أقدم المهن النسائية المكتسبة بالخبرة والممارسة

المرأة, مهنة, المطوفات, عمل المرأة

12 أكتوبر 2013

تعد مهنة «المطوفة» من أقدم المهن النسائية التي شاركت فيها شقائق الرجال منذ عقود. هي مهنة مكتسبة من الخبرة والممارسة في التعامل مع الحجاج وتلبية حاجاتهم منذ قدومهم إلى المملكة وحتى مغادرة آخر حاج. ولكن تتفق عدد من المطوفات على وجود معوقات تحول دون تمكينهن من أداء مهماتهن على أكمل وجه لغياب الاستقلالية في أعمالهن، إضافة إلى نظرة المجتمع القاصرة إلى عمل المرأة في هذا المجال. وبينت إحصاءات خاصة أن عدد المطوّفات لا يقل عن 6000 مطوّفة في مؤسسات الطوافة، وهن يمثلن تقريبا 50 في المئة من أبناء المهنة بعدما حصلوا عليها عن طريق الوراثة التي وسعت عدد المنتمين إليها. «لها» التقت عدداً من المطوفات وكان هذا التحقيق.


كشفت فاتن إبراهيم محمد حسين، المطوّفة في مؤسسة جنوب آسيا ورئيسة اللجنة النسائية التطوعية أن الطوافة النسائية المعاصرة تهتم بتقديم خدمات متنوعة للحاجات من حيث زيارتهن في المستشفيات، وتقديم الهدايا لهن، وكذلك تقديم ما يحتجنه من متطلبات مثل العكازات والكراسي المتحركة  خاصة في حالات إصابات الحوادث، وكذلك تقديم جوالات وشرائح للتواصل مع أهلهن وذويهن، وأحيانا  أخرى ملابس واحتياجات خاصة. كذلك تقديم المحاضرات التوعوية  التي تركز على حملة الأمير خالد الفيصل (الحج عبادة وسلوك حضاري)، كما يرتبن الأنشطة الثقافية والمسابقات والرحلات المتنوعة للمتاحف والآثار والمشاعر المقدسة بالإضافة إلى الاستقبال، وتقديم وجبات الضيافة، وتكوين علاقات إنسانية سامية معهن.

وأبانت حسين أنه يوجد عدد كبير من المطوفات مماثل  تقريباً لعدد المطوفين ولكنهن معطلات في المهنة، ولا تعمل سوى نسبة ضئيلة جدا منهن. هناك مطوفات مؤهلات للخدمة، ولديهن إمكانات كبيرة لتقديم خدمات متنوعة سواء كانت لغوية أوخدمية. وتقول: «إن رضا  الحاجات عن الخدمات المقدمة لهن كبير، خاصة تلك التي تقدم عن طريق النساء. ونكاد نلمس ذلك من تعابير وجوههن وألسنتهن التي تلهج لنا بالدعاء والشكر والتقدير عند تقديم الخدمات لهن». وأشارت حسين إلى أن أعداد النساء الحاجات قد يصل إلى 50 في المئة من المجموع الكلي للحجاج، وهن بحاجة إلى من يرشدهن ويوجههن ويقدم لهن ما يحتجنه من خصوصيات في حالة مرضهن. إذ من الصعب تلبية بعض المطالب الملحة عن طريق الرجال بل في أحيانٍ كثيرة قد يمنع الحياء الحاجة من طلبها. بل إنه من الناحية الشرعية لا يتوافق تقديم بعض الخدمات من جانب الرجال مع تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، من هنا يغدوعمل المرأة  في المهنة ضرورة ملحة بقتضيها تقديم خدمات متميزة لضيفات الرحمن.

وقالت حسين إن المطوفات بحاجة إلى الاعتراف رسمياً بدورهن في المهنة وإعطائهن حقهن في العمل  وتمكينهن من ممارسة الخدمة، مؤكدة ضرورة حصولهن على دورات متنوعة تنظمها وزارة الحج، على غرار الدورات التي تقدم للمطوفين، بغية رفع مستواهن المهني، كدورات في الإدارة والقيادة والإسعافات الأولية والاتصال الفعال واللغات التي تتحدث بها الحاجات لمزيد من حسن التواصل أثناء تقديم الخدمات.
وأضافت: «قلة من المطوفين من يعرف حجاجه تمام المعرفة، وازدحام مكة المكرمة في أيام الذروة وصعوبة التنقل يسببان عدم تنفيذ بعض البرامج حسب الخطة أوتأخيرها لموعد آخر... لذا نطمح إلى أن يكون للمطوفة دور بارز في المهنة».


مغربي: لابد من وجود ملتقى سنوي للمطوفات

تحدثت الدكتورة إيمان بنت عبد الرحمن مغربي وكيلة عمادة الدراسات الجامعية في جامعة أم القرى، ومطوّفة في المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج إيران، ورئيسة اللجنة النسائية فيها سابقا، قائلة: «من المعلوم أن عمل المطوفة يعتمد بشكل كبير على رئيس المؤسسة ومجلس الإدارة ومدى اقتناعهما بفاعلية مشاركة المطوفة جنباً إلى جنب مع المطوف. ويختلف بدء العمل ومنتهاه وفق توجه كل مؤسسة ورؤيتها في عمل المطوفة، فبعضها يحبذ أن تبدأ اللجان النسائية عملها  مع بدء توافد الحجيج وفق خطة معدة سلفاً ومحدد فيها رئيسات اللجان وعمل كل لجنة، وبعضها مع بدء شهر ذوالحجة، وعليه يكون الانتهاء وفق ذات الرؤى وحسب ما يناط باللجان من أعمال».

وأشارت إلىأن عدد المطوفات في تزايد مستمر وخاصة أنه مع وفاة أحد المطوفين يرث جميع الأبناء المهنة بمن فيهم السيدات. وقالت إن «التعامل مع الحجيج يحتاج إلى رحابة صدر، وبشاشة وجه، وحسن توجيه، وحفاوة استقبال، ثم تزويدهم ما يحتاجون إليه ليتموا المناسك في يسر وسهولة ويعودوا بذكرى رائعة لا يمكن أن تمحى، وعلى كل مطوفة تتحلى بشيء من ذلك إن لم يكن كله».
ولفتت إلى أن للمرأة خصوصية في هذه المهنة، «فلقاء الحاجّات بالمطوفات مهم وفيه تبادل خبرات. وشخصيا حصل لي موقف مع مجموعة أخوات من إحدى الدول فوجئن بأن المرأة السعودية تعمل كالرجل ولكن في معزل عنه وبكامل حريتها».

وشددت مغربي على ضرورة تعزيز التواصل بين المطوفات عبر عقد ملتقى سنوي يجمعهن ويتبادلن فيه الرؤى ويتناقلن الخبرات، وإيجاد مقعد مخصص لهن على الأقل في مجلس إدارة كل مؤسسة لمعرفة احتياجات المطوفات وإشراكهن في اتخاذ القرار وطرح المقترحات.
وعن تأثير تقليص أعداد الحجاج قالت: «قد يؤثر ذلك سلبا في المردود العام لأي مؤسسة تنظر إلى الطوافة على أنها عمل ربحي، أما من وجهة نظري فقلة عدد الحجيج مع توافر كل الإمكانات، سيجعلنا نقدم الخدمات براحة ويسر وسهولة لأني وغيري ننظر إلى الطوافة على أنها شرف، ولا شك أن ذلك الشرف الذي حظينا ونحظى به لا يتأثر بأعداد الحجاج».


ساعاتي: ما ينقصنا هو الاعتراف الرسمي

أكدت عهود محمد عبدالعزيز ساعاتي مسؤولة العلاقات العامة والمنسقة الإعلامية في اللجنة النسائية التطوعية لمؤسسة جنوب آسيا أن الهدف الأساسي من عملهن في الحج هو توعية الحاجات بمناسك الحج، والمحظورات التي قد يقعن فيها، وكل ما يتعلق بالدين، والوقوف بجانبهن حتى لا يشعرن بالغربة. وقالت: «نحن أخوات مهما اختلفت الجنسيات وبعدت المسافات بيننا، لذلك نقوم على مواساتهن في إحزانهن ومرضهن، بزيارتنا لهن في المستشفيات أوحتى في مقر سكنهن، وتقديم يد العون لهن وإعطائهن بعض الهدايا الرمزية التي تدخل السرور إلى قلوبهن، وأخذهن في رحلات تثقيفية يشاهدن فيها آثار الحرمين الشريفين وكيفية حياكة ثوب الكعبة وكيف تتم تعبئة مياه زمزم وسوى ذلك»...

وأكدت ساعاتي أنه بحكم انشغال المطوّف بتوفير السكن للحجاج والمعيشة والمواصلات وغيرها من أمور، لا يعود لديه الوقت الكافي لتقديم الخدمات التي يمكن أن تقوم بها المطوفة، خاصة مع النساء اللواتي يجدن المطوفات حاضرات ليتسنى لهن السؤال والاستفسار بدون خجل أواستحياء، وهذا دليل على أهمية دور كل من المطوف والمطوفة.
وأردفت: «ما ينقصنا هو الاعتراف بنا رسمياً لتكون لنا كلمة مسموعة، ونأخذ حقوقنا كاملة كأي مطوف رجل».


الفرصة كاملة...

وحمّلت المطوفة آمنه زواوي مؤسسة الطوافة مسؤولية إغلاق عدد من مكاتب الخدمات في العاصمة المقدسة نتيجة تقليص أعداد الحجاج، قائلة: «في هذا الجانب تتحمل المؤسسة تعطل عدد من المطوفين والمطوفات عن العمل في سابقة لم تحدث منذ سنوات، فهناك مجموعة من المطوفين سيكونون عاطلين هذا العام». وأبانت أن عمل الطوافة يعتمد على الخبرة المكتسبة منذ عقود نتيجة تراكم الخبرات الممتدة التي يكتسبها كل من المطوف والمطوفة من خلال الممارسة على أرض الواقع، مضيفة أن عدد المطوفات مناسب لكن عدم منحهن الفرصة كاملة هومن أهم المعوقات التي تواجههن.