تفاصيل «غير بريئة» في «لوفت الأبرياء»!

تفاصيل,أثاث عصري,المنزل,الديكور,غرف المنزل,الوسائد,الصالو,الصالونات,غ,قاعة /صالة / غرفة إستقبال,قاعة /صالة / غرفة الحمام,قاعة /صالة / غرفة جلوس,قاعة /صالة / غرفة نوم

نجاة شحادة (باريس) 08 نوفمبر 2014

من مظاهر «اللوفت» اللافتة حيوية فضاءاتها ورحابتها وإكتناز أجوائها لروح شبابية نشطة ومتدفقة. غير أن هذه المظاهر تبقى قاصرة عن الأحاطة بكل أبعاد هذه الأمكنة التي باتت مطلوبة، وبكثرة، في المدن كما في ضواحيها.
والحديث عن الرحابة لا يعني بالضرورة إتساع المساحة بقدر ما يعني تنسيقات داخلية تتجنب الفواصل والحواجز والجدران، مما يمنحنا الشعور بحرية التحرك وإستثمار الأنفتاح في ضخ حيوية متجددة تستدعيها طبيعة الحياة العصرية ويومياتها المكتظة.


هذا بشكل عام ما يمكن قوله عن «اللوفت»...  ولكن حين نكون أمام «لوفت الأبرياء» فإن أشياء كثيرة تستدعي الوقوف أمامها والحديث عنها بلا توقف.
فهذه “اللوفت” هي عبارة عن شقة لا تزيد مساحتها عن 80 متراً مربعاً، عمل على إبتكارها المهندس فريديريك فلانكار في إطار تجديد كامل لهذه الشقة بعد حريق المبنى الواقع في قلب العاصمة الفرنسية باريس.

ومثلما شكلت الشقة نهاية شيقة لقصة مليئة بالتحدي، فإن بدايتها لا تقل تشويقاً...
في أيلول/سبتمبر 2009 بدأ المشوار الذي رسم ملامح هذا «المشروع» الذي لا يشبه غيره من المشاريع.

لندع فريديريك يروي الحكاية على طريقته: «البداية كانت في تلك اللحظة التي إستقرينا فيها على السطح، أو على الأقل ما تبقى منه. المبنى كان قد تعرض في معظمه الى حريق كبير قبل سنة.
بعد معاينة المشهد، سرعان ما تحولت التوقعات الى تحد متهور: تصور فضاء حر وتنفيذه. كان السلم المؤدي الى الدور السفلي نصف محترق، وكانت لا تزال تظهر بقايا من الدعامات الخشبية الضخمة التي تستخدم في الدور الأخير «الروف».
وكان المشهد الذي يتيحه هذا المكان فريداً في إطلالته المثيرة على باريس بزاوية تصل الى 360 درجة. وكان صاحب المكان يريد شيئاً جديداَ، طموحاً وخلاقاً، من أجل أن يفتح صفحة جديدة من كتاب حياته بعد أن أمضى 10 أعوام في هذه «اللوفت».

كان القلق الذي تظهّر منذ البداية ينطلق من إهتمامنا بأمرين أساسيين: مواصفات التنفيذ ذات الجودة العالية والمخططات التي تعنى بأدق التفاصيل.
لم يغب شبر واحد من مساحة المكان دون أن يحظى بالمقدار اللازم من الاهتمام والدراسة والتفكير. كان الهدف هو خلق مساحة مفتوحة ومضيافة، مع إمكانات كبيرة للتنسيق والتخزين من دون أن تشكل معوقات تؤثر على الحركة المريحة على كامل المساحة.
وبسرعة ملحوظة توصلنا الى فكرة محددة تتلخص في إنجاز مكان هادئ ومريح أثناء النهار، وقابل للتحوّل الى مكان فيه الكثير من الغموض وأتاحة المرح والسرور أثناء الليل».

بعد 18 شهراً أصبح الحلم حقيقة. وبشكل طبيعي طويت الورقة من خلال ولادة مساحة تم ترويضها بشكل مدهش، حيث تتوزع وحدات التخزين في كل ركن، مستقيمة أو مائلة، تبعاً لـ «عشوائيات» هندسية مثيرة.
خطوط نقية تبرز التفاصيل، وتعكس مشاعر خاصة، لا تغيب عن كامل المساحة... مساحة مسكونة بالبساطة والضوء والوضوح.

الشقة التي تم تعميدها بإسم «لوفت الأبرياء» تبدو مدهشة في مظهرها العام كما هي في تفاصيلها الكثيرة التي أثرت أجوائها بروح حداثية موشاة ببعض الخطوط الأصيلة، مثل تلك الدعامات الخشبية العملاقة المتروكة بألوانها الأصلية ليس فقط من أجل المحافظة على ملامحها الأصلية وفجاجتها الأولى، وأنما أيضاً من أجل محاكاة الأرضيات الخشبية البالغة النعومة، حيث تولّد تلك المواد المتشابهة تناقضاً مفاجئاً لا يخلو من الإدهاش.
وقد سمحت الجدران البيضاء في تلطيف الخطوط الهندسية عشوائية المنشأ، كما أضافت الى الأضواء الطبيعية المنسربة عبر النوافذ الكثيرة، مدى آخر تحتاجه المساحة المحدودة ويشكل في الآن نفسه مناسبة لأثاث بارع الاختيار وبالغ البساطة والأناقة، يوزع من خلال بعض قطعه وبعض أكسسواراته لوناً أحمر يمنح المكان حيوية شبابية مطلقة، ومن دون مبالغة.

الهدوء الذي يخيم على المكان في النهار، يتحول بضغطة زر الى دعوة للصخب والسهر وتمضية الأمسيات الممتعة، ذلك أن الغضاءة غير المباشرة والتي تبث لوناً حاراً الى فضاء المكان، أتاحت لصاحب الشقة وزواره التمتع بجلسة نادرة تطل على باريس في الليل فتتداخل أضواء المدينة مع إضاءة «اللوفت» لتختلط المساحات وتتوحد في فضاء فريد.

على أن ما يثير الدهشة والأعجاب في «لوفت الأبرياء» هو تلك البساطة المترسخة من خلال تفاصيل «غير بريئة» على الأطلاق.