في عقد زواجك: اشترطي حق الدراسة والعمل

الدراسة, العمل, فتوى, الزواج, د. سعاد صالح, د. مهجة غالب, د. فايزة خاطر, د. مريم الدغستاني, د. محمد عبد المنعم البري

10 مايو 2014

جدل فقهي أثارته فتوى لمفتية النساء الدكتورة سعاد صالح بأنه يجوز للزوجة أن تشترط بعقد زواجها حق الدراسة والعمل، وبالتالي لا يجوز للزوج اعتبارها ناشزًا إذا خرجت من مسكن الزوجية للعمل أو للدراسة، فانقسم علماء الدين إلى فريقين، أحدهما يؤيد الفتوى والآخر يعارضها، واستند كل منهما إلى أدلة شرعية في موقفه، فماذا قالوا؟


في برنامج فقهي تقدمه الدكتورة سعاد صالح في إحدى القنوات الفضائية، سألتها إحدى المشاهدات: «تزوجت وأنا طالبة جامعية، واشترطت في عقد زواجي أن أستكمل دراستي والعمل بعد ذلك. إلا أنه عند التطبيق العملي لهذا الشرط حدثت مشكلات وهددني زوجي باعتباري ناشزاً، فما حكم الشرع في مشكلتي؟». ردت عليها الدكتورة سعاد صالح قائلةً: «يعدّ عقد الزواج من أهم العقود التي يبرمها الإنسان في حياته، لأنه يقيم أقدس علاقة إنسانية بين الجنسين، لهذا جعل الله الزواج آية من آياته نتيجة ما يترتب على هذا العقد من نتائج، فقال الله تعالى: «وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» آية 21 سورة الروم. وأضافت الدكتورة سعاد: «يجوز شرعاً للزوجة أو ولي أمرها أن يشترط عند عقد الزواج شروطاً في مصلحة الزوجة، بشرط ألا تكون فيها مخالفة للشرع، فإذا وافق الزوج على هذه الشروط وجب عليه شرعاً الوفاء بها، لقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ....» آية 1 سورة المائدة، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحلَّ حراماً» ، فإذا خالف ما سبق أن وافق عليه في عقد الزواج وحاول اتهام زوجته بالنشوز، فإنه يجوز لها اللجوء إلى القضاء لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، ووجب عليهما شرعاً تنفيذ ما يحكم به القاضي باعتباره ولي الأمر، الذي أمر الله بطاعته، لقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» آية 59 سورة النساء.  وأنهت الدكتورة سعاد صالح فتواها بالتأكيد أنه إذا ترتب على خروج الزوجة للدراسة أو العمل، كما هو منصوص عليه في عقد الزواج، ضرر للزوج أو الأولاد، فمن حق القاضي دراسة القضية من كافة جوانبها وإصدار حكمه في ضوء ما يصلح حال الأسرة ويرفع الضرر الواقع على أطرافها، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار».


إخلاص النية

وافقتها في الرأي الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية للبنات في جامعة الأزهر، حيث قالت: «لا شك أن عقد الزواج من أهم العقود التي يوقعها البشر فيما بينهم، نظراً لما يترتب عليه من نتائج، لهذا أمر الله تعالى بالوفاء بما فيه، فقال سبحانه: «وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً» الآية 34 سورة الإسراء.
وأوضحت الدكتورة مهجة غالب أنه إذا حدث خلاف في تنفيذ ما جاء في عقد الزواج من شروط، فلا ينبغي اللجوء إلى القضاء مباشرةً، بل لابد من تدخل أهل الزوجين للإصلاح والتوفيق بينهما، فهذا أفضل من التقاضي الذي قد يزيد الأوضاع تأزماً بين الزوجين، لهذا قال الله سبحانه وتعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا» آية 35 سورة النساء.
وأشارت الدكتورة مهجة إلى ضرورة أن يخلص الحكمان من أهل الزوجين المتنازعين نيتهما، التي لا يعلمها إلا الله، حتى يوفق الله بينهما، فيحكى أن الفاروق عمر بن الخطاب بعث بحكمين لزوجين متخاصمين ثم جاء الحكمان وقالا إنهما لم يوفقا، فكانت معه درة، أي عصا، فضربهما بها وقال ارجعا وأصلحا بينهما فإن الله قال: «إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا» فرجعا بعد إخلاص نيتهما ودعوتهما لله أن يوفق مساعيهما فتصالح الزوجان بفضل إخلاص النية، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه».
وأنهت الدكتورة مهجة كلامها بأنه لا توجد مشكلة بلا حل، ولهذا يجب أن تكون المصلحة العامة للأسرة هي الفيصل وليس ما تمت كتابته في عقد الزواج فقط، فمثلاً إذا تضرر الأولاد من خروج الزوجة للعمل وكان الزوج قادراً على الوفاء باحتياجات زوجته، فإنه يمكنها الحصول على إجازة مفتوحة من عملها حتى تكمل رعاية أولادها ويكونوا قادرين على الاعتماد على أنفسهم.


ميثاق غليظ

وتقول الدكتورة فايزة خاطر، رئيس قسم العقيدة بكلية الدراسات الإسلامية بالزقازيق جامعة الأزهر: «يجب شرعاً على الزوج الاجتهاد قدر الإمكان للوفاء بما تم الاتفاق عليه عند الزواج، لأن الله وصف عقد الزواج بأنه «ميثاق غليظ» نظراً لأهميته الشرعية، فقال الله تعالى: «وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا» الآية 21 سورة النساء».
وأشارت الدكتورة فايزة خاطر إلى أنه إذا حدث نزاع بين الزوجين في تنفيذ ما سبق أن اتفقا عليه في عقد الزواج، من استكمال الزوجة لتعليمها ثم عملها بعد الانتهاء من دراستها، فإنه يجب على كل من الزوجين أن يتقي الله في الآخر ويحرص على القيام بواجباته قبل المطالبة بحقوقه، ويمكن بالتفاهم والعقلانية بينهما أن يحلا مشكلاتهما انطلاقاً من القاعدة الشرعية: «درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة»، ولا شك أن المصلحة المشتركة لأسرتهما يجب أن تكون في المقام الأول.
وأوضحت أن الزوجة إذا لاحظت تعسفاً من زوجها وتعمّد الإخلال بالشروط، رغم قدرتها على رعايته ورعاية أولادها، فيمكنها اللجوء إلى الأشخاص ذوي التأثير الإيجابي عليه ليتراجع عن تعسّفه وظلمه لها، وتخويفه من عقاب الله للظالمين الذين يخالفون ما سبق الاتفاق والتراضي عليه في عقد الزواج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم».


ليست ناشزاً

يحذر الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق، الأزواج من عدم الوفاء بشروط عقد الزواج، واتهام الزوجة بأنها ناشز وآثمة شرعاً لأنها لم تطعه، فهذا مغالطة من الزوج، الذي خالف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط».
وأوضح مفتي مصر الأسبق، أن تعسف الزوج في عدم الوفاء بالشروط التي وافق عليها يجعله آثماً شرعاً ويجعله ظالماً لها ونخشى من عقاب الله له، لأن الله حرم الظلم على نفسه وبين عباده، فجاء في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا»، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة، فقال رجل: وإن كان شيـئاً يسيراً يا رسول الله؟ فقال: وإن قضيباً من أراك».
وأنهى الدكتور نصر فريد واصل كلامه بتحذير الزوج من ظلم زوجته واتهامها بالنشوز ظلماً لعدم الوفاء بشروط عقد الزواج، حيث قال الله تعالى: «وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ» آية 42 سورة إبراهيم.


تحذير

تؤكد الدكتورة مريم الدغستاني، رئيسة قسم الفقه بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذر الأزواج من عدم الوفاء بما اتفقوا عليه مع زوجاتهم، فقال: «أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج». وقد جاء في بعض كتب التراث أن رجلاً تزوج امرأة وشرط لها دارها ثم أراد نقلها فخاصمته إلى عمر بن الخطاب، فقال: «لها شروطها إنما مقاطع الحقوق عند الشروط»، طالما أن في هذا الشرط منفعة أو مصلحة لأحد الطرفين وارتضى الآخر بذلك.
واستشهدت الدكتورة مريم بما قاله شيخ الإسلام ابن ‏تيمية في كتابه «الفتاوى الكبرى»، حيث قال بالنص: «إذا كان حسن الوفاء ورعاية العهد مأموراً به، علم أن الأصل صحة العقود والشروط، إذ لا معنى ‏للتصحيح إلا ما ترتب عليه أثره وحصل به مقصوده ومقصوده هو الوفاء به، وإذا كان الشرع قد أمر بمقصود العهود دلَّ ‏على أن الأصل فيها الصحة والإباحة، وتصح الشروط التي لم تخالف الشرع في جميع العقود».
‏ وأنهت الدكتورة مريم كلامها بالتأكيد على أن بعض الفقهاء أكدوا أنه من حق الزوجة، إذا لم يفِ الزوج بالشروط، فسخ عقد زواجها، في حين قال آخرون لها قبل الفسخ أن ترفع أمرها إلى القاضي فيتولى هو فسخ عقد زواجها، لأنه لم يفِ بالشروط التي سبق أن وافق عليها دون مبرر مقبول، وعلى القاضي أن يكون عادلاً في حكمه ومنصفاً للزوجة، وذلك لقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا» آية 58 سورة النساء.


طاعة الزوج أولاً

على الجانب الآخر يؤكد الدكتور محمود مزروعة، العميد الأسبق لكلية أصول الدين في جامعة الأزهر، أنه يجب على الزوجين ترتيب الأولويات في حياتهما، وأن يتم تقديم طاعة الزوج طالما لم يأمر بمعصية، فقد قررت الشريعة الإسلامية بجميع مصادرها حق الزوج على الزوجة بالطاعة، وأن تجتهد في تلبية حاجاته بحيث يكون راضياً عنها، لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً: «لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»، وذلك اعترافاً بدوره في حياتها طالما لم يأمرها بمعصية، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».
وطالب الدكتور مزروعة الأزواج بأن يجتهدوا قدر الإمكان في الوفاء بالشروط إذا لم يتضرروا منها، أو يتم الانتقاص من حقوق أولادهم، لأن الله سيسأل الزوجة عن رعايتها لزوجها وأولادها، فقال صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته».


التفاهم والحوار

وافقه في الرأي الدكتور محمد عبد المنعم البري، الأستاذ بكلية الدعوة جامعة الأزهر، فيقول: «يجب على الزوجة أن تعرف واجباتها الدينية تجاه زوجها، وأن تكون على وعي تام بأهمية طاعة الزوج حتى تهيئ لأفراد الأسرة أجواء الأمان والحماية والاستقرار والمودة، وفي المقابل فإن الإسلام أوجب على الرجل إكرام زوجته وصيانة حقوقها وتهيئة الحياة الكريمة لها، لتصبح له طيعةً ومحبةً، من خلال التفاهم والحوار وليس بالضرب أو إثارة المشكلات، والرجل يجب أن يكون قوَّاماً على الأسرة، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشير زوجاته ويأخذ برأيهن في بعض الأمور الهامة».
وأوضح الدكتور البري أن الإسلام نظم الحقوق الممنوحة لكل من الزوجين، بحيث لو قام بها كل واحد خير قيام لسعدوا جميعاً، بدلاً من الاتهامات المتبادلة بالنشوز، الذي يعد نذيراً بفشل الحياة الزوجية بعد أن تحولا إلى متصارعين وليسا شريكين كما قرر الإسلام، فإذا كان خروجها لاستكمال التعليم أو للعمل فيه ضرر لمصلحة الأسرة، أو فيه إنهاك لقوى الزوجة أو تقصيرها في رعاية زوجها، فيجب عليها طاعة الزوج وعدم التوقف عند ما وافق عليه في عقد الزواج ثم تبين له ضرر ذلك فيما بعد.
وأنهى الدكتور البري كلامه بالتأكيد أن الزوجة تعد ناشزاً إذا لم تطع زوجها فيما فيه مصلحة الأسرة، وله أن يتخذ معها وسائل التأديب الشرعية التي ذكرها الله تعالى في قوله: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا» آية 34 سورة النساء.