التجنيد الاجباري للفتيات يثير ضجة في مصر

التجنيد,الاجباري,موجة,الانتقادات,مواقع,التواصل,الاجتماعي,القوات,المسلحة,الدكتورة هدى بدران,لإعلامية,نشوى الديب,البرلمان,السفيرة,ميرفت التلاوي,سحر صلاح,جهاد الكومي,مروى رضوان

أحمد سالم - (القاهرة) 29 يناير 2017

أثار قرار وزيرة التضامن الاجتماعي في مصر، غادة والي، بفرض التجنيد الإجباري للفتيات في «الخدمة الاجتماعية العامة»، موجة كبيرة من السخرية والانتقادات من جانب رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ظناً منهم بأن هناك تجنيداً إجبارياً للفتيات في القوات المسلحة؛ كما هو الحال بالنسبة الى الشباب، ورغم أن قانون الخدمة العامة في مصر - والذي ينص على قضاء الفتاة عاماً كاملاً بعد تخرجها الجامعي في خدمة مدنية - ليس جديداً، لم يكن مفعّلاً بشكل حقيقي، ومن هنا جاء تفعيله بقرار الوزيرة الجديد، لكن الفهم الخاطئ لتجنيد الفتيات أثار موجة من الجدل والسخرية.


في البداية، تؤكد الدكتورة هدى بدران، رئيس الاتحاد العام لنساء مصر، أن هناك فهماً خاطئاً للقرار، لأنه ينص على تجنيد الفتيات في خدمات مدنية وليست عسكرية، وفوائد قانون الخدمة المدنية العامة أكثر من مضاره، حيث يضع الفتيات على أولى درجات سلّم العمل بدلاً من الانتظار في المنزل أو الخروج مع صديقات وأصدقاء السوء، وتضييع أوقاتهن في ما لا يفيد، والخبرة في الحياة العملية تختلف تماماً عن الفترة السابقة التي تمضيها الفتاة في الجامعة بعيداً عن المسؤولية».
وتضيف الدكتورة هدى: «علينا أن نجرب القرار ثم نحكم عليه مستقبلاً، وليس قبل تطبيقه، لأن سلبياته وإيجابياته الحقيقية لن تظهر إلا من خلال التطبيق، كما علينا دراسة تجارب الدول الأخرى في هذا الميدان؛ للاستفادة من الجوانب الإيجابية وتفادي السلبيات، لأن الذكي من يتعلم من تجارب الآخرين؛ حتى لا يكرر الأخطاء ويستفيد من الإيجابيات، مع إيماننا بأن لكل مجتمع ظروفه الخاصة التي تجعله مختلفاً عن المجتمعات الأخرى، لكن هناك قواسم مشتركة يمكن الحكم من خلالها على أقرب التجارب إلينا».
وتنهي الدكتورة هدى كلامها، مؤكدةً أننا لو نظرنا إلى هذا القانون على أنه يمثل خدمة تطوعية للوطن؛ حتى لو كان المقابل ضعيفاً، فهذا أفضل من البطالة والجلوس في المنزل، ومشيرةً إلى ضرورة النظر في  شكاوى أسر الفتيات من تكبّدها مبالغ مالية إضافية خلال فترة تجنيد الفتيات، لهذا لا بد من صرف مكافآت مالية وبدل انتقال لتغطية مصاريفهن على الأقل.

انتقادات
تقول الإعلامية نشوى الديب، عضو في البرلمان المصري، إن فكرة تجنيد الفتيات في العمل المدني الاجتماعي بدأت عام 1973، وذلك من خلال صدور القانون الرقم 76، واستمر العمل به الى ما قبل ثورة كانون الثاني/يناير 2011، حيث لم يكن شرطاً في التعيين أو إجبارياً.
وتشير نشوى إلى أنه في تشرين الأول/أكتوبر 2013 أعاد وزير الشؤون الاجتماعية أحمد البرعي، العمل بالقانون مرة أخرى مع إجراء تعديلات طفيفة عليه، مما أثار انتقادات مجتمعية وصدمة للعديد من الفتيات، حيث وصفنه بأنه «مضيعة للوقت» براتب هزيل قدره أربعة جنيهات فقط يومياً لكل مجنّدة اجتماعياً. وتؤكد أن القانون الحالي سلاح ذو حدين، فهو إما يعدّ البنات لسوق العمل ويولّد لديهن الإحساس بالمسؤولية، أو يتحول إلى مجرد إجراء شكلي لا يقضي على البطالة، بل يؤدي الى ضياع سنة كاملة من عمر البنات.
وتختتم نشوى الديب كلامها، موضحةً أن رغم ما أثير حول قانون الخدمة العامة من لغط وجدل، تبقى له مزايا، مثل تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية بين الجنسين، وتأهيل الخريجات للعمل بعد تجربة عام التجنيد المدني، كما أنه يقضي على البطالة ولو جزئياً.

التجنيد العسكري
تنظر السفيرة ميرفت التلاوي، رئيس منظمة المرأة العربية، إلى القضية من زاوية أخرى، فتؤكد أن تفعيل القانون الخاص بالخدمة المدنية، الذي كان معمولاً به منذ السبعينيات، هدفه المساعدة في القضاء على ثلاثية «الجهل والفقر والمرض»، مما يُضاعف شعور الفتاة بالانتماء الى وطنها ويُكسبها خبرة الاحتكاك بالناس والتعامل معهم بنجاح، وهذا ليس سهلاً لمن يحرص على فرض وصاية على ابنته؛ ويحد من حريتها.
وتفجّر التلاوي مفاجأة إذ تعلن عدم ممانعتها تجنيد الفتيات عسكرياً، عند الضرورة، على أن يكون ذلك التجنيد العسكري تطوعياً، خاصة أن مصر تعيش حالة حرب على الإرهاب، وتحتاج الى تضافر  جهود بنات الوطن لتحقيق الاستقرار والقضاء على أي تهديد للبلاد والعباد.
وتدعو السفيرة التلاوي، خريجات الجامعة للتعامل مع سنة الخدمة المدنية بهمة عالية ورغبة حقيقية في الغوص في تجارب الحياة.

تأهيل
ترى سحر صلاح، مديرة البحوث في المركز المصري لحقوق المرأة، أن هذا القرار يساهم في الحد من تفشي البطالة بين الشابات، والتي تفوق كثيراً بطالة الشباب، مشيرة إلى أن عمل خريجة الجامعة في مجالات الخدمة العامة يُكسبها مهارة عملية في مجال تخصصها، فمثلاً لو عملت في «دور الأيتام والمسنين» فهذا يعطيها خبرة عملية عن فئات اجتماعية لن تستطيع الاحتكاك بهم، بل والاندماج معهم والاستماع إلى معاناتهم، مما يوسّع مداركها، ويعود عليها بالإيجاب، حيث يؤهلها للعمل في هذا المجال، بالإضافة إلى مجال تخصصها، وبالتالي تستفيد من العمل في مجال الخدمة المدنية.
أما دينا حسين، عضو المجلس القومي للمرأة فتؤكد أن الفتاة تكتشف خلال سنة الخدمة المدنية قدرات جديدة في نفسها لم تكن على دراية بها من قبل، من أهمها «إتيكيت التعامل مع البشر»، وهذا في حد ذاته مكسب كبير لها في حياتها العملية، إذ يعلّمها الصبر والمثابرة والإقدام والشجاعة والتعامل بذكاء مع المواقف الصعبة، التي تتعرض لها، والتعلم من أخطائها.

مجنّدة مصرية
تقول جهاد الكومي، مؤسسة حملة «مجنّدة مصرية»: «دشنت منذ عام 2011، وكنت حينها طالبة في المرحلة الإعدادية، حملة للمطالبة بتجنيد الفتيات الاختياري، ولاقت الحملة حينها استحسان الكثير من زميلاتي، حيث شددنا على أن يكون التجنيد اختيارياً للفتيات، ذلك أن فكرة التجنيد الإجباري في الجيش ستكون مرفوضة في مجتمعنا، كما طالبنا وقتذاك بإنشاء كلية عسكرية للفتيات، وعدم الاكتفاء بحصر دور الفتيات في التمريض والخدمة العامة في الجيش، بل التدرّب على الأسلحة والقتال من أجل الوطن».
وعن قرار التجنيد الإجباري للفتيات؛ والضجة التي أُثيرت على مواقع التواصل الاجتماعي، تقول جهاد: «هناك لغط كبير، فالقرار الذي صدر لا علاقه له بالتجنيد العسكري الإجباري للفتيات، وإنما هو تجنيد مدني تابع لوزارة التضامن الاجتماعي وليس وزارة الدفاع، وينص القانون على الخدمة العامة للفتيات في عدد من المجالات؛ أهمها التأمين الاجتماعي ورعاية الأيتام ومحو الأمية وغيرها.

استخفاف
ترفض مروى رضوان، 27 عاماً، السخرية أو الاستخفاف بقدرات الفتيات، والذي ظهر جلياً على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد صدور قرار تجنيد الفتيات، وتقول: «هناك استخفاف كبير بالفتيات؛ باعتبار أنهن لا يصلحن إلا للماكياج ومواكبة الموضة والتقاط الصور السيلفي، وأرى أن إثارة هذه الضجة حالياً هي قمة الجهل، حيث إن الخدمة العامة تُطبّق على الفتيات منذ فترة طويلة، وأن القرار الصادر ليست له علاقة بالخدمة العسكرية، لكن على أي حال، فما المشكلة في أن تتجند الفتاة في الجيش المصري وتحمل السلاح أسوة بدول العالم؟ فثمة دول تعتمد على النساء بشكل أساسي في الجيش، ودول وزير الدفاع فيها امرأة، لكن للأسف هناك تراكمات اجتماعية متخلفة تؤثر في نظرتنا الى الأمور».