لا تعويض للزوجة المعنّفة

حقوق الزوجة , العنف ضد المرأة, المجتمع السعودي, د. مها المنيف, تعويض

11 مايو 2014

لم تتوان الجهات المختصة في المجتمع السعودي عن التحذير من خطر الاعتداءات، والضرب، والإهانة، حتى خرجت صورة لامرأة منقبة، وعلى عينيها آثار الضرب، كُتب أسفل الصورة ما خُفي كان أعظم، وهي الحملة التي أطلقتها مؤسسة الملك خالد لزيادة الوعي بشأن العنف ضد المرأة. وفي السياق ذاته قد يُمثل نظام الحماية من الإيذاء الذي أقره مجلس الوزراء السعودي في أيلول/سبتمبر العام الماضي، نقلة نوعية في حياة كل من يتعرض للاعتداء بكل أشكاله،  كالجسدي واللفظي والنفسي وغيره، وهو الذي لم يُحدد للمرأة، فقط بل شمل جميع أفراد المجتمع، خاصة في المادة 13 من نظام الحماية الذي ينص على عقوبة مادية تراوح بين خمسة آلاف و50 ألف ريال سعودي، وعقوبة السجن ما بين شهر وسنة، أو كليهما، بحسب الحالة وتقدير القاضي. وقد نقلت بعض المواقع الالكترونية خبراً عن شروع الجهات المختصة في تطبيق قانون يعاقب الرجل بتعويض زوجته مبلغاً لا يتجاوز 50 ألف ريال إذا ضربها، ولا يقل عن خمسة آلاف ريال، ويلغي ذلك التعويض في حال إصابة الزوجة بعاهة أو توفيت بسبب الضرب، لتصبح العقوبة كما هي مقررة شرعاً. وفي حال تكرار الضرب فإن العقوبة تتضاعف. كما سيتم تطبيق القانون فريباً، بحسب ما ذكرته المصادر في الخبر، والتي أكدت أن هذه العقوبة تندرج تحت مظلة  نظام الحماية من الإيذاء الذي تم اعتماد لائحته التنفيذية. «لها» تسأل في هذا التحقيق أصحاب الاختصاص عن مدى صحة هذه العقوبة، وحقيقة الالتباس الحاصل حول العقوبة المادية.
 

د.المنيف: في نظام الحماية من الإيذاء مادة خاصة بالعقوبات تتضمّن كل إصابات العنف الأسري

قالت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمان الأسري الوطني، ورئيسة الشبكة العربية لحماية الطفل من الإيذاء، وعضو لجنة ضحايا العنف الأسري وإيذاء الأطفال في مدينة الملك عبد العزيز الطبية الدكتورة مها المنيف إن «المادة 13 من نظام الحماية من الإيذاء ترد فيها العقوبات المترتبة على أفعال الإيذاء المذكورة، في المادة الأولى من النظام، وهي السجن مدة لا تقل عن شهر، ولا تزيد عن سنة، وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف ريال، ولا تزيد عن 50 ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتتضاعف العقوبة في حالة العودة. وقد تناولت اللائحة التنفيذية العقوبات البديلة للعقوبة السالبة للحرية، والغرامة التي من الممكن أن تحكم بها المحكمة المختصة، حيث نصت على جواز أن تأخذ المحكمة رأي الوزارة عن العقوبة الأكثر فعالية، لتقويم سلوك المُدان بجريمة الإيذاء، ويعتبر نظام الحماية من الإيذاء، أول نظام في السعودية يتناول العقوبات البديلة، مثل العمل المجتمعي التطوعي، والهدف منه هو تعديل سلوك المعتدي وليس العقوبة فقط».

وأوضحت المنيف أنه من «المعروف في السعودية يوجد نظام العقوبات الجزائية، والذي يحدد العقوبة في حالات الاعتداء على النفس، وهو شامل لكل حالات الاعتداء، ويعتمد على وجود إصابات جسدية، ومدة شفاء محددة، أكثر من 15 يوماً، حتى تأخذ الإجراءات القانونية مجراها الطبيعي. أما غير ذلك من إصابات كانت تعتمد على تقييم القاضي، لذلك حرصنا في نظام الحماية من الإيذاء، على وضع مادة خاصة بالعقوبات  تتضمن جميع إصابات العنف الأسري، بما في ذلك الإهمال، والحبس، والتهديد، والعنف النفسي، وغيرها، وللتأكيد فإن هذا النظام يخص جميع أفراد الأسرة، ممن يتعرضون للعنف من أطفال، أو نساء، أو رجال، أو مسنين من الجنسين».
وحول ما تناقله المغردين على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، ذكرت المنيف: «بالنسبة إلى تعليقات المجتمع الساخرة حول عقوبة الإيذاء، فقد كانت وسيلة ساهمت في وصول العلم بنظام الحماية من الإيذاء، لكل فئات المجتمع، حتى ولو كانت عن طريق السخرية، والكوميديا، وأصبح لدى الجميع الآن العلم بالعقوبة المترتبة على أفعال الإيذاء بشكل عام».
 

د.الشدّي: ليس كل من ضرب زوجته عقوبته 50 ألف ريال!

قال الناطق الرسمي باسم هيئة حقوق الإنسان الدكتور إبراهيم الشدّي إن «الضرب بصفة عامة ممنوع تحت أي قانون، وأي جهة، في العالم ليس فقط في السعودية. وفي ما يخص العقوبة المذكورة، لا اعتقد أن المسألة مقننة بهذا الشكل، فقد تكون شكوى من أحد الأطراف، وحُكم على المذنب بهذا المبلغ، كما أن العقوبة تعزيرية من القاضي، بحسب الحالة التي أمامه، وليست بشكل عام، وليس بالضرورة أن كل ضرب له هذه العقوبة».
وأضاف أن «نظام الحماية من الإيذاء لا يقتصر على الزوجة، بل هو يشمل أي إنسان يقع عليه عامل الإيذاء، سواء طفل أو رجل، وعند شكوى أحد الطرفين يعود لتقدير القاضي في إصدار الحكم، والعقوبة». وأكد أن «هذه العقوبة وإن كانت قد حددت من قبل القاضي، فإنها وبشكل عام لن تكون منصفة للمرأة المتعرضة للضرب، لأن العلاقة الزوجية يجب أن تكون أسمى وأطهر من هذه العقوبات، ولا يجوز التعميم بأن نقول ضرب الزوج لزوجته يُحاسب بـ 50 ألف هذا الأمر مبالغ فيه، وهو بالتأكيد عقوبة لحالة معينة، اشتكت للقاضي». 
 

د. كشغري : تقديم المساعدة وتجريم المعتدي أهم عقوبة للإيذاء البدني

من جانبها، علّقت أستاذة اللغة الانكليزية في كلية الآداب في جامعة الملك عبد العزيز، والكاتبة الدكتورة أميرة كشغري، من خلال مقالتها في صحيفة «عكاظ» قائلة: «سأتوقف عند المادة التي أثارت الجدل في اللائحة التنفيذية، والمتعلقة بالعقوبة، والتي حددها النظام، ولم تفصلها اللائحة، بشكل واضح وصريح ولا مجال للتكهنات فيه، وهي حالة ضرب الزوجة التي تشكل  أكبر نسبة لحالات الإيذاء الجسدي.  كما أن تحديد مبلغ غرامة في حالة العنف الجسدي (ضرب الزوجة) يُحيل المرأة إلى سلعة، حتى عندما أراد القضاء إنصافها، فجريمة الضرب ليست مقتصرة على الزوجات،  إذ قد تحدث حالات الضرب داخل الأسرة من قبل الأب أو الأخ أو أحد الأقرباء مثلاً، وإذا كانت العقوبة المادية المفروضة في حالة الضرب والعنف الجسدي ضد الزوجة، قد اعتبرت الضرب جريمة جنائية يعاقب عليها القانون، فإن تحديد غرامة بمبلغ خمسة آلاف إلى 50 ألف ريال، يُصبح أمراً فضفاضاً، وغير قابل للتنفيذ كما ورد. فمن يحدد تفاصيل المبلغ، وكيف يتم التعامل مع جريمة الضرب، وهل ستتفق المحاكم والقضاة على التفاصيل قبل تطبيقها، أم ستكون عرضة لتقدير القاضي وملابسات الحالة».

ولفتت إلى «تساؤل الكثير عن جدوى العقوبة المادية، بالنسبة إلى الطبقة الثرية، كونها لا تمثل رادعاً للزوج المعتدي، رغم أهمية العقوبات المادية، في حالات العنف الجسدي، إلا أن تقديرها لا يحدده إلا القاضي بعد النظر إلى تفاصيل القضية. وقد يحدد عقوبات بديلة تتفاوت في الشدة أو اللين. بالإضافة إلى إمكان إقامة دعوى جنائية من المتضررة حسب نوع الأذى الذي لحقها نتيجة للإيذاء. كما أن أكبر رادع وأهم عقوبة ضد جريمة الإيذاء البدني ليست الغرامة المالية، بل هي تسهيل آليات التبليغ والتدخل السريع من جانب لجان الحماية والشرطة، دون اشتراطات بيروقراطية، تعيق الهدف الرئيسي من النظام، ألا وهو تقديم المساعدة للضحية وتجريم المعتدي».
وأضافت كشغري أن «الإشكاليات جميعها في اللائحة التنفيذية لنظام الحماية من الإيذاء، تجعلنا نأمل أن تراجع الوزارة بنودها، وتعيد النظر فيها بحيث تأخذ في الاعتبار مرئيات، مؤسسات المجتمع المدني، وما يطرحه المواطنون والمواطنات، خصوصاً ممن مروا بتجربة عنف أسري، ولم يجدوا الحلول لوضع حداً لمعاناتهم التي قد تتفاقم لتصبح كارثة إنسانية نهايتها الموت، تحت تأثير العنف الجسدي، أو الانتحار هرباً من المعاناة».
وأكدت أن «لائحة كهذه في نهاية المطاف لا تنتهي إلى إعطاء العنف ضد المرأة والطفل مشروعية باسم الإسلام، لأن الإسلام  براء من هذه الممارسات، بل جعلت من غراماته المالية أضحوكة لا تحقق عامل الردع».
 

أبو راشد: الزوجة لا تُعوض بل يُغرّم المعتدي... والغرامة للدولة

من جانبه، قال المستشار القانوني والمحامي خالد أبو راشد إن «اللغط الذي وقعت فيه شريحة كبيرة من المجتمع، كان بسبب خبر صحافي غير دقيق، نص على أن تُعوض الزوجة، والجملة هذه خاطئة، والصحيح أن الزوجة لا تُعوض، بل يُغرّم المعتدي، والفرق بين الجملتين كبير جداً. فتعويض الزوجة أي أنها من ستحصل على المبلغ، بينما النظام نص وغرّم، والغرامة دائماً للدولة، وهنا وقع اللبس، وبالطبع تم تداوله بشكل كبير، بأن الزوجة تحصل على تعويض مادي». ولفت إلى أن المادة التي ذُكر فيها نص العقوبة، «وهي المادة 13 من نظام الحماية من الإيذاء، نصت على أن يُغرّم المعتدي، بغرامة الحد الأدنى خمسة آلاف ريال، وحدها الأقصى 50 ألف ريال، إضافة إلى السجن كحد أدنى شهر، وحد أقصى سنة، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وإما كليهما، بحسب الشكوى للقاضي».

وأشار إلى حقوق الزوجة المعنفة قائلاً: «نظام الحماية من الإيذاء، أضاف عقوبات على حقوق الزوجة، وإن تم الاعتداء على الزوجة، من حقها أن تطالب بمعاقبة المعتدي، وفي السعودية تتم معاقبة المعتدي بالسجن أو بالجلد، ومن حقها أيضاً أن تطالب بالتعويض عن الضرر الذي لحق بها من هذا الاعتداء، بخلاف التعزير. ومن الممكن أن تطلب تعويضاً مادياً إن كان بها ضرر، وإن كانت تعاني من أضرار جسدية فلابد للمعتدي أن يعاقب بالسجن».
وأضاف : «جميع الناس اعتبروا أن العنف يقع على الزوجة فقط، مع أن هناك حالات كثيرة تشهد عليها أروقة المحاكم قد يكون الزوج فيها معتدى عليه ومعنَّفاً أيضاً. كما أن النظام لم يتحدث عن زوج وزوجة فقط، بل عن جميع أفراد الأسرة، حتى الأطفال إن تم الاعتداء عليهم من قبل والدهم أو والدتهم، أو عمهم إن كانوا تحت وصايته وحمايته، أو جدتهم. فالنظام شمل جميع أفراد الأسرة. أي طرف سيتم الاعتداء عليه سينال عقوبته. والضرب الذي نتحدث عنه هو الضرب غير المبرح، والذي لا يترك أي أثر، وهو ما عليه عقوبات، لكن إن أدى الضرب إلى إصابات فهنا ندخل في جريمة جنائية، من الجُنح الكبرى، الموجبة للتوقيف».