فتوى أثارت ضجة: الزواج العرفي حلال

فتوى,الزواج,الزواج العرفي,د. عبلة الكحلاوي,د. عفاف النجار,د. علي جمعة,د. أحمد عمر هاشم,د. سعاد صالح

أحمد جمال (القاهرة) 23 نوفمبر 2014

ما إن أعلن مفتي مصر السابق الدكتور علي جمعة، أن الزواج العرفي حلال، حتى ثارت ضجة وأطلق البعض تحذيراته من انتشار هذا الزواج أكثر بعد الفتوى.
فما الذي قصده المفتي السابق بفتواه؟ وماذا يقول علماء الدين عن تلك الفتوى المثيرة للجدل؟

في برنامجه «والله أعلم»، الذي يقدمه على إحدى القنوات الفضائية، قال مفتي مصر السابق الدكتور علي جمعة: «رغم أن للزواج العرفي بعض المآسي الاجتماعية، لكن المستوفي منه أركانه بالقبول والإيجاب، والخالي من الموانع الشرعية، والمشهر بإثنين ومعرفة الولي بالزواج يعتبر حلالاً».

وأضاف أن بإمكان المرأة الزواج من دون مأذون أو وثيقة زواج لأسباب خاصة بها، مثل عدم قطع المعاش عن الأرملة، وليس في ذلك تحايل على القانون. وهناك جامعات تبحث عن  ثغرات في القانون من أجل استفادة المواطنين، ولهذا، إذا أرادت  المرأة العفاف والزواج وهي أرملة، وتخشى انقطاع المعاش بعد زواجها الرسمي عند المأذون، فمن الممكن زواجها عرفياً للحيلولة دون انقطاع المعاش، لأن الزواج بكل أشكاله عندما يستوفي الشروط والأركان فهو حلال.

وأكمل جمعة: «لكن يمكن أن يساء استغلال هذا الزواج، كأن يتزوج شاب من بنت عرفياً وعندما تحمل منه يتركها بحجة أن الزواج العرفي حرام. وفي الحقيقة أن ما تحمله الفتاة في بطنها هو ابنه الذي سوف يرثه، ولا يمكننا أن نقول في هذه الحالة إن هذا جنين زنى، حتى لا تقع البنات في مشكلة».

وأشار إلى أن الزواج العرفي بين طلبة الجامعات صحيح شرعاً وليس زنى، لكن تترتب عنه أضرار على المجتمع، خصوصاً في حال إثبات النسب، لأن هناك من يستغله استغلالاً خاطئاً. ودلل إلى ذلك بأنه إذا اغتصب أحد ماءً ملك أحد آخر بغرض الوضوء للصلاة، فصلاته صحيحة لكنه اقترف ذنباً آخر باغتصاب الماء وعليه دفع ثمنه.

علاقة غير شرعية

تتفق الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في بورسعيد، مع ما أفتى به الدكتور علي جمعة، مؤكدة أنه «يبين حكماً شرعياً محضاً، لكن المشكلة فينا، لأننا أضعنا تعاليم الإسلام واستحللنا الحرام. بدليل أنه أيام الرسول (صلى الله عليه وسلّم) وصحابته الكرام والتابعين وتابعي التابعين، كان الزواج من دون مأذون أو توثيق».

وطالبت الكحلاوي المجتمعات الإسلامية بالعودة إلى تنفيذ تعاليم الشرع، «حتى يصلح حالنا، ووقتها لن نجد زواجاً عرفياً بين الطلبة والطالبات، رغم أنه في حقيقته علاقة غير شرعية لافتقاده كل أركان الزواج الشرعي وشروطه. ولهذا لا بد من أن نغير ما في أنفسنا إلى الأفضل، حتى يصلح الله أحوالنا، لأنه سبحانه القائل: «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ» (آية 11) سورة «الرعد».

 وأنهت كلامها بالتأكيد أن «مخالفة القوانين الوضعية ليست بالضرورة مخالفة للشرع، بل لا بد من وضع القانون الوضعي في ميزان الشرع أولاً ثم الحكم عليه. وكذلك لا بد من درس وضع الحالة نفسها، بمعنى أنه إذا كانت الأرملة فقيرة جداً ولديها أولاد وتريد الزواج من رجل فقير فإنه يجوز لها الاحتفاظ بمعاشها من زوجها المتوفى، حتى تنفق على أولادها منه بشكل لائق وكريم».

حلال ولكن

تشير الدكتورة عفاف النجار، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في القاهرة-جامعة الأزهر، إلى أنه يجب تيسير سبل الزواج الشرعي لمحاربة العنوسة، وأن يكون أساس الاختيار الخلق والدين، حتى لا تكثر المشكلات الزوجية، سواء كان هذا الزواج عرفياً أو رسمياً، وتكون النتيجة تزايد حالات الطلاق التي وصلت إلى أرقام مخيفة في مختلف الدول العربية والإسلامية، لأن الزواج قام على أسس غير سليمة بعيدة عن الدين والأخلاق الفاضلة.

وأوضحت أن «للزواج العرفي آثاره الخطيرة على الفرد والأسرة، لكنه كما يقول الفقهاء «مما عمت به البلوى» لكثرة انتشاره، لأننا أغلقنا باب الزواج الشرعي الميسر فجاء إلينا الزواج العرفي بكل ما فيه من أخطار».

وحضّت الشبان والفتيات في المدارس على عدم الفهم المغلوط لفتوى الدكتور علي جمعة، وإنما عليهم أن يسلكوا الطريق الأفضل والأحوط، بأن يتم الدخول إلى الزواج من الباب الصحيح وليس من الشباك، وإلا فإنهم سيدفعون الثمن غالياً، وستكون الفتاة وأسرتها وأبناؤها الضحية، لأن المتزوج عرفياً سيكون تصرفه أقرب إلى الجاني الذي يتنصل من مسؤوليته ويبرر جريمته.

ورفضت سماح الدكتور جمعة للأرملة بالزواج عرفياً لمجرد الحفاظ على المعاش، مؤكدة أن هذا المعاش سيكون بمثابة المال الحرام، أو على الأقل فيه شبهة حرام، والله سبحانه وتعالى يقول لنا: «وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ» (آية 188) سورة «البقرة».   

اعتراض وتحفظ

 يعترض الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر، على التساهل الذي يفهمه البعض من فتوى جمعة، مؤكداً أنه إذا كان من أركان الزواج القبول والإيجاب، فإنه ينبغي أن يكون ذلك في إطار الأسرة الطبيعية للرجل والمرأة، وليس من خلال علاقة ثنائية سرية بعيداً عن أسرتيهما والمجتمع الذي من حقه أن يعرف أن هذا الرجل متزوج من هذه المرأة، حتى لا يظن بهما الظنون السيئة، ويعترف بثمرة هذا الزواج من أولاد شرعيين.

وتحفظ هاشم عن تحليل جمعة للأرملة الزواج من دون مأذون للاحتفاظ بمعاشها من زوجها المتوفى، رغم ما في ذلك من مخالفة للقانون الذي وضعه ولي الأمر أو الحاكم، الذي تعد طاعته واجباً شرعياً لقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا» (آية 59) سورة «النساء».   

وأنهى كلامه بتأكيد ضرورة أن يكون الزواج الشرعي الصحيح أمام اثنين من الشهود العدول، بوجود ولي امر المرأة البكر، أما الثيب فلا يشترط وجود ولي أمرها، وأن تقول الزوجة ردًا على طلب الزوج لها: «زوّجتك نفسي».

تحايل

تشير مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية، إلى أن الزواج العرفي غالباً ما يطلق على الزواج الذي لم يسجل في المحكمة من طريق المأذون الشرعي، وهذا الزواج إن اشتمل على الأركان والشروط ولم يكن فيه أي موانع شرعية فهو زواج صحيح شرعاً، رغم أنه لم يسجل في المحكمة، وهذا في الأوضاع الطبيعية المستقرة، مثل الأسر في البدو أو المناطق الريفية، حيث يعرف الناس بعضهم بعضاً، كما أن هناك التزاماً أكبر بتعاليم الدين.

وأوضحت أن الحكم الشرعي السابق يتحول إلى الحرام أو المكروه على الأقل، إذا ترتبت على هذا الزواج العرفي مفاسد كثيرة، نتيجة انعدام الضمير وخراب الذمم وكثرة المخالفات الشرعية، وهنا تطبَّق القاعدة الفقهية: «درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة».

 وأشارت إلى أن المقصود من تسجيل الزواج في المحكمة صَون الحقوق لكلا الزوجين وتوثيقها وثبوت النسب، وغير ذلك مما يمنع المشكلات ويرفع الظلم أو الاعتداء، لأنه في حالة الزواج العرفي قد يتمكن الزوج أو الزوجة من أخذ الأوراق العرفية وتمزيقها وإنكار الزواج، وهذه التجاوزات تحصل كثيراً وتنجم عنها مآسٍ أخلاقية واجتماعية، وقد تدفع المرأة ووليدها ضريبة هذا التساهل.

وأنهت كلامها برفض تبرير مفتي مصر السابق مخالفة القانون بالسماح للأرملة الزواج العرفي حتى تحتفظ بمعاشها، مع أن هذا التحايل قد يعطي مبرراً للجميع لمخالفة القوانين، وهذا ما يرفضه الشرع الذي أمرنا بالبعد عن أي أمر فيه شبهة وليس مخالفة صريحة للقانون، فقال رسـول الله، (صلى الله عـليه وسلّم): «إن الحلال بيِّن وإن الحـرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه، ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام، كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسـد كله، ألا وهي القلب».

تحذير

يشير الدكتور أحمد حسني، نائب رئيس جامعة الأزهر، إلى أنه سواء كان الزواج عرفياً أو غير عرفي، فلا بد من أن تتوافر فيه مجموعة من الأركان والشروط كي يكون صحيحاً شرعاً. أما الأركان فأهمها الإيجاب والقبول، وأما الشروط فأهمها الولي والشاهدان والصداق أو المهر، لقول رسول الله (صلى الله عليه وسلّم): «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل»، و«أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له»، ومعنى اشتجروا أي تنازعوا أو اختلفوا.

وأضاف: «بسبب كثرة المشكلات القانونية والاجتماعية والنفسية المترتبة على الزواج العرفي، فإننا ننصح بالبعد عنه والحرص على الزواج الصحيح الموثق، الذي يضمن حقوق الطرفين وكذلك أولادهما، وهنا يكون الأفضل الالتزام بقول رسول الله (صلى الله عليه وسلّم): «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك».

وينبّه حسني إلى أن الشبان في المدارس والجامعات قد يتخذون من فتوى الدكتور علي جمعة مبرراً لخداع الفتيات، وارتكاب صور محرمة منكرة من العلاقات غير الشرعية، ويطلقون عليها «زواج»، بأن يلتقي الرجل بالمرأة ويقول لها: «زوجيني نفسك» فترد عليه قائلة: «زوجتك نفسي»، ‏ويكتبان ورقة بذلك، ويعاشرها معاشرة الأزواج بحجة أنهما متزوجان زواجاً ‏عرفياً، ولا داعي للمأذون استناداً إلى أن المفتي قال: «الزواج من دون مأذون صحيح»، ويتم إغفال الضوابط الأخرى التي وضعها المفتي للزواج الشرعي حتى يكون صحيحاً.

طاعة ولي الأمر

توضح الدكتورة آمنة نصير، عضو المجلس القومي للمرأة والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية-جامعة الأزهر، أن الصور الصحيحة للزواج، سواء كان عرفياً أو غير عرفي، ألا يكون فيه ضرر بأحد الأطراف أو بالمجتمع، لقول رسول الله (صلى الله عليه وسلّم): «لا ضرر ولا ضرار»، ولهذا فإن كان في العلاقة بين الرجل والمرأة من ضرر،  فلا بد من مراجعة جوانبها الشرعية ومعالجة ما فيها من أخطاء، حتى تكون وفق الضوابط الشرعية المعتبرة في الزواج المستقر.

وتعجبت نصير من تبرير جمعة للأرملة مخالفة القانون أو التحايل عليه، مع أن طاعة ولي الأمر والالتزام بما يصدره من قوانين واجب شرعاً ومخالفتها معصية، ولهذا قال النبي (صلى الله عليه وسلم): «البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس».

وأنهت كلامها بتحذير الأسر، وكذلك الشبان والفتيات، من الزواج بغير توثيق، لأن في هذا إضاعة للحقوق التي يتم التنصل منها حتى لو كان الزواج مكتمل الشروط والأركان من الناحية الشرعية، لأن هناك من أصحاب الضمائر الميتة والنفوس الضعيفة من يستحل الحرام ويتنصل من الشروط التي تم الاتفاق عليها، ضارباً عرض الحائط بقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ...» (آية 1) سورة المائدة، ومخالفته كذلك لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): «المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحلَّ حراماً».

مخاطرة

يعلق الدكتور محمود مزروعة، العميد الأسبق لكلية أصول الدين في المنوفية، على فتوى جمعة، بالقول: «ظاهرها الرحمة والتيسير وباطنها العذاب والتعسير، بسبب المشكلات الكبرى التي تنجم عنها، لأن الزواج من دون ورقة أو مأذون، رغم أنه حلال شرعاً إذا كان مكتمل الأركان والشروط، إلا أن فيه مخاطرة كبيرة وتضييعاً لحقوق المرأة وأبنائها».

   وأوضح مزروعة أن التوثيق، رغم أنه أمر مستحدث، أصبح ضرورة عصرية للمحافظة على الحقوق والنسب والحكم بالنفقة والطلاق وما يستتبعه من أحكام، وبالتالي تحول التوثيق إلى ضرورة وليس مجرد إجراء إداري، إنما هو ضمانة أساسية للحقوق، ومن ثم يجب تطبيق القاعدة الشرعية القائلة: «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب».

وأنهى كلامه مؤكداً أن هذا الزواج العرفي حالياً لا يثبت النسب، حتى ولو كان صحيحاً شرعاً، فيجب  النظر إلى القضية من مختلف زواياها، وعدم تبرير تحايل الأرملة على القانون حتى تحافظ على المعاش من الزوج السابق المتوفى، خاصةً أن رسول الله )صلى الله عليه وسلم( حذرنا من تضييع الأمانات والحقوق، فقال: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها يا رسول الله، قال: إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة».