كارثة إنسانية هزّت المشاعر تعذيب الأطفال في دار أيتام!

دار الأيتام, العنف, عنف ضد الطفل

22 أغسطس 2014

قبل نحو ثمانية أعوام نجحت شبكة الإنترنت في كشف عمليات التعذيب في سجون مصرية، انتهت بعدها بعام بسجن نقيب شرطة ومعاونه في القضية التي عرفت وقتها باسم «عماد الكبير». وأخيراً عادت الشبكة العنكبوتية لتواصل دورها القديم حيث نشرت، لكن عبر فيسبوك هذه المرة، فيديو يتضمن عمليات تعذيب تعرّض لها عدد من الأطفال في إحدى دور الأيتام، لتتفجر فضيحة كبرى هزت الرأي العام المصري، وحرّكت المشاعر الغاضبة التي لم تهدأ إلا بعد القبض على مدير الدار الذي ضرب الأطفال بوحشية. فما تفاصيل تلك الكارثة الإنسانية؟

في ساعات قليلة كان مئات الآلاف قد شاهدوا الفيديو المؤلم، وهو ما جعل القصة تتحول إلى قضية رأي عام حركت المسؤولين على الفور، بدايةً من الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أمر بالتحقيق في مأساة الأيتام، وانتهاءً بجميع المسؤولين التنفيذيين. وبفضل الصور الواضحة نجحت الأجهزة الأمنية في القبض على أسامة محمد عثمان الذي قامت زوجته بتصويره وهو يضرب الأطفال ضربًا مبرحًا على أجسادهم لمجرد فتحهم التلفزيون والثلاجة دون إذن منه!
 

اعتراف

وكانت وزيرة التضامن الاجتماعي الدكتورة غادة والي قد قامت بمجرد علمها بإبلاغ اللواء كمال الدالي مدير أمن الجيزة، وانتقلت على الفور قوة من مباحث الأحداث وقسم الطالبية، كما أبلغت النائب العام فأمر بإرسال وكيل نيابة للتحقيق ومقارنة صور الفيديو بواقع عنوان الجمعية. وتفقدت وكيل وزارة التضامن الاجتماعي عزيزة عمار الدار بصحبة لجنة مكوّنة من ستة موظفين في الوزارة ليطمئنوا إلى الأطفال الموجودين بها. وفوجئ الجميع بأن الأطفال، وعددهم 10 أولاد و3 بنات، أكبر سناً من الظاهرين في مقطع الفيديو، وهو ما أظهر أن هذا الشريط صُوّر قبل فترة طويلة، وأن الزوجة التي تسترت على أفعال زوجها الوحشية لفترة، وهو ما أكدته عندما اعترفت قائلة: «صوّرت هذا الفيديو قبل عام واحتفظت به إلى أن أحصل على ترخيص لدار أيتام أخرى، حتى أستطيع أن أنقذ الأطفال من هذه الدار».
 

هروب

لم يعثر الأمن عند دهم الدار على مديرها المتهم الرئيسي الذي هرب إلى إحدى القرى، وبمجرد القبض عليه اعترف بما فعله من تعذيب للأطفال أمام اللواء محمود فاروق مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة، ليتضح أنه حاصل على الشهادة الإعدادية وسافر إلى السعودية وعمل كمدرب لياقة بدنية وجمع مبلغاً مالياً مكنه من بناء دار الأيتام. وأضاف أنه كان يعلم أن زوجته تصوره بهاتفها المحمول، إلا أنه كان يعتقد أن تسجيلها لاعتدائه على الأطفال تم للتأكيد على أنه يقوم بتربيتهم تربية صارمة، وأشار إلى أن تصوير الفيديو كان قبل عام وأربعة أشهر، وأن زوجته تعلم أنه لا يتمالك أعصابه إذا حدث خطأ ما من أي شخص. وأكد أن اعتداءه بالضرب على الأطفال كان على سبيل تأديبهم وليس تعذيبهم، إضافة إلى حرصه على حياتهم خشية إصابتهم بصاعق كهربائي أثناء محاولتهم فتح جهاز التلفزيون، مما قد يسفر عن سقوطه على أحدهم وإصابته، وأوضح أنه يتعامل مع أبنائه بالأسلوب الذي يتعامل به مع أطفال الدار، وأنه اعتدى بالضرب المبرح على ابنه فور علمه أنه يدخن.
 

خلافات

كما أشار المتهم إلى أن الخلافات نشبت بينه وبين زوجته التي بدأت إهماله وعدم الاهتمام به والسهر خارج المنزل وتركه بمفرده، بينما أكدت تحريات الإدارة العامة لمباحث الجيزة أن المتهم تزوج من إحدى الفتيات التي تبلغ من العمر 22 عاماً من فترة قريبة، مما فجر الخلافات بينه وبين زوجته، وهو ما دفعها لنشر الفيديو على شبكة الإنترنت للانتقام منه.

وكان لهذه التصرفات غير الإنسانية ردود فعل مختلفة من المسؤولين، فشددت وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي على ضرورة رقابة المجتمع على هذه الدور، لأن رقابة موظفي الوزارة غير كافية، وأكدت أنه تم اتخاذ قرار وزاري اعتباراً من أول حزيران/يونيو الماضي بوضع معايير جودة لدور الأيتام وتحديد من يصلح للعمل بها كمشرفين وكيفية تأهيلهم. وطالبت بضرورة اتخاذ إجراءات رادعة ضد من قام بهذا العمل الوحشي حتى يعرف كل من يتسبب بضرر لأي طفل أنه سيعاقَب بشدة. ومن جانبها حمّلت رئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة الدكتورة عزة العشماوي أجهزة الدولة وعلى رأسها وزارة التضامن الاجتماعي، مسؤولية الكارثة الإنسانية التي وقعت في دار «أيتام مكة». وأوضحت أن المشكلة الأساسية تتمثل في عدم تأهيل وتدريب المشرفين الذين يتعاملون مع هؤلاء الأطفال، وأرجعت السبب في ذلك إلى تعدد الجهات المسؤولة عن عملية تدريب هذه الفئات، مثل المجلس القومي للطفولة والأمومة ووزارة التضامن الاجتماعي، بالإضافة إلى بعض الجهات المانحة، مما يتسبب بعدم القيام بالرقابة والمتابعة اللازمتين.
 

جرس إنذار

من جانبه، طالب وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة بإعادة النظر في منظومة دور الأيتام في مصر بعد هذا الحادث الوحشي، وأضاف في بيان له: «إن ما حدث في دار «أيتام مكة» جرس إنذار يستوجب التنبه للأمر بشدة وسرعة، كما يستوجب إعادة تقويم عمل هذه الدُور. أما في ما يتصل بأمر اللقطاء فينبغي أن يكونوا في دور رعاية متخصصة تحت إشراف كامل لمؤسسات الدولة، خاصة المؤسسات التربوية والمعنية بحقوق الطفل، وتحت إشراف مجموعة من المتخصصين».
وقال ناصر أمين، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، إن ما تضمنه الفيديو يعد انتهاكاً جسيماً لحقوق الأيتام، الأمر الذي يتطلب العقاب الرادع لهذا الشخص، إضافة إلى ضرورة تشديد الرقابة على تلك المؤسسات من جانب منظمات المجتمع المدني إلى جانب وزارة التضامن الاجتماعي.