«الغرافيتي» في السعودية: بين النظرة الاجتماعية وإصرار الشباب

الغرافيتي,الدولة السعودية,المجتمع السعودي

معاذ العمري - جدة 27 سبتمبر 2014

تتباين النظرة السعودية إلى شبان فن الغرافيتي الذي يتمثل في الرسم على الجدران، بين الإعجاب والرفض، فالأول يعدّهم مبدعين، يزيلون لغة الصمت عن جدران المدينة، فيما يصفهم الآخرون بالمعتلِّيّن النفسيين، مستدلين ببعض الرسوم التي تصور بشراً أو حيوانات مرعبة. ويعتبر الغرافيتي من أهم الوسائل التي تتيح التعبير عن مكنون ذلك الإنسان وترجمة ما يدور داخله وما يشعر به. وكما أشار إليه أحد النقاد، أن قوة ظهوره كانت ستينات القرن الماضي في مدينة نيويورك، بإلهام من موسيقى الهيب هوب، معتقداً أن ذلك الفن كان موجوداً منذ القدم، في الحضارات الإغريقية والفرعونية والرومانية. «لها» سلّطت الضوء  في هذا التحقيق، على الشباب السعوديين ممن احترفوا فن الغرافيتي، كنوع من أنواع التعبير عن الذات، لإظهار مواهبهم في ظل المحفزات والمعوّقات التي تواجههم من المجتمع السعودي.

تعتبر الكتابة على الجدران ظاهرة اجتماعية قديمة، إذ خضعت الجدران للرأي والمعارضة والإصلاح والسخرية، ليتحول الغرافيتي إلى فن في الآونة الأخيرة، في شكل رسائل سياسية واجتماعية، وشكل من أشكال الدعاية في بعض الدول الأوروبية التي أنشأت شركات للاهتمام بهذا الفن وتصنيع الأدوات للرسامين والهواة. ويعتبر أيضاً فناً حديثاً، إذ دخل صالات العرض العالمية. وعلى رغم انتشار الغرافيتي في المجتمعات العربية مع الربيع العربي وفي السعودية أخيراً، ما زال أفراد المجتمع ينعتون هواة هذا الفن بالمرضى النفسيين وينعتون فنهم بالتخريب، مطالبين بإيجاد حلول للحد من هذه الظاهرة.
 

مودة محتسب: مواقع التواصل علّمتني المزيد

لا تستطيع الشابة مودة محتسب النزول إلى الشارع والرسم أمام العامة، فمارست هوايتها على سطح منزلها، بتشجيع من عائلتها. تقول: «دعم العائلة كان محفزاً قوياً لي ومشجعاً لاستمرار هوايتي وتطورها، إذ أن سفري إلى ماليزيا أكسبني خبرة متنوعة في مجال الغرافيتي». وتشير إلى أن «مواقع التواصل الاجتماعي وفّرت لي الفرصة لتعلّم المزيد عن هذا الفن». وأكدت أن انضمامها إلى مجموعة «ضاد» الشبابية ساهم في إثرائها معرفياً «إذ تعلمت معهم استخدام البخاخات المتخصصة في الرسم، والأنواع المميزة من الطلاء، إضافة إلى المشاركة الفعّالة في نشاطات المجتمع المختلفة والرسوم الهادفة. لم أصل حتى الآن إلى مرحلة الاحترافية في الغرافيتي، إذ ما زلت هاوية وخبرتي لا تتجاوز الأربع سنوات».
 

مريم أبو شال: أسعى لنشر صورة جيدة عن فن الغرافيتي

تقول الرسامة مريم أبو شال أن المجتمع لم يتقبل فكرة الرسم والكتابة بالغرافيتي، لافتة إلى  أن «النظرة إلى هذا الفن بدأت تتغير في السنتين الأخيرتين». وأكّدت أنها تطمح إلى «درس كل أنواع الرسم، ونشر صورة حسنة عن الغرافيتي الذي ظلمه الناس، إضافة إلى تحفيز الفتيات لممارسته واتخاذ الطرق الصحيحة لذلك».
 

مريم: الأفكار المحبطة أحد أسباب توقف الفتيات عن هذه المغامرة

تروي مريم التي تدرس بكالوريوس علم الأحياء في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، بدايتها في الرسم عام 2008، وكانت تستفيد من مجلات الرسم والمسابقات التي تنفذ في المدرسة وفي المراكز التجارية، مشيرة إلى أنها رسمت على جدران المنزل لكنها تداركت ذلك بمسحها التشويه. وأضافت: «تميز خطي في الكتابة، كان أحد الأسباب التي ساعدتني على تنمية الموهبة، إذ بدأت أبحث عن الخطوط العربية وأطوّرها لتصبح حروفاً بطريقة خاصة، واستفدت كثيراً من التعليم الذاتي بمشاهدة مقاطع اليوتيوب، حتى أصبحت متمكنة من الغرافيتي في شكل أفضل عام 2010». وأشارت إلى أن نسبة الفتيات اللواتي يرسمن الغرافيتي «لا تتجاوز الخمسة في المئة مما يدل على أن المسابقات اقتصرت على الشبان».
 

عبد العزيز الغامدي: المجتمع السعودي لا يلتفت إلى متطلبات الشباب وهوايتهم

من جهته، أبدى عبد العزيز الغامدي استغرابه من عدم استيعاب المجتمع السعودي متطلبات الشبان وهواياتهم وتحقيق رغباتهم، بتخصيص أماكن للرسم على الجدران، وممارسة الغرافيتي الذي أصبح أحد أنواع الفن الحديث في العالم. ويروي قصته مع حب الرسم والكتابة منذ أن كان في السابعة من عمره حتى وصل إلى المرحلة الجامعية، إذ بدأ رسم صور أصدقائه في الفصل الدراسي، حتى أصبح من أحد هواة الرسم على الجدران في الأماكن العامة، لكنه وجد الرعاية من أهله والدعم، وصمم على مسح الجدران التي شوهها سابقاً.
 

خالد الشهراني: الكتابة على الجدران هواية عديمي الثقة

ووصف خالد الشهراني، وهو أحد المعلمين في إحدى مدارس جدة، ممارسي هواية الكتابة على الجدران بعديمي الثقة، ويعانون صعوبة في التعبير عن خبايا ذاتهم، مؤكداً أن «تعبيرهم لا يتّفق مع السياق العام للقيم المدرسـية والاجتماعية، لأن الكتابة على جدران المدرسة أو في دورات المياه، تشير إلى تدني مستوى العلاقات بأبعادها المختلفة بين الطالب وأفراد المجتمع. وتكمن صعوبة القضاء على الحالات الفردية لهذه الظاهرة في كونها تمارس في شكل سري، وبعيداً من أعين الرقابة المدرسية»، مطالباً المدارس باستحداث برامج وقائية عامة وبرامج علاجية خاصة، للحد من سلبية هذه الظاهرة على الفرد والمجتمع.
 

عبد الرحمن السالم: المجتمع العربي لم يعرف الغرافيتي إلا حديثاً مع «الثورات» العربية

أرجع عبد الرحمن السالم  سبب كره المجتمع لفن الغرافيتي وعدم اهتمامهم بالشبان «إلى الممارسات الخاطئة من بعض الهواة، والتعبير العشوائي كالكتابات البذيئة التي ترضي صاحبها في بعض الأحيان، فكتاباتهم وسيلة للشهرة، وإضاعة الوقت خارج المنزل من دون فائدة.  والمجتمع العربي لم يعرف الغرافيتي إلا حديثاً، خصوصاً مع الثورات العربية التي برزت في شكل أكبر في مصر وتونس واليمن، التي شهدت من الرسوم الغرافيتية الكثيرة على جدران المدن، والشعارات».
 

مصعب الفرحان: جناية يجب معاقبة مرتكبها لإتلافه الممتلكات العامة

ويرى مصعب الفرحان أن الكتابة على الجدران «جناية في حد ذاتها تتطلب معاقبة مرتكبها، إذ إن إتلاف الممتلكات العامة والتعدي على الممتلكات الخاصة، ظاهرة يجب القضاء عليها»، مشدداً على «التحريات والاستدلالات للإمساك بالجاني، وتغليظ العقوبة على مرتكبها بإصلاح الضرر الذي أحدثه وتغريمه مادياً، وأطالب بالحل الفوري من الجهات المعنية لظاهرة الكتابة على الجدران التي طالت المساجد، لأنها أصبحت عنواناً للمجتمع السعودي الذي شوهه البعض في الأماكن العامة مع تهاون وتقصير من الجهات المسؤولة».
 

الجمعية السعودية للثقافة والفنون مستعدة لتبني الفكرة بشرط تحديد الأماكن

 من جهتها، أبدت الجمعية السعودية للثقافة والفنون استعدادها لدعم فن الغرافيتي والشبان الموهوبين، شرط أن تحدّد وزارة البلديات أماكن خاصة لممارسته، إضافة إلى عدم التعدي على أملاك الغير، مؤكدة أن شبان الغرافيتي لا يحتاجون إلى اعتراف من الجمعيات بمواهبهم وفنهم، بعدما أصبحوا علامة فارقة في العالم العربي.
 

سلطان البازعي: يجب تقنين ذلك الفن بالتعاون مع الأمانات حتى لا يصبح فناً تخريبياً

قال رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للثقافة والفنون سلطان البازعي إن الغرافيتي لا يحتاج إلى اعتراف من جمعية الثقافة والفنون، ولا تمثل الجمعية معوقاً يقف أمام شبان هذا الفن، موضحاً أن «مشكلة هؤلاء الهواة تكمن مع وزارة البلديات في المدن والمناطق. فبعضهم يمارس الرسم على جدران الممتلكات العامة والممتلكات الخاصة، ومن لديه موهبة الرسم يستطيع أن يستفيد من برامج الجمعية السعودية للثقافة والفنون». ويضيف: «لا تحتوي الجمعية على قسم للغرافيتي في كل فروعها، إذ أن هذا الفن يمكن أن يندرج تحت الفنون التشكيلية والبصرية». وفي ما يخص اعتراض بعض الاستشاريين النفسيين على فن الغرافيتي، بأن ممارسيه يعانون أمراضاً نفسية، اعتبر البازعي أن «تلك الأقوال ليست صحيحة، فليس كل من يمارس الرسم لديه مشاكل نفسية».
 

الشهري: الكتابة على الجدران الأقل ضرراً من السلوكيات الأخرى كالمخدرات والإرهاب

وقالت الاختصاصية النفسية زينة الشهري إن «من يتعمّد التخريب بالكتابة على الجدران غير المخصصة للكتابة، يعاني ضغوطاً، إما أن تكون نتيجة لردة فعل ما أو تخريباً للممتلكات العامة، لتكون هذه التعبيرات رسالة موجهة إلى المجتمع بإثبات الذات، والقدرة على العمل في شكل سلبي، وجلب الاهتمام وتسليط الضوء عليه».  مُعتبرة أن «الكتابة على الجدران من السلوكيات الأقل ضرراً من غيرها، إذ إن السلوكيات الأخرى كالمخدرات والإرهاب والإضرار بالمنشآت الحكومية، تعد أخطر منها بكثير وأوجدت لها الحلول من الجهات المسؤولة».  ودعت إلى «إيجاد أماكن ترفيهية، مناسبة لممارسة هوايات الرسم، وتوفير بدائل عن الجدران ومشاركة الشبان في النشاطات الاجتماعية والمتنوعة كنوع من إحساسهم بالمسؤولية ومساعدتهم على اتخاذ قراراتهم الشخصية».