الشعور بالذنب نحو الأبناء... هل يرغم المرأة العاملة على التخلي عن طموحاتها؟

الشعور بالذنب,نحو الأبناء,المرأة العاملة,طموحاتها,محور الأسرة,الأمومة,التربية,العاطفة,دعم بيتها,قادرات على اختراق العالم,علاقتها بزوجها

مصر: أحمد جمال- سورية: «لها» 26 مارس 2016

تتخبط المرأة العربية بين اتجاهات عدّة في حياتها عموماً، فهي محور الأسرة في الأمومة والتربيّة والعاطفة. وهي المرأة المنتجة والعاملة والنشيطة والقادرة على دعم بيتها وبناء أسرتها. لكن بين الداخل والخارج، تصارع المرأة بين النمطيّة التي اعتادتها، والتربيّة التي نشأت عليها. فبعض النساء لا يملكن الجرأة بما يجعلهن قادرات على اختراق العالم الخارجي، والانسجام بين ما يعشنه مع أفراد أسرهن، وما يفعلنه في الخارج، في مقابل أخريات نجحن في إيجاد لغة الانسجام تلك. وبين هذين النموذجين، سجّلنا مجموعة من الآراء والأمثلة عن المرأة العاملة والمنتجة، وكيفيّة التوفيق بين عملها وتربية أطفالها، وعلاقتها بزوجها ومحيطها عموماً؟  وهل تشعر الأم العاملة بالذنب نحو أولادها، خاصة إذا صرفها عملها عن الاهتمام بهم وتلبية متطلباتهم؟ وكيف يمكنها أن تتجاوز هذا الشعور وتنظم حياتها بشكل يجعلها تقوم بالدورين معاً كأم وكموظفة؟ وإلى أي مدى يعتبر الزوج مسؤولاً عن شعور زوجته العاملة بالذنب؟ علامات استفهام كثيرة نبحث عن إجابات صريحة لها في هذا التحقيق من مصر وسوريا.


صفية زكي: تنظيم الوقت وترتيب الأولويات كلمتا السر في نجاح الأم العاملة
توضح صفية زكي، كبيرة الاختصاصيين في المجلس الأعلى للثقافة، أنها لا تشعر بالذنب نحو ابنتيها، مريم وإيريس، لأنها نظمت وقتها بين بيتها وعملها، سواء عندما كان زوجها لا يزال على قيد الحياة أو بعد وفاته قبل عشر سنوات، حيث قامت بدور الأم والأب معاً بنجاح، وتمكنت ابنتاها من إتمام دراستهما بتفوق، وتزوجت مريم وتم تجهيزها وأُقيم لها حفل زفاف ضخم.
وتضيف: «تنظيم الوقت وترتيب الأولويات هما كلمتا السر في نجاح المرأة العاملة في بيتها وفي عملها، لأن لا تعارض بينهما عند المرأة الذكية، بدليل أنني تمكنت من إنجاز دراسات عليا، وكنت أصطحبهما معي أثناء بحثي في المكتبات، ولم آخذ إجازة بدون راتب أو إجازة وضع، كما لم تؤثر رعايتي لشؤون بيتي واهتمامي بابنتيَّ في عملي». وتنهي صفية زكي كلامها مؤكدة أنها كانت تحاول تعويض ابنتيها عن فترات غيابها عنهما بكل وسائل الرعاية التعليمية والترفيهية، وأنها علمتهما كيفية الاعتماد على نفسيهما منذ الصغر، مما انعكس إيجاباً على حياتهما عندما نضجتا، فتزوجت الأولى والثانية لا تزال مخطوبة.

الدكتورة عزة كامل: المرأة غير العاملة تشعر بالذنب أكثر
تفجّر الكاتبة الدكتورة عزة كامل، رئيسة مركز الاتصالات، مفاجأة إذ قالت: «غالبية النساء اللواتي يشعرن بالذنب لتقصيرهن، هن من غير العاملات اللواتي يفتقرن الى الخبرة الحياتية والعلمية التي تتمتع بها المرأة العاملة، التي تكتسب كل يوم خبرات جديدة من خلال احتكاكها بالآخرين والاستفادة من تجاربهم، على عكس الأم غير العاملة، التي تكون حياتها رتيبة ومملة، مما ينعكس سلباً على أبنائها، ولهذا فهي تشعر بالذنب أكثر».
وتشير الدكتورة عزة إلى أنها نجحت بالتعاون مع زوجها في وضع حزمة من الأولويات في حياتها، مما جعلها توازن بنجاح بين رعايتها لابنتها واستمرارها في عملها، حيث تعمل ابنتها حالياً مخرجة سينمائية.
وتستشهد الدكتورة عزة كامل بوالدتها كنموذج للمرأة العاملة المنظمة التي لا تشعر بالذنب لتقصيرها في حق أولادها، إذا كانت مثقفة وتوازن بين طموحها ورسالتها في تربية أولادها، بدليل أن والدتها كانت امرأة عاملة، وتمكنت من تربية سبعة أولاد أحسن تربية، وكلهم شغلوا مراكز مرموقة، ذلك أن المرأة العاملة تحاول تعويض أولادها عن فترة غيابها عنهم، من خلال بذل المزيد من العطاء، فضلاً عن أن عدم وجود المرأة العاملة مع أولادها يجعلهم يتحملون المسؤولية ويشعرون بالاستقلالية، مما يفجّر طاقاتهم ومواهبهم.

رشا عيسى: علمت ابنتيَّ الاعتماد على النفس وكنت محظوظة بزوج متعاون
ترى رشا عيسى، عضو جمعية «أصوات النساء»، أن من الخطأ التعميم في هذه القضية الحيوية، فليست كل أم عاملة ناجحة في عملها ورعاية أولادها، وإنما كل حالة مستقلة بذاتها، وتعتمد على ثقافة الأم ومساعدة زوجها لها على تحقيق طموحها في العمل، وكذلك الظروف الأسرية والاجتماعية والبيئية المحيطة بها. وتشير رشا إلى أنها نجحت في تحقيق طموحها المهني، حيث تعمل في جمعية «أصوات النساء»، فضلاً عن توليها أمانة المحليات في حزب «مصر الديموقراطي»، وإيمانها بحكم دراستها لعلم النفس بأن السنوات الخمس الأولى من حياة الإنسان هي التي تتشكل فيها شخصيته وتتفتح خلالها مواهبه، وقد عايشت هذا مع ابنتيها، كنزي وشهد، وهما في عمر 12 و7 سنوات، حيث جعلتهما تعتمدان على نفسيهما رغم صغر سنّهما. وتنهي رشا عيسى كلامها، مؤكدة أن الله قد أكرمها بزوج متعاون، يفرح لنجاحها في عملها ويساعدها في مسؤولياتها المنزلية، ويعتبر نجاحها نجاحاً له، وهو حالياً خارج البلاد، حيث يعمل محاسباً في إحدى الجامعات في الخليج، ومع هذا فإنه يطمئن يومياً على أحوال أسرته ويرعاها ويتابع أخبارها ويحل مشكلاتها، لهذا فإن شعور المرأة بالذنب نحو أولادها أمر نسبي يختلف من أم لأخرى.

هدى البدري: أشعر بالذنب نحو أحد أبنائي
تعرض سيدة الأعمال هدى البدري، تجربتها كامرأة عاملة شعرت نسبياً بالذنب نحو أحد أبنائها، فتقول: «لديَّ ولدان وبنتان، وقد قدمت لهم كل ما أستطيع من رعاية حتى حصلوا على مؤهلات عالية، فحصل كل من: صلاح على بكالوريوس تجارة انكليزي، وياسمين على ليسانس في الحقوق، وآية على ليسانس في الآداب، أما شعوري بالذنب فكان بسبب ابني الأخير أشرف، حيث قصّرت في رعايته ولم ينل مؤهلاً عالياً مثل بقية إخوته، وحصل على دبلوم صناعي فقط.
وتشير هدى إلى أن جزءاً من الذنب الذي شعرت به نحو ابنها أشرف، كان بسبب الخلافات الأسرية بينها وبين زوجها، مما أدى إلى الانفصال عام 1998، وإلى تراكم المسؤولية عليها في تربية الأبناء، هذا بالإضافة إلى قيامها بأدوار اجتماعية وسياسية، حيث أنشأت جمعية «السيدة سكينة» وجمعية «المستقبل للتنمية البشرية»، التي تُعنى بمساعدة الفقراء والأيتام.
وتوضح هدى أنها استفادت من تجربتها في الحياة بعد الانفصال في تأسيس شركة للاستيراد والتصدير، وكل العاملات فيها من النساء المعيلات، وتحرص على أن يعمدن الى الموازنة بين مسؤولياتهن الأسرية ومتطلبات عملهن، لئلا يشعرن بالذنب إذا قصّرن في حق أحد أبنائهن مثلما فعلت مع ابنها أشرف، وستعمل في السنوات المقبلة على إلحاقه بالجامعة المفتوحة ليحصل على مؤهل عالٍ مثل أخيه وشقيقتيه.

المستشارة هالة جاد: الرجل مسؤول عن شعور المرأة بالذنب من عدمه
تعد المستشارة هالة جاد، عضو المجلس الرئاسي في حزب التحرر المصري، وأمين التنمية البشرية في الحزب، من الشخصيات الناجحة التي استطاعت التوفيق بين عملها وبيتها ورعاية أبنائها، حتى أنها لم تشعر بالذنب أبداً نحوهم، فهم بفضل مساعدة زوجها وتفهمه، والذي يحتل مركزاً مرموقاً، تفوقوا في تعليمهم، ويشغلون اليوم مناصب هامة.
وتطالب المستشارة هالة جاد، المرأة العاملة بالتمتع بالإرادة القوية لتنجح بتفوق في كل مهامها، سواء في تربية أولادها أو تحقيق كل طموحاتها، وتقول: «التفاهم بين الزوجين يؤدي الى نجاحهما في إكمال رسالتهما في الحياة، سواء في العمل أو في تربية الأبناء. وإذ كان يُقال: «وراء كل رجل عظيم امرأة»، فإنني أقول من خلال تجربتي الشخصية: «وراء كل امرأة ناجحة رجل عظيم» يتعاون معها ويجعلها لا تشعر بالذنب لتقصيرها في حق أبنائها حتى يكونوا أفراداً ناجحين في المجتمع».

الدكتورة أماني وهبة: هكذا أخفف من شعوري بالذنب نحو ابني
تعرض الدكتورة أماني وهبة، استشارية الباطنة ورئيسة مؤسسة «طبيب الخير» تجربتها كامرأة عاملة مسؤولة عن أربعة أولاد، فتقول: «أنعم الله عليَّ بأربعة من الأبناء والبنات هم: بسمة طبيبة أسنان، ندى طالبة في كلية الإعلام، جلال الدين طالب في الإعدادي، ثم آخر العنقود ابني خالد وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة». وتضيف الدكتورة أماني أنها تشعر أحياناً بالذنب نحو ابنها خالد، الذي يحتاج منها الى رعاية شديدة بسبب ظروفه الصحية، ومع ذلك استطاعت تطويع الظروف وتهيئة الأوضاع لتوفير أقصى رعاية له. 

وتختتم الدكتورة أماني وهبة كلامها، مؤكدة أنها من خلال مؤسسة «طبيب الخير» تحاول علاج المرضى من الفقراء وتقديم الأدوية لهم مجاناً، فضلاً عن رعاية الأيتام والمرأة المعيلة، مما يخفف شعورها بالذنب نحو ابنها خالد، إذ تدخل السعادة الى نفوس آلاف المحتاجين من المرضى والفقراء والمهمشين.

 الدكتورة لبيبة الجنيدي: أطالب السلطات بمراعاة أوضاع الأم العاملة
تؤكد الدكتورة لبيبة الجنيدي، استشارية الأمراض الجلدية، أن الأم تشعر طوال حياتها بالذنب نحو أولادها، سواء أكانت عاملة أم غير عاملة، لأنها «نبع العطاء»، وتضحي من أجل أبنائها ليكونوا الأفضل في كل شيء، ولهذا فمهما قدمت الأم، ستشعر بأن في إمكانها بذل المزيد من العطاء.
وتضيف: «أنا نموذج عملي لذلك، فلي خمسة أولاد علّمتهم أحسن تعليم وسهرت على تربيتهم، وهم: أحمد طالب في كلية الطب، سارة طالبة في كلية العلوم، محمد حقوق إنكليزي، محمود طالب ثانوي، ويوسف طالب ابتدائي، وهم حصيلة زواج دام 22 سنة، أديت خلالها دوري كأم وطبيبة ناجحة في المستشفى حيث أعمل، بالإضافة إلى المركز الطبي الذي افتتحته، الى جانب مواهبي الأدبية إذ إنني أكتب شعراً وأؤلف قصصاً وأحضر الصالونات الثقافية».
وتؤكد الدكتورة لبيبة أن الأم العاملة تبذل جهداً غير عادي في بيتها، حيث تقوم بأدوار متعددة كزوجة وأم وخادمة للأسرة، من طبخ وغسيل... وتؤمّن الحضانات والمدارس لأبنائها في مراحل التعليم المختلفة، وتساعدهم في دروسهم، وتحل لهم مشكلاتهم اليومية، سواء في ما بينهم أو بينهم وبين زملائهم، ولهذا فإن الأم العاملة مُثقلة بالهموم. وتحض الدكتورة لبيبة السلطات التشريعية في الدول العربية على النظر في أوضاع الأم العاملة وسن قوانين تراعي طبيعة عملها، وأنها تقوم بأدوار متشابكة ومتعددة، وليس دوراً واحداً مثل الرجل، بل إنها تقوم أحياناً بدوريْ الأم والأب معاً، إذا توفي زوجها أو طلّقها، ومع هذا فإن مسؤولي العمل لا يراعون ظروفها، بل يطلبون منها التقيد بمواعيد الحضور والانصراف من دون مراعاة ظروف أطفالها في الحضانة أو المدرسة أو حتى إذا كانوا من ذوي الاحتياجات الخاصة... ومع هذا فهي تشعر بالذنب – رغم أنها مظلومة تشريعياً واجتماعياً ونفسياً – لأنها اعتادت على العطاء بلا حدود وبلا مقابل، بل إنها تتحول إلى شمعة تحترق لتضيء الطريق لأولادها. 

سارة طارق: لم أشعر بأن أمي العاملة قصّرت في حقنا يوماً
لكن ماذا عن رأي الأبناء؟ تقول سارة طارق، الطالبة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، إنها نشأت في أسرة عاملة حيث تعمل الأم مديرة مدرسة وهي ناجحة جداً في عملها، في حين يعمل الأب قبطاناً، وبالتالي فهو متواجد خارج البلاد لأيام طويلة وليس خارج البيت فقط، ومع هذا لم تشعر وإخوتها بأي تقصير من والدتهما.
وتضيف سارة: «لم تشعر والدتنا العاملة بالذنب نحونا، ولم نتأثر سلباً بغيابها عنا في العمل، بل اعتمدنا على أنفسنا ولم نضايقها يوماً، ونحن متفوقون في دراستنا لأن أمي كانت تنظم لنا الوقت وتساعدنا في دروسنا، كما كانت تحصل على إجازة من عملها لرعايتنا ونحن صغار، وتختار لنا حضانات قريبة من منزلنا، وألحقتنا من ثم بأهم المدارس التي تقدم أفضل تعليم وتنمي المواهب والقدرات».
وتوضح سارة أن نجاح والدتها العاملة انعكس إيجاباً على الأسرة كلها، وكانت تقول لهم باستمرار: «لو أنكم شعرتم بتقصيري تجاهكم، أخبروني وأنا سأتوقف عن العمل فوراً، لأنكم رسالتي الأولى في الحياة، وسأحاول تعويضكم عن فترة غيابي عنكم بكل الوسائل».
وتنهي سارة كلامها مؤكدة: «بالفعل نجحت والدتي في تعويضنا عن غيابها، ولهذا فنحن نرفض تفرغها لتربيتنا لأنها تتابعنا أينما كانت». 

شروق أنور: استفدت من تجربة أمي
وبخلاف التجربة السابقة، تؤكد شروق أنور، عضو المركز المصري لحقوق المرأة، أن المرأة العاملة الناجحة تقوم بأدوار متعددة لتثبت نفسها في عملها وترعى في الوقت نفسه أولادها، بشكل أفضل من الأم غير العاملة، وقد عايشت ذلك بنفسها حيث كانت والدتها لا تعمل، في حين حققت قريباتها العاملات نجاحات أكثر على المستويين الأسري والعملي، ولهذا فإنه إذا كان هناك شعور بالذنب للتقصير في حق الأبناء فإنه من نصيب والدتها غير العاملة، لأنها تشعر بالملل من حياتها الرتيبة، وقد انعكس ذلك بالسلب على الأسرة، مع اعترافها بالمجهود الجبار لأمها في تربيتها مع إخوتها في ضوء ما توافر لها من خبرة حياتية ضئيلة لعدم خروجها للعمل، ولأنه كما يقال: «ليس في الإمكان أفضل مما كان».  وتشير شروق إلى أنها استفادت من التجربة السابقة لوالدتها، مقارنة بقريباتها وجاراتها، ولهذا فهي تصر على الاحتفاظ بعملها عند زواجها، لأنه يمثل نقطة استقرار واستقلال لها، خاصةً أن المرأة استطاعت الدخول في كل مجالات الحياة، ولم تعد هناك مهن ذكورية كالسابق، وجعل المرأة تابعة للرجل.
وتنهي شروق كلامها مطالبةً الدولة بدعم المرأة العاملة وتشجيعها، من خلال توفير الحضانات القريبة من بيتها، وأن تنشئ المصانع والنقابات والمؤسسات، حضانات داخلها لأبناء العاملات فيها، وأن يتقاسم الزوج معها المسؤولية كاملة ويفرح لنجاحها، وأن تتيح لها وسائل الثقافة والوعي اللازم، مما يساعدها في تربية أولادها والتفوق في عملها فلا تعود تشعر يوماً بالذنب، مما ينعكس بالإيجاب على المجتمع.

الدكتورة نسرين البغدادي: يجب ألا يلقي الزوج مسؤولية الأبناء بالكامل على الأم العاملة
تطالب الدكتورة نسرين البغدادي، رئيسة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، الأم العاملة بالتخفيف من شعورها بالذنب لتقصيرها في حق أولادها، لأن من المفترض أن تكون تربية الأبناء ورعايتهم مسؤولية مشتركة بين الزوجين، ويجب على الزوج تحمل مسؤوليته وعدم إلقاء المسؤولية كاملة على الزوجة العاملة، فهذا ظلم بيّن يجب رفعه عنها، من خلال تعزيز الوعي الديني والثقافي لدى الأزواج بدورهم تجاه أسرهم، وأن كلاً منهم راع ومسؤول عن رعيته، وتصحيح هذا الوضع يقلل من الضغط النفسي والشعور بالذنب لدى الزوجة والأم العاملة، خاصةً إذا كان أولادها صغاراً في السن لا يستطيعون الاعتماد على أنفسهم، كما أن عدد الأولاد وأعمارهم ومدى احتياجهم إلى الرعاية، من شأنها أن تُحدث مشاكل نفسية للمرأة العاملة لشعورها الدائم بالتقصير، وتنمّي عقدة الذنب لديها لتغيبها عن أبنائها. ولهذا لو أجرينا دراسات ميدانية عن أسباب تغيب المرأة المفاجئ عن العمل، لوجدنا أن معظمها ينحصر في مرض الأطفال وهروب الخادمات، أو عدم ثقة المرأة العاملة بهن، ونظرة المجتمع الظالمة لها، وجمود الأنظمة والتشريعات التي تخدم الرجل على حساب المرأة، سواء عمداً أو خطأ، مما يفاقم الآثار السلبية لخروج الأم إلى العمل.

الدكتور عادل مدني: هكذا يمكنك التخلص من الشعور بالذنب
يحاول الدكتور عادل المدني، رئيس قسم الطب النفسي في جامعة الأزهر، تحليل سيكولوجية الأم العاملة وشعورها أحياناً بالذنب نحو أبنائها، فيقول: «شعور المرأة بالفطرة أنها أمٌّ يجب أن تضحي من أجل فلذات كبدها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، يجعلها تشعر بالذنب، خاصةً إذا فشلت لظروف عملها في توفير الرعاية والحنان الكافي لأطفالها، وعدم وجود من يشكو إليه الطفل همومه أو يوجهه إلى الصواب والخطأ».
ويوضح الدكتور المدني، أن الحل لا يكون في استقدام الخادمات، لأن ذلك يؤدي إلى آثار سلبية مدمرة على الأبناء، أبرزها الاتكالية وتعرضهم للضرب والتوبيخ، مما يؤثر سلباً في نفسية الطفل، وبالتالي شعور أمه بالذنب بسبب الأضرار الأخلاقية والعادات السيئة التي يكتسبها بسبب انشغالها في عملها، مما ينعكس سلباً على علاقتها بزوجها، خاصةً إذا لم يكن متعاوناً أو لا يؤمن بعمل المرأة أو يغار من نجاحها، فيضع أمامها العراقيل ويحاول دائماً إشعارها بالذنب لتقصيرها في حق أولادها وحقه كزوج، بل قد يهددها أحياناً بالطلاق، مما يزيد من الضغوط النفسية والشعور بالذنب لدى المرأة العاملة، ويحد من قدرتها على العطاء والنجاح، ويجعلها عرضة للفشل وفريسة سهلة للأمراض العضوية والنفسية».
وينهي الدكتور عادل المدني كلامه بدعوة الأم العاملة إلى ترتيب أولوياتها، ومحاولة إقناع الزوج بأنه عامل أساسي في نجاحها أو فشلها في التوفيق بين مسؤوليتها كأم وزوجة، وكونها امرأة عاملة ناجحة، كما أن عليها الاتصاف بالمرونة والتهوين على نفسها والابتعاد عن العصبية الزائدة في البيت او في العمل، كما يجب على الدولة والمجتمع أن يُقدما الدعم للأم العاملة، بدلاً من وضع العراقيل أمامها».


شهادات من سورية: الأولوية للأسرة

هذه شهادات من سورية تبين أن التوفيق بين الواجبات نحو الأسرة والواجبات نحو الوظيفة ليس بالأمر السهل لدى عدد كبير من الأمهات.


ثريا: أهل زوجي يلومونني على عملي وتقصيري في حق زوجي وابني
تعمل «ثريا» البالغة من العمر 29 عاماً موظفة في دائرة الخدمات الاجتماعيّة، ويبدأ دوام عملها اليومي في الثامنة صباحاً وينتهي في الثالثة بعد الظهر، وعن ذلك تقول: «هو دوام روتيني باستثناء يومي العطلة، أي الجمعة والسبت واللذين أشعر بأنهما يمرا بسرعة مقارنة بأيّام العمل العادية. التحقت رسميّاً بالوظيفة منذ 9 سنوات، ولا أزال مستمرة على هذه الحال. أحب عملي بشغف، ولا أنكر أن الزواج أثر فيه، خصوصاً أنني أعيش منذ 5 سنوات في منزل واحد مع أهل زوجي مع ما يترتب على ذلك من التزامات كثيرة، لكن يبدو أنّهم لم يعتادوا كثيراً على فكرة التزام المرأة بدوامها الوظيفي، وكثيراً ما كنت أسمع منهم عبارات اللوم والتقصير في حقّ زوجي وابني، الى درجة أن أصبح تكرار الملاحظات يزعجني ويجعلني أشعر بأنني مقصّرة فعلاً. ولا أعلم ما إذا كنت في المستقبل سأترك وظيفتي، لأكرّس كل وقتي للاهتمام بأسرتي، لا سيّما إذا قررت وزوجي إنجاب مولود جديد».

جمانة: أفتخر بعائلتي ولغة التعاون هي السبب في ما حققناه
أما «جمانة» وهي مدرّسة في قسم التربية الفنيّة منذ حوالى 23 عاماً فقد استطاعت أن تجد لنفسها مساحة كافية في تنظيم الوقت، وبناء مخطط لكلّ أسبوع منذ بدايته، وتقول: «واجهت في البداية صعوبة في التوفيق بين التزامات البيت والتربية والأولاد والزوج، وبين الدوام المدرسي وتحضير الدروس المسائية، لا سيّما أنّ زوجي التزم أيضاً بالتدريس في إحدى المدارس بعد زواجنا، وقد عانيت كثيراً معه إلى أن اتفقنا على تقاسم الأعمال المنزلية والتعاون في ما بيننا  لتجاوز التعب الذي يصيب الإنسان بالعجز مع مرور الأيّام... فكنا وما زلنا نضع مخططاً قبل بداية كلّ أسبوع، يقضي بتحديد أوقات التسوق وشراء حاجات أفراد العائلة، وتحديد أنواع الأطعمة الواجب علينا تحضيرها، بالإضافة الى حصول كلّ منّا على يوم عطلة إضافي من إدارة المدرسة خاصته، مما ييسر حياتنا أيضاً، وبالتالي أشعر وزوجي بأن حُسن التنظيم هو الذي يحقق لأسرتنا النجاح الدائم، خصوصاً أنها مؤلفة من 4 أبناء يدرسون كلهم في الجامعة، ومن المتفوقين في دراساتهم. ولذلك أفتخر بهم كثيراً وأعتدّ بطريقة حياتنا التي يراها البعض في مجتمعنا مضرباً للمثل... كما أعتقد أن لغة التعاون التي فرضتها ضرورات العمل هي السبب في ذلك كلّه، وقد اعتاد أبناؤنا هذه الطريقة في العيش وكأنّها من أساسيّات الحياة، فيلتزم كلّ منهم بواجباته تجاه نفسه وتجاه البيت أيضاً، ويعملون بلا تذمر للحفاظ على ديمومة الأسرة».

سامية: لا أستطيع الابتعاد عن أولادي
«سامية» ربّة منزل لها من العمر 36 عاماً، وشديدة التعلّق بأسرتها، ولدى سؤالها عن إمكانية قبولها فرصة عمل إن جاءتها، وتفضيلها الوظيفة على تمضية الجزء الأكبر من وقتها مع أبنائها وزوجها، تجيب: «لا أتصور نفسي امرأة عاملة، ولا أطمح الى ذلك أبداً، لأنني أحبّ أبنائي كثيراً ولا أستطيع الابتعاد عن أجواء البيت. وعموماً أنا لست متعلمة ولا أملك شهادة تؤهلني للعمل، وحتى لو كنت متعلمة، أرفض فكرة العمل، لأنّ كلّ دقيقة أمضيها مع أولادي تساوي كنوز الدنيا، وكل ما يهمّني أن أبقى إلى جانب أبنائي وأساعدهم وأسهر على راحتهم، وعلى زوجي أن يستمر في سعيه لترتيب أمورنا الماديّة وتلبية حاجات المنزل، فهذا واجبه».

رنا: الشعور بالذنب قضى على وظيفتي وحلمي بالتحصيل العملي
لـ «رنا» أسرة مؤلفة من طفلين، بالإضافة إلى زوجها المغترب، وتقول: «لم أتصور أنني سأضعف يوماً وأتخلى عن تحصيلي العلمي ووظيفتي كممرضة في أحد المستشفيات لأصبح حبيسة الجدران الأربعة وأهتم فقط بتربية طفليّ ورعايتهما. كنت أستعد للسفر إلى روسيا في بعثة علميّة تؤهلني لأصبح قابلة قانونيّة، بالإضافة الى شهادة التمريض التي حزتها في بلدي سورية، لكن سفر زوجي وأوضاعنا الماديّة المتردية أجبرتني على التخلي عن فرصتي تلك، في وقت لم أكن أجد المكان المناسب أو أيّة روضة أطفال أترك طفليّ فيها، حتى أنني لم أكن أثق بجليسة أطفال لكثرة ما سمعت من حوادث نتيجة اللامبالاة... لذا صوّبت كل تفكيري وعواطفي في اتجاههما الى درجة النسيان وارتكاب بعض الهفوات أثناء العمل. ومع مرور الوقت انتابني شعور قوي بالذنب، لأنّني كنت أتركهما، وهما بحاجة ماسّة إليّ، ولذلك قررت ترك الوظيفة، ومحوت فرصة السفر لتحصيل العلم، وها أنا اليوم معهما ولا أشعر بالندم أبداً، كما غابت تلك المشاعر التي كانت تجتاحني أثناء ابتعادي لساعات عن المنزل».

الاختصاصية النفسية «شروق»: ترك المرأة عملها لشعورها بالذنب حالة معيبة في المجتمع
«يترافق الشعور بالذنب مع مستوى التربيّة التي يخضع لها الطفل منذ البداية»... هذا ما أكدته لنا «شروق»، الباحثة الاختصاصيّة في علم النفس، موضحة أن مستوى النشوء على تربية سليمة هو ما يحدد طموح المرأة المستقبلي بأنّ تصبح عاملة وقويّة وقادرة على أن تكون أكثر تفاعلاً وإيجابيّة مع أسرتها ومجتمعها، أو تبقى ضمن دائرة البيت، تسبح في فلكها الصغير، مع الاعتقاد بأنّ هذا هو عالمها، ولا يجوز لها أن تحلم بأكثر من ذلك.
وتضيف «شروق»: «قد تفرض العادات والتقاليد أحكامها على المجتمع نفسه، ففي بعض الأرياف السورية لا تزال المرأة محدودة الخطوات، رغم أنها تشكل أكثر من نصف المجتمع، وبالتالي من الصعب عليها أن تؤدي دورها الطبيعي وتقوم بواجباتها كعاملة ومنتجة ومهنية، لا سيّما بعد الحرب على سورية. وهنا تقع المسؤوليّة على دوائر التوعية والمؤسسات والجمعيات المعنيّة بالأسرة والمرأة والتربية وغيرها، فإن بقيت المرأة حبيسة الشعور بالذنب، فهذا سينعكس سلباً على تربيتها لأبنائها، وبالتالي سيؤثر في تطور المجتمع، بعد خسارته فرداً منتجاً فيه».
حلول كثيرة، تقول الاختصاصيّة «شروق»، يمكن المرأة العاملة أن تلجأ اليها، مثل تسجيل أطفالها في دار للحضانة، مع متابعة أحوالهم باستمرار رغم الثقة التي أولتها لهذه الدار، أو تعويد أفراد أسرتها على مسألة غيابها اليومي عن البيت والذي يفرضه عليها دوام العمل، وتكريس هذا المفهوم لدى الطفل الذي سينمو ويقدّر مع مرور الوقت هذا الأمر الذي يحفزه ليكون عنصراً نشيطاً في مجتمعه.
وفي حين أشادت «شروق» بالسيدة «جمانة» وهي نموذج المعلمة التي نجحت في تفهّم آليّة العمل اليومي والتنسيق مع زوجها لتقاسم هموم الحياة واعتياد أطفالها مسألة غيابها عن المنزل مما يعزز فيهم حس المسؤولية... فإنها في المقابل بينت أمثلة عن نساء عاطلات من العمل فقط لمجرد شعورهن بالخوف من الابتعاد عن المنزل، وهذه حالة معيبة في مجتمع لا يعدّ من المجتمعات المنغلقة أو المتعصبة تماماً.
ولدى سؤالها عن الحلول التي يمكن اتباعها لإلغاء الشعور بالذنب، أجابت: «لا بدّ من تكاتف مجموعة كبيرة من المؤسسات في المجتمع والتي ترمي الى النهوض بالأسرة ككلّ. ومع الاعتراف بأنّ المرأة العاملة هي الأفضل في تحفيز الأسرة السوريّة للقيام بنقلة نوعيّة، لا بدّ من نشر التوعية من خلال الجمعيات الإنسانيّة ورفدها بمعلومات كافية للمقارنة بين المرأة العاملة وغير العاملة وقتل الشعور بالذنب بصورة تدريجيّة، من خلال إزكاء وقتها بالاطلاع على فؤائد العمل وتشجيع الطفل على تمضية ساعات من يومه يتكل فيها على نفسه أكثر، وبالتالي يجدد شعوره بالاشتياق لأمّه أو الى والديه معاً. كما تلعب وسائل الإعلام دوراً فاعلاً في نشر الوعي وتعزيز ثقافة عمل المرأة، سواء من خلال البرامج الاجتماعيّة أو الخدميّة أو الصحيّة النفسيّة، أو الاحتكاك المباشر مع الأسرة والمرأة العاملة التي تخدم مجتمعها. أيضاً، يمكن الدراما السوريّة أن توضح هذه المسألة بصورة أكثر قرباً من المرأة، فتخفف لديها الشعور بالذنب والقلق بسبب الابتعاد عن البيت وواجباته والتزاماته، وتشجعها على عدم الاستسلام للقيود الاجتماعيّة ومناهضة الأفكار السلبيّة والرجعيّة، خاصة أنّ المجتمع يعدّها منعكساً حقيقيّاً للحياة».