«وايلد» ميول جديدة في عالم الديكور: «متوحشة»... تفيض ألفة وشاعرية!

ميول جديدة,الديكور,متوحشة,متوحش,الطبيعة,التفاصيل,ذاكرة الغابات اللامتناهية,المسار الإنساني,المجال الزخرفي,المروحة,العلاقة,ملامح المزاوجة,المنجزات,الأناقة,الأثاث,أركان,الزخرفية,الجلود الفخمة,رفاهية

نجاة شحادة (باريس) 11 يونيو 2016

متوحش، دافئ ورائع ... ميول زخرفية طاغية تلتقط جوهر هذه الكلمات لتحوّله الى أجواء أليفة ... أجواء تخيّم ليس فقط على كل أركان المكان، وإنما على محيطه .


على أن وصف «متوحش» – ببعده الأدبي والزخرفي- ليس حكراً على الطبيعة، ولكنه توصيف لأجواء ومواقف وتأثيرات ومؤثرات، على علاقة عضوية بالطبيعة، ترفد الأمكنة وفضاءاتها بتلك الروح البدائية، المتمردة على كل ما هو معقد ومتكلف. ومن هذا المنظور، تعود الطبيعة لتسجل حضورها الباهر في مشهد زخرفي هو نفسه مبهر.
ولأن المشهد الزخرفي هو في حقيقته تراكم للتفاصيل ومناقبها، كانت هذه العودة من خلال تلك التفاصيل بكل أمزجتها وطبائعها البدائية والمتحضرة.
على أن المسألة ليست مجرد محاكاة لعناصر طبيعية أو استدعاء لها، ولكنها استحضار للذاكرة... بل للذاكرات: ذاكرة الغابات اللامتناهية، وذاكرة الأزمنة الأولية، وأيضاً ذاكرة المسار الإنساني المسكون بالتبدل والتغير، بالتقدم والتطور، وبالبحث الدائم عما يتناغم وينسجم مع رغباته وتمنياته.

لذا، فإن التعامل مع هذه الميول بأبعادها وقيمها في المجال الزخرفي، يتطلب مراساً ليس فقط في عمليات توزيع العناصر في المكان، أو السيطرة على المساحة من خلال الاستعانة بمتشابهات طبيعية، ونثر الألوان الدلالية، بل في إحساس نقي بقيم الطبيعة جمالياً ووظيفياً، واستنساخ أمين لمكنوناتها التي أمّنت منذ بدء الخليقة حماية ورفاهية للإنسان، ولبت متطلبات حياته في كل أطوارها وأدوارها.
من هنا يبدو اتساع المروحة المقترحة، ليس على مستوى المواد، وأنما أيضاً على مستوى الألوان والأشكال والأحجام.
فالطبيعة ليست أم الموجودات فقط، ولكنها أيضاً الينبوع الذي تستمد منه كل الكائنات خصائص نموها وحياتها، ولا شيء في الواقع - حتى الآن – من خارجها.

ولعل صعوبة هذا الموضوع الزخرفي تكمن في ثراء أصوله التي قلّما توافرت لغيره من الموضوعات. وبمعنى أكثر دقة، فإن شموليته تجعل من كل الموضوعات الزخرفية الأخرى أجزاء حصرية لاستلهامات متعددة المستويات من رحمه.
ونحن حين نقول: الأحجار والأخشاب والجلود والمعادن، لا يعني ذلك أننا نرسم حدود هذه المروحة، بل ينبغي عدم إهمال ما يُستولد من هذه المواد من مشتقات وكل ما يدخل في الصياغات الزخرفية على اختلاف مدارسها وتياراتها وأنماطها، وبالطبع على تعدد مسمياتها وطرزها وحقبها التاريخية.
إن مثل هذا الأمر يفرض على المصمم أو مهندس الديكور دقة فائقة في تحديد خياراته وكفاءة عالية في تنسيقاته وخبرة عميقة في طبائع المواد والألوان والأشكال وجرعة معرفية كبيرة في المزاوجة بين هذه التشكيلات، لا ينفع معها التقليد، بل الدراية والشغف والإحساس.

إن تحويل غرفة، مثلاً، الى مكان «متوحش» ولكنه بالغ الألفة والشاعرية والأمان، يتطلب التعامل مع المواد النبيلة بطريقة تتجاوز الاستخدام لتصل الى حد بناء علاقة خاصة معها من أجل فهم طبائعها وأمزجتها. وليس ثمة دليل في هذه العلاقة أفضل من الطبيعة نفسها، حيث ترسم لنا ملامح المزاوجة بين مختلف المواد، وتؤسس لقيم تناغم وانسجام قلّما نحظى بها من دون العودة الى كتابها ودروسها.
غير أن ذلك لا ينبغي أن يحد من تعاملنا مع المنجزات المعاصرة والتي توفر فرصاً غير مسبوقة في توليد معالم خاصة لمظاهر وملامس لا غنى عنها لتحقيق أعلى مستوى من الأناقة والرفاهية.

إن تجاور الأخشاب الثرية والجلود الفخمة والمنسوجات البديعة في قطع أثاث مميزة، يبث في أجواء الداخل روحاً بدائية، مفعمة بالأصالة ومشحونة بالمشاعر ومشبعة بذكريات موغلة في الغموض والسرية.
وعند هذه النقطة، ستوفر التقنيات الحديثة الكثير من المظاهر البارعة لتلك المواد، فتجعلها متآكلة أو محروقة، مظاهر بديعة ومثيرة، يجهد العاملون في هذا المجال - من مصممين وزخرفيين - للاستفادة من أبعادها الجمالية المتجددة.
والواقع أن مراقبة دقيقة للأعمال التي تجسد هذه الميول «المتوحشة» وتستلهم آفاق جمالياتها، تمكننا من الدخول الى عالم متماسك، متجانس ومتآلف... توفر موجوداته وعناصره وتنسيقاته فرصة فريدة لرفاهية مميزة لأنها من رحم الطبيعة.