إستشارات الإنترنت: حلول للمشاكل أم بداية للكوارث؟

إستشارات,الإنترنت,حلول,المشاكل,بداية,الكوارث,البحث,التواصل,بوابة,النفسية,الاجتماعية,الصحية,مهووسة,الفلك,علم,ندى بسيوني,تقنية,عمر وائل,جهاد فوزي,نصائح,مدمرة,آية الجابري,نوران الحسيني,درس,نانسي مجدي,إجازات,نهلة عصام,خطورة,الدكتور ممدوح الجزار,سذاجة,إدراك,الدكتور محمد الشيخ,غوغل,سامية قدري

محمد سالم - (القاهرة) 20 مايو 2017

لم يعد عالم الإنترنت وسيلة للبحث والتواصل فقط، لكنه أصبح بوابة مفتوحة على مصراعيها للحصول على استشارات سريعة في مختلف مجالات حياتنا؛ الاجتماعية والنفسية والصحية، لكن هل تحل هذه الاستشارات مشاكل حياتنا أم تزيدها تعقيداً؟ وماذا عن الذين يتصدون لتقديم تلك الاستشارات، وهل هم مؤهلون بالفعل لذلك؟

«لها» ترصد تجارب واقعية لأشخاص لجأوا الى الاستشارات عبر الإنترنت... فماذا حدث معهم؟


مهووسة بعلم الفلك
تحكي ندى بسيوني، والتي تعمل محاسبة في أحد المصارف، عن تجربتها قائلة: «أنا مهووسة بعلم الفلك وبالاستشارات المتعلقة بتوافق الأبراج مع بعضها البعض، ولطالما سبّبت لي هذه الهواية مشكلات بيني وبين خطيبي، حيث إننا من برجين متضادين تماماً، فأنا من برج الجدي وهو من برج السرطان، وبعدما سألت في أحد المنتديات التي تُعنى بهذا الأمر عن مدى توافقي مع خطيبي من خلال علم الفلك، كانت الإجابة أننا لا نصلح أن نكون زوجين ناجحين، وأن توافقنا من رابع المستحيلات، وبالفعل فكرت في فسخ الخطوبة أكثر من مرة بناءً على هذه المشورة، لكن بعد تدخلات الأهل أقنعوني بأن هذا النوع من التوقعات لا يفلح دائماً في كل الحالات، فكل شخصية طباعها وسماتها، وأن هناك اعتبارات أخرى تحكم العلاقات العاطفية والزوجية بعيداً عن الفلك والأبراج».

استشارة تقنية
أما عمر وائل، 22 سنة، فيؤكد أن هاتفه كان الضحية الأولى للاستشارات التقنية عبر الإنترنت، ويقول: «في إحدى المرات بحثت على المواقع عن كيفية إجراء تعديلات معينة في هاتفي المحمول، وبالفعل وجدت أكثر من إجابة، وكانت كلها متباينة، فكل من هو في عالم الإنترنت يدلي برأيه؛ حتى وإن كان لا يملك الإجابة الصحيحة، فاخترت أكثر الإجابات التي صوّت لها مرتادو الموقع، وكانت النتيجة أن دمرت تلك الطريقة هاتفي، فتعطّل تماماً، وعندما حملته الى الشركة المختصة في تصليح الهواتف، أكدوا لي أنني استخدمت طرقاً خاطئة للوصول إلى هذا التعديل، مما أدى إلى تلف الهاتف بشكل نهائي».

شفتان مشوّهتان
جهاد فوزي، فتاة تدرس في كلية الآداب، لها تجربة مؤلمة ومضحكة في الوقت نفسه، تقول: «بحثت عن طريقة لتكبير الشِفاه، ووجدت أكثر من وصفة، لكن أكثر ما أثنى عليه المتصفحون لهذا الموقع المتخصص هو استخدام زجاجة بفوهة واسعة، وبالفعل أتيت بزجاجة ذات فوهة واسعة وقمت بشفط الهواء منها لبضع ثوانٍ حتى أصبحت شفتاي محصورتين داخل الزجاجة، ونزعت الزجاجة بعد فترة، وبالفعل لاحظت ازدياداً في حجم شفتيّ، فراق لي الأمر كثيراً، وكررت التجربة مراراً، لكنني فوجئت بورم كبير في أعلى الشفة العليا وأسفل الشفة السفلى، وبعد فترة قصيرة مال لون هذا الورم إلى الزُرقة ومن ثم إلى السواد، وصار يشبه الشارب والذقن، بسبب تجمع الدم في هذه المنطقة، وأصبح وجهي مضحكاً، فذهبت فوراً إلى صديقة صيدلانية وعرضت عليها حالتي فأوضحت لي أنها لا تملك حلاً فورياً لمشكلتي، التي منعتني من الذهاب الى الجامعة لأكثر من يوم، فحمدتُ الله على أنها لم تكن أيام امتحانات وإلا لكنت رسبت، لأنني أخجل من الدخول إلى الجامعة بهذا الشكل، ولن أستطيع أن أشرح لصديقاتي وزملائي ما حصل معي بالفعل؛ فكان الانقطاع عن الدراسة لأيام هو الحل الجذري، حتى استعادت شفتاي شكلهما الطبيعي».

نصائح مدمرة
تؤكد آية الجابري، 26 سنة، معلمة، أن زياراتها للإنترنت دائمة، وتقول: «أبحث دائماً عن حلول لمشكلاتي بدلاً من الفضفضة مع الصديقات اللواتي من الممكن أن يتناقلن المشكلة في ما بينهن، فأفضّل البحث عن تجارب مشابهة على الإنترنت، ومن أشهر المواقف التي تعرضت لها في هذا الخصوص، أنني كتبت في منتدى خاص بالمرأة، وطلبت من العضوات أن يقدمن لي نصائح في كيفية التعامل مع زوجي في بداية الحياة الزوجية، فوجدت إحداهن تحضّني على عدم إطاعة زوجي، وأنه لا بد من أن يكون لي رأيي الخاص، وأخرى تؤكد ضرورة أهمالي له حتى يشعر بقيمتي في المنزل، وهناك من طلبت مني ألا أُشعره بأنني أغار عليه حتى أتمكن من السيطرة عليه... فكل منهن أصبحت فجأة تلعب دور المصلح الاجتماعي، وللأسف كل هذه النصائح لم تجدِ نفعاً عندما بدأت في تنفيذها، لا بل كان لها تأثير سلبي في علاقتنا، وأظن أن عكس ما قالوه هو الصحيح، فشخصية زوجي قوية، ويحب أن يكون هو القائد في المنزل، وعليه فأقول إن التعامل مع المشكلات من واقع تجارب الآخرين لا يفلح إلا في حدود ضيقة جداً، حيث إن لكل إنسان طبعه وسماته الشخصية.

كل النصائح فعّالة
نوران الحسيني، تدرس الإعلام، تقول إنها خاضت مراراً تجربة البحث على الإنترنت في كثير من المجالات، وكانت كل هذه التجارب ناجحة، وتضيف: «أدخل الى المواقع المخصصة للمشكلات الاجتماعية، أو للفضفضة مع فتيات أخريات في منتديات نسائية، وكانت تجارب جيدة، حيث إنني أُحسن اختيار الفتيات اللواتي أتحدث معهن. وبالنسبة الى الاستشارات النفسية، أرى أن أنسب مكان للحصول على استشارة نفسية هو الإنترنت، لأن الكثير من الناس يُحرَجون عند زيارة الطبيب النفسي، ويخافون من أن يوصموا بالجنون، لفهم الناس الخاطئ لطبيعة المشكلة، كما بحثت كثيراً عن أقنعة للبشرة والشعر، وكانت كلها فعالة، حتى الوصفات التي كانت تتألف في معظمها من الأعشاب وليست متداولة بين الناس، كانت تنجح، ولم يصادف أن فشلتُ في هذه التجارب إلا نادراً».

درس مهم
تقول نانسي مجدي، 22 سنة، طالبة: «بحثت ذات مرة عن حل لمشكلة صحية كنت أعاني منها طوال عام كامل، وهي السعال الشديد قبل النوم وفي الصباح، ووجدت أن أكثر النصائح على الإنترنت تقضي إما بشرب عصير الليمون أو منقوع الأعشاب أو العسل الأبيض مع المردكوش، وبالفعل طبّقت هذه النصائح بحذافيرها، لكنها للأسف لم تجدِ نفعاً، بل على العكس كانت تزيد من معاناتي، وأيقنت بعدها أن مشكلتي لن تُحل إلا بالذهاب الى طبيب متخصص في الأمراض الصدرية، فزرت طبيباً وصف لي بعض الأدوية، والتي بمجرد تناولها بدأت التعافي من السعال المزعج، وكانت أغلب الإجابات إما من حسابات يقول أصحابها إنهم اختصاصيون في الطب البديل، أو من سيدات وفتيات مررن بنفس التجارب من قبل، وخرجت من تجربتي هذه بدرس مهم، وهو عدم اللجوء إلى الإنترنت إلا في الحالات الخفيفة والبعيدة تماماً عن المشكلات الصحية.

إجازات مثيرة للسخرية
نهلة عصام، طالبة في كلية الحقوق، تقول: «بحثت كثيراً على الإنترنت عن وصفات تزيد البشرة والأظافر جمالاً، ومعظم الوصفات كانت تفشل، لكن أضرارها بسيطة ولا ترقى إلى أن يقال عنها كارثة، خاصة أن كل ما أبحث عنه خاص بالتجميل، وأظن أن هناك مجالات أخرى قد تكون أشد خطورة إذا تلقينا إجابات خاطئة، كتعاطي الأدوية لأمراض معينة... ومن أكثر المواقف المضحكة التي صادفتني، أنني عندما كنت أتصفح بعض المواقع النسائية، وجدت سيدة تسأل عن فاعلية منتج معين وهو خاص بالعناية بالأظافر، وكانت الإجابات على منشورها مثيرة للسخرية، حيث وجدت من تقول لها إن هذا المنتج يؤدي إلى تقصف الشعر! وأخرى تؤكد لها أنه جيد للبشرة ويعزز نضارتها! فكل يُدلي بدلوه؛ حتى وإن كان لا يعلم شيئاً عن السؤال المطروح، وللأسف هناك من يثق بهذه الإجابات، فيطبّقها، ولا يكتشف الكارثة إلا بعد معاناته من آثارها».

خطورة
يقول الدكتور ممدوح الجزار، استشاري في الجراحة العامة: «هناك خطورة كبيرة في عملية الحصول على تشخيص للأمراض من طريق الإنترنت، لا سيما الأمراض الخطرة التي تتطلب الذهاب الى الطبيب لتشخيص المرض بصورة صحيحة، فهناك الكثير من الأمراض التي تتشابه أعراضها، لكنها تختلف عند تشخيصها؛ تبعاً للتاريخ المرضي للعائلة أو الكشف على المريض، على عكس ما يحدث على الإنترنت، بحيث يأخذ المرضى بنصائح الأطباء لمرضى آخرين يعانون أعراضاً متقاربة، وفي بعض الأحيان يتم تحصيل رسوم في عدد من المواقع نظير هذه الاستشارات الخاطئة، وهي تجارة لجمع الأموال في المقام الأول، فالطبيب لا بد من أن يكشف على المريض، إذ إن هناك علامات لا يمكن أن تظهر على الإنترنت ولا حتى من خلال الهاتف، لذا لا بد من الفحص الشامل للمريض والاطلاع على التحاليل الطبية والأشعة في كثير من الحالات».
ويضيف: «لا مانع في الحصول على معلومات عن مرض ما وطرق الوقاية منه وسبل الحد من خطورة أمراض معينة، فهذه الاستشارات حميدة وتخفف من الإصابة بأمراض كثيرة، كما أن الحصول على معلومة من الإنترنت يكون أسهل وأسرع وأرخص من زيارة الطبيب، لكن بالقدر الذي لا يؤدي إلى الاستهانة بأعراض كبيرة، فقد تنجم عن هذه الاستهانة مصائب قد يكون المريض غافلاً عنها».

سذاجة وعدم إدراك
وعن التحليل النفسي لإقبال الكثيرين على الاستشارات المختلفة عبر الإنترنت، يؤكد الدكتور محمد الشيخ، رئيس مركز الإرشاد النفسي في جامعة الفيوم، أن النفس البشرية تطمح دائماً إلى الاطلاع على كل ما هو جديد، وتفضّل حل مشكلاتها بأبسط الوسائل، عملاً بمبدأ «لماذا أتعب إذا كنت أستطيع تحقيق ما أريد وأنا مستريح»، وهذا مبدأ ليس صحيحاً في كل الأحوال، خاصة في ظل مجتمع تسيطر عليه تكنولوجيا الاتصال المفتوحة للجميع، ويدخل عليها كل من هبّ ودبّ ليقول كل ما يريد بلا رادع، فتعم الفوضى المعلوماتية في مجتمع تحكمه عقلية «أبو العُريف»، الذي يعرف كل شيء عن كل شيء، ولا يعرف كلمة «لا أدري».
ويشير الدكتور الشيخ إلى أن عالم الاتصال المفتوح، الذي لا يعاقب من يخطئ أو يسيء تقديم المعلومة؛ يجعل عالمه المعلوماتي أقرب إلى الفوضى؛ بمعنى: قل أي شيء... وهناك كثير من السذّج والبسطاء يصدقونك وأنت في مأمن من العقاب إذا أسأت تقديم المعلومة أو تضرر منها غيرك، كما يتخذ الكثير من الأشخاص من هذه الطرق وسيلة لكسب الأموال؛ من طريق تسمية البعض نفسه بالاختصاصي النفسي، أو اختصاصي التجميل، ويبدأ مستخدمو الإنترنت في التهافت عليه لحل مشكلاتهم في مقابل مادي، وإن كان بسيطاً وأرخص من زيارة العيادات، لكن يبقى أنه أخذ أموالاً مقابل علم ومعرفة زائفين.

«دكتور غوغل»
أما عن التحليل الاجتماعي لتلك الظاهرة المنتشرة بكثرة في دنيا المعلومات الإلكترونية، فتشير الدكتورة سامية قدري، أستاذة علم الاجتماع، إلى أن مجتمعاتنا العربية تعاني وللأسف الشديد من الأمية الشاملة، خاصة الأمية الثقافية ونقصان الوعي، ولهذا يتخذ الكثيرون من محرك «الدكتور غوغل» سلاحاً سحرياً لحل مشكلاتهم الطبية والنفسية والاجتماعية، والتعرف إلى أشخاص لا يعرفونهم واستشارتهم في أمور شخصية، من دون أن يدركوا أن الاستسهال في كل شيء يولد كوارث اجتماعية ونفسية وطبية.
وتحذّر الدكتورة سامية من تناقل الخبرات الاجتماعية من إنسان الى آخر، من دون مراعاة ظروفه الصحية والاجتماعية والثقافية والنفسية، فليس في هذا العالم شخصان متشابهان في كل شيء، بل لكل إنسان خصوصيته الجسدية والنفسية التي يجب احترامها، بدلاً من الوقوع في مشكلات لا تُعد ولا تُحصى، وإذا نجحت مرة استشارة «غوغل» فلا يعني ذلك «أن تسلم الجرة كل مرة» كما يقولون.
وتُنهي الدكتورة سامية كلامها، مؤكدةً أن من الطبيعي أن «الإنسان عدو ما يجهل»، أما في عالم «غوغل» فإننا «أصدقاء ما نجهل»، بدليل مسارعة الغالبية العظمى من أبناء شعوبنا على مختلف مستوياتهم وأعمارهم، إلى أخذ الاستشارة في كل المجالات على أنها نصائح علمية وصحيحة ومسلّم بها، ورغم أن الكثير منها هو عبارة عن انطباعات شخصية أو اجتهادات خاطئة يتم تعميمها بحسن نية أو سوء نية، حسب الإنسان الذي يقدم المعلومة، تظل المسؤولية في النهاية مسؤولية من يأخذ الاستشارة من دون وعي وإدراك.