غزت التكنولوجيا حياتنا اليومية، وأغرقتنا بسرعتها ومشاغلها التي لا تنتهي، حتى أهملت غالبية المجتمعات العربية الرياضة وأغفلت فوائدها... ودخلت الأمراض إلى بيوتنا فارتفعت معدلات مرض السكري في العالم العربي بعامة والسعودية بخاصة، والذي يؤدي إلى مشاكل خطيرة على الجسم ككل.

ولكي نعرف أهمية الرياضة في هذا الواقع المرير، التقت «لها» المدرّبة مي خُليف لتطلعنا على آخر المستجدات في عالم الرياضة، وأسباب تعلّقها بالرياضة، هي خريجة السياسة والاقتصاد في الجامعة البريطانية في القاهرة، والتي دأبت على تحقيق ما تصبو إليه بشجاعة وجرأة حين أسست نادياً رياضياً للسيدات لتكشف لهن أهمية الرياضة وفوائدها على الصحة الجسدية والنفسية.

- من السياسة والاقتصاد إلى الرياضة... ما الدافع لذلك؟
منذ نعومة أحلامي وأنا شغوفة بالرياضة وعاشقة لها. كنت أركض مع فريق المدرسة وأمارس لعبة كرة السلة. وعندما التحقت بالجامعة البريطانية في القاهرة، زاد شغفي بالرياضة فتوجهت الى رياضة الدفاع عن النفس، وحمل الأثقال، وأصبحت أمارس الرياضة بشكل يومي بعد عودتي من الجامعة، وأطوّر هواياتي بالتدريب المتواصل، والخضوع لدورات متتابعة، لأكون مدرّبة رياضية، وبدعم كبير من الأهل حققت ما أصبو إليه.

- هناك فرق شاسع بين السياسة والرياضة، أليس كذلك؟
أبداً، تجمع الاثنتين الروح الرياضية، وتحمّل الصعوبات التي تعترض طريق النجاح، والضغوط اليومية التي تعانيها السياسة والاقتصاد، وكذلك الرياضة. وكلما كانت الروح الرياضية عالية في العمل السياسي، تحقق النجاح الكبير. أيضاً في الرياضة واجهت إخفاقات يجب الإقرار بها، والاعتراف بالكبوة أو الهزيمة، في بعض الأيام، لكن أعقبها النجاح والأداء الرائع، لأنني دائماً أضع نصب عيني غداً أفضل وأجمل بالأمل.

- ماذا يسجل لك الأمل؟
مع مرور الأيام أصبح أدائي الرياضي أفضل، فبعد ثلاثة أشهر أعدت حساباتي لأعرف كيف بدأت، وإلى أين وصلت، وماذا حققت، فسجّلت: حملت وزناً أثقل، وقمت بحركة أفضل، وتقنية رياضية أقوى مع التدريبات المستمرة، مما زاد في حماستي لممارسة الرياضة، وعزّز الأمل لديّ بغد أفضل. 

- ما الذي تغير في المجتمع السعودي حتى أصبحت المرأة أكثر اهتماماً بالرياضة؟
زيادة الوعي عند المرأة السعودية بخطورة بعض الأمراض التي غزت المجتمع السعودي مثل السكري، والذي سجّل أعلى نسبة في المملكة، إضافة إلى الكوليسترول والضغط، نتيجة عدم الحركة، فأصبحت المرأة تولي الرياضة اهتماماً كبيراً وتنتبه لصحتها النفسية والجسدية، حتى أن بعض المطاعم اليوم تتبع نهجاً جديداً في إعداد الطعام الصحي، لمجتمع خالٍ من الأمراض. 

- تغيرت ثقافة المجتمع مع الألفية الثالثة، حتى أخذت الرياضة حيزاً كبيراً عند بعض النساء، فما نسبتهن قياساً بتعداد السكان؟
لا أملك نسبة حقيقية، لكن اتخذنا خطوات صغيرة، ونحاول قدر الإمكان الوصول إلى أكبر عدد ممكن من السيدات، وأؤكد لك أن في السنوات الخمس الأخيرة ارتفع العدد بشكل ملحوظ، مما يدعو للتفاؤل والأمل مع زيادة الوعي الثقافي لتزيد النسبة تدريجاً بين السيدات.

- ما الهدف من ممارسة الرياضة؟
تساعد الرياضة في الحفاظ على الرشاقة البدنية والصحة النفسية والفكرية للمرأة، كما تساهم في بناء العضلات وحرق الدهون فيتحسن شكل الجسم تدريجاً، مع مراعاة الطعام الصحي الذي يلعب دوراً مهماً في تحقيق الأهداف الرياضية.

- تقول بعض النساء: «ما دمت أمارس الرياضة فأنا على الطريق الصحيح».
لتحقيق الأهداف الرياضية بشكلها الصحيح، يجب الاعتماد بما نسبته 70% على الطعام الصحي، و30% على الرياضة، فمهما حاولت المرأة تأدية تمارين كثيرة وصعبة، وفي الوقت نفسه لا تتناول طعاماً صحياً، فلن تحقق الهدف المنشود، خاصة إذا كانت وجبة الطعام غنية بالدهون والسكريات.

- الى أي مدى تؤثر الرياضة في نفسية المرأة؟
الرياضة تساعد على إفراز هورمون السعادة «الأندروفين» فتصبح المرأة سعيدة للغاية، وبالتالي تشعر بالحيوية حين تلاحظ نقصاً في وزنها وتغيراً في شكلها، فتتحسن حالتها النفسية.

- هل تنشّط الرياضة الدماغ؟
بالطبع، لأن أي حركة رياضية تتطلب تركيزاً كبيراً، والقيام بأي حركة غير مدروسة أو متوازنة يؤذي الجسم. فالرياضة تقوّي الذهن، وتساعد الجسم على القيام بأي حركة طالما صدرت أوامر من الدماغ بتنفيذها من دون تعب أو خوف.

- الى كم من الوقت تحتاجين لممارسة الرياضة في اليوم؟
لا أحتاج الى أكثر من ساعة، لكن عدد الساعات لا يهم، فالأهم هو تكثيف الحركات الرياضية، وألا تتعدى الجلسة الرياضية الواحدة نصف الساعة، فيتخلص الجسم من نسبة كبيرة من الدهون.

- إلى أي حد يؤثر إفراز الأندروفين إيجاباً في نفسية المرأة؟
الرياضة تحارب الاكتئاب، وتساهم في الشفاء من أي مرض نفسي، لكون هورمون السعادة «الأندروفين» يعدّل مزاج المرأة ويحسّنه.

- وهل تعالج الرياضة مرضى الاكتئاب؟
ولمَ لا؟ لكن مريض الاكتئاب مضطر لتناول الدواء، أما الأسوأ فحين تعتقد بعض النساء أنهن مصابات بالاكتئاب، لذا فالرياضة خير علاج لهن، وهذا واقع عشته معهن، فبعدما مارسن الرياضة أصبح مزاجهن جيداً.

- هل صحيح أن الرياضة تقضي على الأرق فتتخلص المرأة من تناول بعض الأقراص المهدّئة قبل النوم؟
حين تمارس المرأة الرياضة، تخلّص جسمها من السموم بالتعرّق، وتستهلك طاقة كبيرة من الجسم تساعده على تنظيم ساعات النوم، والرياضة تجعل المرأة سعيدة، وتساعدها على التنفس الجيد والصحي.

- كانت الرياضة من المحرّمات، لكن كيف امتلكتِ تلك الجرأة وصنعتِ لنفسكِ هالة؟
ما من مستحيل في حياتي يوقف طموحي. أنا موظفة أعمل تسع ساعات في اليوم، وبعدها أُقيم ثلاثة فصول تدريب، أنتهي منها في الثامنة والنصف مساءً. هي خطوات بسيطة لكنها جريئة وعلينا أن نبدأ...

- ماذا عن الأمل في حياتكِ؟
أملي كبير في الحياة، وأتقدم يوماً بعد يوم. في السابق لم أكن أملك الثقة أو الجرأة للتحدّث عن تجربتي الرياضية، أما اليوم فقد قطعت مشواراً لا بأس به.

- ومن يقف وراء تلك الجرأة والثقة؟
أكبر داعم لي هم أهلي، رغم أنني بدأت بنادٍ صغير، لكن المهم أنني بدأت، وكسرت حاجز الخوف في تلك الخطوة المهمة.

- هل واجهتك تحديات؟
كل يوم أواجه تحدياً جديداً، بدءاً من حياتي العملية، مروراً بحياتي الرياضية وانتهاءً بالمنزل ومسؤولياته... وأهم التحديات أن أكون قدوة للنساء في كل شيء، فألتزم بمبادئي الروحية الجميلة، وأُجيد التعامل مع نوعيات مختلفة من النساء، وأسعى الى تحقيق أهدافي من خلال تدريباتي اليومية. لكن التحدي الأكبر يكون حين العودة إلى البيت في التاسعة مساءً فأبدأ تحضير الطعام الصحي بنفسي، ولو أن كل موظفة حضّرت طعامها بنفسها لبقيت تنعم بصحة جيدة، ولما اقتحم مرض السكري بيتها. 

- ما تأثير الرياضة في عملك؟
أنا موظفة في البنك الأهلي التجاري، وأمارس عملاً صعباً يعجُّ بالضغوط اليومية إذ أتعامل مع مختلف شرائح المجتمع، فالرياضة تجعلني أفكر بطريقة أفضل، وتعزّز معنوياتي، لأن العقل السليم في الجسم السليم.

- وأي الأوقات هو الأنسب لممارسة الرياضة؟
تستطيع المرأة أن تمارس الرياضة في أي وقت، لكن حين تقرر، يجب أن تلتزم بموعد محدد وثابت. الرياضة جميلة صباحاً، لكن أمام المرأة العاملة التزامات كبيرة، وإن لم تكن  الرياضة من الأولويات فمن الصعب ممارستها.

- هل هناك وقت محدد لتناول الطعام قبل ممارسة الرياضة؟
يجب تناول الطعام قبل ممارسة الرياضة بساعة ونصف الساعة لتسهيل عميلة الهضم فلا تتعب المرأة.

- ما أخبارك حملتك لعام 2017؟
منذ بداية عام 2017 أطلقت حملة للمرأة تحت عنوان «لتصبحي بصحة أفضل» من أجل الحفاظ على العادات الصحية، بأهداف جميلة لمدة 12 شهراً، وكان شهر كانون الثاني/يناير يحمل عنوان «أريد أن أخسر وزناً»...  فيجب تحديد الوقت، وتغيير عادات الطعام، لذا بدأت بموضوع السكر بأن يُخفف إلى 50% أو كلياً فتصبح الصحة أفضل بكثير، وهذا ما أثبتته المتدربات والمتابعات حين تخلّصنَ من الأوزان الزائدة، وأصبحن يشعرن بالنشاط والحيوية.
أما شباط/فبراير فكان شهر تحضير الوجبات في البيت لتعرف كل سيدة ماذا تضيف من كميات الملح والزيوت والدهون التي تختلف عن المطاعم. وللعلم، للزيوت النباتية أضرار كثيرة على الصحة لكونها معدّلة جينياً وأغلبها مهدرج، ورغم أن زيت الزيتون يحمل الكوليسترول الجيد HDL ، لكن يجب التنبّه من سعراته الحرارية.
في شهر آذار/مارس الذي يحتضن يوم المرأة العالمي وعيد الأم، اقترحتُ أن تُجري كل سيدة تحاليل وفحوصاً عامة حتى تعرف مدى نقص الفيتامين D في الجسم، لأن الخمول وزيادة الوزن هما السبب الرئيس في نقص الفيتامين D.
وأخيراً، أدعو النساء الى الاطلاع على حساباتي في مواقع التواصل الاجتماعي mfit_maikholief، فالشهور الثلاثة الماضية كانت تحمل تفاعلاً إيجابياً، وبرامج التوعية تهمني لأنها تفيد كل سيدة في المجتمع، فحين أشعر بأنني قدمت شيئاً مفيداً لنساء مجتمعي، يتعزز لديّ الأمل بأن الآتي أفضل. وأنصح المرأة بتناول الطعام الصحي والمواظبة على ممارسة الرياضة بانتظام. -