رغم التحديد القانوني مفتي مصر السابق: حضانة الأم لأبنائها لا تنتهي عند سنّ معيّنة

cbc, د. علي جمعة, مصر, د. مهجة غالب, د. فايزة خاطر, د. عفاف النجار, د. أحمد عمر هاشم, الحضانة

07 يونيو 2014

في برنامجه «الله أعلم» الذي يقدمه على قناة CBC الفضائية، أثار مفتي مصر السابق الدكتور علي جمعة قضية شائكة، عندما أعلن أنه لا توجد سن معينة تنتهي عندها حضانة الأم لابنائها، وجاء هذا الرأي رغم أن القانون في مصر يحدد هذه السن بـ15 عاماً، بينما تحدده دول عربية أخرى بعشر سنوات للولد و12 للفتاة.
فهل تحديد سن الحضانة اجتهادات خاصة بكل مجتمع؟ ولا يوجد له نص شرعي ثابت؟ وماذا يقول علماء الدين والقانون والنفس والاجتماع عن السن المناسبة التي تنتهي عندها حضانة الأم لابنائها؟


عن حكم الشرع في قضية الحضانة تقول الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية: «من رحمة الإسلام بنا أن ترك لنا الحرية في بعض الأمور التي لم يرد فيها نص، ومنها قضية سن الحضانة، حيث لا يوجد نص ثابت سواء في القرآن الكريم أو السنة النبوية يحدد السن التي تنتهي عندها حضانة الأم لأبنائها، إنما جعل سن الحضانة مرتبطة بمصلحة الصغير سواء كان ذكراً أو أنثى، وقد تطول هذه المدة أو تقصر حسب ما يرى القاضي في كل حالة على حدة».
وأوضحت أن تحديد السن المرتبطة بها «مصلحة الصغير قد تختلف من عصر إلى آخر، بل ومن بيئة إلى أخرى، ولهذا فإن كل ما صدر من آراء فقهية حول هذه القضية نابع من اجتهادات من الفقهاء، الذين أجمعوا على أن الحضانة في أصل الشريعة هي ولاية للتربية هدفها الاهتمام بالطفل الصغير وضمان رعايته والقيام على شؤونه في الفترة الأولى من حياته التي لا يستغني فيها عن عناية النساء ممن لهن الحق في تربيته».


حكمة عدم التحديد

أكدت الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم العقيدة في كلية الدراسات الإسلامية بالزقازيق جامعة الأزهر، أن الأصل في الحضانة هو مصلحة الصغير التي من الطبيعي أنها تتحقق بأن تضمه الحاضنة إليها باعتبارها أكثر الناس عطفاً وحفاظاً عليه وتوجيهاً له.
وأوضحت أن الشرع لم يحدد سناً للحضانة، إلا أنه حرم انتزاع الطفل من أمه، لأنها الأشفق والأكثر صبراً عليه، وانتزاعه منها عنوة فيه مضرة كبيرة به خلال هذه الفترة الحرجة من حياته التي لا يعتمد فيها على نفسه ولا يستطيع أن يستقل بأموره، كما أن فيها ضرراً بها كأم يجب مراعاة مشاعرها.
وأنهت كلامها بالتأكيد أن من مبادئ الشريعة الإسلامية الرئيسية الثابتة ألا يتقدّم على الأم أحد في شأن الحضانة، ما لم تتزوج، فإذا تزوجت انتقلت الحضانة إلى أمها باعتبارها أكثر الناس عطفاً على الطفل بعد أمه الأصلية ثم أمه لأبيه.


مصلحة الطفل

عن حكم الشرع في التفريق بين الأم وولدها الصغير ظلماً، إذا كان الأب ذا نفوذ، قبل انتهاء سن الحضانة قالت الدكتورة عفاف النجار، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية: «هذا السلوك الجائر غير جائز شرعاً، استناداً إلى ما ورد في الحديث الشريف، الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يروى أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء وثديي له سقاء، وزعم أبوه أنه ينزعه مني، فقال عليه الصلاة والسلام: أنت أحق به ما لم تنكحي»، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: «من فرّق بين والدة وولدها فرّق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة».
واستشهدت النجار بما رُوي عن أبي بكر الصديق وقت خلافته للمسلمين، أن عمر بن الخطاب كانت عنده زوجة من الأنصار فولدت له عاصم بن عمر، ثم أنه فارقها، فركب عمر يوماً إلى قباء، فوجد ابنه يلعب بفناء المسجد فأخذ بعضده فوضعه بين يديه على الدابة، فأدركته جدة الغلام فنازعته إياه، فأقبلا حتى أتيا أبا بكر الصديق فقال عمر: ابنى، وقالت المرأة: ابني، فقال أبو بكر: خل بينها وبينه، فما راجعه عمر الكلام»، وفى رواية أخرى، حكم أبو بكر على عمر بابنه عاصم لأمه، وقال له: ريحها وشمها ولطفها خير له منك».
وتؤيد النجار ما ذهب إليه الدكتور علي جمعة من أنه لا توجد سن معينة للحضانة، وإنما يجب أن يحدد القاضي السن المناسبة التي يستمر فيها الطفل مع أمه حسب ظروفه والظروف الأسرية لكل من الأب والأم، ويتم تغليب مصلحة الطفل في بقائه مع من يصلح به حاله، لأنه لا يمكن المساواة بين الجميع في سن الحضانة، وإنما «لكل مقام مقال».
 

الدليل الشرعي

أشار الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر، إلى أن هناك اجتهادات فردية في تحديد سن الحضانة قام بها الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، حيث جعل سن الحضانة الخامسة عشرة حداً لحضانة الأم للابن أو الابنة، مستنداً إلى أن النبى صلى الله عليه وسلم جعل حد العمر أو السن للإذن بالجهاد، حيث إن رسول الله لم يكن يسمح للفتيان دون الخامسة عشرة بحمل السيوف والدروع للخروج إلى الجهاد في الغزوات.
ولفت إلى أنه وقت أن كان عضواً بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر تم إصدار قرار بجلسة 24 مارس 2003، ينص على أنه ينتهي حق حضانة النساء ببلوغ الصغير أو الصغيرة سن الخامسة عشرة، ثم في الجلسات اللاحقة قرر المجمع أنه يجوز انتقال الحضانة إلى الأب بعد الأم وأم الأم، كما يجوز رؤية الجد والجدة للمحضون، سواء أكان ذلك في حضور الأبوين أو في غير حضورهما، وكذلك من صدر له حكم يقضي بحقه في رؤية المحضون، وإذا تخلف عن الحضور للرؤية في الموعد المحدد ثلاث مرات متتابعات رفع أمره إلى القضاء لحرمانه من الرؤية لمدة يحددها القاضي. وكذلك يجوز للطرف غير الحاضن استضافة الصغير بمسكنه في العطلات إذا أذن الحاضن بذلك.
وأنهى هاشم كلامه بالتأكيد أنه طالما أن القضية اجتهادية فيها اختلاف فلا ينبغي لفريق من العلماء إنكار ما اجتهد فيه الفريق الآخر، طالما أن لديه دليلاً شرعياً، وإن كنت أرى أن يُترك تحديد السن لعلماء الدين والاجتماع والتربية والنفس في كل دولة على حدة، مع ضرورة مراعاة القضاء لخصوصيات كل حالة، فإن بعض الحالات قد يسن تقليل سن الحضانة والإسراع بانتقالهم لحضانة الأب أفضل، والعكس صحيح. وبالتالي فإن لكل حالة ظروفها التي يجب تقديرها إعمالاً للقاعدة الفقهية «الضرورات تبيح المحظورات»، وبالتالي كل ضرورة تقدَّر بقدرها.
 

أعارض المفتي

يعارض الدكتور محمود مزروعة، العميد الأسبق لكلية أصول الدين جامعة الأزهر، ما ذهب إليه مفتي مصر السابق، مؤكداً أن بعض الدول العربية تحدد سن الحضانة للولد والبنت عند 7 و9 سنوات وفي بعض الدول الأخرى 10 و12 سنة، وليس 15 سنة كما هو الحال في مصر، وبالتالي يجب العمل وفق مؤشرات شرعية معتبرة حتى وإن لم يرد نص صريح بشأن سن الحضانة».
وعرض مزروعة نموذجاً عملياً لذلك قائلاً: «كان على المفتي السابق الدكتور علي جمعة أن يؤكد أن السن الحالية للحضانة مخالفة لاجتهادات كبار الأئمة الذين يرى غالبيتهم أن السن المثلى للحضانة يجب أن تكون دون العاشرة حتى يضمن الأبناء تربية صحيحة، ويقاس السن هنا بما جاء في الحديث النبوي الذي فيه جوانب من التربية الدينية والأسرية، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مُروا أولادَكمْ بالصلاةِ وهمْ أبناءُ سبعِ سنينَ، واضربُوهم عليها وهمْ أبناءُ عشرِ سنينَ، وفرقُوا بينهمْ في المضاجعِ». فالالتزام بهذه السن فيه حماية للأبناء، خاصةً إذا علمنا أن في مصر نحو سبعة ملايين طفل يخضعون لأحكام قانون الرؤية، وثلاثة ملايين أب غير حاضن محرومين من أبنائهم».


رأي القانون

عن التوصيف القانوني للقضية يؤكد المستشار محمد إبراهيم أن هذا الموضوع له باع قانوني طويل في التشريع المصري، بدأ مع الفقرة الأولى من المادة «20» من القانون رقم 25 لسنة 1920 الخاص بأحكام النفقة وبعض مسائل الأحوال الشخصية، المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985، وبعد تعديله بالقانون رقم 4 لسنة 2005 تنص على أنه ينتهي حق حضانة النساء ببلوغ الصغير أو الصغيرة سن الخامسة عشرة، ويخير القاضي الصغير أو الصغيرة بعد بلوغ هذه السن في البقاء في يد الحاضنة دون أجر حضانة، وذلك حتى يبلغ الصغير سن الرشد وحتى تتزوج الصغيرة.
وأوضح إبراهيم أن هذه المادة القانونية قبل تعديلها كانت تنص على انتهاء الحضانة «ببلوغ الصغير 10 سنوات والصغيرة 12 سنة، وأن حق الطفل في حضانة أمه كفلته الشريعة الإسلامية والقانون الطبيعي والاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية الطفل، وأن تكون لمصالحه الأولوية في كل القرارات والإجراءات المتعلقة بالطفولة أياً كانت الجهة التي تصدرها أو تباشرها.
وأنهى كلامه بالتأكيد أن المحكمة الدستورية رفضت دعوى في 4 أيار/مايو 2008، تطعن في قانون الحضانة بعدم الدستورية، وقضت بدستوريته مؤكدةً عدم مخالفة القانون الحالي للمادة الثانية من الدستور، لأن الأحكام التي لا يجوز لولي الأمر مخالفتها هي الأمور القطعية في الشريعة الإسلامية، أما الأمور الظنية فإنها تتميز بطابعها الاجتهادي وتتغير بتغير الزمان والمكان لضمان مرونتها وحيويتها، شرط أن يكون هذا الاجتهاد واقعاً في إطار الأصول الكلية لمبادئ الشريعة التي لم تحدد للحضانة سناً معينة لا يجوز تجاوزها، لأن الأصل مصلحة الصغير.
 

الإشباع النفسي

عن رؤية علم النفس لسن الحضانة، ترى الدكتورة إيمان فوزي، مديرة مركز الإرشاد النفسي في جامعة عين شمس، أنه «يجب مراعاة مصلحة الأطفال من الناحية النفسية والاجتماعية، وهناك إجماع على أن الأم هي الحاضنة لمن هم دون العاشرة، نظراً إلى شدة حاجتهم إليها، أما فوق العاشرة فأرى أن تخضع كل حالة على حدة لقرار من القاضي، لأن بعض الأطفال يمكنهم في العاشرة الاستغناء نسبياً عن الأم، نظراً إلى حدوث الإشباع النفسي في مرحلة الطفولة المبكرة والمتوسطة».
وطالبت بأن يكون خبراء الصحة النفسية والاجتماع هم عيون القاضي في تحديد سن الحضانة المناسبة لكل طفل أو طفلة، نظراً لنفسيته ومدى حاجته لأمه، لأنه لا يمكن تأخير دور الأب في التربية إلى سن 15 سنة، فهذا قد يجعل الأطفال يعتادون على «الدلع» نظراً لأن الأم بطبعها عاطفية، مع العلم أن مدة الرؤية المتاحة حالياً للأب غير كافية، فوفقاً للقانون يرى الرجل غير الحاضن أطفاله ثلاث ساعات أسبوعياً في مكان عام، مما يعني اختزال العلاقة بين الآباء وأبنائهم في أقل من 150 ساعة في العام طوال فترة الحضانة البالغة 15 عاماً، كما تكون الرؤية فقط لغير الحاضن دون الجد والجدة والأعمام أو حتى الأخوة من الأب، مما يعني أن المحضون سيكون معزولاً اجتماعياً عن أقارب والده.
 

التوازن

يطالب الدكتور نبيل السمالوطي، أستاذ الاجتماع والعميد السابق لكلية الدراسات الإنسانية، بإلغاء أي تحديد حالي لسن الحضانة، والأخذ بما فيه مصلحة الطفل في كل حالة على حدة، فليس بقاؤه مع والدته أكبر فترة ممكنة في صالحه دائماً، والعكس صحيح، ولهذا يجب أن يختار الوضع الأمثل له حتى لو وصل الأمر إلى سحب الحضانة من الأم في السابعة أو الثامنة، كما اجتهد بذلك بعض الفقهاء، حتى يحدث التوازن بين الإشباع العاطفي الذي يلقاه غالباً مع الأم والحزم الذي يجده مع الأب.
وأشار السمالوطي إلى أن التحديد الصحيح لسن الحضانة لكل حالة حسب الظروف الاجتماعية والنفسية يحمي أبناء الطلاق من الاختلاط بقرناء السوء والجرائم والانحرافات، بل إننا إذا نظرنا إلى ظاهرة أطفال الشوارع سنجد عدداً كبيراً منهم ضحايا الطلاق، لهذا لا بد من مراجعة القانون الحالي لسن الحضانة من خلال إجراء دراسات وبحوث اجتماعية ونفسية لكل مشكلة على حدة.