شريكات في السكن: مغتربات يتغلّّّّّّبن على ارتفاع أسعار الإيجار

شريكات في السكن,السكن,ارتفاع أسعار الإيجار

لها (دبي) 19 سبتمبر 2015

يعدّ السكن المشترك للفتيات من الظواهر القديمة والمعتادة، نظراً الى ارتفاع أسعار الإيجارات الذي لا يسمح لمعظمهن بالاستقرار في شقة صغيرة مؤلفة من غرفة وصالة، أو استديو محدود المساحة أملاً في الاستقلالية والهدوء النفسي والبعد عن المشكلات والمشاحنات التي تحدث بين الحين والآخر، بين الفتيات اللواتي يجمعهن سكن واحد.
ورغم أنّ كل مجموعة من الفتيات دائمة البحث عن صحبة معينة، بحيث يكون هناك توافق في الأفكار والأمزجة، فقد أضحى الاختيار في حد ذاته من الصعوبة بمكان، خصوصاً أن بعضهن يرغبن في زيادة عدد المقيمات في الشقة أو الاستديو، لإيفاء القيمة الإيجارية في نهاية كل شهر بصرف النظر عن توافق أمزجة المقيمات أو عدمه.
هناك المئات من الفتيات اللواتي يخضن تجربة المغتربات في حجرة أو شقة واحدة ما بين دبي وأبو ظبي ولبنان جمعتهن طبيعة العمل الذي اضطرهن لعيش تجربة السكن المشترك. ونبدأ بتجارب من دبي.


آمال حو: السكن المشترك مشاكله كثيرة...أوضاع خاصة وشخصيات غريبة
تقول آمال حو: «جئت منذ ثلاث سنوات إلى الإمارات للعمل في المجال الذي أفضّله، وهو التكنولوجيا، وتنقّلت بين غرف عدّة كنت أسكن فيها مع بعض الفتيات نظراً الى أن السكن المشترك هو الحل الوحيد للتغلب على مشكلة ارتفاع الإيجارات التي تلتهم الراتب التهاماً، ولا تترك لي شيئاً في نهاية الشهر». وتوضح قائلة إنها في كل مرة تبحث عن مجموعة من الفتيات لتعيش معهن في غرفة أو في استوديو، فهي على حد قولها عاشت أياماً صعبة خلال السنوات الماضية، بسبب عدم الاستقرار في سكن واحد لتفاقم المشكلات، فضلاً عن أنها لم تكن على وفاق مع الفتيات اللواتي اضطرت للسكن معهن، مؤكدة أن السكن المشترك تنجم عنه مشاكل كثيرة حيث لكل فتاة شخصيتها الغريبة.
وتشير أمال إلى «أن أغلب المشكلات تحدث في الليل بعد عناء يوم طويل من العمل المستمر، إذ إن هناك فتيات لا يتوقفن عن سماع الموسيقى بصوت عال، فيؤثر ذلك في الموجودات في الغرفة، ويمنع عنهن النوم لساعات طويلة، وبعضهن يرغبن في السهر ومشاهدة التلفزيون حتى ساعات متأخرة من الليل، ومن هنا تنشأ المشاكل والعراك أحياناً، والتراشق بالألفاظ».
وتذكر حو أنها بعد هذه التجربة تعرفت إلى مجموعة من الفتيات اللواتي يعملن في مجال عملها، واستطاعت أن تتوافق معهن، وأن تقترب منهن، حيث تعد هذه التجربة الجديدة الأفضل بين التجارب التي مرّت بها، خصوصاً أن معظم الفتيات اللواتي تسكن معهن في غرفة وصالة، مرتبطات بدوام عمل واحد، ما يسهل على الجميع مسألة النوم من دون مشاكل.

نبيلة الرابولي: السكن مع بعض الفتيات في دبي منحني الثقة وأثرى حياتي  الخاصة
أما نبيلة الرابولي فتخبرنا بأنها لا تستطيع أن تسكن مع فتيات أمزجتهن سيئة وطباعهن مختلفة عنها، مؤكدة أنها بطبيعتها هادئة وتفضّل أن تتعامل مع فتيات على الشاكلة نفسها، وتشير إلى أنها تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات، ولم تشأ أن تسكن مع بعض النماذج التي تعطل دورة الحياة، وتتسبب في مشكلات كثيرة داخل السكن المشترك، خصوصاً أنها سمعت قصصاً كثيرة عن العقبات  التي تعرقل سبل التوافق بين الفتيات في غرف الإيجار، لافتة إلى أن الهدف من السفر والعمل في مكان ما هو تأمين المستقبل ومساعدة الأهل وتحقيق الطموحات، وهذا لن يتحقق في ظل مشكلات يومية، مضيفة أن لديها طموحاً منذ أن أنهت دراستها الجامعية، وهو ما جعلها تسافر للعمل في إحدى الشركات في دبي. وتؤكد نبيلة أنها تعمل في المجال الذي تفضله، وتعرفت إلى عدد من الفتيات، وقررت أن تسكن معهن بعدما كانت تعيش مع فتاة في سكن مشترك، ولم تشعر معها بالراحة لأنها مختلفة عنها في الشخصية والأفكار والثقافة، وليس هناك توافق بينهما في مجالات عدة، لكنها وبعد أن استقرت في السكن الجديد أصبحت لا تشعر بأية مشكلة، عدا ارتفاع  إيجار السكن الذي لا يتناسب مع قيمة الراتب، لكنها تحلم في المستقبل بأن تستقر أسعار الإيجارات في دبي، وأن يصل راتبها إلى المستوى الذي تطمح اليه.
وتذكر نبيلة أنها تعلمت الكثير من هذه التجربة، حيث جعلتها تواجه حياة جديدة، وتتعرف إلى فتيات جديدات أيضاً، وهو ما يثري حياتها الخاصة، خصوصاً أن مجتمع دبي كبير «هنا تجد العالم كله»، وفيه من كل جنسيات العالم تقريباً، والجميع يرغب في زيارتها، بينما  ارتفاع إيجار السكن لا يتيح فرصة للمغتربات في  العيش في سكن خاص، بحيث تستطيع كل الفتاة أن تمارس حريتها الشخصية بصورة طبيعية.

آمال أحماني: سعيدة بتجربتي مع عدد من الفتيات اللواتي يتميزن بالتهذيب الشديد
وتشير آمال أحماني إلى أنها جاءت أخيراً إلى دبي، ولم تكن تتصور أنها مدينة بهذا الحجم والقيمة، وأنّ إيجارات السكن فيها مرتفعة بشكل غير طبيعي، مضيفة: «كنت أتصور أنني سأعيش بمفردي في استوديو أو غرفة صغيرة، لكنني اضطررت إلى السكن المشترك لأن الرواتب لا تكفي لتحقيق هذه الأمنية»، وتلفت إلى أنها خاضت تجربة جديدة حيث كانت قبل ذلك تعيش حياة مستقلة، لكنها الآن مرتبطة بصحبة معيّنة داخل هذا السكن، وتؤكد أنها اتفقت مع شريكات السكن على توزيع المهام، بحيث تنظف كل واحدة منهن البيت وفق الجدول، وكذلك غسل الأطباق والصحون وعدم إزعاج الأخريات.
وتوضح: «هذا الجدول أراح الجميع، فضلاً عن أن كل فتاة منا تحاول أن تكون قريبة من الأخرى، ونعوّض في ذلك عن أسرنا التي تركناها في بلادنا»، وتبين أنها سعيدة بتجربتها في السكن المشترك مع عدد من الفتيات اللواتي يتميزن بالتهذيب الشديد، وأن هذا السكن أصبح بالنسبة اليها جنّة، لأنها تجد فيه الراحة والهدوء، وهو ما أتاح لها فرصة النوم بشكل جيد. وتذكر أنه في حال حدوث خصام بين فتاتين «نحاول أن نرطّب الأجواء بينهما، خصوصاً أننا نعيش وحدنا، والحياة تصبح صعبة ومملّة وليس لها طعم إذا استشرى الخصام بين الرفيقات». وترى أن الجلسات التي تعقد في الإجازات ورحلات الترفيه تقوّي أواصر الصداقة بين بنات السكن الواحد وتساعد على تعميق الألفة بينهن.

غادة فرحات: تجربة لا بُدَّ منها
غادة فرحات، التي تعيش في دبي منذ سنوات طويلة، ترى أن ليس هناك أجمل من الاستقلال، لكنها تستدرك أن غالبية الفتيات المغتربات لا يستطعن تحقيق هذا الأمر، لأن إيجارات السكن مرتفعة جداً، ومن الصعب أن يتوافر الراتب الذي يؤمّن حياة مرفهة، خصوصاً أن  تكاليف المعيشة مرتفعة للغاية، وما يتم ادخاره يعد ضئيلاً، ولا يكفي للعيش بالمستوى المطلوب، لكننا فضّلنا السفر والعمل في المجالات التي نحبها من أجل تحقيق بعض الأحلام. وتشير غادة إلى أنها بعد تجربة طويلة في السكن المشترك، خبرت خلالها طباع فتيات من جنسيات مختلفة، قد استطاعت أن تتفهم طبيعة السكن المشترك، وهو ما أعطاها الفرصة للتأقلم مع أي عدد من الفتيات وفي أي سكن كان.
وتذكر غادة أنها لم تكن في البداية تستطيع التأقلم مع طباع غيرها، لكن روحها المتسامحة وشخصيتها الودود جعلتاها تتقبل الأخريات، وتتعامل مع أمزجتهن المختلفة بشيء من الصبر. وترى أن السكن المشترك هو حل ممتاز بالنسبة إلى الفتيات، ليس لمجرد ارتفاع أسعار الإيجارات، وإنما لأنه يُحدث نوعاً من الألفة، مما يعطي بعض الاستقرار للفتيات ويزيل منهن الشعور بالغربة، نظراً للبعد عن الأهل والأوطان. وتشير إلى أنها بعد هذه التجربة الطويلة كوّنت صداقات كثيرة وتعرفت إلى فتيات أصبحن عزيزات عليها، وأنها تحافظ على هذه الصداقات لأنها تخفف من ضغوطات الحياة، بالإضافة إلى أن الصداقة أجمل شيء ترسخه تجربة السكن المشترك في مجتمعات الاغتراب.

عبير أبو رينة: شريكات في السكن وفي الجنسية
تبدي عبير أبورينة اعتراضها على سكن الفتاة مع أخريات لسن من الجنسية نفسها التي تنتمي إليها، معللة ذلك بأن لكل مجتمع عاداته وتقاليده، مؤكدة أن الذي جعلها تصل إلى هذه النتيجة هو مرورها بتجربة السكن مع مجموعة من الفتيات الأجنبيات اللواتي لم تستطع التوافق معهن، وشعرت بملل شديد بعد مرور نحو شهرين. لكنها قررت في نهاية الأمر ترك السكن والانتقال إلى آخر للعيش مع فتيات من جنسية عربية مختلفة عن جنسيتها، لكنها أيضاً لم تشعر بالراحة لاختلاف العادات والتقاليد والأمزجة، إلى أن وفّقت في سكن أخير مع مجموعة من الفتيات من أبناء بلدها، وترى أن مجتمع المغتربات فيه الكثير من التناقضات ومن الصعب الاستقرار فيه.

منى الطائي: الهرب من الملل
تجربة أخرى عاشت تفاصيلها الصبية العراقية منى الطائي في دبي، والتي تقول: «جربت أكثر من تسعة مساكن لم أشعر بالراحة في أي منها. وقررت في النهاية أن أستأجر غرفة أعيش فيها بمفردي، لكنني شعرت بملل شديد وحياة رتيبة. وبعد عناء، تعرفت إلى فتاة من بغداد وتوافقنا سريعاً. وأرى أن أجمل أيام حياتي هي التي أعيشها حالياً في سكن مشترك، مؤكدة أن تجربة السكن المشترك في دبي عميقة، وأن أي فتاة لا بد من أن تتحلى بالصبر حتى تتأقلم مع طبيعة مجتمع المغتربات».

منال محمد: الفتيات بحاجة إلى تأهيل اجتماعي، ودورات للتأقلم مع السكن المشترك
عن ظاهرة السكن المشترك، تقول منال محمد، دراسات عليا في علم الاجتماع: «السكن المشترك للفتيات ظاهرة فرضت نفسها على مجتمع المغتربات، نظراً الى طبيعة العمل والاغتراب عن الأهل.
ورغم صعوباتها، فإن غالبية الفتيات يحتجن إلى تأهيل اجتماعي والخضوع لدورات من هذا النوع، فالحياة في مجتمع المغتربات مختلفة تماماً عن تلك التي تعيشها الفتاة بين أهلها الذين تحظى برعايتهم وعنايتهم، وهو ما يحقق لها داخل الأسرة استقراراً نفسياً واجتماعياً، لكن في السكن المشترك لكل فتاة شخصيتها المختلفة وانفعالاتها الخاصة، ونسبة التحكم في الانفعالات تتفاوت من فتاة إلى أخرى، لذا تحدث مشكلات كثيرة وخلافات مستمرة، ما ينعكس سلباً على الفتيات اللواتي ترتفع لديهن مستويات «الأنا»، مشيرة إلى «أن الفتيات اللواتي يمتلكن شعوراً بالعظمة هن الأكثر افتعالاً للمشكلات».
وتؤكد منال أن رغم صعوبات تجربة السكن المشترك في البداية، من الممكن أن تكون لها انعكاسات إيجابية في المستقبل حيث تعزز تجربة السكن المشترك الثقة بالنفس وبالآخر، وربما تكون نقطة انطلاق لتحرر الفتاة - الفرد من الخوف وتدفع الى العمل الجماعي والتعاون المشترك.