نفسيّة وإجتماعية وماديّة إستقلالية المرأة في مجتمعاتنا... حرّيات وكرامة

المرأة, المجتمع, مساواة الرجل والمرأة, إمرأة عصرية, عمل المرأة, حقوق المرأة

05 يوليو 2014

تلعب المرأة أدواراً مختلفة تكوّن شخصيّتها وتصقل كيانها. فهي إبنة وأخت وزوجة وحبيبة ورفيقة وأمّ ومربّية وربّة منزل وسيّدة مجتمع وإمرأة عاملة وناشطة إجتماعية... هي جزء أساسيّ من المجتمع وتشارك في الحفاظ على التوازن القائم في الأسرة. لكن من جهة أخرى، لا تزال النساء محرومات من «المساواة» مع الشريك، أكان ذلك معنوياً، نفسياً، إجتماعياً، مادياً أو عملياً. ذلك أنّ المجتمع لا يزال يفرّق ما بين الرجل والمرأة.
فمتى تكون المرأة كانئاً مستقلاً، غير تابع أو خاضع؟ ما الصفات التي تتحلّى بها السيدة العصريّة لتتمكّن من التوفيق بين مختلف واجباتها وحتى تتمتع بأبسط حقوقها؟

إنّ الجدل القائم حول إستقلاليّة المرأة يشكّل مدخلاً لمفهوم الإستقلالية عامةً. فإستقلالية الفرد هي عدم الإعتماد على الآخر، وتحقيق متطلّباته بنفسه، والإتكال على ذاته في إتخاذ القرارات وعدم تدخّل الآخرين به. لكنه في الوقت عينه، يبقى كائناً مسؤولاً، متمتّعاً بحقوق بديهية وعنده واجبات أساسيّة.
إنّ الإستقلالية ليست محصورة بالحرّيّات ، وإنما هي متعلّقة بكرامة المرأة أيضاً. فالإستقلالية مسار يبدأ بوعي الناس لحقوقهم وواجباتهم، إضافةً إلى مشاركتهم الفعّالة في المجتمع ووعيهم لقضيّة المرأة وآفاق القضيّة وكيفيّة المساهمة بها. ولا بدّ من التنويه بأنّ إستقلالية المرأة لا تمسّ أبداً بكينونتها كإمرأة ولا تلغي أنوثتها...
تتحدّث الإختصاصيّة في علم النفس العيادي والمعالجة النفسيّة كارول الحاج ضو عن الشخصية المستقلّة في مختلف المجالات، عارضة لأهميّة إستقلالية المرأة. كما تشرح المحامية منار زعيتر، الناشطة في تجمّع النساء الديموقراطي، نضال المرأة في المجتمعات ومطالبتها بأبسط حقوقها.


إستقلاليّة نسبيّة

تقول زعيتر: «لا يمكن الحديث عن إستقلالية المرأة خارج إطار حقوق الإنسان. فلا يوجد تعريف موحّد لهذه العبارة، لأنه مفهوم مرتبط تاريخياً وحتى الآن، بخصوصيّة كلّ مجتمع. فحسب البيئة الإجتماعية المحيطة، يمكن الكلام عن إستقلالية المرأة. هذا الموضوع مرتبط إرتباطاً وثيقاً بالسياق الإجتماعيّ والثقافي في أيّ بلد أو مجتمع». فالبعض يعتبر أنّ المرأة المستقلّة هي التي تتمتّع بهامش كبير من الحرية، فيما تُعتبر السيدة مستقلّة في بيئة أخرى عندما تتمتّع بأبسط الحقوق الأساسيّة.
ويبقى القاسم المشترك في مختلف المناطق، حسب زعيتر، هو «أنّ هامش الحرية والإستقلالية قد قطع أشواطاً كبرى بعد نضالات عديدة خاضتها كلّ النساء والحركة النسائية في كلّ العالم. وتبقى المطالب الأساسيّة هي القدرة على إتخاذ القرارات الخاصة بمفردها، عدم التمييز ضدّ المرأة وعدم ممارسة العنف المعنوي والجسدي ضدّها».


على مختلف الصُعُد

ترى ضو أنّ « الإستقلالية النفسية والإجتماعية للمرأة مرتبطة إلى حدّ كبير باستقلاليتها المادية التي تمكّنها من الإكتفاء الذاتي لتكون منتجة، ناشطة، وغير تابعة لأحد». لكن هذا لا يعني أنّ الإستقلالية المادية هي دليل أكيد على الإستقلالية الكاملة للسيدة. بل هذا يوجد هامشاً من الإستقلالية عندها.
تشير زعيتر إلى «أنّ المرأة موجودة صحيح في مجالات العمل، لكن هذا لا يمنع أن تكون غير مستقلة أو مغبونة. فلا يزال التمييز والتعنيف ضدّها موجوداً، والنساء مستبعدات إلى حدّ ما على الساحة السياسية. وبغية الحصول على الإستقلالية التامة، لا بدّ من أخذ كرامة المرأة وحقوقها في الإعتبار».


تربية منذ الصغر

تؤكّد ضو أنّ «المرأة المستقلّة شخص متصالح مع ذاته، يحدّد أهدافه في الحياة ويسعى إلى تحقيقها من دون ضغط أو اتكالية أو تبعيّة. كما أنّها إنسان يعرف مفهوم التوازن في مختلف مجالات الحياة، ليتأقلم مع متطلّبات العصر ويوفّق ما بين الحقوق والواجبات كاملةً  وليس بشكل إنتقائيّ!»
تضيف «إنّ الإستقلالية أو التبعيّة تنتقل من الأهل إلى الأولاد. فحسب طريقة التربية، تتكوّن شخصيّة الفرد، ليتمّ صقلها لاحقاً بظروف الحياة التي تواجه المرء والإختبارات التي يمرّ بها والصعوبات التي يتخطّاها. فالأمّ التي تربّي أولادها على الإختيار وقوّة الشخصيّة والإستقلالية والعدل والكرامة والمشاركة في القرار والنقاش منذ الصغر، تحفر عندهم هذه الخصال لتنمو في سنّ المراهقة، ويبدأ الولد بالإستقلال رويداً رويداً في قرارات بسيطة، مثل الأكل والملبس والإختصاص والأصدقاء...على عكس الأولاد الذين ينشأون في جوّ من القمع والخوف والتبعيّة والديكتاتورية والإنصياع والتنفيذ المطلق أو حتى الحماية المفرطة والتردّد في الإختيار، إذ يصبحون راشدين غير واثقين بقراراتهم الذاتية ليتحوّلوا إتكاليين تابعيين».
والحياة تعلّم المرء كيفيّة الإتكال على ذاته وإتخاذ قراراته المصيرية والمدافعة عن حقوقه.


المرأة المستقلّة

تشرح زعيتر: «توجد معايير ومواصفات نمطيّة للمرأة المستقلّة، وهذا أمر لا بدّ من تخطّيه، إذ إننا كسرنا القاعدة وتخلّينا عن الصفات الخاصة والأدوار التي أُلصقت بالرجال أو النساء».
تقول ضو: «إنّ المرأة المستقلّة هي سيّدة عصرية، قويّة، متصالحة مع قراراتها الذاتية، تتفادى الوقوع في التبعيّة، توفّق بين الشق العمليّ والشخصيّ، تعرف ماذا تريد، تعمل على تحقيق مآربها، تلتزم بكلمتها، تتعلّم من خطئها وتسيّر أمور حياتها.» وهذا لا يعني أنّها «مسترجلة» أو مفتقدة إلى الأنوثة، كما أنها لا تكون معادية للرجل أو «مستقوية» عليه لتقلب الأدوار! هي ببساطة كائن يعرف ماذا يريد ويعمل لتحقيق ذلك!
تضيف زعيتر: «المرأة مكوّن رئيسيّ في المجتمع، وهي واعية لقراراتها، وعندها إرادة مستقلّة تنعكس إيجاباً على الأدوار التي تلعبها، وعلى قضاياها لتُطرح على طاولة البحث وتعبّر عن إحتياجات النساء».


آراء متباينة 

تقول ضو: «من سلبيّات الإستقلالية عند المرأة هو أن تكون هي مستقلّة، لكنها تعيش في مجتمع  يتعامل معها على أساس التبعية، فتعمد للرفض القاطع وتتمرّد على واقعها أحياناً، ما قد يؤدّي إلى خلافات عديدة حتى ضمن نطاق عائلتها».
من جهتها، تذكّر زعيتر أنّ «المرأة المستقلّة تقف عائقاً أمام الرجال المتشبّثين بالذكورة، أو حتى النساء الذكوريات، وهي تهدّد كلّ فكر أو منظومة ضدّ إستقلالية المرأة، في ظلّ ثقافة تحافظ على دونية النساء وتكرّس هيمنة الرجال».
تختم ضو: «إنّ القدرة على التوفيق ما بين متطلّبات الحياة والحقوق الذاتية المكتسبة، أمر جوهريّ لا بدّ من أن تتمتّع به المرأة العصريّة، القادرة على المشاركة في القرار وبناء مجتمع أفضل». تشدّد زعيتر على «أهمية صون كرامة النساء قبل مطالبتهنّ بواجباتهنّ أو الكلام عن الإستقلالية».