصمة،  وأكملت لمدة سنتين من Psy.D (طبيب في علم النفس)،  كما درست في برنامج في جامعة جورج واشنطن مجال علم النفس للكبار. عملت في مجالات ومواقع مختلفة مثل جامعة واشنطن، ودار الأمل، ومستشفى عرفان في جدة، ومستشفى الملك فيصل التخصصي، وجمعية حقوق الإنسان. وهي حالياً عضو مجلس إدارة في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، والمديرة العامة لمركز ACT . 

تالا فهد السليمان: اختصاصية علم نفس تحليلي وتطوري للأطفال والمراهقين، حاصلة على درجة البكالوريس في تخصص علم النفس وعلم الاجتماع من  كلية ريتشموند، والجامعة الدولية الأميركية في لندن، إنكلترا. حصلت على درجة الماجستير، في علم النفس التنموي والتحليل النفسي من جامعة كولدج في لندن. عملت في مراكز مختلفة في السعودية، ودور الأيتام. تعاملت مع الأطفال والمراهقين، وعالجت الاضطرابات السلوكية، وقضايا العلاقة بين الوالدين والطفل، والقلق، ADHD،OCD،  وحالات الوسواس القهري وقضايا الهوية الجنسية.

رولا محمد عاشور: اختصاصية إرشاد نفسي للمراهقين والراشدين، واختصاصية توحد، حصلت على شهادة الماجستير في التوحد والتربية من جامعة برمنغهام في الولايات المتحدة. عملت في مركز التوحد للأطفال في جدة كمدرّسة ومنسقة للمناهج الدراسية والاتصال والأسرة. هي معيدة في كلية دار الحكمة للبنات في جدة، كما ساعدت في تأسيس مركز الإرشاد في الكلية.

آسيا عمرو خاشقجي:  اختصاصية علم نفس تحليلي وإرشادي للأطفال والراشدين، حاصلة على شهادة البكالوريوس في علم النفس من جامعة براون في ولاية رود آيلاند الأميركية. ولديها درجة الماجستير في العلاج النفسي التكاملي والإرشاد من كلية العلاج النفسي والإرشاد (SPC) في كلية ريجنت في لندن، إنكلترا. كما عملت وتدربت مع كل من البالغين والأطفال في جميع أنحاء لندن، وفي جامعة SOAS، واترلو  في كلية كينسينغتون وتشيلسي.

رزان عبد الحميد ناظر: اختصاصية علاج نفسي واكلينيكي للراشدين والعلاقات الزوجية والأسرية. حاصلة على درجة الماجستير في علم النفس العيادي والإرشاد من جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك. وهي معالجة نفسية متخصصة، تعمل في هذا المجال منذ سنوات. عملت مع الأزواج والأسر والأفراد حول علاج الاكتئاب، واضطرابات الأكل، واضطرابات القلق، واضطرابات النوم، وسوء المعاملة، والعنف، واضطراب ما بعد الصدمة والاضطرابات النفسية. عملت في مؤسسات متعددة مثل الأمم المتحدة في نيويورك، ومعهد أكرمان للأسرة في نيويورك، إضافة إلى عملها في  كلية مركز الإرشاد في نيويورك، وجامعة ميامي، وجامعة كولومبيا.

CREDITS

تصوير : محمد يحيى