الخادمة الأجنبية ووظيفتها الملتبسة!

الخادمة الأجنبية,المجتمع العربي,ربّة المنزل,طفلة,خادمة,اختصاصيي علم نفس,أطفال,الأم والطفل,الاكتئاب,الطفل,رعاية الطفل / الأطفال,قضية / ق

ديانا حدّارة 23 نوفمبر 2014

تكاد ظاهرة الخادمة الأجنبية تكون تقليدًا أو ضرورة عند غالبية العائلات في المجتمع العربي. وبعدما كانت وظيفتها مساعدة ربة المنزل في الأعمال المنزلية، أُوكلت إليها مهمات أخرى من بينها تربية الأبناء.
الأمر الذي يجعل هذه الغريبة الآتية من مجتمع وثقافة مختلفين تشعر بالإرتباك والإلتباس حول المهمّات الموكلة إليها. فبين أوامر تأتيها من سيدة المنزل «أطعمي أحمد»، « خذي جنى في نزهة لم أعد أتحمل صراخها»، «أجلبي كوب ماء»... تجد أن هويتها الوظيفية غامضة تمامًا مثلما أصبحت هوّيتها الإنسانية ملتبسة.


وفي المقابل، تشعر سيدة البيت أمام تصرفات هذه الغربية بالإرتباك، فهي تخشاها أحيانًا ولكن في الوقت نفسه تجد وجودها ضرورة ملّحة، فمن يهتم بشؤون المنزل في غيابها؟! أما الأبناء فبعضهم يتعلّق بالخادمة إلى درجة تصبح بالنسبة إليه الأم البديلة، فيما بعضهم الآخر ينظر إليها على أنها أدنى منه إنسانيًا واجتماعيًا ويتصرف معها بقسوة مطلقة.
لماذا هذا الإلتباس في العلاقة بين الخادمة وأصحاب المنزل؟ لماذا يتعلّق بعض الأطفال بالخادمة فيما بعضهم الآخر يتصرف معها بقسوة وفوقية؟ وقبل توظيف الخادمة ما هي المعايير التي على أصحاب البيت الأخذ بها؟


عن هذه الأسئلة وغيرها تجيب الإختصاصية في علم نفس الطفل كالين عازار.

ما هي المعايير التي على أصحاب المنزل الإستناد إليها في توظيف خادمة؟
قبل اتخاذ قرار استقدام خادمة، على أصحاب المنزل تحديد واجباتها وحقوقها، وأن يدركوا أنها آتية من بلاد بعيدة تختلف في عاداتها وتقاليدها ولغتها، وكما هي غريبة بالنسبة إلى أفراد العائلة فهم أيضًا غرباء عنها.
ومن الطبيعي في بداية عملها أن تصطدم بمجتمع يختلف كثيرًا عن مجتمعها، خصوصًا إذا كانت آتية من الأرياف أو حتى من المدينة، فهي في البداية قد لا تعرف استعمال أي شيء وإن كان بسيطًا، فضلاً عن أنها لا تفهم لغة مخدوميها، علمًا أنها بعد فترة نجدها تتقن بعض المفردات وتستطيع التعبير عما تريد.
لذا عليهم أن يتفهّموا مشاعرها في البداية وقدرتها على استيعاب ما يحدث حولها. من جهة أخرى، عليهم أن يحدّدوا وظيفتها في المنزل وعدد ساعات عملها ويوم إجازتها، فهي في النهاية موظّفة

لماذا تتصرف بعض العاملات الأجنبيات بعنف لا سيما مع الأطفال؟
إن الإلتباس في المهمات الموكلة إلى الخادمة يجعلها تعيش ضغطًا نفسيًا وتوترًا قد ينفجران في أي لحظة سلوكًا عنيفًا.
ففي بعض العائلات نجد مثلاً أنه يطلب من الخادمة غسل الصحون وتنظيف المطبخ وجلب كوب الماء في آن واحد! وإذا تأخرت في التلبية الفورية قد تلقى لومًا وتوبيخًا.
واللافت أن بعض الأطفال يتصرّفون بشكل فوقي مع الخادمة إلى درجة مستفزة، وبالتالي فإنّ هذه المعاملة لا بدّ أن تولّد نقمة  تنفجر سلوكًا عنيفًا، فتنتقم من الحلقة الأضعف وهي الطفل.

ولكن أحيانًا كثيرًا لا يكون الحال كالمشهد الذي ذكرتِه، بل تكون الخادمة حائزة كل حقوقها، ونفاجأ بتعنيفها للطفل!
صحيح، وهذا مؤشر لأنها تعاني مشكلة نفسية، مثل شعور بالدونية، أو النقمة على المجتمع أو غيرة من أصحاب البيت أو حتى انفصام في الشخصية. لذا أشدّد على ضرورة أن تراقب سيّدة المنزل تصرفات العاملة الأجنبية  وسلوكها في الأشهر الأولى لعملها.
ومراقبتها لا تكون على أساس إمكان  السرقة أو الكذب أو الإهمال، وإنما كيفية التعبير عن فرحها أو حزنها أو غضبها، وما إذا كانت خائفة أو مرتاحة، أي مراقبة سلوكها وأدائها النفسي.
صحيح أن ليس المطلوب أن يتحوّل أصحاب المنزل إلى اختصاصيين نفسيين أو علماء اجتماع، ولكن في إمكان الواحد منا أن يلاحظ وجود خلل ما في تصرف الشخص الذي أمامه إذا راقب تصرفاته عن كثب.

كيف يمكن الأم أن تدرك ما إذا كان طفلها يتعرّض لعنف الخادمة أم لا؟
من حيث المبدأ أنا ضد تكليف الخادمة مسؤولية الإهتمام بالطفل مهما كانت لطيفة وحنونة ومحل ثقة الأم. ولكن لنكن واقعيين ، أحيانًا يضطر الوالدان للخروج مساء، وغالبًا يترك الطفل في عهدة الخادمة، وهناك أمهات يستغنين عن دار الحضانة بوجود الخادمة، ولهن أسبابهنهناك مؤشرات لتعرض الطفل للعنف  يمكن الأم ألأخذ بها.
هل تغيّرت تصرّفات الطفل في شكل مفاجئ؟ هل يصاب بكوابيس ليلية؟ هل يواجه صعوبة في النوم؟ هل يبدو الحزن عليه؟ هل يشعر بالغضب صباحًا حين تغادر الأم البيت إلى عملها؟ هل يبدو مسرورًا عندما تتركه مع الخادمة؟ هل يبدو هادئًا في حضور الخادمة؟ هل توجد علامات ضرب أو خدوش «قرص» على جسم الطفل؟
وعمومًا يمكن الأم معرفة الإجابة عن كل هذه الأسئلة حتى ولو لم يكن الطفل قادرًا على التعبير في شكل صحيح، وذلك عن طريق اللعب، كأن تطلب الأم منه أن يلعب دور الخادمة وأن تكون دميته ابن الخادمة، وتراقب جيدًا تصرفاته مع الدمية وطريقة التحدث إليها.
فهذا اللعب الخيالي سوف يعطي الأم فكرة عما تفعله الخادمة مع ابنها أثناء غيابها، فالطفل عمومًا يقلّد الكبار. ولكي تطمئن  أكثر يمكنها أن تعود  إلى المنزل باكرًا وتقوم بزيارات مفاجئة للبيت خلال النهار.  

لماذا يصاب بعض الأطفال بالإكتئاب عند غياب الخادمة؟
لأن الخادمة تحوّلت أيضًا إلى مربية و احتلت مكان الأم التي في الأصل استقالت من أمومتها. فمن المعروف أن الطفل يتعرف إلى والدته منذ اللحظة الأولى للولادة، وتنشأ بينهما علاقة عاطفية إضافة إلى العلاقة البيولوجية.
فالتحدث إليه وإطعامه واللعب معه وغيرها من الأمور توطد العلاقة بينه وبين أمه، وهي من الحاجات العاطفية المهمة لنموه. وحين تقوم الخادمة بهذا الدور، فإنها تحلّ محل الأم فتصير بالنسبة إلى الطفل الأم الثانية.
وهذا يُفسر جزئيًا الأزمات النفسية التي يصاب بها بعض الأطفال عندما تسافر الخادمة. مثلاً هناك الكثيرات يولين الخادمة مهمة إطعام الطفل وإلباسه وحتى تدريسه. وفي هذه الحالة من الطبيعي أن يصاب الطفل بالإكتئاب عند غيابها، فهي كانت بمثابة الأم التي تحنو عليه والصديقة التي تلعب معه.
ولكن من الملاحظ أيضًا أن هذا الطفل الذي تعلّق بخادمته قد ينقلب ضدّها بعد أن تتضح صورتها بالنسبة إليها، أي عندما يدرك أنها الخادمة، فيتصرف معها بعنف لأنه يظن أنها خدعته، في حين أن اللوم يجب أن يلقى على الأم التي استقالت من وظيفتها.

ولكن الأم العاملة مضطرة لتكليف الخادمة مهمة العناية بالأطفال أثناء غيابها عن المنزل، فما الحل؟
العائلة في المجتمع الشرقي لا تزال متماسكة الروابط، ويمكن الأم العاملة أن تطلب من الجدة الاهتمام بطفلها. فالجدة لديها الخبرة الكافية وهي شخص موثوق به، وكما يقول المثل «ما أغلى من الولد إلا ولد الولد»، لذا لا مانع من أن يوكل إليها احتضان الطفل في فترة وجود الأم في العمل.
فمن الضروري أن تكون الأم هي الأم الأولى والأخيرة في حياة طفلها، وعليها أن تمضي أطول وقت ممكن معه. حتى الأم العاملة عليها أن تنشغل عند عودتها إلى المنزل بطفلها وأن تلعب معه وتتحدث إليه.
ورغم كل التعب والجهد، من واجبها أن تتنبه إلى أن مزيج الحب والحنان واللعب والكلام هو ضرورة للطفل، وجزء أساسي من علاقة الأمومة التي تربطها بطفلها.

هل صحيح أن اهتمام الخادمة بشؤون الطفل من الألف إلى الياء يؤثر سلبًا في  تطور لغته وأدائه المدرسي؟
من المعروف أن إتقان اللغة يساهم في نمو ذكاء الطفل وتطوره، وهي عامل أساسي في نجاحه المدرسي. وبدءًا من سن الثلاث سنوات يبدأ بنطق جمل واضحة ومفهومة، وحين تكون الخادمة هي المسؤولة عن تلبية حاجاته كإطعامه وإلباسه واللعب معه، فإنها تتحدث إليه بلغتها التي تمزجها أحيانًا باللغة العربية أو الإنكليزية والتي غالبًا ما تكون غير صحيحة.
وفي المقابل، يتكلم الطفل مع أهله وأقرانه باللغة العربية. وينشأ نوع من الازدواجية اللغوية أو بالأحرى الضياع اللغوي. ويتأخر الطفل في اكتساب لغته الأم. فمن المعلوم أن تقدم مستوى الذكاء عند الطفل مرتبط بتطور ملكة اللغة عنده.
عندما ينيط الأهل تربية الطفل إلى الخادمة فإنهم يسلّمونه إلى سيّدة لا يعرفون شيئًا عن كفاءتها في التربية وقدراتها. وفي بعض الأحيان قد يكتسب الطفل منها عادات غريبة تختلف عن مجتمعه.


طقوس لا يجوز للأم التهاون فيها

  • تحضير وجبة الطعام المدرسية. جميعنا لا يزال يرغب في السندويش التي كانت تحضّره والدته والغني بالحب والعاطفة. هكذا الطفل مع كل قضمة يشعر بحضور والدته. لذا لا يجوز أن تطلب الأم من الخادمة تحضير وجبة طعام الطفل المدرسية.
  • الإستحمام، لا يجوز على الإطلاق السماح للخادمة بالقيام به للطفل فهي شخص غريب، مهما كانت على خلق وطيبة ولطيفة. وحدها الأم يجب أن تكون مسؤولة عن استحمام طفلها وإلباسه.
  • المرافقة إلى السرير. إنها من اللحظات المميزة للطفل حين ترافقه أمه أو أبوه إلى السرير ويقرأ أحدهما له قصة قبل النوم أو يتحدث إليه عن يومه المدرسي الطويل.
  • انجاز الفروض المدرسية. بعض الأمهات تطلب من الخادمة للأسف الاهتمام بفروض الطفل المدرسية، ولاسيّما إذا كانت الخادمة تعرف لغة أجنبية، وهذا لا يجوز إطلاقًا. إذا كانت الأم غير قادرة على مساعدة طفلها في المواد التي تدرس بلغة أجنبية عليها تعيين معلمة دروس خصوصية، فالتدريس ليس وظيفة الخادمة.
  • النشاطات الترفيهية. ثمة أمهات كثيرات يطلبن من الخادمة اللعب مع الابناء بحجة أنهن يحتجن إلى بعض الراحة والإسترخاء، وهذا طلب غريب وغير محبذ على الإطلاق، فاللحظات الترفيهية تعني الكثير للطفل، وأن تشاركه أمه اللعب معناه ذكريات جميلة يختزنها الطفل. فهل تريد الأم أن تحتل امرأة غريبة ذاكرة طفلها؟!