كاميليا انتخابي فرد: في المنفى وجدت صوتي...

كاميليا انتخابي فرد, كتابة, إيران, الثقافة الفارسية

11 سبتمبر 2014

كاميليا انتخابي فرد، إسم معروف في الصحافة العالمية. تركت وطنها واختارت الولايات المتحدة الأميركية منفاها القسري. ولدت في إيران أيّام حكم الشاه ومن ثمّ عايشت عن كثب مشهداً تاريخياً حفر عميقاً في ذاكرتها الندية.
وبعد ثلاثين عاماً، اختارت أن تستعيده بعين الطفلة التي كانتها، فكتبت مذكراتها «كاميليا» باللغة الإنكليزية لتروي تجربة شخصية متداخلة بتجارب أخرى في إيران بين زمنين: قبل الثورة وبعدها.
ترجم كتابها إلى لغات عالمية عدّة منها الإيطالية والتركية واليابانية والبرتغالية، إضافة إلى ترجمة عربية خرجت عن دار الساقي اللبنانية. بين الوطن والمنفى والكتابة والرسم والصحافة والإبداع تدور حياة كاميليا انتخابي فرد التي كان لنا معها هذا الحوار:


- كلّ سيرة ذاتية أو مذكرات شخصية تحمل في باطنها هدفاً ضمنياً. فما كان هدفك من وراء كتابة سيرتك الذاتية؟
كتبت هذه المذكرات لأنني أحببت أن أقدّم إلى القرّاء في كل أنحاء العالم صورة جديدة عن إيران، غير التي عرفوها بعد الثورة.
فأنا ولدت قبل الثورة وكان لا بدّ أن أصوّر من خلال ذكريات الطفولة مشاهد من إيران ما قبل الثورة، ومن ثمّ انتقلت عبر السرد إلى توصيف الأحداث الأولى للثورة. الأحداث تتسلسل بطريقة عضوية وواقعية جداً، وهي تتناول كل الأحداث الغامضة مثل أزمة الرهائن للاستيلاء على السفارة الأميركية في طهران ( 1979)، وإعدام عدد من المعارضين السياسيين للخميني .
واللافت أنّ القصص، البسيطة كما المعقدة، تُروى من خلال عيون كاميليا ابنة الستّ سنوات، وهي طبعاً الطفلة التي كنتها. كل شيء تمّ تسجيله في ذهن طفلة أخذت صفة المراقب، لتغدو من ثمّ مراهقة، فطالبة فصحافية شابة ومن ثم كاتبة في إحدى الصحف الرائدة، وصولاً إلى لحظة اعتقالها. أردت من خلال تجربة شخصية أن أعكس للقارئ الأجنبي صورة بلد لا يعرفه حقّ معرفة.

- مع أنّ فترة الإعتقال لا تتعدّى الشهور الثلاثة، نجد أنّ هذا هو الحدث الجوهري في كتاب «كاميليا». فلو لم يتمّ اعتقالك، هل كنت لتكتبين هذه السيرة؟
حتى لو لم يتمّ اعتقالي ولم أسافر خارج إيران كان سيأتي يوم أكتب فيه هذه المذكرات، وأنا بالمناسبة أفضّل كلمة مذكرات وليس سيرة ذاتية لأنني أعيش الآن في مقتبل عمري وعليّ أن أقوم بالكثير من الواجبات قبل أن أقرّر كتابة سيرتي.
هذا الكتاب يمازج بأسلوب صريح ومباشر قصصاً شخصية وقصصاً عامة ليعطي في النهاية صورة متكاملة عن إيران بين مرحلتين مختلفتين، بل متناقضتين: إيران الشاه وإيران الجمهورية الإسلامية.
لاقى هذا الكتاب صدى إيجابياً وترحيباً من القرّاء الذين تعرفوا إلى إيران أخرى من خلال قصص شخصية ومحلية غير شائعة جداً في المنطقة أو خارج الثقافة الفارسية. وأنا سعيدة جداً بهذه المذكرات، رغم العواقب التي يُمكن أن تتنج عنها.

- لماذا اخترت الكتابة بالإنكليزية عن تجارب شخصية وحميمة حدثت كلها في إيران؟ وهل يُمكن أن يترجم إلى الفارسية؟
طالبني كثيرون بترجمة الكتاب إلى الفارسية، ولكن لا أعتقد أنّ هذه المذكرات ستكون متاحة داخل إيران. كنت أعرف سلفاً أنّ كتابي لن يُنشر هناك ولن يُسمح به، فلماذا أكتبه بالفارسية إذاً؟ اخترت الإنكليزية أولاً لأنني أتقنها وأعرف أنّ كلماتي ستصل من خلالها إلى القارئ العالمي. وهو اليوم موجود في بلدان كثيرة وقد ترجم إلى لغات عدة هي: الإيطالية، التركية، البرتغالية، العربية، اليابانية.
أتمنى طبعاً أن يُترجم إلى الفارسية ويغدو مسموحاً به داخل إيران، وأنا أهديت نسخاً منه إلى مسؤولين إيرانيين زاروا نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن بينهم الرئيس خاتمي.
وأعرف جيداً أن الكتاب بات معروفاً ومقروءاً جداً في الوسط الثقافي الإيراني، لأنّ فيه مصداقية عالية لا نجدها عادة في مذكرات أخرى، بحيث لجأت إلى التحقق من كل معلومة وعملت على توثيقها وذكر مصدرها إن تطلب الأمر ذلك.

- تذكرين في الكتاب تفاصيل معينة تعكس تعلقّك بالثقافة الفارسية. فهل مازال لديك هذا الإنتماء بعد سنوات قضيتها في منفاك القسري؟
أنا اليوم لست الشخص نفسه الذي غادر إيران قبل 14 عاماً، وتحديداً في أيار (مايو) من العام 2000. تغيرت كثيراً، سافرت وعملت وتعلمت واشتغلت على نفسي، لكنّ ارتباطي بوطني وأهلي وجذوري لم يتغيّر البتّة.
ما زلت فخورة بثقافتي الفارسية التي أنظر إليها كثقافة عليا تُثير اهتمام مثقفي أوروبا والعالم. أشعر أحياناً وأنا في الخارج بأني جزء من السجاد الحريري الفارسي الثمين.
الفارسية هي لغتي وثقافتي وأسلوب تفكيري، وأنا سعيدة لأنني أحفظ وأقرأ روائع شعر عمر الخيام والرومي وحافظ. لكنّ الهجرة والحياة في أميركا علّمتاني أن أعيش كمواطنة عالمية.

- ما أكثر ما تفتقدينه في بلدك؟
أشياء كثيرة... أفتقد أسرتي التي لم أرَ أفراداً منها منذ سنوات، وأفتقد الأصحاب والشوارع والأشجار. والرسم أيضاً. فالرسم هو الشيء الوحيد الذي توقفت عنه تماما منذ أن هجرت إيران. فأنا بدأت الرسم في سن مبكرة جداً وقدمت أكثر من معرض في طهران، ولكن بعد عام 2000 لم أقدّم شيئاً في هذا المجال. وهذا ما يحفر في داخلي جرحاً يؤلمني على الدوام.

- إلى ماذا تُرجعين هذا الأمر؟
للأسف، عندما أتيت إلى نيويورك واجهت الكثير من المشاكل والصعوبات المتعلقة بأمور الهجرة، إضافة إلى أنّ بناء حياة جديدة يتطلّب تحديات منك كثيرة. ظروف الحياة كلها أبعدتني تدريجاً عن الرسم، وما أقوم به اليوم هو الكتابة. لكنّ الرسم مازال حاضراً فيّ وأتمنى العودة إليه في أقرب وقت.

- ما الذي أكسبتك إيّاه الحياة في أميركا؟
جعلني المنفى القسري أجد هويتي الإنسانية وأعثر على صوتي الضائع. منحتني حياتي الجديدة الحرية التي أحتاجها للكتابة. ولدينا مثل في إيران يقول: إن أراد الله، الظروف السيئة قد تتبدّل فجأة لتصير هي حظوظك المطلقة. وأنا أعتقد فعلاً بهذه الحكمة.

- كيف تبررين حضور أمّك البارز في مذكراتك؟
أمي كانت إمرأة حكيمة وشجاعة وفريدة في شخصيتها واستشرافها المستقبل. كانت تحبّ الشاه ولم تخفِ ذلك حتى عند إعلان شرارة الثورة الإيرانية ووقوف الكثيرين بجانب الثوّار.
كانت قوية لكنها لم تكن تشكل خطراً على الثوار أو تهديداً للأمن القومي. الثورة كانت آتية لا محالة، إلاّ أنها لم تكن متفائلة بمستقبل تلك الثورة. وما حصل بعد سنوات أكد نظرتها لأنّ إيران اختلفت فعلاً ولم تعد تلك الدولة التقدمية المزدهرة اقتصادياً... أعتقد أنّ الأمور لن تبقى كما هي عليه اليوم، بل ستتغيّر نحو الأفضل.

- كيف تقوّمين صورة المرأة الإيرانية اليوم؟
المرأة الإيرانية هي دائماً في مقدمة كل التطورات التي تشهدها البلاد. شجاعة جداً ومثقفة ولا تخاف المطالبة بحقوقها، بل تكافح من أجل الحصول عليها. إن نسبة النساء الإيرانيات اللواتي يدخلن الجامعات هي أكثر من 60%، وهي نسبة مرتفعة نسبياً.
وهنّ بمعظمهن يعملن ويشاركن في الإنتاج وفي الحركة الثقافية والإجتماعية والسياسية. ورغم الصعوبات التي تواجهها، يمكن القول إن المرأة في إيران ما زالت نموذجاً يُحتذى به، وهذا يعود إلى حجم المنجزات التي حققتها.

- تكتبين باللغة الإنكليزية، ولكن بأي لغة تفضلين القراءة: الإنكليزية أم الفارسية؟ ما هي أنواع الكتب هي المفضلة لديك؟
أقرأ باللغتين الفارسية والإنكليزية. وبحكم عملي ككاتبة وصحافية أقرأ كلّ شيء، السياسة والأدب والتاريخ... لكنني بصراحة أضع الكتب السياسة والأدبية والإجتماعية في كفة، وكتب الفنون والأزياء والموضة في الكفة الأخرى. أعشق كل ما يتعلّق بالموضة، سواء في الفنون أو الأزياء، وأتابع كلّ الإصدارات الجديدة في هذا المجال.

- ما هي مشاريعك الجديدة؟
أحضر اليوم لمجموعة قصصية جديدة مستوحاة من حكايات حقيقية. وكتاب آخر عن أفغانستان، وهو عبارة عن مذكرات من تغطية قمت بها في أفغانستان والمنطقة.