بين مؤيد ورافض: المغتصبة بكر في عقد الزواج؟!

مغتصب,الزواج,علماء الدين,فتوى,د. سعاد صالح,د. مهجة غالب,د. عبلة الكحلاوي,د. محمد رأفت عثمان,د. محمد عبد المنعم البري

أحمد جمال (القاهرة) 09 نوفمبر 2014

جدل فقهي أثارته فتوى جريئة لمفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، بضرورة معاملة المغتصبة من الناحية القانونية والقيد في قسيمة الزواج على أنها «بكر»، وأيدها بعض علماء الدين في حين عارضها آخرون، واستند كل فريق إلى أدلة شرعية في موقفه، فماذا قالوا؟

بدأت القضية باتصال من أسرة إحدى المغتصبات بالدكتورة سعاد صالح، أثناء تقديمها برنامجها «فتاوى النساء» في إحدى القنوات الفضائية، وطلبوا منها حكم الشرع في ما تعرضت له ابنتهم التي اغتصبها عدد من الذئاب البشرية الذين تم الحكم عليهم بالإعدام، وهل يمكن تسجيلها عند المأذون على أنها «بكر»، بخاصةً أنه تقدم لها من يريد الزواج منها، وهل يعد هذا غشاً أم إنصافاً لضحية فقدت عذريتها رغما عنها؟ وهل الأفضل مصارحة المتقدم للزواج أم إجراء عملية رتق لغشاء البكارة استناداً إلى فتوى الدكتور علي جمعة، مفتي مصر السابق، في إعمال مبدأ الستر؟
تفاعلت صالح مع القضية وأفتت قائلة: «الإسلام دين يحبذ الإنصاف ويمقت الظلم، ولهذا يجوز شرعاً معاملة من فقدت عذريتها رغماً عنها، بسبب اغتصاب حقيقي كامل الأركان، قضائياً من خلال أوراق المأذون على أنها بكر، وذلك رفقاً بها ورأفة بحالها، حتى لا يتم قتلها معنوياً مرة أخرى بمحاسبتها على جريمة هي ضحيتها».
وعن الأدلة الشرعية التي استندت إليها، قالت: «للاغتصاب الحقيقي أحكام، ولهذا لا بد من تعريفه حتى نستبعد الدخيلات عليه من المنحرفات أخلاقياً اللواتي قد يدعين أنهن مغتصبات مع أنهن في الحقيقة غير ذلك، بل تساهلن في أعراضهن ولم يبتعدن عن مواطن الشبهات والإغراء والإثارة. ولهذا يعرِّف اللغويون الاغتصاب على وزن افتعال من غصب، والغصب هو أخذ الشيء ظلماً، ولهذا يقال غصبه منه وغصبه عليه وغصب فلاناً على الشيء أي قهره ظلماً وعدواناً، ويقصد به الإكراه على الجُماع المحرم، أو بمعنى صريح فإن الاغتصاب هو الإكراه على الزنى أو ارتكاب الفاحشة، ولهذا على الضحية تحرير محضر في الشرطة يتضمن كل الملابسات الصحيحة التي تؤكد أنها مغتصبة ، بعيداً عن التحايل أو المجاملة».
وأشارت صالح إلى أن التي تكون ضحية الاغتصاب بالمواصفات السابقة تستحق الرفق من البشر كما يرفق الله بها، حيث قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». وقد روي أن امرأةً استكرهت على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فدرأ عنها الحد، كما روى الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن ربه في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا»، وقد وصف الرسول (صلى الله عليه وسلم) ربه فقال: «إن الله رفيق يحب الرفق ويرضاه ويعين عليه ما لا يعين على العنف».
وأكدت الدكتورة سعاد أنها كانت قد أفتت من قبل بعدم جواز رتق غشاء البكارة باعتباره نوعاً من الغش والتدليس، ثم تراجعت إلى جواز الرتق للفتاة التائبة توبة صادقة للستر، لأن الإسلام دين يحبذ الستر على التائبة وعدم إغلاق الباب عليها حتى لا تكون فريسة لشياطين الإنس والجن، ولهذا قال الله تعالى: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (آية 53) سورة «الزمر».

الرفق بالضحية

توافقها في الرأي الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، التي قالت: «الإسلام دين عنوانه الرفق والبحث عن حلول عملية للمشكلات، بحيث لا يجمع على المسلمة المظلومة كربين، أولهما كرب الاغتصاب وهو تجربة مريرة، وثانيهما معاملتها على أنها «ثيب» وكأن ما تم معها كان بإرادتها واختيارها، وهذا يتنافى مع قول النبي، (صلى الله عليه وسلم): «من أُعطي حظه من الرفق، فقد أُعطي حظه من الخير، ومن حُرم حظه من الرفق، فقد حُرم حظه من الخير».
 وأوضحت أن الترجمة العملية للرفق «تكون بمعاملة المغتصبة على أنها «بكر»، سواء من خلال الأوراق الرسمية مثل قسيمة الزواج، أو حتى نظرة المجتمع الذي عليه أن يتعاطف معها ولا يقتلها معنوياً من خلال نظرات الاتهام وتحميلها مسؤولية الاغتصاب، رغم أنها الضحية المجني عليها وليست الجانية».
وعن جواز إجراء المغتصبة عملية رتق لغشاء البكارة، قالت الدكتورة مهجة: «أرى أنه تجب معاملة كل حالة على حدة وفق ظروفها وظروف بيئتها ومدى تقبل المجتمع الذي تعيش فيه لذلك، وكذلك مدى تقبل الراغب في الزواج منها لذلك، ولهذا لا يجوز أن يكون الحكم عاماً في عملية رتق غشاء البكارة، وإنما لكل مقام مقال، لأن هذا الأمر قد يكون مقبولاً في المدن ومرفوضاً في البيئات الريفية أو البدوية، وبالتالي إذا تعذر إجراؤها عملياً، فليكن إنصاف المجتمع لها بمعاملتها على أنها «بكر» من خلال الأوراق الرسمية». 
وأنهت كلامها بتأكيد وجوب معاملة المغتصبة برفق ولطف، وأن يتأمل أفراد بيئتها قول الله تعالى لرسوله (صلى الله عليه وسلم) ولأمته من بعده: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ، فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ، فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ، إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» (آية 159) سورة «آل عمران».

الإنصاف القانوني

وتشير الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في بور سعيد، إلى أن المغتصبة الحقيقية إنسانة تم ذبح عذريتها غدراً، ولهذا فهي في حاجة إلى كنف رحيم ورعاية فائقة حتى يتم علاجها نفسياً مما تعرضت له، ومن هذا العلاج أن يرفق بها المجتمع الذي قصر في حمايتها قبل الاغتصاب، من خلال معاملتها على أنها «عذراء» وليست « ثيباً» في الأوراق الرسمية، وبموجب شهادة طبية من الطب الشرعي وكذلك محضر الشرطة بتفاصيل الواقعة.
وتضيف: «تجربة الاغتصاب وقعها النفسي على المرأة الحرة العفيفة أشد من القتل، ولهذا فهي في حاجة ماسة إلى العطف عليها والود في معاملتها، وهكذا كان قلب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مع الناس، وبخاصة المظلومين الضعفاء، ولهذا كانت وصاياه بالنساء دائماً حتى وهو على فراش الموت، حيث قال: «وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا».
  وأنهت الدكتورة عبلة كلامها بأن قضية رتق غشاء المغتصبة خلافية بين الفقهاء، وكل فريق له أدلته الشرعية، وكل منها صحيح شرعاً، لأن كل فريق نظر إلى القضية من زاوية معينة، ولهذا يجب إحالة القضية إلى المجامع الفقهية لمعالجة هذا الجدل. وأضافت: «أنا شخصياً أتعاطف مع حالة المغتصبة لأنها تختلف تماماً عن التي فقدت عذريتها بسبب انحرافها الأخلاقي، فمثل هذه المنحرفة لا نبيح لها الرتق، أما المغتصبة فقضيتها مختلفة جملة وتفصيلاً، وفي حاجة إلى التعاطف معها من خلال التعامل القانوني على أنها «آنسة» في حاجة إلى الرفق بصورة حسية مجسمة لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): «من يحرم الرفق يحرم الخير كله»، ووصفه الحكماء بقولهم: «الرفق في الأمور كالمسك في العطور».

الستر مبدأ إسلامي

أبدى الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر والعميد السابق لكلية الشريعة والقانون، تعاطفه الشديد مع المغتصبات اللائي تم استلاب عذريتهن من دون ذنب، وتركهن الذئاب يعانين ويلات النظرات القاتلة من المجتمع، ولهذا يجب أن يحميها سيف القانون من القتل المعنوي مرة أخرى بالنظر إليها على أنها «ثيب»، وبالتالي يكون تكفير المجتمع عن تقصيره في حمايتها الاعتراف القانوني بأنها «عذراء» في وثيقة الزواج أو أي تعامل قانوني.
وأضاف عثمان: «يكفي المغتصبة ما عانته بدنياً ونفسياً بسبب الاغتصاب على يد ذئاب بشرية لم ترحم عفتها، ولهذا فهي في حاجة إلى يد حانية ورفق وعطف لعلاجها نفسياً وإعادة تأهيلها، ولنتأمل هنا قول النبي (صلى الله عليه وسلم) لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «عليك بالرفق، إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه».
وأنهى كلامه مؤكداً تأييده إجراء عمليات رتق غشاء البكارة للمغتصبة الحقيقية دون غيرها، لأن في هذا إعمالاً لمبدأ إسلامي أصيل هو «الستر»، ولا شك في أن الستر هنا منطلق من الرفق الذي يحبه الله، حيث قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إن الله تعالى يحب الرفق في الأمر كله»، ومن يقرأ في السيرة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين سيجد الستر مبدأ إسلامياً أصيلاً وبخاصةً في ما يتعلق بالأعراض، فقد روى ابن عباس عن عمر بن الخطاب أن امرأةً كادت تموت من العطش واستسقت راعياً فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها ففعلت، فرفع ذلك الأمر إلى عمر، فقال لعلي بن أبي طالب»: ما ترى فيها؟. قال الإمام علي: إنها مضطرة، فأعطاها عمر شيئاً وتركها»، فهذه ترجمة عملية لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): «إن الله رفيق يحب الرفق ويرضاه ويعين عليه ما لا يعين على العنف».

كذب مرفوض

أما الدكتور محمد عبد المنعم البري، الأستاذ في كلية الدعوة الإسلامية - جامعة الأزهر، فيصف السماح بقيد المغتصبة في الوثائق الرسمية، مثل قسيمة الزواج أو غيرها، على أنها «بكر» تعاطفاً معها، ومن ثم إجراء عملية رتق لغشاء البكارة، بأنه «معالجة الخطأ بخطأ أكبر منه، لأنه قائم على الغش والكذب والتدليس، وهذه أخلاق يمقتها الإسلام وأضرارها أكبر من منافعها بكثير، إذا ظننا أن في الكذب والخداع فائدة».
وتساءل: «إذا سمحنا لمن تعرضت للاغتصاب، سواء كان حقيقياً أو انحرافاً أخلاقياً من المرأة ثم ادعاء الاغتصاب، فماذا نقول في الأدلة الشرعية التي تمقت الكذب، ومنها قول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ» (آية 119) سورة «التوبة»، وكذلك قول الله تعالى: «فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ» (آية 21) سورة «محمد»، وقول النبي (صلى الله عليه وسلم): «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذبُ حتى يكتب عند الله كذاباً».
وأضاف وأضاف البري: «إذا افترضنا في أحسن الأحوال أن القضية خلافية– رغم تحفظي على ذلك– أليس من الأفضل تطبيق قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة»، وقول رسـول الله (صلى الله عـليه وسلم) أيضاً: «إن الحلال بيِّن وإن الحـرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه، ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه، ألا وهي الـقـلب».

غشّ وتدليس

يتفق معه في رفض معاملة المغتصبة كالبكر أو السماح لها بإجراء عملية رتق لغشاء البكارة الدكتور محمود مزروعة، العميد السابق لكلية أصول الدين في المنوفية، فيقول: «من المعروف أن الصدق أقرب وأفضل الطرق للوصول إلى الحق، في حين الإسلام يرفض الكذب حتى لو في المزاح، ولهذا قال النبي (صلى الله عليه وسلم): «ويل لمن حدَّث فكذب ليضحك به القوم ويل له، ثم ويل له، ثم ويل له- ثلاث مرات». وقال النبي كذلك محذراً الماكرين المخادعين: «المكرُ والخديعةُ في النَّار».
  ودعا مزروعة إلى تأمل موقف النبي من الغش في البيع، فما بالنا بالغش في ما يتعلق بالأعراض، وهذا بلا شك أبشع وأكثر حرمة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله مرَّ على صُبْرةِ طعامٍ فأدْخَل يدَه فيها، فنَالَتْ أصابعُه بلَلاً، فقَال: «ما هَذا يا صَاحِبَ الطِّعَام؟!» قال: أصَابتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ الله، قال: «أفَلا جعلْتَهُ فوْقَ الطَّعامِ كي يرَاهُ النَّاس؟! مَنْ غشَّنا فليْسَ منَّا».
  وأنهى كلامه مؤكداً أن المغتصبة، إذا صدقت في عرض حالتها ورضيت بقضاء الله، فلا شك في أن الله سيرزقها من يتعاطف معها ويتزوجها ويكرمها، فضلاً عن أنها ستنال الأجر العظيم من الله على صبرها على إيذاء الذئاب المغتصبين وما قد تتعرض له من بعض أفراد المجتمع، ويكفيها أن تكون ممن قال الله تعالى فيهم: «وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» (الآيات 154- 156) سورة «البقرة».