فروض العطلة الصيفية بين إلزاميتها وفوضى العطلة

فروض,العطلة الصيفية,فوضى العطلة,التلميذ الراسب,الشعور بالفشل,عطلة صيفية,الحلقات الدراسية,للاسترخاء,التلميذ,المرحلة الابتدائية

09 أغسطس 2015

تشكّل فروض العطلة الصيفية كابوسًا بالنسبة إلى بعض تلامذة المرحلة الابتدائية الذين يرتادون مدرسة تسلّمهم، مع تقرير علامات العام المدرسي، لائحة بدفاتر فروض العطلة الصيفية، رغم أنهم ناجحون. توضع هذه الدفاتر جانبًا، ويؤجل العمل بها حتى نهاية الصيف. والسبب يقول التلميذ: «أريد أن أستمتع بالصيف، سوف أنجز فروضي الصيفية قبل بدء العام المدرسي بأسبوع».
ويغضّ بعض الأهل النظر عن تكاسل ابنهم، لأنه برأيهم نال حصته من الدرس خلال العام المدرسي، وبعضهم الآخر يجد في الفروض المدرسية عقابًا، فيما يبالغ بعض الأهل في إلزام أبنائهم بإنجاز فروض العطلة، فتتحوّل العطلة الصيفية إلى فصل دراسي جديد.


فروض العطلة الصيفية هل هي مفيدة فعلاً؟
يرى بعض التربويين أن لفروض العطلة الصيفية فوائد تربوية، إذا ما عرف الأهل كيف يجعلون أبناءهم يستفيدون منها، فتتحول إلى رياضة عقلية مشوّقة، أكثر منها فروضًا مدرسية مملة. وهي فروض خاصة بتلامذة المرحلة الابتدائية، الهدف منها تنشيط ذاكرة التلميذ وتعزيز قدراته التعلّمية.
فمن المعلوم أن التلميذ في المرحلة الابتدائية، يتلقّى المبادئ الأساسية في التعليم، وأي ثغرة تعلّمية قد تؤثر لاحقًا في أدائه الأكاديمي في المراحل المدرسية المتقدّمة، وتمضية ثلاثة أشهر من دون تنشيط ذاكرته التعلّمية قد تؤدي إلى نسيان بعض ما تعلّمه خلال الفصل الدراسي.
لذا فإن فروض العطلة الصيفية تساهم في تنشيط الذاكرة التعلّمية وتعزّزها. وعمومًا لم تعد هذه الفروض كما في الماضي، أي فروضًا أكاديمية بحتة، بل تحوّلت إلى نوع من التسلية التربوية البنّاءة التي تساهم في تطوّر ذكاء التلميذ.

ما هي الطريقة المثلى لإنجاز فروض العطلة الصيفية؟
دفاتر فروض العطلة إذا لم توضع على رف التأجيل، وكأنها عقاب صيفي، فهي مساعد تعليمي قيّم، يسمح للأهل بمعرفة مستوى طفلهم العلمي وما يناسب قدراته التعلّمية.
ولكن فعالية هذه الفروض تختلف وفق طريقة إنجازها. فبعض التلامذة ينجزونها في الأسبوع الأخير من الإجازة الصيفية، ومنهم من ينجزها بشكل متقطّع، وفق الرغبة، ومنهم من ينجزها في أول العطلة الصيفية، وهذه الفئة من التلامذة تكون في الغالب ممن وُضعت لهم رزنامة عمل يعملون بموجبها، وهذا الاحتمال يكبر وفق تدخل الأهل، علمًا أن فروض العطلة الصيفية بالنسبة إلى التلامذة المتفوّقين هي تمرير للوقت، ويمكنهم إنجازها وحدهم ومن دون مشكلة.
بالنسبة إلى التلامذة ذوي المستوى العلمي المتوسط، فإن تدخل الأهل ضروري، ولكن هذا التدخل يجب أن يكون دعمًا لهم، وليس للمشاركة في إنجازها.
أما التلامذة الذين واجهوا صعوبات خلال العام المدرسي، فإن عدم تقديم المساعدة والدعم لهم، يزيد شعورهم بالتوتر، مما ينعكس سلبًا على أدائهم في العام الدراسي المقبل.

إرغام التلميذ على إنجاز فروضه المدرسية يعرقل إنتاجيته
ينجز معظم التلامذة فروض العطلة الصيفية بمشاركة أهلهم، وقد تتحوّل فترة انجازها إلى كابوس، إذ ليس من المجدي إرغام التلميذ على إنجازها، فهذا لا يجعله يأخذ موقفًا سلبيًا من المدرسة وحسب، بل ومن أهله أيضًا.
والعمل الأكاديمي خلال الصيف يسبّب توترًا، ويشبه العقاب، ولا أحد يربح من هذا الإرغام. فعندما يرغم الأهل ابنتهم أو ابنهم على إنجازها بل ويجلسون معه أثناء ذلك، يشعر بالتوتر الشديد والخوف من الإخفاق، خصوصًا عندما تفقد الأم صبرها وقد تنعته بالكسل، مما يزيد قلق التلميذ، وبالتالي يشعر بعدم الارتياح في المنزل مثلما كان يشعر في المدرسة.
على هذه الفئة من الأهل أن تدرك أن أحد أهداف فروض العطلة الصيفية هو سد الثغرة التعلمية التي يواجهها التلميذ لا معاقبته.
كما على الأهل إدراك أن هذه الفروض لن تأتي بالعجائب وتلغي رسوب ابنهم، إذا كان يعيد صفه، فهذه الفروض الإضافية لا تؤدي إلى ترفّعه صفًا، وإنما تساعد في تعرّف الأهل إلى الثغرات التعلمية الموجودة عند ابنهم، وبالتالي العمل على سدّها كي لا يواجه التلميذ صعوبة في العام المدرسي المقبل. ولكن عليهم الحذر إذ قد تتحول المساعدة إلى مصدر صراع إذا حاولوا لعب دور المعلم، بل عليهم الاحتفاظ بروح الاسترخاء وطلب مساعدة طرف ثالث.

العطلة الصيفية فترة للاسترخاء
يجب أن تكون العطلة الصيفية بالنسبة إلى التلميذ مرادفًا للراحة، ولا يجوز اطلاقًا وضعه تحت الضغط، فهذا غير مجدٍ.
ومن الضروري أن يسمح الأهل لأبنائهم بتنفس الصعداء بعد عام دراسي مشحون بالتوتر والعلامات، ولكن هذا لا يعني أن يتخلّوا عن تعزيز قدرات أبنائهم التعلمية، بل يمكن التلميذ التعلم في حضن العائلة بأسلوب ترفيهي.
لذا فلتكن العطلة الصيفية فترة استرخاء يبقى خلالها الأبناء متحمسين لتطوير مهاراتهم التعلمية. وهناك طرق عدة لتطوير قدراتهم الذهنية من دون توتر.
مثلا تسجيل الأبناء في نشاطات رياضية وثقافية، تساهم في تطوير مهارات جديدة تتماهى مع المهارات المدرسية، كما أن المشاركة في مخيم صيفي تساهم أيضًا في نضوجهم الفكري، وتعزّز تقويم الذات.
وهناك طريقة أخرى لشحن طاقتهم التعلمية في مناخ صحي، مثلاً شراء الكتب للاستمتاع بها، خصوصًا إذا لم تكن ضمن البرنامج المدرسي.
المبدأ هو تعزيز مهارة القراءة وتطويرها، فالصيف مرحلة مهمة ورائعة ومسالمة للبدء في تعزيز حب المطالعة، وبالنسبة إلى اللغة فالكثير من التربويين ينصحون بمشاهدة المسلسلات التلفزيونية، فهي طريقة جيدة لتطوير الفهم الشفهي.

ماذا عن الحلقات الدراسية والدروس الخاصة؟
هذه الصيغة تناسب التلامذة الذين تنقصهم الثقة بالنفس، فبعد تمضيتهم صيفًا وُضع خلاله برنامج عمل صحيح، ساعد في سد الثغرات التعلمية التي كانوا يواجهونها، سوف يعودون إلى المدرسة بشكل هادئ.
ولكن على الأهل أن يدركوا الفرق بين تعزيز مهارات التلميذ التعلمية، واستباق المعلومات التي سوف يحصلّها في العام المدرسي المقبل، ولا سيما إذا كان التلميذ يترفع إلى صف أعلى، إذ لا يجوز أن تستغل العطلة الصيفية في تسريع عملية تعلم التلميذ وتخطّي المراحل. لذا على الأهل الحذر من المبالغة في إرغام التلميذ على الدرس في العطلة وإن كانوا قلقين على نجاحه.

عطلة صيفية وابني راسب....
بينما يقتصر همّ التلميذ الناجح على إنجاز فروض العطلة الصيفية، يكون التلميذ الراسب في حال من الحزن وشعور بالذنب، وأحيانًا شعور بالخجل من لقاء أصدقائه الناجحين، وحتى أنسبائه.
يرى التربويون أنه لا يمكن اعتبار رسوب التلميذ أمرًا مفاجئًا بالنسبة إلى الأهل، فهم من المفروض أنهم توقّعوا ذلك من خلال أدائه طوال العام المدرسي.
ورغم ذلك يشكّل الرسوب بالنسبة إلى الأهل والتلميذ صدمة. فالتلميذ سوف يدرك أنه سيعيد صفّه، وأنه لن يكون مع زملائه السنة المقبلة، مما يشعره بالحزن والتوتر. لذا من الضروري أن يدرك الأهل أن مسألة الرسوب تخيف ابنهم مما قد يسبب له إحباطًا. صحيح أن الأهل سيشعرون بالحزن ولكن ليس بالدرجة نفسها لدى التلميذ.

فهل يجدر بالأهل معاقبة ابنهم الراسب؟
من الطبيعي أن يكون رد فعل الأهل الأول هو التفكير في معاقبة ابنهم الراسب، شرط يكون العقاب مناسبًا لسنّه ومرتبطًا بالدرس.
مثلاً من الضروري أن يجرّب الأهل وضع جدول عمل يطبّقه التلميذ خلال الأسبوع، ومن المفضل أن يكون مقتصرًا على أيام الأسبوع من الاثنين إلى الجمعة، أي أن تكون العطلة الأسبوعية فترة راحة بالنسبة إلى الطفل.
ويجب تنظيم الوقت بطريقة تناسب الأهل من دون أن يكون ذلك على حساب أعمالهم، وفي الوقت نفسه على الطفل أن يدرك أنه بسبب تقصيره خلال السنة مضطر ليدرس خلال الصيف زيادة عن أترابه.
وفي المقابل على الأهل أن يفسّروا له بكل هدوء: «أنت رسبت لأنك قصّرت في دراستك خلال السنة عن قصد أو عن غير قصد». ومن الضروري أخذ رأيه في تنظيم الوقت، ولكن في النهاية يجب أن يعود القرار إلى الأهل. وكل ذلك يكون بعيداً من حرمانه من النشاطات الأخرى الترفيهية.

ماذا عن الأهل الذين يقارنون بين ابنهم الناجح وابنهم الراسب؟ 
الرسوب وحده يكون درسًا قاسيًا بالنسبة إلى الطفل يتعلّمه طوال حياته مهما كانت سنّه. فهو سوف يدرك بمجرد أن يعود إلى المدرسة، أنه ليس مع أصدقائه، ويقارن بين ما كان عليه وما أصبح.
إذًا، من الناحية التربوية تكون الرسالة التي يريد الأهل أن يبعثوها إلى ابنهم قد وصلت. والمقارنة ستزيد توتره وشعوره بالإحباط.
لذا لا يجوز أبدًا المقارنة بين الابن الناجح والابن الراسب، فهذا سيجعل الناجح يستغل إشادة أهله به ويتعامل معهم على أساس أنه ناجح ويحق له أن يفعل ما يشاء، كأن ينام في وقت متأخر ويمضي ساعات طويلة أمام الكمبيوتر أو التلفزيون... مما يستفز أخاه الراسب الذي يشعر بالغبن واللامساواة فيبدأ بالاعتراض وينشب الشجار بينه وبين أهله وتتردّد على لسانه «لمَ عليّ أن أدرس وأخي لا»! إذًا من الضروري ألا يقارن الأهل بين الإخوة، لأن ذلك قد يسبّب غيرة بين الأبناء. على العكس، يمكن أن يطلبوا منهم مساعدة أخيهم.
أي أن يكون هناك تضامن جماعي، وهذه تكون فرصة لتعزيز اللُّحمة بين الأبناء.

كيف يمكن الأهل مساعدة ابنهم الراسب على تخطي الشعور بالفشل؟
من الطبيعي أن يشعر الطفل الراسب بخيبة أمل، ومن الممكن أن تؤدي هذه التجربة إلى صعاب نفسية، منها فقدان ثقته بنفسه. لذا لا يجوز أن يذكّره الأهل برسوبه كل يوم.
بل من الضروري مساعدته على تخطي تجربة الفشل، كأن يشرح له الأهل أن الرسوب تجربة في الحياة، ويجب أن يتعلّم منها لأنها ليست النهاية، ويمكن أن يعطوه مثلاً عن فشل مروا به، وكيف استطاعوا أن يتخطوه، ولكي ينهض من جديد، عليه أن يتسلح بالعلم، والمدرسة هي الوسيلة الصحيحة للتحصيل العلمي.

أحيانًا يتجنب التلميذ الراسب زيارة صديقه الحميم الناجح، فماذا يفعل الأهل؟
من الضروري أن يشجع الأهل ابنهم على زيارة صديقه الحميم الناجح واللعب معه، فهو ما تبقّى له من ذكرى جميلة، خصوصًا أنه لن يلتقيه في السنة المقبلة.
وإذا قال له هذا الصديق شيئًا جرحه فمن الضروري تعليمه كيف يدافع عن نفسه. ومن الضروري أن يدافع الأهل عنه وأن يتذكروا أنه ابنهم وهم يحبونه وكل واحد معرّض للرسوب أو الفشل في حياته، وهذا ليس آخر الدنيا.

هل تعيين أستاذ خصوصي خلال الصيف حل مفيد؟
يعود هذا إلى شخصية الطفل، فهناك بعض المدارس لا ترسّب التلميذ، شرط أن يتابع دروسًا مكثفة خلال الصيف. وتعيين مدرّس خصوصي يساعده خمسة أيام في الأسبوع وفي شكل متتالٍ قد يصيب الطفل بالملل وعدم الاستيعاب، وقد لا يصل إلى نتيجة، لأنه لن يتواصل مع المدرّس.
المهم أن يقتنع التلميذ بضرورة تعيين مدرّس يساعده. ومن المهم أيضاً أن يفسر له الأهل سبب تعيين مدرّس، وهذا يكون شخصًا حياديًا.
فهناك الكثير من الأهل لا يستطيعون أن يدرّسوا أبناءهم لأنهم غير قادرين وغير صبورين. كما يمكن الأهل الأخذ برأي إدارة المدرسة، فربما لديها شخص يرتاح إليه التلميذ وإلى طريقة تدريسه.

هل من الصواب إخفاء رسوب الطفل عن محيطه، أي الأقارب والجيران؟
من الخطأ أن يخفي الأهل رسوب طفلهم أو الادعاء بأنه ناجح، لأنهم بذلك يعلّمونه الكذب، وبالتالي يدرك الطفل خجلهم من رسوبه مما يشعره بالدونية وأن أهله لا يحبونه... والكذب يولّد الكذب.
كما من الضروري ألا يسمحوا للآخرين بلوم الطفل أو تعييره، لأن ذلك يفقد الطفل ثقته بأهله.

CREDITS

إعداد: ديانا حدّارة