الأطفال اللقطاء ومسيرة البحث عن الهوية الضائعة

الأطفال اللقطاء,مسيرة البحث,عن الهوية الضائعة,هواجس,نعومة,أظافره,الشارع,يواجه الطقس,البارد,الحار,القطط,الجرذان,دور الرعاية,كنف,عائلاتهم,الجانب السلبي,الايجابي,قطاع,التنمية,الفكرية,الايتام,سلوى الزعتري,صونيا شمعون,المتروكون,الأمان,الراحة,المحبة

(بيروت) غنى حليق 15 أكتوبر 2016

من أنا؟ من هم أهلي؟ من أين أتيت؟ لماذا أنا مختلف عن الآخرين؟ ولماذا أنا بالتحديد؟ أسئلة وهواجس كثيرة تلاحق الطفل اللقيط، أو المجهول الوالدين... تلاحقه منذ نعومة أظفاره إلى أن يكبر، هو الذي تُرك في الشارع لمصيره، يواجه الطقس البارد أو الحار، وربما تعبث به القطط أو الجرذان إذا من ينتبه إليه أحد ويودعه في أحد دور الرعاية.

حياة ملؤها الحزن والأسى تلك التي يعيشها الطفل اللقيط في دار للرعاية مهما تلقى من اهتمام ورعاية، بحيث لا يمكنه التغلب على الشعور بالنقص والاختلاف عن الأطفال الذين ينعمون بالعيش في كنف عائلاتهم... كيف يعيش الأطفال اللقطاء في دور الأيتام، وما هي هواجسهم ومعاناتهم، وما هو الجانب السلبي والايجابي في حياتهم؟  «لها» التقت رئيسة قطاع التنمية الفكرية في دار الايتام، السيدة سلوى الزعتري، والطبيبة النفسية د. صونيا شمعون، فحدثتانا عن معاناة هؤلاء الأطفال في هذا الحوار.


المتروكون
ترى سلوى الزعتري رئيسة قطاع التنمية الفكرية ونائب المدير العام لمجمعات ومراكز المناطق في دار الايتام الاسلامية أن تخلي بعض الأهل عن أبنائهم ظاهرة قديمة متجددة، قد تتأثر نسبة انتشارها بتردي الظروف الاجتماعية وازدياد معدلات الفقر، إضافة إلى الحرب التي أرخت بظلّها على البلاد، ودخول وافدين جدد على المجتمع... وتقول الزعتري «إن هذه الظاهرة قد يتراجع انتشارها أو يزداد، لكنها لا تختفي أبداً. وفي العادة، يراوح عدد الاولاد اللقطاء سنوياً ما بين ولدين وستة، وترعى دار الأيتام الإسلامية حالياً 120 لقيطاً». وتضيف: «عادة يتم إيداع الاولاد الذين تخلّى عنهم أهلهم، أي اللقطاء، في مؤسسات خاصة للرعاية، كدار الأيتام الاسلامية، وراهبات اللعازرية، وهما المؤسستان الوحيدتان المخوّلتان استقبال هؤلاء الأولاد المجهولي النسب في لبنان، واستصدار هويات لهم من وزارة الداخلية، وبالتالي الحصول على الجنسية اللبنانية بموجب القانون اللبناني وشرعة حقوق الطفل».
وعن آلية تسلّم هؤلاء الاطفال، تقول الزعتري: «لدى العثور على طفل في منطقة ما، يُسلّم على الفور إلى أقرب مخفر، بحيث يتم التحقيق في الأمر، في محاولة من عناصر الدرك لإيجاد أهل الطفل والتحري عن الأسباب التي أدت إلى التخلي عنه. وفي حال عدم التوصل إلى نتيجة، يرسل النائب العام الاستئنافي الطفل إلى دار الايتام الاسلامية، أو إلى راهبات اللعازرية، أي المؤسسة الأقرب إلى المنطقة التي وجد فيها، فهاتان المؤسستان هما الوحيدتان القادرتان على تحمل مسؤولية الاطفال اللقطاء والاعتناء بهم. وفي العادة، تعمد دار الايتام الى تدوين أدق المعلومات عن الطفل اللقيط فور تسلّمه وتحفظها في ملف خاص به، كما تُخضع الطفل لفحص طبي شامل، أو ترسله إلى المستشفى في حال كانت حالته الصحية تستدعي ذلك». وتضيف: «أغلب الأطفال اللقطاء يكونون في حالة صحية سيئة، ويحتاجون إلى رعاية خاصة، فهم رغم صغر سنّهم يشعرون بالانفصال العاطفي والجسدي عن ذويهم، ويعانون الكثير حتى تستقر أوضاعهم. والوافدون إلينا ليسوا جميعهم حديثي الولادة، فقد استقبلنا أطفالاً من عمر سنة إلى سبع سنوات، وكثيراً ما يتخلّى الأهل عن أطفالهم في هذه الأعمار بسبب معاناتهم من إعاقة ذهنية أو جسدية».

علاقة الطفل بالمؤسسة
أما عن أوضاع الأطفال وعلاقة المؤسسة بهم فتوضح الزعتري: «كمؤسسة، تبدأ مسؤوليتنا عن الطفل فور تسلّمه، إذ نعمل على رعايته واستصدار هوية له، وهنا نعاني الكثير في سبيل ذلك، إذ لا نستطيع الحصول على هوية لجميع اللقطاء، حتى لو كان الطفل محولاً من جانب النائب العام الاستئنافي، لأن ثمة قراراً يقضي بأن كل لقيط تجاوز عمره السنة لا يمكن استصدار هوية له إلا بناءً على دعوى قضائية مُقامة من أهله، لذا نواجه صعوبات كبيرة مع كل لقيط تجاوز عامه الأول، ونعجز عن تحصيل أدنى حقوقه، فيبقى من دون هوية ويُحرم من المدرسة أو تلقي العلاج في المستشفى، وحتى إذا كان اللقيط معاقاً، لا يمكننا الحصول على بطاقة إعاقة له. ورغم أننا نستطيع من خلال علاقاتنا المتشعبة تسهيل بعض الامور، لكننا نطالب وزارة الداخلية ودوائر الاحوال الشخصية بإيجاد حل لهذه  المعضلة الاجتماعية».
وفي ما يتعلق بهوية الطفل اللقيط والمعلومات الواردة فيها، تقول الزعتري: «عادة، نعطي الطفل اسماً وكنية فور وصوله إلينا، ونختار له اسماً جميلاً نحرص على ان يرتبط بظروف مجيئه الينا، كما ننتقي له شهرة معروفة مثل كمال، بيروتي، خليل... وتستدرك الزعتري: «في الماضي كانوا يسجلون كلمة «لقيط» على الهوية أو إخراج القيد الفردي، وكانت هذه الكلمة تُحرج الولد وتؤثر في نفسيته، وعملنا ما في وسعنا لشطب هذه الكلمة عن الهوية وإخراج القيد وجواز السفر، ومشكورة وزارة الداخلية التي وافقت على إلغاء هذه الكلمة، رغم انها ما زالت تكتب على الإخراج القيد العائلي، ونأمل أن يتم إلغاؤها أيضاً، لما تسببه من مشكلات عند الحاجة مستقبلاً إلى استصدار اخراج قيد عائلي. لذا، نحن نجهد في سبيل أن ندمج هؤلاء اللقطاء في المجتمع للتكيف مع أفراده، وبالتالي لتسوية أوضاعهم».
تعمل مؤسسات دار الايتام الاسلامية على دمج الاطفال اللقطاء مع باقي أطفال المؤسسة، من أيتام وذوي الحالات الاجتماعية الخاصة ... وعن ذلك تقول زعتري: «لدى استقبالنا الطفل في المؤسسة، نضعه في القسم الخاص بالعناية بالأطفال الرضّع، وندمجه مع باقي الأطفال، إذ من غير الضروري أن يكون كل الأطفال لقطاء، فبينهم اليتيم أو المريض أو أبواه مطلّقان... كما يأتينا أطفال حديثو الولادة، وهؤلاء يتلقون رعاية خاصة في دار الحضانة حتى عمر 6 سنوات، وتحت إشراف متخصصات يتولين تغذيتهم وتربيتهم وتأمين العطف والحنان لهم».
وتفيد الزعتري بأن الطفل يشعر بالانفصال الجسدي والعاطفي فور انسلاخه عن أمه، لأنه مرتبط بها بالفطرة والغريزة، ويعرفها من رائحتها منذ لحظة ولادته، وهذا يؤثر في نموه ككل، ويصبح بحاجة الى متابعة صحية ونفسية، خصوصاً إذا كانت حالته الصحية غير مستقرة، وعادة يُفتح له ملف طبي وتُجرى له الفحوص اللازمة ويتلقى عناية شاملة على مدار 24 ساعة، مثله مثل أي طفل يولد في كنف عائلة، ونحاول تعويضه الحنان الذي فقده بفقدان والدته.
ومن خلال تجربتها الطويلة مع الأطفال اللقطاء، تعترف الزعتري بأن ما من شيء يمكن أن يعوض اللقيط عن حنان أمه، ولا أحد يستطيع أن يجيب عن السؤال الذي لا يفارق ذهنه أبداً: مَنْ أنا؟ فيدخل الطفل في نفق مظلم بدءاً من عمر ستة أشهر وما فوق، إذ يلاحظ أن أغلب الأطفال من حوله ينتمون الى أسر تأتي لاصطحابهم في الأعياد وفي عطلة نهاية الأسبوع، أما هو فلا، فيتضايق ويتأزم نفسياً وتكبر معاناته كلما تقدم في العمر، وتنطلق أسئلته الغاضبة: من هي أمي؟ من هو أبي؟ وهذه الأسئلة تراوده فور دخوله المدرسة أو الحضانة، لأن هناك منهجاً دراسياً يعرّف عن الأسرة، فيكتشف الطفل أن لديه مشكلة، وبالتالي هو مختلف عن باقي الاطفال، فيلحّ في السؤال: مَنْ أنا؟ ويكون الجواب كالآتي: «أنت طفل موجود لدينا كي نرعاك. أهلك ليسوا موجودين، ونحن نحبك ونهتم بك بدلاً منهم، ونسعى لنؤمّن لك حياة كريمة». ورغم هذه الكلمات المطَمئِنة، لا يهدأ ثوران اللقيط، بل يزداد تعلقه بسؤال: من أنا؟ الذي ربما لن يجد الجواب الشافي له في مؤسستنا.
مأساة اللقيط تكبر معه وتزداد كلما تشعبت علاقاته خارج المؤسسة التي ترعاه، إذ يلاحظ أن رفاقه جميعاً ينتمون الى عائلة مكونة من أم، أب، أخ، أخت، عمّة، خالة... باستثنائه هو، فينعكس هذا على نموه العاطفي، ويظهر في ما بعد بصورة اضطربات سلوكية للتعبير عما يزعجه، وهو ما يُعرف بـ «عقدة نقص الانتماء» التي لا تعوّض مهما تلقى اللقيط من رعاية واهتمام، فلا شيء يعوض عن الانتماء إلى أسرة، وتبعات ذلك مؤلمة جداً، وقد تتفاوت من طفل الى آخر، بحيث يتأثر بعض اللقطاء سلباً، فينعكس ذلك على صحتهم وتحصيلهم العلمي ويعجزون عن تخطي الازمة، بينما يتأثر آخرون قليلاً، وقد ينزعج البعض الآخر في البداية ويتجاوزون محنتهم في ما بعد. وتقول الزعتري: «نحاول قدر الامكان مساعدة اللقيط على الاندماج في المجتمع، أو الانتماء الى إحدى الأسر، ونبذل أقصى جهدنا ليشعر الطفل بأنه كسائر الأطفال، ولذلك لا نسجّله في مدرسة خاصة، بل في مدرسة حكومية ليختلط مع التلاميذ العاديين، ونواكبه نفسياً واجتماعياً».
ولا تنكر الزعتري أن نسبة اللقطاء الرافضين أوضاعهم كبيرة، وأنهم في المؤسسة يواجهون صعوبات جمّة ليستوعبوا حقيقة أنهم حتى لو تقبلوا الأمر ظاهرياً، إلا أنهم يتألمون نفسياً، ويستمر سؤال (من أنا) في ملاحقتهم الى أن يكبروا ويؤسسوا عائلة. وعادة، يختلف ردّ فعل كل ولد باختلاف خلفيته البيولوجية التي تؤثر في سلوكه، فإما يُصاب بالانطوائية، أو يشعر بالعدائية، أو يعاني تأخراً في القدرات الذهنية... كما يكون الفتى أقوى من الفتاة في تحمّل الصدمات، ورغم ذلك تبقى الغصّة في قلوب الجميع، وبمجرد التواصل معهم نشعر بقلقهم على هويتهم، إذ يسألون دائماً هل سيأتي أحد وينقذنا من هذا الواقع الأليم؟ ويعيشون على هذا الأمل...
وتفيد زعتري بأنّها واكبت حالة واحدة تم الاعتراف بها ونجحت والدتها في استعادتها، موضحةً: «خلال نشر خبر وصورة عن مجموعة من الاطفال مع الرئيس السابق سليم الحص لمناسبة تسوية أوضاعهم والاستحصال على هويات لهم بتسهيل ومساعدة منه، تعرّفت إحدى الأمهات إلى ابنتها، وكان زوج هذه السيدة قد أخذها منها عنوة وأودعها في دار الأيتام نكاية بها ومن دون علمها، ولما شاهدت الأم الصورة على صفحات الجرائد وقارنتها مع صور ابنتها التي تحتفظ بها، تعرفت إليها وأثبتت أمومتها لها واستعادتها على الفور. وعلى أثر هذه الحادثة، ولد لدى بعض الأولاد المواكبين لها أمل بأن يأتي أهلهم ويسألوا عنهم، وباتوا يعيشون انتظاراً دائما وهاجساً موجعاً لا طائل من ورائه.
بحسب الزعتري، يعتبر الاولادُ الذين لا عائل لهم دار الأيتام أسْرتهم، والزملاء الذين يهتمون بهم مرجعهم وبمثابة أمهات لهم. فهم مهما كبروا واستقلّوا يلجأون إليهم عند الحاجة بهدف النصح والارشاد، خصوصاً أنهم واكبوهم خلال مراحل حياتهم وأشرفوا على تربيتهم وتعليمهم وحتى على تزويجهم ومساعدتهم في تأسيس بيوتهم. وتؤكد الزعتري أنهم في دار الأيتام يتابعون كل الأبناء الذين ربّوهم حتى بعد بلوغهم سن الثامنة عشرة، ولا يتركونهم أبداً ويشعرون بالمسؤولية تجاههم في كل مراحل حياتهم وحتى بعد زواجهم في حال كانت لديهم مشاكل أو عثرات اجتماعية أو مادية أو نفسية. وتقول: «نحن نواكب أولادنا كأي أسرة وندعمهم ونساعدهم على تدبير أمورهم، ونوفر لهم كل مستلزمات الحياة الأساسية، ونتابعهم ونخطب لهم ونذهب معهم لطلب يد العروس إذا كان شاباً، كما نجهّز العروس ونشتري لها كل ما تحتاج اليه، ويبقى هؤلاء يتردّدون على المؤسسة في الأعياد والمناسبات، إذ نفتح أبوابنا في أول أيام العيد ونجمع كل أبنائنا على الفطور والغداء، وننظم لهم ولأولادهم برامج ترفيه وتسلية. وتلفت الزعتري إلى أن الاولاد اللقطاء يتعلمون ويتابعون دراستهم الجامعية ويحققون نجاحات لافتة، فمنهم من سافر للتخصص في الخارج، ومنهم من تخرج وحاز شهادات عليا، أما من لم يحالفه الحظ في اجتياز أزمته ولم يكمل تحصيله العلمي، فنوجهه الى التعليم المهني والحرفي لكي يكتسب مهنة يعتاش منها في المستقبل». وتشير محدثتنا إلى أنهم يعيشون مع أولادهم ويشاركونهم أفراحهم وأحزانهم، ويساعدونهم على تخطّي الصعاب إلى أن يستقلوا في حياتهم. «رسالتنا تخفيف الآمهم» تقول وتضيف: «قد ننجح أحياناً ونفشل أحياناً، وندرك أننا لن نستطيع تعويضهم حنان الأم والعائلة، ولكن يمكنني القول إن نجاحاتنا معهم أكثر من فشلنا».

الدكتورة صونيا شمعون

منح الأطفال الأمان والراحة والمحبة، يساهم في إنشاء أجيال سليمة وفاعلة في المجتمع
ترى المحللة النفسانية المتخصصة في علم النفس العيادي ورئيسة قسم علم النفس في الجامعة اللبنانية –زحلة صونيا شمعون، أن معاناة الأولاد الذين لا عائل لهم أو الذين تخلّى أهلهم عنهم تختلف عن معاناة باقي الأولاد الذين يعيشون في دار الايتام أو الرعاية، إذ لكل واحد منهم قصته وعقَده. وتفيد بأن لدى كل إنسان عقدة ما، ففي الماضي كانوا يعتبرون الشخص الذي يعاني عقدة معينة «مسكيناً أو مريضاً» ويعيّرونه، أما في عصرنا الحالي، فبتنا ندرك أنّ الإنسان السوي لا بد من أن يكون معقداً من ناحية ما، والذين لا عائل لهم هم جزء من هؤلاء الناس، لكن عُقدهم تتمحور حول وضعهم الخاص، وهم في بحث دائم عن هويتهم، و«من خلال عملي وخبرتي أصادف أولاداً يحمدون ربهم لأنهم يعيشون في هذه الدور ولا يخرجون كغيرهم في العطل، لأن بعض زملائهم «الطبيعيين» يعانون في بيوتهم ومع ذويهم الكثير من العنف والتحرش وما شابه بسبب الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي تعيشها أسرهم. فمنهم من يعاني قلق الانفصال بسبب الشجارات الدائمة وعدم الاستقرار العائلي، وتشير الدراسات إلى أن عدم ثبات صورة الأم في السنوات الأولى من حياة الطفل يؤدي إلى معاناته أزمات نفسية صعبة ترافقه مدى الحياة. فابتسامة الأم وضحكتها في وجه طفلها ورعايتها له وحنوّها عليه... تمنحه الشعور بالأمان والاستقرار وتعرّفه بنفسه وهويته، لذا من المهم، بل الضروري ثبات الأم البديلة في المؤسسة حتى يستقر وضع هؤلاء ولا تتفاقم عقدهم النفسية».
تشير الدكتورة شمعون إلى أن دور الأم هو المؤثر الأهم في حياة كل منا، يليه دور الأب في الحماية والرعاية والتوازن الأسري. وتتطرق إلى حالات الانفصال التي يعيشها الأولاد والشباب والعقد الناجمة عنها، فتقول: «هي الولادة، الفطام، الذهاب إلى المدرسة، والزواج، وعادة يتم تحضير الولد لهذه الحالات أو المحطات التي يمر بها تدريجاً. أما بالنسبة إلى الولد الذي تخلى عنه أهله، فهو يعاني حالة انفصال أصعب من غيرها، ويتأثر عندما يرى رفاقه يأتون إلى المدرسة ويغادرونها مع والديهم، وبناء على هذه المشاهدات يطرح أسئلة كبيرة ومعقّدة من قبيل: من أنا؟ من هم أهلي؟ لماذا أنا؟... وما إلى ذلك. وهذه الحالة إذا لم تعالج وتواكب بالمتابعة والمعالجة النفسية قد تؤدي به إلى إيذاء النفس والشعور بعقدة ذنب، لأن الولد يظن أنه هو السبب الذي دفع أهله إلى التخلي عنه. لذا نشدد على الاستعانة باختصاصيين نفسانيين لاستيعاب وضعه ومعالجته، ومساعدته على طرح أسئلته، وإخراج ما في داخله وإيجاد الجواب الشافي لكل سؤال يؤرّقه وينغّص حياته».
تقول شمعون إن الاجابة عن أسئلة الطفل يجب أن تكون «بعيدة عن الوعظ والقمع، ويجب أن نقرّ له بأنه محق في تساؤلاته، ونساعده على ايجاد الشخص البديل الذي يشعر معه بالأمان، وتفريغ كل ما في داخله عبر الحوار. وإذا منحنا هؤلاء اللقطاء الشعور بالأمان والراحة والمحبة، ساهمنا في إنشاء أجيال سليمة وفاعلة في المجتمع».