تامر حبيب: مجتمعاتنا تدفن رؤوسها بالرمال

كارولين بزي 10 سبتمبر 2017

يغوص في عمق المجتمع ليلتقط شخصياته باحتراف. طرق أبواب الأربعينات والخمسينات وصولاً إلى السبعينات، ليأخذ الدراما الفاقدة للرومانسية إلى عالم يشبهه ويشبه رومانسيته. يعترف السيناريست المصري تامر حبيب بأنه مزج شخصيات «لا تطفئ الشمس» بشخصيات درسها بدقة من أعمال إحسان عبدالقدوس، ويؤكد أنه ليس تشويهاً للرواية بل هو حق أقرّ به كلٌ من نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس.
ويشير الى أن اعتبار المرأة مرتبةً ثانيةً في الأعمال الفنية جعلها محور أعماله... المؤلف المصري تامر حبيب في هذا الحوار.


- لماذا اخترت إحسان عبدالقدوس ورواية «لا تطفئ الشمس» تحديداً؟
أول كاتب قرأت له في فترة المراهقة وأحببت كتاباته هو إحسان عبدالقدوس، وتقريباً قرأت كل رواياته. ومنذ أن بدأت عملي كسيناريست كنت أرغب في تقديم عمل من رواياته، حتى مشروع تخرّجي كان سيناريو يتعلق بإحسان عبدالقدوس.
اخترت «لا تطفئ الشمس» لأنها رواية ضخمة وعندما صُورت كفيلم لم تتناول كل الجوانب الموجودة في الرواية وتم إغفال قصص عدة، ذلك أن مدة الفيلم قصيرة قياساً بالأحداث التي تتضمنها الرواية.
والرواية كانت أشد جرأةً من السينما حينذاك، فلمَ لا أصوّرها؟ ولكنني صوّرتها في مرحلة معاصرة، أي في عام 2017، ورأيت أن في إمكاننا من خلال 20 ساعة أو 30 حلقة تقديم المحتوى الكافي للرواية.

- ألم يقلقك أن تقدّم «لا تطفئ الشمس» في مسلسل جديد، بعد أن قُدمت فيلماً ومسلسلاً أيضاً؟
كنت أكتب وأحاول أن أوصل الرواية، لا الفيلم أو المسلسل، وهذا موجود في مختلف دول العالم. ثمة العديد من الروايات التي صورت مراراً وتم تناولها في أكثر من عمل. الأعمال الأدبية صالحة لأن تكون أفلاماً ومسلسلات لأكثر من مرة.

- تعاونت مجدداً مع المخرج محمد شاكر خضير، وهو التعاون الثالث على التوالي، هل بات يدرك سيناريو تامر حبيب أكثر من غيره؟
ليس أكثر من غيره ولكن حصل بيننا تفاهم و»كيميا» في العمل وتواصل، ولا سيما أن وجهات نظرنا متقاربة جداً في تناول القضايا، ولذلك جمعتنا ثلاثة أعمال.
ونرى على الدوام ظاهرة وجود سيناريست ومخرج تجمعهما «كيميا» وتقارب في وجهات النظر، فيتعاونان معاً أكثر من مرة.

- اللافت في الأعمال الثلاثة التي جمعتكما لون الإضاءة، في «طريقي» و»غراند أوتيل» حقبة زمنية معينة، بينما «لا تطفئ الشمس» يدور في مرحلة أخرى، لماذا الإضاءة نفسها؟
«طريقي» كان في أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي، و«غراند أوتيل» في أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات، أي أن هناك فارق نحو عشرين سنة بين العملين.
يتفق محمد شاكر مع المصور ومدير الإضاءة للخروج بهذه الصورة، ولكن الفكرة بين هذه الأعمال مختلفة. ومرحلة «لا تطفئ الشمس» مختلفة عن المرحلتين السابقتين، الإضاءة داخل المنزل ربما كانت خافتة قليلاً ليظهر أن لا روح في هذا البيت، ولكن في ختام العمل نجد أن الإضاءة اختلفت وأنارت المنزل.

- لكن بدت تسريحة ريهام عبدالغفور قديمة كتسريحة فاتن حمامة!
لم يكن هناك تسريحة معينة لشعر ريهام عبدالغفور وهي غيّرت من تسريحتها وكانت قد خبأت أنوثتها حتى الحلقات الأخيرة من العمل.

- «غراند أوتيل» هو العمل الوحيد الذي لم يتعرض السنة الماضية للانتقاد، ماذا عن «لا تطفئ الشمس»؟
استناداً إلى نسبة المشاهدة ومن تابع مسلسل «لا تطفئ الشمس» يجد أنه حقق نجاحاً كبيراً، إلا أن البعض اعتبره صادماً نوعاً ما، وهذه طبيعة التعامل مع إحسان عبدالقدوس فهو بقي طوال حياته كاتباً صادماً، لأنه يتكلم بجرأة كبيرة ويغوص في أدق التفاصيل، إلا أن مجتمعاتنا ترغب دائماً بأن تدفن رؤوسها في الرمال وتدّعي أن هذه ليست قيمنا ولا أخلاقنا ولا عاداتنا، وهنا كانت نقطة الخلاف، وهذا النوع من الخلافات محبب إلى قلبي، فالنقاش الذي حصل حول العمل أعتبره نجاحاً.

- ذكرت أنك اخترت عدداً من شخصيات روايات إحسان عبدالقدوس ووضعتهم في شخصية أمينة خليل في «لا تطفئ الشمس»، إلى أي مدى نجد صعوبة في اختيار عدد من الشخصيات لتتلاءم مع شخصية واحدة؟
مزج الشخصيات لا يقتصر على شخصية أمينة خليل، بل طاول أكثر من شخصية، مثلاً ريهام عبدالغفور تجمع في شخصيتها بعضاً من رواية «لا تطفئ الشمس» وجزء من «لا أنام»، شخصية أمينة خليل فيها مزج بين «لا تطفئ الشمس» وجزء من «دمي ودموعي وابتسامتي»، شيرين رضا في شخصيتها جزء من «لا تطفئ الشمس» والجزء الآخر من «النظارة السوداء».
هذا هدفي منذ البداية، كأنني أجريت دراسة عامة لشخصيات إحسان عبدالقدوس ووضعتها في عائلة الأتاسي في «لا تطفئ الشمس»، مثلاً: شخصية مثل شخصية أمينة في «لا تطفئ الشمس» لن تدعك تسيري خلف الشخصية لمدة ثلاثين حلقة، لذلك جاء المزج لتكون بالكفاءة نفسها مقارنةً بباقي الشخصيات لتستمر في ثلاثين حلقة بشخصية تتداخل فيها الصراعات، وهو نفسه ما حصل مع ريهام فالشخصية في «لا تطفئ الشمس» لم تكن تصيبها حالات الاكتئاب والمشكلة التي افتعلتها بين خالها وزوجته، هذه التفاصيل موجودة عند بطلة «لا أنام».
وبالنسبة إليّ لا أجد صعوبة لأنني درست جيداً إحسان عبدالقدوس، وعادةً أي كاتب في الدنيا مهما تنوعت شخصيات رواياته، تكون هناك عوامل مشتركة في كل شخصياته.

- هل مزج الشخصيات أو أي تغيير في دور الشخصية، يعتبر تشويهاً للرواية أم أنه يجوز للسيناريست أن يقدم الشخصية بالشكل الذي يراه ملائماً للعمل؟
هناك مقولة لنجيب محفوظ، فهو كتب روايات وسيناريوهات للسينما، نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس يقولان: «الرواية للمؤلف، بينما الفيلم هو للسيناريست»، ولديه مطلق الحرية في تنفيذ العمل بما أنه لن يخلّ بالعمل الأدبي أو يوصل معنى مغايراً للمعنى الحقيقي للرواية.

- «غراند أوتيل» عرّف العالم العربي على «أسوان»، لماذا اخترتم أسوان وهل كان ذلك مقصوداً؟
لم يكن ذلك مقصوداً أبداً، اخترنا أسوان لأن طبيعتها ملائمة لأحداث العمل، اذ من المفترض أن يُصور في مدينة صغيرة وبعيدة عن العاصمة وأغلب سكانها يعرفون بعضهم البعض، وفيها طابع شاعري.
هذه المقومات اجتمعت في «أسوان»، لذلك اخترت هذه المدينة ولم يكن المقصود أي ترويج سياحي لها، وعدم تعمّد تصوير هذه المدينة سياحياً جعلها مرتعاً للسياح.

- اللافت في أعمالك أن لكل مشاهد بطله في العمل ولا تقتصر البطولة على شخصين فقط!
بالفعل، حتى على مستوى الأفلام السينمائية التي قدمتها لم يكن هناك بطلان للعمل إلا في فيلم «تيمور وشفيقة»، مثلاً في «سهر الليالي» عدد الأبطال كان ثمانية، في «حب البنات» بلغ عدد الأبطال نحو سبعة أشخاص وكذلك «عن العشق والهوى»، أحب البطولات الجماعية، ودائماً المشاهد يميل أكثر إلى الشخصية التي تشبه شخصيته.

- تتعاون في أغلب أعمالك مع وجوه جديدة ومحترفة.
الفضل في هذا يعود للمخرج محمد شاكر، لأنه يحاول أن يظهر جوانب في شخصية الممثل لا يعرفها عن نفسه، وهناك ندرة في هذا النوع من المخرجين في العالم العربي.

- كيف أقنعت شيرين بالعودة إلى التمثيل؟
هذا الأمر جاء بالصدفة البحتة، منتج العمل محمد مشيش اقترح اسم شيرين، الشخصية هي التي أعادت شيرين إلى التمثيل لأنها تلعب دور فتاة تحلم بالغناء، والفن جزء أساسي من الشخصية.

- لماذا غبت كل هذه الفترة الطويلة عن السينما؟
الأعمال الدرامية تأخذ مني وقتاً طويلاً في المتابعة، حتى أنني أتواجد في موقع التصوير وأي فرصة تبويب للعمل أشارك فيها، وأتوقف عن العمل فور انتهاء التصوير.

- «حلاوة الدنيا» و»لا تطفئ الشمس» تجمعهما قصة مشتركة، أرملة ولديها أولاد وتلتقي بحبيبها القديم قبل الزواج!
هذه صدفة بحتة، ومصادرهما مختلفة، «لا تطفئ الشمس» يتناول قصة أرملة وزوجها متوفى وحبها القديم يحيا من جديد، و«حلاوة الدنيا» مقتبس عن نسخة مكسيكية، وصُور من العمل أكثر من نسخة أجنبية، وهو كذلك يتناول قصة أرملة يحيا حبها من جديد، وهذه الصدفة لا يتحمل مسؤوليتها أيٌ من المؤلفين.

- ذكرت في إحدى المقابلات أننا نعيش ندرة في الرومانسية، لماذا أعمالك تفيض بالرومانسية؟
أنا بطبعي شخص رومانسي، ولأنني أفتقد الرومانسية حتى في الأعمال التي أشاهدها، طبيعة تكويني تأخذني إلى المشاعر بما أن الرومانسية باتت بخيلة وشحيحة، ولذلك أساعد لأن تكون موجودة من خلال تواجدها في أعمالي.

- حدّثنا عن «أهل العيب».
«أهل العيب» هو فيلم من إخراج هادي الباجوري، وتم تأجيل تصويره أكثر من مرة بسبب انشغال أحد أفراد طاقم العمل، سواء المخرج أو الممثلون أو أنا في أعمال أخرى ولا سيما الرمضانية، أعمال رمضان لها الأولوية لأنها مرتبطة بموعد محدد. من المفترض في الفترة المقبلة أن نبدأ التصوير. هو من تأليفي ويتناول علاقة شائكة بين أم وابنتها.

- ممن يتألف طاقم العمل؟
يسرا ومنة شلبي وآسر ياسين ومحمد ممدوح ودينا الشربيني.

- ماذا تحضر لرمضان المقبل؟
لست متأكداً من أنني سأخوض السباق الرمضاني العام المقبل، لأنني اشتقت للسينما وانشغالي بالأعمال الدرامية جعلني أبتعد عنها.
أعتقد أن هناك مسؤولية ملقاة على عاتقي في تقديم الجديد والجدي وأرفض فكرة التواجد للتواجد فقط بل هدفي أن أوصل رسالة معينة للناس وبدرجة عالية من المتعة.

- هل الروايات التي تقدم كأعمال هي أكثر عمقاً من السيناريوهات العادية؟
الروايات هي دائماً أكثر عمقاً، لأنه في العمل الأدبي يستطرد الكاتب في التفاصيل ولا يهمه عدد الصفحات التي يكتبها على خلاف العمل الدرامي الذي يقدم في ثلاثين حلقة، أو فيلم يستغرق ساعة ونصف الساعة. كما أن العمل الأدبي يطلق العنان للخيال بفضل الصور التي يصفها الكاتب، وخيال القارئ أجمل دائماً من التطبيق.

- هل تذكر أول رواية قرأتها لإحسان عبدالقدوس؟
«أنف وثلاث عيون».


رسائلي

- المرأة جزء أساسي في أعمالك لا بل في الغالب هي محور العمل، لماذا؟
أنا أتناول المرأة والرجل ولكن العنصر النسائي يبدو واضحاً في أعمالي لأن الزملاء طمسوا دور المرأة منذ أوائل التسعينات، فبات دورها في العمل الدرامي، سواء كان فيلماً أو مسلسلاً يأتي في المرتبة الثانية، علماً أن ثقافتنا بُنيت على أسماء نسائية كبيرة مثل فاتن حمامة، نادية لطفي وسعاد حسني، وبطلات كنّ محور الأعمال التي يقدمنها.
أرى أن المرأة في المجتمعات الشرقية والتي هي مجتمعات ذكورية، كائن يعاني الكبت أو الاحساس بأنها الرقم 2 وهذه الشخصية فيها صراعات أكثر وشخصية أغنى في الدراما.

- كنت المشرف العام على سيناريو «حلاوة الدنيا»، كإنسان، ما رأيك بالقضية التي طرحت؟
العامل الأساسي الذي دفعني لأن أقبل الإشراف العام على العمل هو إيماني الشديد بالقضية وبما ان هذا البلاء بات موجوداً في العالم كله، الشعوب العربية عاطفية جداً وبشكل مبالغ فيه، والتعامل مع كارثة كهذه يوصلنا إلى مرحلة متقدّمة من الاكتئاب، كنا نود أن نقول إنه يجوز أن نرى «حلاوة الدنيا» ولو في ظل الابتلاء بمرض خطير كالسرطان. وفخور جداً بأن اسمي موجود في هذا العمل ولو كضيف لأن دوري كان هامشياً جداً في الاشراف على العمل.
في الحلقة ما قبل الأخيرة، أخذنا حكمة من العمل وهو الحادث الذي وقع خلال وجود «سليم» و«أمينة» في السيارة، وكانت الحادثة ستودي بحياة «سليم» وكادت «أمينة» تنجو على الرغم من أنها المصابة بالمرض.
هذا كان جزءاً من الرسالة وهي أنه ليس شرطاً أن يأتي الموت من مرض بل ممكن أن يأتي فجأةً، وربما هذا سبب توقف الحياة فعلاً عند بعض مرضى السرطان، بدلاً من أن نقاوم المرض ولا نستسلم لحالة مرضية.