متى يكون حلالاً ومتى يحمل شبهة شرعية؟ التجميل بالحقن والسيليكون!

جراحة التجميل, سيليكون, فتوى, د. آمنة نصير, د. سعاد صالح, د. فايزة خاطر, د. مهجة غالب, د. صابر طه, د. صبري عبد الرؤوف

13 أبريل 2014

استخدام حقن السيليكون وغيره للتجميل أمر تلجأ إليه كثيرات الآن، لكن بعضهن يسعين قبل تلك الخطوة للتأكد من عدم وجود أي محاذير شرعية فيها، ولذلك كثرت التساؤلات في لجنة الفتوى بالأزهر مؤخراً حول مدى مشروعية اللجوء لحقن التجميل، سواء لإزالة عيب أو لزيادة  الجمال. «لها» ترصد الآراء المختلفة لعلماء الدين حول التجميل بالسيليكون وغيره، ومتى يكون حلالاً ومتى تكون به شبهة؟

ترى الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية، أنه من حيث المبدأ في التجميل، فقد أباحه الإسلام، بدليل قوله تعالى: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» آية 32 سورة الأعراف. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبْر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة، قال الرسول: إن الله جميل يحب الجمال، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ» ومعنى «بطر الحق»، أي دفعه تجبّراً وترفعاً، أما معنى «غمط الناس» أي احتقارهم، والمعنى العام للجمال الذي لا تصحبه مخيّلة وكبر على الناس، أمر مقبول في الإسلام.
وأشارت الدكتورة آمنة إلى أنه يباح شرعاً أن تجري الزوجة عملية تجميل لتصحيح عيب خلقي بهدف التجمل لزوجها، وكذلك يجوز شرعاً للزوج أن يجري عملية تجميل بالسيليكون أو غيره لتصحيح عيب خلقي إذا كان هدفه التجمّل لزوجته، وقد قال عبد الله بن عباس «إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي».
وأنهت الدكتورة آمنة نصير كلامها، مؤكدةً أن الفيصل بين الحلال والحرام هنا النية من التجمل بالسيليكون أو غيره، وهذه النية لا يعلمها إلا الله، وهو وحده المحاسب عليها، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه».


تحفّظ وضوابط

تحفظت الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية بالإسكندرية جامعة الأزهر، على الإباحة المطلقة أو التحريم المطلق للتجميل بالسيليكون، وتقول: «لكل مقام مقال» وكل حالة لها حكمها الشرعي في ضوء الملابسات الخاصة بها، والتي يجب أن يطلع عليها الفقيه قبل أن يصدر حكمه بأن عملية التجميل هذه حلال أم حرام، فرغم أن أحكام الإسلام ثابتة لا تتغيّر بتغيّر زمان ولا مكان، لكن اجتهاد الفقيه يتغيّر وبالتالي تتغيّر الفتوى بحسب تغيّر الزمان، وقد كان من سياسة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه مُراعاة الحال والزمان دون إخلال بأحكام الله».
وأشارت الدكتورة سعاد إلى أنه من أهم الضوابط الشرعية لجعل التجميل بالسيليكون حلالاً ألا يترتب عليه ضرر محقق لمن يتم إجراء هذا الحقن له، سواء كانت امراة أو رجلاً، وذلك لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»، وكذلك يشترط ألا يكون فيه تغيير لخلق الله، وإنما يكون من قبيل إصلاح عيب والمنهي عنه هو التغيير لخلق الله إذا كانت الخلقة سوية وليس فيها أي عيب في عضو ما، وهنا يكون الحقن بالسيليكون نوعاً من العلاج والتداوي المباح شرعاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس تداووا، إن الله جعل لكل داء دواء فتداووا، ولا تداووا بحرام».


هناك فرق

تفرق الدكتورة فايزة خاطر، رئيس قسم العقيدة بكلية الدراسات الإسلامية للبنات في الزقازيق جامعة الأزهر، بين حالتين، الأولى إذا كان العيب الخلقي ظاهراً بشكل كبير ويسبب حرجاً لصاحبه أو يجعله مثاراً للسخرية أو التقزز أو الاشمئزاز، سواء كانت امرأة أو رجلاً، فهنا يكون التجميل بالسيليكون أو الفيبريل أو غيرهما من وسائل التجميل لإزالة هذا العيب مباحاً شرعاً، لأنه سيكون من باب الضرورات التي تبيح المحظورات، والضرورة هنا تقدر بقدرها، ويحددها الأطباء باعتبارهم أهل الذكر في تلك القضية الطبية، وقد أمرنا الله بسؤالهم فقال: «وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» آية 7 سورة الأنبياء.
أما الحالة الثانية، فهي عدم وجود ضرورة ملحّة أو ما يطلق عليه الفقهاء «الأمور التحسينية»، فلا يجوز إجراء التجميل أو الحقن لعدم وجود ضرورة من جانب، وكذلك لأنه قد يكون فيها تعريض الشخص للضرر من أجل تحصيل مصلحة أو دفـع مفسدة أقل، مثل عمليات تجميل الخدود والشفاه أو غيرها من العمليات التحسينية، فمثل هذه العمليات يرى جمهور الفقهاء أنها محرمة شرعاً لما فيها من تغيير لخلق الله وطلب الحُسن بدون ضرورة.
وتنهي الدكتورة فايزة كلامها، مؤكدةً أن هناك فرقاً في العيوب التي توجد في الجسم وتستلزم التجميل، وقسمها الفقهاء إلى قسمين، أولهما عيوب خلقية، وهي عيوب ناشئة في الجسم من سبب فيه لا من سبب خارج عنه، مثل العيوب الخلقية التي ولد بها الإنسان أو العيوب الناشئة من الآفات المرضية التي تصيب الجسم، وثانيهما «العيوب المكتسبة» وهي الناشئة بسبب من خارج الجسم، كما في العيوب والتشوهات الناشئة من الحوادث والحروق، وهذه أباح جمهور الفقهاء التدخل الطبي فيها للتجميل باعتباره ضرورة، أما غير ذلك فلا يبيح الفقهاء التدخل التجميلي فيه.


غش

تشير الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، إلى أن فتح الباب على مصراعيه في عمليات التجميل بحقن السيليكون أو غيره من وسائل التجميل، أمر مرفوض شرعاً، بل فيه نوع من الغش الذي نهانا الشرع عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا، والمكر والخداع في النار».
وأضافت: «الإسلام دين لا يحارب الجمال وإنما وضع له ضوابط شرعية، حتى لا يتحول إلى غش وخداع أو وسيلة إغراء محرمة شرعاً، ولعل هذا ما نفهمه من الحديث الذي رواه عبدالله بن مسعود قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلعن المتنمصات والمتفلجات للحسن، اللواتي يغيرن خلق الله». وفي ذلك صورة من صور الغش والتدليس وهو محرم شرعاً.
وأنهت الدكتورة مهجة كلامها بالاستشهاد بأن حب الجمال جزء من الفطرة الإنسانية، بما كان يقوم به النبي صلى الله عليه وسلم، فيما ترويه أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، عندما يأتيه النفر من أصحابه ينتظرونه على الباب، فلا يخرج إليهم حتى ينظر في ركوةٍ فيها ماء في الدار، ويسوي من لحيته وشعره، مما يثير عجب السيدة عائشة رضي الله عنها، فيدفعها ذلك العجب لسؤاله: وأنت تفعل هذا؟ فيجيب الرسول: نعم، إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهيئ من نفسه، فإن الله جميل يحب الجمال».


تحذير 

يعارض الدكتور صابر طه، عميد كلية الدعوة الإسلامية جامعة الأزهر، عمليات التجميل بالسيليكون، لأن فيها تغييراً لخلق الله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، ويرى أن الجري وراء عمليات التجميل يكون مدخلاً من مداخل الشيطان، وقد حذرنا الله تعالى من الوقوع فريسة له في ذلك، فقال تعالى: «وَلأُمَنِيَنَّهُمْ وَلآمُرَنُّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِياًّ مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً. يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً» الآيتان 119-120 سورة النساء.
ودعا الدكتور صابر طه، من أصيب بمرض ما أو عيب خلقي ما إلى الصبر والاحتساب لله، وله الجزاء الكبير من الله على صبره على هذا البلاء، لقول الله سبحانه وتعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» الآيات 155–157 سورة البقرة.
وأنهى كلامه بتحذير النساء والرجال من الوقوع فريسة لوساوس النفس البشرية، التي تسعى دائما إلى التجميل ولو كان بوسيلة حرام أو تحقيق هدف محرم شرعاً، ولعل هذا ما أوجزه القرآن الكريم في قول الله تعالى: «وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ» آية 53 سورة يوسف. ولهذا فإن الله ينظر إلى قلوبنا وليس إلى أشكالنا وأجسادنا، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».


شبهة

يوافقه في الرأي الدكتور صبري عبد الرؤوف، أستاذ الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، فيؤكد أن استخدام المواد الصناعية كالسيليكون، وغيره من المواد التي تحقن في بعض أعضاء الجسم مثل الوجـه مثلاً لإزالة التجاعيد أو تغليظ الشفاه أو تكبير أو تصغير الثدي، هي أمور أقرب للحرمة من الحلال إذا افترضنا وجود ضرورة في بعض الحالات، كأن تكون الزوجة تفعل هذا لزوجها وبأمره وإلا طلقها مثلاً، فيكون هنا ارتكاب أخف الضررين وهو التجميل محافظة على الاستقرار الأسري، وهي في هذه الحالة تكون مستكرهة على فعل ذلك، وبالتالي ليست آثمة شرعاً، لقوله تعالى: «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» آية 173 سورة البقرة.
وأشار الدكتور صبري، إلى أنه نظراً لاختلاف الحكم الشرعي ما بين الحلال والحرام حسب كل حالة فإن الأفضل للإنسان شرعاً البعد عما فيه شبهة حتى لا يقع في التجميل الحرام، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات يوشك أن يقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».
وأنهى الدكتور صبري عبد الرؤوف كلامه محذراً الراغبين والراغبات في التجميل من اللجوء إلى بعض أدعياء العلم، الذين يحللون كل شيء حتى ولو كان حراماً أو فيه شبهة شرعية، وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء، فقال: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رءوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا».