المراهق ومهنة المستقبل... لمن يعود القرار؟

المراهق,مهنة المستقبل,المراهقة,التغيرات الفيزيولوجية السريعة,التغيرات الجذرية,المستقبل,قدرات,التوجيه المهني,المدرسة,شلة الأصدقاء,الدراسة الأكاديمية,الأهل,المراهقين

ديانا حدّارة 14 مايو 2017

من المعروف أن المراهقة تشهد سلسلة من التغيرات الفيزيولوجية السريعة. وهي الفترة الأكثر صعوبة بالنسبة إلى المراهق، لأن عليه خلالها التركيز على قدراته الفكرية، ما ينشئ تناقضًا بين التغيرات الجذرية في جسده وعلاقاته مع الآخرين وبحثه عن هويته المقبلة، وبين ضرورة بذل جهد كبير للحفاظ على مستوى معين من العلم كي يتمكن في ما بعد من التوجّه إلى المهنة التي يريدها في المستقبل.
والسؤال الذي يطرحه الأهل هو: ماذا يجب عليهم القيام ليساعدوا ابنهم المراهق الذي من حيث المبدأ لا يعرف ماذا يريد والذي يُخيّل له أن لديه قدرات مهمة جدًا، وأنها هي التي تحدّد مصير مستقبله. ولكنه بعد فترة يغيّر رأيه.

التوجيه المهني يبدأ من المدرسة
يرى اختصاصيو علم نفس المراهق والتربويون أنه  لا يجدر بالأهل أن يقلقوا حيال الارتباك والتشويش اللذين يمر بهما المراهق.
فمن خصائص المراهقة ومميزاتها عدم الوضوح، ومن الطبيعي جدًا أن نلاحظ هذه التقلبات في مزاج المراهق واختلاف رغباته وميوله.
فتوجيه المراهق نحو مهنة المستقبل لا يمكن أن يتم بمعزل عن المدرسة، خصوصًا أن التلميذ يمضي معظم وقته فيها. فمع التطور الحاصل في علم النفس تُجري المدرسة اختبارات علمية وُضعت خصيصًا لقياس القدرات والميول المهنية عند التلامذة. ودور المدرسة إقناع الأهل بالقدرات التي يمكن ابنهم بلورتها وفقًا للاختبارات التي أجرتها.
أما دور الأهل فمعنوي، فهم الذين يعطون المراهق العطف والمحبة، لكنهم غير مهيئين علميًا ونفسيًا لتحديد الخيار أو المهنة التي تناسبه.
صحيح أن بعض الأهل يحلمون بأن يكون ابنهم طبيبًا أو مهندسًا أو أن يمارس مهنة في رأيهم تؤمن له مستقبلاً باهرًا، ولكن إذا بيّنت الاختبارات أن ليس لديه القدرات ولا التوجهات ولا الميول اللازمة، وأصر الأهل على موقفهم فإنهم سوف يسببون لابنهم عذابًا نفسيًا يؤدي إلى تراجع أدائه المدرسي.
وقد يحدث أحيانًا  رغم رفض المراهق الانصياع لرغبة أهله أنه يعود ويعمل على تحقيقها. في هذه الحالة قد تكون قدرات المراهق وميوله قابلة لأن تحقق رغبة الأهل. وحالة الرفض عنده في البداية يكون سببها رفضه الأمور التي فرضها أهله.
وهذا طبيعي في هذه المرحلة لأن المراهق يبحث عن هويته الخاصة، ويريد أن يحقق استقلاليته في الرأي فيكون رفضه محاولة منه لبلورة شخصيته وإثبات أنه سيد نفسه وأنه قادر على اتخاذ القرار المتعلق بمستقبله المهني دون تدخل الآخرين.
وهذا الرفض لن يشّكل أي خطر على مستقبله المهني. ولكن عندما يطلب الأهل من المراهق ما يفوق قدراته ويختلف كليًا عن ميوله، فإن ذلك سوف يؤثر سلبًا على أدائه المدرسي وبالتالي على توجّهه المهني.
أما المراهق الذي لا يعرف ماذا يريد رغم تفوقه فهو في حاجة إلى توجيه. وفي كل الأحوال لا بد للمدرسة من التدخل والعمل على توجيه المراهقين إلى مهنة المستقبل.
وإذا حصل تناقض بين ميول التلميذ وقدراته ورغبات الأهل، على المدرسة وعبر الاختصاصيين العمل على توضيح الصورة للأهل، وتُبيّن لهم أنهم إذا تشبثوا برأيهم فسوف يكونون المسؤولين عن أي فشل قد يتعرض له ابنهم.
لذا يشدد الاختصاصيون على ضرورة ترك جميع المجالات مفتوحة أمام المراهق، وتشجيعه على الاهتمامات والهوايات التي تعنيه لأن الأمور الحقيقية هي التي سوف تفرض نفسها في النهاية.

شلة الأصدقاء       
قد يتأثر المراهق بخيارات شلة أصدقائه، فمن المعروف في هذه السن تبادل المراهقين الأمور التي تشغلهم،  وتشاطرهم الهموم نفسها، وعملهم على الاحتفاظ بصداقاتهم إلى ما بعد المدرسة.
وقد تقرر شلة الأصدقاء الانتساب إلى الدراسة الأكاديمية نفسها، ولكن نادرًا ما ينجح هذا القرار. والدليل على ذلك كما يشير بعض التربويين  في مجال التعليم الجامعي أنهم يلاحظون أن الكثير من الطلاب في السنة الجامعية الأولى يتركون المجال الأكاديمي الذي اختاروه ليلتحقوا بمجالات أخرى تناسب قدراتهم الفكرية وميولهم المهنية.
صحيح أن الأهل يتمنون ألا يمر ابنهم بهذه التجربة ولكن هناك بعض المراهقين لا يمكنهم النجاح إلا بعد تجربة فاشلة. لذا يحذّر التربويون  الأهل من المبالغة في لوم ابنهم وألا يحاولوا الحط من خياراته وألا يستغلوا الأمر وكأنه نقطة ضعف بل عليهم مساعدته على تخطي الفشل، فالهدف هو بناء شخصية المراهق لا هدمها.
فالمراهق يحتاج إلى احتضان الأهل وفهمهم، فالتعنت في مواقفهم يؤدي إلى مشكلات خطرة وسلبية كرفض المدرسة والانحراف والتمرد المطلق على سلطة الأهل.
لذا يتوجب على الأهل أن يتفهموا ميول المراهق ويناقشوه في اهتماماته، فإذا أرادوا أن يوصّلوا الرسالة عليهم القيام بذلك بطريقة لائقة. ومن الضروري جداً التعاون بين المدرسة والأهل ليساعدوا المراهق على تحقيق طموحاته التي تجعله شخصًا ناجحًا في المستقبل.