في الإمارات: «الاسترخاء في الصحراء» لرؤية المغيب والنجوم

الإمارات,الاسترخاء,الصحراء,رؤية المغيب,النجوم

لها (دبي) 14 يونيو 2015

دبي مدينة لا يكاد يعرف من يزورها وحتى من يقيم فيها إلا وجهها الصاخب والمئات من النشاطات والأماكن التي تبهر زوارها بحداثتها وتسهيلاتها.
دبي المزدحمة دائماً بفعل مهرجانات ومؤتمرات على مدار العام هي مدينة المستقبل وإكسبو 2020، والمرشحة، وفق تأكيدات مسؤوليها والمنظمات الدولية، لتكون المدينة الأذكى في العالم بفعل تكنولوجيا الاتصالات المتطورة دائماً.
وعلى الجانب الآخر، في دبي وباقي أنحاء الإمارات دائماً ما يهرب الناس إلى الأصل أو الصحراء بحثاً عن الاسترخاء والراحة النفسية وهروباً من روتين الحياة اليومية ومثيرات التوتر، بل ويعدّ «الخروج إلى البر» ــ على حد تعبير أهل الإمارات ــ عادة موسمية للأسرة الإماراتية التي تمضي يوماً أو أكثر في الصحراء للتمتع بنقاء الجو ورؤية المغيب والنجوم الساطعة التي تتعذر رؤيتها وسط زحام المدن العصرية.


العشرات من المنتجعات تكسر خواء الصحراء لتجلب الهدوء والمتعة لقاطنيها ممن يفضلون قضاء يوم أو أكثر وسط الصحارى لرؤية غروب الشمس ومشاهدة الحيوانات البرية على طبيعتها بعيداً عن الحياة الصاخبة، وصولاً إلى الاسترخاء كما للحفاظ على نمط حياة صحي والمساعدة في التخفيف من حدة التوتر.
بينما تنظم المئات من شركات السياحة رحلات سفاري يومية لخوض تجربة اعتلاء الكثبان الرملية وحتى التزحلق على الرمال، وتمضية يوم كامل وسط الصحارى المترامية الأطراف، وهو ما يتشارك فيه أهل الإمارات والمقيمون فيها وحتى زائروها من أنحاء العالم لتصبح رحلات «السفاري» من البرامج السياحية الشهيرة في البلد.


سكينة الليل وطبيعة النهار

رغم الإجماع على أن دبي باتت توفر جميع متطلبات الحياة العصرية السياحية من خلال الشواطئ المترامية ومراكز التسوق التي تفوق مثيلاتها عالمياً، وفنادق تقدم أعلى درجات الخدمة والرفاهية، فإن صحراء الإمارة باتت منذ سنوات مقصداً للعديد من سكان المدينة وزوارها، لما تتمتع به من طبيعة ومناظر تشيع الشعور بالاتساع والرحابة، فضلاً عن الهدوء والسكينة.

وتحظى البيئة الصحراوية في دبي بفنادق ومنتجعات قلّ نظيرها وتتلاءم مع الصحراء وتتفاعل معها، وتقدم لزوارها وسائل الترفيه الصحراوي بكل مميزاته وعلى رأسها «التخييم»، ورحلات «السفاري»، وركوب الخيل والجمال وغيرها من النشاطات التي تجذب سكان المدينة.

ويؤكد الخبراء أن أكثر من 90 في المئة من سكان دبي والإمارات عموماً يقصدون الصحراء، وأن دبي أصبحت بفضل وجود المنتجعات والفنادق الصحراوية المهيأة قادرة على استقطاب فئة كبيرة من الراغبين بهذا النوع من السياحة.
ويعبر العديد من رواد صحراء دبي عن رغبتهم في خوض تجربة جديدة بعد تجربة الشواطئ ومزارات المدينة، مشيرين إلى أنه حان الوقت لخوض مغامرة سياحية في صحراء المدينة الزاخرة بالصور ليلاً تحت السماء ونجومها البراقة، ونهاراً عبر التمتع بالأشعة الساطعة والمشي والتزحلق على الكثبان الرملية.


رمال تتلون... وسياحة السفاري

يبحث سكان دبي المحبون للصحراء أو الراغبون في خوض تجربة سياحية جديدة عن الطبيعة وصورة الرمال التي تتغير وفق عوامل الجو المحيطة، فهي ذهبية مع انعكاس ضوء الشمس عليها صباحاً، وفي نهايتها ماء مع سراب الظهيرة، وفضية ليلاً مع انعكاس أشعة القمر والنجوم.

ويعشق سكان دبي من المواطنين وغيرهم سياحة «السفاري» التي يجدون فيها وسائل الترفيه والتزحلق على الكثبان الرملية والإقامة في المخيمات والفنادق الصحراوية التي تقدم الحياة الإماراتية في صورتها التقليدية.
كما يتمتع زوار صحراء دبي في مخيماتها وليلها بالعزف الهادئ على العود وغيره من آلات العزف الإماراتية، ومن بينها الآلات الوترية والطبول ورقصات اليولة وغيرها من أنغام الموسيقى الخليجية، فضلاً عن التمتع بحفلات الشواء العربي الفخمة والنشاطات التقليدية مثل نقش الحناء وركوب الجمال، والتمتع بأداء الفن الشرقي... وكلها أجواء تتسم بالروعة، كما تجمع بين الرهبة والمتعة، وبين الخوف والفرح، وبالأخص في أوقات شروق الشمس وغروبها التي تتسم بالدفء والسكينة، بينما تجد النساء في تلك الرحلات تجربة ثرية في التمتع بأجواء التزيّن بنقوش الحنة، ورؤية تجهيزات المخيمات الصحراوية مثل التنور والأكلات الشعبية، فضلاً عن الأزياء المفعمة بروح تراث الإمارات.

ويؤكد خبراء في السياحة الصحراوية أن هذا اللون من السياحة لا يرتبط بموسم بعينه كما يعتقد البعض، وإنما على مدار السنة، وعاماً بعد عام تزداد معرفة الناس بالبيئة الصحراوية وطبيعتها الترفيهية.
ويشير هؤلاء الخبراء إلى أن دبي تشهد حركة نشطة في مجال السياحة الصحراوية، مدعومة بوجود منتجعات وفنادق صحراوية، وهي قادرة على استقطاب فئة كبيرة من الراغبين في ممارسة هذا النوع من السياحة المميزة.

يقول غسان العريضي الرئيس التنفيذي لشركة «ألفا تورز»، إن «سفاري دبي تناسب جميع الأشخاص الذين يريدون تجربة يوم كامل من المغامرة والإثارة في الصحراء وعيش حياة البدو والنوم في الخيام ومشاهدة النجوم في الصحراء وسط الهدوء والجو النقي.
ولمن لا يملك اليوم بكامله، تنظم الشركات السياحية رحلات سفاري قصيرة تتيح مشاهدة شروق الشمس في صحراء دبي، مشيراً إلى أن هذا النوع من السياحة لا يقتصر على السياح فحسب، بل يشمل العديد من العائلات المحلية والخليجية التي تفضل تمضية جزء من وقتها في أحضان الطبيعة.
وأوضح العريضي أن المخيمات الصحراوية التي تقيمها الشركة توفر للزوار فرصة للعيش في أحضان الطبيعة الساحرة من خلال العودة إلى التراث، وطرق بوابة الماضي، مشيراً إلى أن مناطق «العوير» و«مرغم» و «حتا» في دبي تعتبر من أكثر المناطق احتضاناً للمخيمات الصحراوية.


الهروب من المدينة

من جهة ثانية، يقول جورج موسى رئيس وصاحب مجموعة «بلانت»، إن الكثيرين من سكان دبي يلجأون إلى الصحراء هروباً من ازدحام المدينة، وتحديداً في عطلات نهاية الأسبوع، مشيراً إلى أن رحلات التخييم التي تنظمها الشركة تزخر بمختلف النشاطات الترفيهية، الممزوجة بالفائدة حيث يتعرف المرء إلى تفاصيل الحياة البرية التي ترك الأجداد فيها الأثر العظيم، مسخّرين خامتها لصناعة الأدوات والمقتنيات لتعينهم على ظروف الحياة اليومية، مضيفاً أن الطفرة السياحية التي تشهدها الدولة انعكست على السياحة الصحراوية التي باتت مطلب العديد من الذين يفضلون الابتعاد عن أضواء المدينة وزحمة مراكز التسوق إلى أحضان الطبيعة .

ويقول سعيد العابدي رئيس «العابدي القابضة» إن مراكز التسوق والمنتجعات السياحية أفاضت بالسياح على الصحراء، مشيراً إلى أن هناك جزءاً كبيراً من السياح يفضل قضاء البرامج السياحية في أحضان الصحراء، لافتاً إلى أن السياحة الصحراوية تعتبر جزءاً رئيساً من القطاع السياحي اليوم في الإمارات، مشيراً إلى أن مستوى الخدمة ووجود فنادق صحراوية على أعلى المستويات ساهما بشكل كبير في زيادة الإقبال على هذا النوع من السياحة مقارنة بالدول المجاورة التي قد تكون لديها الأجواء نفسها، لكن مع الفارق في مستوى الخدمة.

                                                                             
 قصر السراب

في إمارة أبو ظبي، ووسط الكثبان الرملية في صحراء ليوا في الربع الخالي «قصر السراب»، وهو قصر منيف رائع يخلّد الماضي ويشرّع أبواب المستقبل نحو السياحة التراثية والثقافية والبيئية.
بوابات القصر أشبه ببوابات القلاع والحصون التي اشتهرت بها الإمارات منذ مئات السنين، وهو مشيد وسط كثبان رملية في غاية الجمال والروعة ومطل على وادي ليوا.
ويمتد مبنى «قصر السراب» على مساحة كيلومترين مربّعين، وقد شيد بأسلوب العمارة العربية لإحياء إرث الأجداد وسط الصحراء الخالية من السكان تقريباً، ما عدا بعض الواحات الخضراء، وسط أكبر الصحارى الرملية في العالم.
وتجذب أنظار الزوّار خلال توجّههم إلى «قصر السراب» المشاهد الخلابة للطبيعة الصحراوية وتشكيلات الكثبان الرملية المرتفعة، والتي تحجب خلفها هذا المنتجع الفاخر.

ويتيح «قصر السراب» لنزلائه فرصة استكشاف الطبيعة الساحرة المحيطة به، إضافة إلى محميّة الحياة البرّية المتاخمة والبالغة مساحتها تسعة آلاف كيلومتر مربع والتي تعتبر الأكبر من نوعها في الإمارات.
وتُؤوي هذه المحمية آلاف الحيوانات العربية الأصيلة التي تتجول طليقة في المنطقة، ومنها المها العربية وغزال الريم وغزال الصحراء. ويضمّ المنتجع كذلك مركزاً لاستكشاف الصحراء تم تصميمه ليقدم إلى الزوار معلومات حول البيئة الصحراوية المحيطة بالمنتجع ونشاطات من وحي تراث المنطقة مثل الصيد بالصقور وركوب الهجن.

أما التجوال في الصحراء على ظهور الجمال، فهو نشاط آخر يقدّم لضيوف «قصر السراب» فرصة استكشاف هذه البيئة الساحرة التي اشتهرت من خلال مغامرات المستكشف البريطاني الراحل السير ويلفرد تيسيغر عبر صحراء الربع الخالي بين العامين 1945 و1949.
كذلك يطّلع الزوار على التاريخ الغني للمنطقة وآثار المواقع التي كانت مأهولة في العصر الحجري. وفي المساء، تتوافر أمام النزلاء فرصة مراقبة النجوم من موقع جهّز على أحد الكثبان الرملية، وذلك في إحياء عصري الطابع لذكريات الاكتشافات العربية في مجال الفضاء خلال العصر الذهبي للإسلام بين القرنين الثامن والسادس عشر.


«أنانتارا» الساحل واليمّ

صير بني ياس
في جزيرة صير بني ياس في أبو ظبي أكثر من منتجع يقصده الزوار والسائحون للتمتع بسحر الطبيعة، منها «أنانتارا» الساحل و «ديزرت آيلاند»، في محمية طبيعية تبلغ مساحتها نحو 4100 هكتار، وهي ذات طبيعة خلابة وموطن لأكثر من 10 آلاف حيوان من مختلف الفصائل.
ويمكن الضيوف التجول فيها بواسطة سيارات الدفع الرباعي والتمتع بالمناظر الرائعة ومشاهدة مختلف انواع الحيوانات والطيور. 
ويضم هذا المنتجع 30 فيلا فاخرة محاطة بالتلال الجميلة والعشب الأخضر الذي يجذب عدداً كبيراً من الحيوانات منها الريم العربي والغزال العربي وغيرها من الحيوانات المهددة بالانقراض والتي تتمتع بالحماية في تلك الجزيرة الرائعة. وبإمكان الزائرين والضيوف القيام برحلات سفاري طويلة لاستكشاف الجزيرة وممارسة بعض الرياضات المحلية القديمة. 
أما منتجع «فلل اليم» في جزيرة صير بني ياس فيضم 30 فيلا فخمة أيضاً على الواجهة البحرية، توفّر تجربة فريدة من نوعها تجمع ما بين روعة الشاطئ والحياة البرية الغنية لجزيرة صير بني ياس ومياه الخليج العربي. 

المها والغزال والصيد بالصقور
في رأس الخيمة يقع منتجع «بانيان تري الوادي» ضمن مساحة تبلغ 500 هكتار تشمل محمية طبيعية وكثباناً رملية ذهبية في الصحراء، وهو على مسافة 45 دقيقة من مطار دبي الدولي. ويوفر المنتجع بتصميمه المستوحى من الحضارة البدوية تجربة الحياة البرية الفريدة، وهو مصمم ليلبّي احتياجات الأسواق الحديثة كما أنه مؤهل لعقد المؤتمرات على أنواعها، من خلال موقعه في المحمية الطبيعية التي توفر مكاناً مناسباً للاجتماع في الهواء الطلق، حيث الطبيعة الأم، على أن تكتمل هذه التجربة بتدريب عملي على الصيد بالصقور، والتعرف على المها والريم. تجربة سياحية فريدة من نوعها في دولة الإمارات العربية المتحدة.
ويؤكد أندرس ديبمبلاد المدير العام لـ«بانيان تري رأس الخيمة»، أن الإمارة تشتهر بمعالمها الطبيعية، وهي تتكامل تماماً مع المنتجع من خلال الجمع بين الطبيعة ووسائل الرفاهية الحديثة.
ويتيح المكان للزوار تمضية الوقت في الهواء الطلق واكتشاف الإرث الغني في هذه المنطقة، حتى أثناء حضور اجتماع مثمر.

مجلس وزراء في «الصحراء»
لعل ما يؤكد عشق أهل الإمارات للصحراء وارتباطهم بها، ما حدث، العام الماضي عندما كسر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات -رئيس مجلس الوزراء -حاكم دبي تقاليد جلسات مجلس الوزراء بشكلها المعتاد حول العالم، فاصطحب وزراء الحكومة الاتحادية في الإمارات إلى عمق  الصحراء في منطقة ليوا وتحديداً «قصر السراب» على أطراف الربع الخالي لمناقشة أداء وزاراتهم وخططها للمستقبل.

جلسات الأدب العالمي
تحرص «طيران الإمارات» على إقامة جزء من مهرجانها السنوي للآداب في صحراء دبي، حيث يجتمع أدباء عالميون وشعراء في جلسات ونقاشات ثقافية ممتدة في ليل دبي الصحراوي، ودائماً ما تجد أسماء أدبية عالمية تستمتع بالحوار الثقافي وعيونهم على نجوم متلألئة في ظلمة الليل وهواء نقي في أحضان الطبيعة