مغتربون يروون قصص نجاحهم وآخرون يسردون تجاربهم الفاشلة... لماذا يهاجر شبابنا؟

مغتربون,يروون,قصص نجاحهم,تجاربهم الفاشلة,لماذا يهاجر شبابنا,حلم الجنسية,الأجنبية,البحث,انبهار,هجرة,الدكتورة فوزية العشماوي,الصعوبات,أسماء زين,لغة أولادي,غسل الأطباق,حمادة إمام,ظلم وإحباط,محمد حلمي,حظ سيئ,وسيم محمد عبدالله,المغامرة والصبر,الأسباب النفسية,الدكتور إيهاب عيد,هروب,التحليل الاجتماعي,ظاهرة,الدكتورة دينا مفيد

محمد سالم - (القاهرة) 05 نوفمبر 2016

أن تترك كل شيء وراءك وتهاجر إلى بلد آخر قرار ليس سهلاً بالتأكيد، لكن هناك من اتخذه بلا تردد... البعض نجح واستمر، والبعض الآخر أخفق وعاد الى بلاده، وما بين قصص النجاح والفشل يبقى السؤال: لماذا يهاجر شبابنا؟ وهل هو حلم الجنسية الأجنبية أم البحث عما افتقدوه في أوطانهم؟


انبهار
تعد قصة هجرة الدكتورة فوزية العشماوي ونجاحها، مثار إعجاب للكثيرين، وتقول عنها: «في بداية صيف 1972 غادرت مصر للمرة الأولى في حياتي متوجهة إلى سويسرا، وكنت حينها شابة في الثلاثين من عمري، وكان زوجي، الذي كان زميلي في الجامعة، قد حصل على بعثة دراسية في إحدى الجامعات السويسرية وسبقني إلى هناك بستة أشهر، وعندما وصلت إلى جنيف انبهرت بكل شيء فيها، فهي مدينة في غاية الجمال... التحقت بالدراسات العليا مع زوجي، وفي الوقت نفسه عملت مترجمة، وتعاونت مع العديد من السفارات العربية في جنيف، خصوصاً سفارتي المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية. وبعد حصولي على الدكتوراه، درّست في قسم اللغة العربية والحضارة الإسلامية في كلية الآداب في جامعة جنيف، وأصبحت رئيسة الجالية المصرية في سويسرا».
وتضيف الدكتورة فوزية قائلة: «قررت الاستقرار في سويسرا، وكنت نشطة حيث التقيت بالكثير من الشخصيات العالمية ورؤساء الدول، وعلى رأسهم الرئيس الراحل محمد أنور السادات وزوجته جيهان السادات، والدكتور بطرس غالي الأمين العام الأسبق لمنظمة الأمم المتحدة، وغيرهم الكثير من المسؤولين السياسيين والمثقفين العرب، الذين زاروا سويسرا، ثم توليت رئاسة قسم اللغة العربية في جامعة جنيف، وأنشأت مع كثير من المسلمات الأوروبيات «منتدى المرأة المسلمة في أوروبا» وأتولى حالياً رئاسته، وأتواصل مع نساء من مختلف الأديان».
وتشير الدكتورة فوزية الى أنها أصبحت من أهم الشخصيات النسائية المسلمة في الغرب، وهي تمثل سويسرا – التي تحمل جنسيتها – في مختلف المؤتمرات الدولية التي تهم العرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. وتؤكد أن السبب الرئيس في نجاحها كمهاجرة مسلمة، أنها حددت هدفها من الهجرة، وهو استكمال الدراسات العليا مع زوجها في العمل الأكاديمي في الجامعة، وممارسة الأنشطة الفكرية العامة، بالإضافة إلى ما تتمتع به سويسرا من تنوع ثقافي، واحتضان جنيف العديد من المؤسسات الدولية التي تربطها بها علاقة وثيقة منذ فترة طويلة، كما تدافع بقوة المنطق عن قضايا العرب والمسلمين.

نجحت رغم الصعوبات
أسماء زين، متزوجة وأم لثلاثة أولاد، تعيش في النمسا منذ أكثر من 12 عاماً، تحكي قصتها خلال هجرتها إلى أوروبا، وتقول: «قبل ذهابي إلى النمسا، كنت أعمل في أحد المتاجر الكبرى في مصر، وذلك بعد انتهاء دراستي الجامعية. لم يخطر في بالي أنني سأترك بلدي وأهلي يوماً، حتى تعرفت إلى زوجي مدحت جاويش، وهو يعيش في النمسا منذ 30 عاماً، ويكبرني بـ19 عاماً، لكننا نعيش حياة سعيدة كما في الأحلام».
وتضيف: «تعرفت إلى زوجي في المطار حيث كنت ذاهبة لاستقبال أحد أقاربي، وهو كان صديقاً له، وعادا على متن الطائرة نفسها، ثم نشأت بيننا علاقة صداقة سرعان ما تكللت بالخطوبة، وتزوجنا بعدها بأيام قليلة، وذهبنا للاستجمام في مدينة شرم الشيخ، وبعدها مباشرة عدت مع زوجي إلى النمسا، حيث يعمل هناك في مجال التجارة. لكن بعدما عشت في النمسا شعرت بملل شديد، حيث كانت السنة الأولى التي أمضيتها هناك من أسوأ أيام حياتي، لأنني كنت أبقى في المنزل لوحدي بعدما يخرج زوجي إلى العمل، كما أحسست بالغربة، فلا صديق لي ولا قريب، وعدم إتقاني اللغة الألمانية زاد الأمر سوءاً، فكنت ألازم المنزل لأنني لم أتمكن من التواصل مع الناس بلغتهم الألمانية، لكن بعدما رزقت بابنتي الأولى «ملك»، 11 عاماً، تغيرت الأوضاع إلى حد ما، لأنني أصبحت أعتني بها وأهتم بتربيتها، كما فكرت في العمل مع زوجي، لكن هذا لم يكن سهلاً».

لغة أولادي
تتابع أسماء حديثها وتقول: «مع كثرة الصعوبات، فكرت في ترك النمسا والعودة إلى مصر، لأنني لم أستطع العيش هناك بسهولة، وظللت على هذا الوضع فترة طويلة، حتى تأقلمت مع نمط الحياة، خاصة أنهم يحترمون آدمية الإنسان من حيث التعليم والرعاية الصحية والاهتمام من جانب الحكومة. لكن بعدما حصلت على الجنسية النمسوية، قررت عدم العودة إلى مصر واستكمال حياتي في النمسا، بلدي الجديد، وذهبت لتعلم اللغة الألمانية حتى أتقنتها جيداً، وبالتالي كوّنت صداقات مع نمسويات وأخريات من الجنسيات الأوروبية، وبمرور الوقت رُزقت بابني «آدم» وعمره الآن تسعة أعوام، ثم أنجبت «عمر» وعمره خمسة أعوام، وافتتح زوجي محطة لبيع الوقود، وكانت قريبة من المنزل، فذهبت للعمل معه... في البداية واجهنا صعوبات لأننا عرب، نظراً للأوضاع السياسية المتأزمة في غالبية الدول العربية والإسلامية، لكن بعد ذلك أصبح الأمر عادياً، وقد فعلنا ما في وسعنا لإرضاء زبائننا حتى يغيّروا صورة العرب السلبية المطبوعة في أذهانهم».
وفي الختام توضح أسماء أنها سعيدة جداً بهجرتها الى النمسا، حيث كانت تعيش في البداية في شقة صغيرة، وبمرور الوقت استطاعت مع زوجها شراء فيلا كبيرة، هذا إلى جانب بعض الأملاك في مصر، مما يطمئنهما الى مستقبل الأولاد، وهي تسعى حالياً لافتتاح محل لبيع الورود، لكنها لن تترك العمل مع زوجها، وستستمر في مساعدته، خاصة بعدما نُشر خبر في إحدى الصحف المحلية، يفيد بأنها وزوجها يقدمان أفضل الخدمات للزبائن في المنطقة التي يعيشان فيها، مما حفزهما لمواصلة عملهما وتكثيف جهودهما في هذا البلد الأوروبي، الذي يقدّر كل من يعمل فيه ويبذل الجهد. واليوم تعيش أسماء سعيدة في النمسا، وتزور مصر مرة كل عام أو عامين، وتعمل جاهدة لتعليم أولادها اللغة العربية إلى جانب اللغة الألمانية، كما تحرص على أن تكون لغة الحوار بين أفراد أسرتها هي العربية حتى لا ينساها الأولاد وتظل راسخة في ذاكرتهم.

غسل الأطباق
حمادة إمام، 37 عاماً، مهاجر إلى إيطاليا، يروي قصته قائلاً: «أنا خريج كلية الإعلام دفعة 2001، حلمت كغيري من خريجي الإعلام بالعمل في الإذاعة أو التلفزيون أو الصحافة، حتى أستفيد مما درسته، بعدما كنت من المتفوقين في المرحلة الثانوية. بعد تخرجي، حاولت مراراً العمل في الصحافة، فتدربت في صحف عدة خاصة لصعوبة التحاقي بمؤسسة صحافية قومية، لكن محاولاتي باءت بالفشل، بعدما رأيت الابتزاز ومزاحمة خريجي مختلف الكليات لنا للعمل في وسائل الإعلام، في وقت لا يستطيع خريج الإعلام مزاحمة أحد في مجال تخصصه».
بعد تنهيدة طويلة، يواصل حمادة كلامه قائلاً: «نفد صبري بعدما عملت في الصحافة خمس سنوات بلا جدوى، فقررت الهجرة بمساعدة أحد أقاربي المهاجرين منذ فترة طويلة إلى إيطاليا، فسافرت وعملت في المطعم الذي يعمل فيه قريبي في مدينة تورينو... كنت أغسل الأطباق أولاً، ثم عملت مساعداً في إعداد أطباق البيتزا في المطعم، وشيئاً فشيئاً تعلمت المهنة، وأبدعت في إعداد البيتزا بصورة أثارت إعجاب صاحب المطعم، الذي تمسك بي، ويسّر لي الحصول على إقامة شرعية، وبالتالي طلبت منه أن يسهل لي عملية استقدام زوجتي من مصر.
بعد أعوام عدة، رزقت بابني البكر «آدم»، أربع سنوات، ثم بابني الثاني «محمد»، عامان، وقد جعلاني أتمسك بالحياة في أوروبا، إذ أشعر دائماً بأن حياتهما هنا ستكون أفضل، من حيث التقديمات الصحية والتعليمية وكل شيء، وأنا أعتقد بأنهما سيفضلان العيش في إيطاليا مستقبلاً، إلى جانب أمهما التي تعمل هنا أيضاً، وتحرص دائماً على تعلم اللغة الإيطالية، وهي تُتقنها جيداً الآن، وتستطيع التحدث بلغة الشارع بسهولة، ورغم ذلك تسعى زوجتي جاهدة إلى تعليم الولدين اللغة العربية والتحدث معهما بلغتهما الأم».
وعن سر نجاحه في عمله في أحد المطاعم، ورضاه بالعمل في غير تخصصه، يضيف حمادة قائلاً: «القول المأثور يقضي بأن نحب ما نعمل حتى نعمل ما نحب. والغريب أنني أحببت العمل في مجال مطاعم البيتزا، حتى أنني أفكر في افتتاح مطعم بيتزا قريباً، خاصة بعدما شاهدت تجارب كثيرة لمصريين وعرب نجحوا في مجال الأعمال الحرة والمشروعات الخاصة، التي تبدأ صغيرة وسرعان ما تكبر، ويتحول المهاجر بعدها إلى رجل أعمال ناجح، بسبب المنظومة الصحيحة للحياة التي تجعل النجاح حليف كل مجتهد».
يبدي حمادة حزنه الشديد على أنه لم يستفد من دراسته للإعلام سوى بمتابعة الأخبار، لكنه سعيد بأنه استطاع تطبيق أسس العلاقات العامة الناجحة في الحياة، وهو ما ساعده على تكوين شبكة علاقات واسعة، ليس مع أبناء جلدته من المصريين والعرب فحسب، وإنما مع مختلف الجنسيات الأوروبية، حتى على المستوى الأسري.
وينهي حمادة إمام كلامه مؤكداً أن إتقان العمل والجدية هما كلمة السر في مسيرة النجاح، كما يشعر بالراحة في إيطاليا التي حصل على جنسيتها، ويعتز بالانتماء إلى وطنين تجمعهما علاقة تاريخية ضاربة في القدم، وأبرزها قصة الحب الشهيرة بين كليوباترا ملكة مصر الفرعونية، والقائد الإيطالي مارك أنطونيو.

ظلم وإحباط
أما محمد حلمي، 30 عاماً، يعمل في مجال الترجمة في أميركا، فيحكي تجربته مع الهجرة قائلاً: «منذ صغري يقول الناس عني إنني طموح ومتطلع دائماً للعيش في مستوى أفضل، فقد نشأت في أسرة فقيرة في إحدى قرى مصر، وانتسبت الى التعليم الحكومي، وكنت متفوقاً منذ التحاقي بالمدرسة، حتى دخلت كلية الألسن، ودرست اللغة الإسبانية، فقد كنت أعشق هذه اللغة منذ أن سمعتها في التلفاز، ودفعني فضولي لمعرفة ما يقولون، خصوصاً مع متابعتي الدائمة لمباريات كرة القدم الإسبانية، فتعمقت في هذه اللغة وتخرجت في الكلية بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وكنت أحلم بالعمل في هيئة التدريس في الكلية، وأن يتم تعييني معيداً فيها، كما هو حال كل من يحصل على تقدير ممتاز مع مرتبة الشرف في الكلية، لكن شاءت إرادة الله أن تكون ابنة أحد الأساتذة في الكلية في نفس دفعتي، فجاملته إدارة الكلية بإتاحة الفرصة لهذه الابنة بالتعيين على حسابي، رغم أن مجموع درجاتي في السنوات الثلاث الأولى أعلى من مجموعها، لكنهم نجحوا في التلاعب بالأوراق في السنة النهائية وتم تعيينها واستفادت من هذه الفرصة، وأصبحت أنا خريجاً عادياً مثل باقي الطلاب».
ويضيف: «شعرت حينها بالظلم وبخيبة أمل كبيرة، وأحسست بأنني أرفض العيش في هذا البلد، ولا أريد أن أكون مواطناً مثل باقي المواطنين، غير مؤثر وغير فعال، لكن الظروف لم تسمح لي، فعملت مترجماً للغة الإسبانية في عدد من الشركات الخاصة في مصر، خصوصاً شركات الاتصالات، وكنت سعيداً بالعمل في مجال الترجمة، ورغم ذلك كنت أتطلع الى الأفضل، فعملت في إحدى أكبر شركات المقاولات في مصر، التي لها شبكة علاقات مع رجال الأعمال الإسبان ومن أميركا الجنوبية، التي يتحدث غالبية سكانها اللغة الإسبانية، وكنت أحصل على راتب ممتاز، وكان العمل مستقراً، لكنني لم أستمر فيه طويلاً، وعدت للعمل في إحدى شركات الاتصالات في مصر، لفترة تزيد على الثلاث سنوات».
وعن بداية الهجرة يقول محمد: «خلال أحد المؤتمرات الصحافية التي نظمتها الشركة التي أعمل فيها، مع إحدى الشركات الأميركية، تعرفت إلى عدد من الموظفين في هذه الشركة، وتوطدت علاقتي بهم، ومن بينهم صديقة أميركية كانت تتواصل معي باستمرار، حتى نشأت بيننا علاقة حب قوية واتفقنا على الارتباط، وانتظرت حتى أتت إلى مصر وتزوجنا، ثم وفرت لي فرصة عمل في الولايات المتحدة الأميركية، وسافرنا بعد الزواج بشهرين، وأعيش الآن في ولاية كاليفورنيا الأميركية برفقة عائلتي الجديدة، وأعمل في الولايات المتحدة وقد حصلت على الجنسية، كما أشعر بالسعادة لأنني أعيش في مجتمع تتوافر فيه كل سبل العيش الكريم، فبفضل النظام الجيد والعمل الجاد حققت كل أحلامي في المهجر، لكنني أشعر بالحنين الى أهلي، وبتقصيري معهم، لكنها طبيعة الحياة، فلا بد من أن تفقد شيئاً حتى تحصل على شيء آخر، وأكثر ما جعلني أتذوق مرارة الغربة أنني لم أزر أهلي إلا مرة واحدة منذ أن أتيت إلى كاليفورنيا، كما لم أستطع حضور زفاف شقيقتي الصغرى بسبب ارتباطي بالعمل، وعدم تمكني من الحصول على إجازة للسفر إلى مصر».

حظ سيئ
ثمة شباب كثر هاجروا بلادهم، إلا أن الظروف لم تساعدهم ولم يحالفهم الحظ، ومنهم وسيم محمد عبدالله، 28 سنة، ويروي قصته قائلاً: «أعمل في مجال التجارة في الصين، فبعد دراستي التجارة في مصر لم أجد عملاً يناسبني، خاصة بعدما فشلت في مشاريع عدة لأسباب تتعلق بالمناخ الاقتصادي في البلاد، وكان ذلك قبل خمسة أعوام تقريباً، ففكرت مراراً وتكراراً في ترك مصر والعمل في الخارج، الى أن نصحني أحد الأصدقاء بالذهاب إلى الصين والعمل في مجال التجارة هناك، فأخذت بنصيحته، ولم تكن الفكرة في البداية سهلة، خصوصاً أن الرأسمال المتاح لي لم يكن كافياً، لأن العمل في هذا المجال يعد مغامرة كبيرة، ثم أكد لي صديقي أن هذا العمل سهل ومربح جداً ومضمون إلى حد ما، بسبب علاقاته الطيبة مع عدد من التجار الصينيين في بكين، ثم نصحني بأن أجرب هذا العمل، وأن أذهب إلى الصين بصفة سائح، ثم أراقب الأوضاع هناك، وبعدها أتخذ القرار النهائي».
ويضيف: «ذهبت إلى الصين، وتحديداً إلى كوانزو، وهي مدينة تجارية كبيرة، وبحثت كثيراً عن عمل فيها، حتى اخترت مجال النظارات، ثم اقتنعت بأن العمل هناك مربح جداً، لكنه ليس سهلاً ويحتاج إلى علاقات متشعبة في الصين ومصر، كما أنه يتطلب الحذر الشديد، لأن عمليات السرقة والاحتيال تحدث هناك بطرق مختلفة. في العام الأول من هجرتي الى الصين كنت أعمل بصورة متواضعة، ثم كوّنت علاقات مع أصدقاء صينيين، وكنت أعود مراراً إلى مصر لمتابعة أمور تجارتي، حتى قررت الاستقرار في الصين ومشاركة أحد الأصدقاء في القاهرة ليتابع أعمالي فيها، توفيراً للوقت والنفقات والجهد، وظللت على هذا المنوال لفترة».
وعن أصعب المواقف التي تعرض لها أثناء عمله في الصين، يقول وسيم: «وفاة أقرب صديق لي في مصر ورفيق عمري، حيث اتصلوا بي هاتفياً من القاهرة، وقالوا لي إن صديقي توفي في حادث سير، وكنت أعلم أنهم ينتظرون رجوعي إلى مصر مهرولاً لرؤيته قبل أن يُدفن، أو حتى لحضور مراسم العزاء، لكنني لم أستطع بسبب ارتباطي الوثيق بالعمل، فهذا الموقف أثر في مسيرة حياتي، حيث جعلتني هذه الوفاة أفكر أكثر من مرة بأن العمل وجمع النقود ليسا أهم من أحبابي وأصدقائي وعائلتي.
وعن أسباب قراره بالعودة الى مصر، يقول وسيم: «تعرضت منذ عام لعملية نصب كبيرة في الصين، أفقدتني كل نقودي تقريباً، حيث قام شخص كان موضع ثقة كبيرة بالنسبة إليّ، وأعتبره شريكي، بخداعي بعدما وقع خلاف بيننا، فقرر الانتقام مني وسرقني، ولم يكتف بهذا، بل عمل بصورة مستمرة على تعطيل أعمالي الجديدة، وقررت منذ بداية هذا العام العودة إلى مصر، والبحث عن أي عمل فيها، لكن هذه المرة سيكون الوضع مختلفاً، لأنني ما زالت أملك بعض النقود، حيث كان يستثمر فيها صديق آخر في مصر، إلى جانب جزء من البضائع التي لم يستطع هذا «الخائن» سرقتها مني».

المغامرة والصبر
عن الأسباب النفسية التي تدفع الفتيات والشبان إلى الهجرة الشرعية، يؤكد الدكتور إيهاب عيد، أستاذ علم النفس في جامعة عين شمس، أن السعي إلى تحقيق الذات وقهر الظروف الاجتماعية والنفسية الصعبة يعد من أهم أسباب الهجرة، حيث يسعى المهاجر إلى الانتقال من مكان مولده إلى مكان آخر، بقصد الإقامة الدائمة أو الموقتة لتحقيق ما فشل فيه، أو ما يشعر بأنه يصعب عليه تحقيقه في بلده، لهذا يرى أن البديل والحل الأمثل هو الهجرة إلى بلاد تتوافق مع طموحاته وأحلامه، سواء لتحقيق مركز علمي إذا كانت الهجرة للدراسة ثم الإقامة، أو للبحث عن فرصة عمل بسبب انتشار البطالة في بلاده، والبعض قد يسعى للهجرة من خلال الزواج والحصول على الجنسية.
ويوضح الدكتور إيهاب، أن قرار الهجرة الى الخارج ليس سهلاً من الناحية النفسية، بل يتطلب أن يتحلى المهاجر بروح المغامرة والصبر، والقدرة على التعامل الإيجابي والسريع مع المتغيرات والمشكلات التي تواجهه في الغربة، التي لا يصبر عليها الكثيرون ممن لا يتصفون بالنفسية الجريئة، القادرة على اتخاذ هذا القرار المصيري والاستمرار فيه بنجاح، لأن مشوار الهجرة الناجحة طويل ويتطلب صبراً ومثابرة، وقدرة على تحمل الصعاب والعمل في غير التخصص أحياناً.
ويشير الدكتور إيهاب إلى أن المهاجر الشرعي، بوجه عام، شخصية تتصف بالإقدام والقدرة على اتخاذ القرار والموازنة بين البدائل واختيار الصواب... ويجب أن يحب هذا المهاجر ما يعمل حتى يجد العمل الذي يحبه، فضلاً عن الاتصاف بما يطلق عليه القدرة على التأقلم النفسي مع الظروف المحيطة في مجتمعه الذي سافر إليه واستقر فيه.

هروب
عن التحليل الاجتماعي لظاهرة الهجرة الشرعية، توضح الدكتورة دينا مفيد، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، أن الظروف الاجتماعية الصعبة التي تشهدها الدول النامية بوجه عام، ومنها الدول العربية، تجعل أبناء تلك الشعوب يطمحون إلى الهجرة هرباً من تلك الظروف القهرية، التي يصعب تغييرها بجهد فردي، ولهذا يكون الحل الجاهز والسحري بتحقيق الأحلام عبر بوابة الهجرة، حيث يكون المجتمع أكثر تقدماً، ومنظومة الحياة فيها أكثر تطوراً، مما يساعد المهاجر على تحقيق ذاته رغم أنه ليس من أبناء تلك البلاد.
وتشير الدكتورة دينا الى أن مجتمعاتنا الشرقية ما زالت تفرّق بين الشاب والفتاة في موضوع الهجرة، حيث يرى أهل البنت أنها أقل قدرة على حماية نفسها وتحقيق طموحاتها، بعيداً عن الأسرة التي توفر لها الرعاية والحماية، ومع هذا فهناك نماذج رائعة لمهاجرات حققن طموحهن، إلا أن عددهن قليل مقارنة بالمهاجرين من الرجال.
وتطالب الدكتورة دينا مسؤولي الدول العربية بتوفير فرص عمل للشبان والفتيات، وإصلاح منظومة التعليم وربطه بسوق العمل، وتغيير منظومة القيم التي تجعل مكانة الإنسان مرتبطة بطبيعة عمله، مع أن من الإنصاف أن يتم احترام كل من يقوم بعمل شريف ونافع، حتى لو كان عملاً متواضعاً، ولا بد من محاربة الروتين والمحسوبية، وغيرها من السلبيات التي تجعل شبابنا من الجنسين يهرب من بلاده، بحثاً عن فرصة للهجرة الشرعية أو حتى غير الشرعية.